د . محمد عبد الله الربيعة
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤) وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١)।هنا في قول الله تعالى :(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) ما زال الحَديث إلى آخر الآيات في محاجّة بني إسرائيل ومجادلتهم، وإبطال ما كانوا عليه من حُجج، من حُججهم :- أنّهم يقولون وصّانا أبونا يعقوب بأن نكون على ما كان عليه، ونحن الآن على ما كان عليه يعقوب - زعماً منهم -
- ثمّ احتّجوا بأنّهم على ملّة إبراهيم .
- ثمّ احتّجوا أنّهم على الصِّبغة الصحيحة .
- واحتّجوا أنّ أنبيائهم وآباءهم سيشفعون لهم يوم القيامة .
فالله تعالى هنا دحض شبههم وحُججهم وأبطلها واحدة واحدة ، لماذا؟لئلا يكون لهم بعد ذلك حجّة , تنقطع حجّتهم ويكون البيان تامّا فلا يكون لأحدٍ شبهة أو دخن أو شيئاً مما يجعله يشكّ في هذا الدين , فقال الله: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) إذ زعمتم أنّ يعقوب شهد لكم , أو وصّاكم بهذا الدين , هل كنتم حضرتم ذلك عند موته , ولماذا ذكر صفة الموت؟لأنه لا شكّ أن الإنسان لا يُوصي في آخر حياته عند موته إلا أهمّ ما يمكن أن يوصي به , وأنّ ما وصّى به ناسخٌ لما قبله , فوصيّته هنا , ما هي وصيّة يعقوب؟ فقال الله : (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) وهذا نأخذ منه أنّ الإنسان يُوصي عند موته أو عند قُرب أجله أو كبر سنّه , أعظم ما ينبغي أن يُوصي به , ومن ذلك وصيّة أبنائه بالتوحيد وطاعة الله والتئام أمرهم وتقاربهم , إلى غير ذلك مع ما يُوصي به من المال (إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي) انظر الله ـ عزوجل ـ هنا يذكر شهادة ووصية يعقوب (إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي) من هم بنو يعقوب؟ الأسباط , أنبياء بني إسرائيل , (قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا) ذكر الله أنّ وصية إبراهيم بعبادة الله وحده لا شريك له ,ووصية يعقوب ، وأنكم يجب أن تُقرّوا بهذه الوصية , وهنا ملحظ أنّه ذكر إسماعيل مع أنّه ليس من آبائهم , قال: (نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ) ليس من أباء يعقوب إسماعيل , لأنّ يعقوب ابن إسحاق , وإسماعيل عمّه , لكن ذكره هنا لأنّ المقصود أنهما يشتركان في التوحيد وهذه الوصية , وأنه داخل فيه من هذا الباب , كما يُقال: أؤلئك أبائي فجئني بمثلهم , أبائي في الدين والشرف والخلق أو العزيمة أو غير ذلك (إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) .قال الله - عز وجل - (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ما غرض هذه الجملة مع أنّ الله أعادها في الآيات التي بعدها؟ هذه الجملة غرضها في الموضع الأول غير الغرض في الموضع الثاني , لاحظوا معي ، غرضها في الموضع الأول هو : أنّ الله يقطع صلتهم بأؤلئك الأنبياء وأنهم لن يشفعوا لهم وأنهم لن ينفعوهم عن الله تعالى (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ) ما هو الذي كسبوه أؤلئك الأباء؟ هو التوحيد , وأنتم كسبتم الكفر , فلا يُمكن أن تلتقون ولا يُمكن أن ينفعونكم عند الله ـ عزوجل ـ (وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ليس بينكم ولا بينهم أيّ أمر أو علاقة يوم القيامة إلا بالعمل فإن كنتم تبعُ لهم فأنتم معهم.
ثم قال الله في بيان حجة لهم أخرى , قال: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ) يزعمون أنهم على ملة إبراهيم ولذلك قال: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ ) فردّ الله عليهم , قال: (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) أي اتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، وقوله (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تعريضاً بهم أنكم أشركتم بعده وخالفتم أمره وملته , قوله: (حنيفاً) بمعنى مائلاً , وكيف كان إبراهيم مائلاً؟! , حنيف في اللغة: مائل يمشي بعرجة وميلان , لكن الحنيف في الدين المائل عن الشرك وجميع ما خالف أمر الله عزوجل , وهذا يؤكدّ على أنّ الإنسان في هذا الطريق لا شكّ أنه سيُواجهه عقبات , وتُواجهه صوارف منها الشيطان والأهواء والدنيا وشياطين الإنس وشياطين الجن , كل هؤلاء في طريقه يصرفونه فلا بدّ من الابتعاد عنهم بتوحيده واستقامتهم لله عزوجل , أما في دينه هو مستقيم , لكن في سلوكه في هذه الحياة لابد أن يميل عن الشرك , ويميل عن البدع ويميل عن الصوارف والشهوات والشبهات فلا بدّ أن ينصرف , أنت ترى منظراً محرماً لابدّ أن تنصرف , ترى بدعة محرّمة , ترى شركاً تتركه , فالمقصود هنا أن إبراهيم منذ كان على التوحيد رأى قومه على الشرك فتركهم وجاهدهم , والمعاصي والأصنام فتركها , فهذا معنى قوله : (حنيفاً) ، وقيل الحنيف: بمعنى المُقابل , أنّ العرب كانوا يقولون بالكلمة بمعناها! المريض يسمونه سليماً , المرأة التي جاءت للصحابة أرادت أن تطلب منهم طبيباً , قالت إنّ سيد هذا الحيّ سليماً , ما قالت مريض إشارةً إلى التفاؤل, فلعل هذا المعنى مقصود في هذه الآية حنيفاً يعني مستقيماً تمام الاستقامة ولا تعارض بين القولين , قال: (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تعريضاً بهؤلاء المشركين.
( قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ ) الله ـ عز وجل ـ هنا يُلقّن أمة الإسلام , الله أكبر , ما أعظم تربية الله لهذه الأمة !! , هنا الله تعالى يُعلّمنا ماذا نقول , قال: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) الله أكبر !!عقيدة صافية تتوافق وتتواصل مع الأنبياء جميعاً , فكأنّ الله يقول لهذه الأمة آمنوا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكم من القرآن وَمَا أُنزِلَ إِلَى الأنبياء كلهم من الكتب , وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى من البينات والمعجزات وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ أيضاً من المعجزات , آمنوا بها فإنكم بذلك تكونون الأمة المسلمة المؤمنة الكاملة (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) مُقرّون له بذلك , ولهذا شُرعت قراءة هذه الآية في سنة الفجر لأنّ فيها توحيد , فما أعظم أن يستشعر الإنسان هذا المعنى أنّه موصول بالأديان كلها توحيداً لله ـ عزوجل ـ في هذا إشارة إلى أنّ هذه الأمة قد ورثت هذا الدين من الأنبياء جميعاُ واحداً بعد الآخر فهي موصولةٌ بهم جميعا , أما أؤلئك اليهود والنصارى والمشركون فقد خالفوا أنبياءهم وخالفوا رسالة الله إليهم وما أنزل الله عليهم.
(فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ) كأنّ هذا فيه دعوة لهم , إن كنتم تريدون أن تهتدون أيّها المشركون,أيها اليهود , أيها النصارى , فاهتدوا (وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) أي خلاف ومخالفة واختلاف (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ) ما أعظم هذه الكلمة !! هذه الكلمة ما قال تتركوهم , هو المعنى فاتركوهم , لكن قال: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ) أي أنّ الله سيتولى شأنهم وسيُعذبهم وسيُرهقهم وسيُضعفهم ويُذلّهم , وفي هذه الآية وعد كريم من الله - عزوجل - بأن الله سيكفي هذه الأمة أؤلئك الكافرين من أهل الكتاب والمشركين (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ) إذا كنتم على الدين صادقين مسلمين مؤمنين حقا (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ) وإنما جاء الخطاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون أمته تعظيماً له ووعدُ له كريم , فإنه وعد للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتبشيراً له أنّ دينك يا محمد مُتصل ممدود إلى قيام الساعة , ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق قائمين لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) (7) ، هذا وعدٌ كريم بأنّ هذا الدين لن يُغلب ولا يمكن - بإذن الله تعالى - أن تستأصل بيضته ، ولا يمكن للكافرين الغلبة على هذا الدين , فما أعظم وعد الله لنا فما بقي إذا وعد الله بذلك أن نكون أهلاً لهذا الدين وأن نحمله وأن ننصره حتى نبلّغ رسالة الله فنشرف بها , قال الله - تعالى - بعد ذلك (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (صِبْغَةَ اللّهِ) هذا ردّ على زعمهم أنا نصطبغ بصبغة أنبيائنا ونحن على دينٍ صحيح , ما زالوا يصطبغون إلى اليوم , اليهود زعموا أنهم يغتسلون تطهيراً من الذنوب , اليهود يزعمون في عقيدة بينهم أنه حين يُصبغ أحد أبنائهم بهذا الماء الذي يزعمون قدسيته فإنه يُطهر ويُقدّس , وكذلك النصارى إلى اليوم فهم يزعمون هذه الصبغة وأنّ من اصطبغ بها فهو نصراني على الدين الصحيح .
قال الله - عز وجل - (صِبْغَةَ اللّهِ) هنا وافقهم في الاسم لكن في الحقيقة أمر آخر , فقال الله: (صِبْغَةَ اللّهِ) أي دين الله أو فطرة الله (صِبْغَةَ اللّهِ) هي الفطرة ، قال (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً) إذا كنتم تزعمون أنّ عندكم صبغة فالله صبغ هؤلاء المسلمين بصبغته , أيّ شرفٍ أعظم من هذا , وصبغته هي دينه وفطرته - سبحانه وتعالى - فطرة الإسلام , والتعبير بالصبغة دليل على أنّ الدين تظهر آثاره على الجوارح , كل إناء بما فيه ينضح , وإن كان الأصل ما وقر في القلب لكن لابدّ أن يُصدّقه العمل , فأنتم ترون أن الإنسان إذا حسُن إسلامه واستقام ظهرت هذه الصبغة عليه , والصبغة تقال في الأمر المعتاد في الأمر الظاهر , في جمال الأمر وظاهره , فالله تعالى أشار هنا إلى أنّ المسلم مصبوغٌ بالفطرة باطناً ومصبوغٌ بشعائر الدين والمظاهر الشرعية وأوامر الله ظاهرة بالصلاة والصيام والذكر والمظهر الشرعي في الجسم بلحيته وما أمر الله تعالى به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الله - تعالى - هنا (وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ) مقرّون ثابتون مستقرّون على هذا الدين , فهذه إشارة إلى إصرارهم أي المسلمين وثباتهم وبقائهم على هذا الدين أنه الحقّ.
ثم قال الله: (قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ) أي أنتم تزعمون أنكم أحباب الله , إن كنتم صادقين فانظروا (هُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) مالذي يفرق بيننا ؟(وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) أنتم تعملون كما تزعمون ونحن نعمل , هذا ردّ عليهم (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) وأنتم مشركون , الله ـ عز وجل ـ كأنه يلقّن المسلمين أنكم إذا كنتم تزعمون أنّ الله ربكم وأنكم أحباب الله وأبناء الله , قال الله قولوا لهم : (وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) فانظروا لمن العاقبة عند الله ـ عز وجل ـ لمن النجاة يوم القيامة فهذا هو معنى الآية.
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى) هل تزعمون أنّ هؤلاء كانوا هوداً أو نصارى (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ) أأنتم أعلم بحال هؤلاء الأنبياء الذين ماتوا على ماذا كانوا , أم الله الذي يعلم ويقول لكم على ماذا كانوا عليه فهم على التوحيد (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ) وهذا يدل على أنّ ذكر أنبيائهم وأنهم على التوحيد مكتوبٌ عندهم يقرؤونه لكنهم يكتمونه , قال الله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) يُهددهم ويتوعدّهم بأنكم سترون هذا الذي أنتم عليه , وكتمانكم للحقّ.
ثم قال الله: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) هذه الآية الثانية ما معناها؟! نحن قلنا أنّ الأولى في قطع زعمهم أنّ هؤلاء الأنبياء سيشفعون لهم عند الله وسينفعونهم يوم القيامة , وسينجون وسيدخلون الجنة ببركتهم , فقطع الله ذلك عنهم , في هذه الآية المقصود قطع الأنبياء عنهم , في الأولى قطعهم عن الأنبياء بالشفاعة , وهنا في يوم القيامة لن يعترف لهم الأنبياء بالنسب لهم , سيقطع الأنبياء علاقتهم بهم لأنهم قد خالفوهم ولم يكونوا على ما كانوا عليه , فالأولى قطع لهم هم بزعمهم أنّ هؤلاء سيشفعون لهم , والثانية يوم القيامة يُشير إلى حال الأنبياء معهم ولن يعترفوا لهم ولن يُقرّوا لهم بصلتهم بهم وأنّى لهم ذلك.
- ثمّ احتّجوا أنّهم على الصِّبغة الصحيحة .
- واحتّجوا أنّ أنبيائهم وآباءهم سيشفعون لهم يوم القيامة .
فالله تعالى هنا دحض شبههم وحُججهم وأبطلها واحدة واحدة ، لماذا؟لئلا يكون لهم بعد ذلك حجّة , تنقطع حجّتهم ويكون البيان تامّا فلا يكون لأحدٍ شبهة أو دخن أو شيئاً مما يجعله يشكّ في هذا الدين , فقال الله: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) إذ زعمتم أنّ يعقوب شهد لكم , أو وصّاكم بهذا الدين , هل كنتم حضرتم ذلك عند موته , ولماذا ذكر صفة الموت؟لأنه لا شكّ أن الإنسان لا يُوصي في آخر حياته عند موته إلا أهمّ ما يمكن أن يوصي به , وأنّ ما وصّى به ناسخٌ لما قبله , فوصيّته هنا , ما هي وصيّة يعقوب؟ فقال الله : (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) وهذا نأخذ منه أنّ الإنسان يُوصي عند موته أو عند قُرب أجله أو كبر سنّه , أعظم ما ينبغي أن يُوصي به , ومن ذلك وصيّة أبنائه بالتوحيد وطاعة الله والتئام أمرهم وتقاربهم , إلى غير ذلك مع ما يُوصي به من المال (إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي) انظر الله ـ عزوجل ـ هنا يذكر شهادة ووصية يعقوب (إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي) من هم بنو يعقوب؟ الأسباط , أنبياء بني إسرائيل , (قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا) ذكر الله أنّ وصية إبراهيم بعبادة الله وحده لا شريك له ,ووصية يعقوب ، وأنكم يجب أن تُقرّوا بهذه الوصية , وهنا ملحظ أنّه ذكر إسماعيل مع أنّه ليس من آبائهم , قال: (نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ) ليس من أباء يعقوب إسماعيل , لأنّ يعقوب ابن إسحاق , وإسماعيل عمّه , لكن ذكره هنا لأنّ المقصود أنهما يشتركان في التوحيد وهذه الوصية , وأنه داخل فيه من هذا الباب , كما يُقال: أؤلئك أبائي فجئني بمثلهم , أبائي في الدين والشرف والخلق أو العزيمة أو غير ذلك (إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) .قال الله - عز وجل - (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ما غرض هذه الجملة مع أنّ الله أعادها في الآيات التي بعدها؟ هذه الجملة غرضها في الموضع الأول غير الغرض في الموضع الثاني , لاحظوا معي ، غرضها في الموضع الأول هو : أنّ الله يقطع صلتهم بأؤلئك الأنبياء وأنهم لن يشفعوا لهم وأنهم لن ينفعوهم عن الله تعالى (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ) ما هو الذي كسبوه أؤلئك الأباء؟ هو التوحيد , وأنتم كسبتم الكفر , فلا يُمكن أن تلتقون ولا يُمكن أن ينفعونكم عند الله ـ عزوجل ـ (وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ليس بينكم ولا بينهم أيّ أمر أو علاقة يوم القيامة إلا بالعمل فإن كنتم تبعُ لهم فأنتم معهم.
ثم قال الله في بيان حجة لهم أخرى , قال: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ) يزعمون أنهم على ملة إبراهيم ولذلك قال: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ ) فردّ الله عليهم , قال: (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) أي اتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، وقوله (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تعريضاً بهم أنكم أشركتم بعده وخالفتم أمره وملته , قوله: (حنيفاً) بمعنى مائلاً , وكيف كان إبراهيم مائلاً؟! , حنيف في اللغة: مائل يمشي بعرجة وميلان , لكن الحنيف في الدين المائل عن الشرك وجميع ما خالف أمر الله عزوجل , وهذا يؤكدّ على أنّ الإنسان في هذا الطريق لا شكّ أنه سيُواجهه عقبات , وتُواجهه صوارف منها الشيطان والأهواء والدنيا وشياطين الإنس وشياطين الجن , كل هؤلاء في طريقه يصرفونه فلا بدّ من الابتعاد عنهم بتوحيده واستقامتهم لله عزوجل , أما في دينه هو مستقيم , لكن في سلوكه في هذه الحياة لابد أن يميل عن الشرك , ويميل عن البدع ويميل عن الصوارف والشهوات والشبهات فلا بدّ أن ينصرف , أنت ترى منظراً محرماً لابدّ أن تنصرف , ترى بدعة محرّمة , ترى شركاً تتركه , فالمقصود هنا أن إبراهيم منذ كان على التوحيد رأى قومه على الشرك فتركهم وجاهدهم , والمعاصي والأصنام فتركها , فهذا معنى قوله : (حنيفاً) ، وقيل الحنيف: بمعنى المُقابل , أنّ العرب كانوا يقولون بالكلمة بمعناها! المريض يسمونه سليماً , المرأة التي جاءت للصحابة أرادت أن تطلب منهم طبيباً , قالت إنّ سيد هذا الحيّ سليماً , ما قالت مريض إشارةً إلى التفاؤل, فلعل هذا المعنى مقصود في هذه الآية حنيفاً يعني مستقيماً تمام الاستقامة ولا تعارض بين القولين , قال: (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تعريضاً بهؤلاء المشركين.
( قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ ) الله ـ عز وجل ـ هنا يُلقّن أمة الإسلام , الله أكبر , ما أعظم تربية الله لهذه الأمة !! , هنا الله تعالى يُعلّمنا ماذا نقول , قال: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) الله أكبر !!عقيدة صافية تتوافق وتتواصل مع الأنبياء جميعاً , فكأنّ الله يقول لهذه الأمة آمنوا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكم من القرآن وَمَا أُنزِلَ إِلَى الأنبياء كلهم من الكتب , وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى من البينات والمعجزات وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ أيضاً من المعجزات , آمنوا بها فإنكم بذلك تكونون الأمة المسلمة المؤمنة الكاملة (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) مُقرّون له بذلك , ولهذا شُرعت قراءة هذه الآية في سنة الفجر لأنّ فيها توحيد , فما أعظم أن يستشعر الإنسان هذا المعنى أنّه موصول بالأديان كلها توحيداً لله ـ عزوجل ـ في هذا إشارة إلى أنّ هذه الأمة قد ورثت هذا الدين من الأنبياء جميعاُ واحداً بعد الآخر فهي موصولةٌ بهم جميعا , أما أؤلئك اليهود والنصارى والمشركون فقد خالفوا أنبياءهم وخالفوا رسالة الله إليهم وما أنزل الله عليهم.
(فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ) كأنّ هذا فيه دعوة لهم , إن كنتم تريدون أن تهتدون أيّها المشركون,أيها اليهود , أيها النصارى , فاهتدوا (وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) أي خلاف ومخالفة واختلاف (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ) ما أعظم هذه الكلمة !! هذه الكلمة ما قال تتركوهم , هو المعنى فاتركوهم , لكن قال: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ) أي أنّ الله سيتولى شأنهم وسيُعذبهم وسيُرهقهم وسيُضعفهم ويُذلّهم , وفي هذه الآية وعد كريم من الله - عزوجل - بأن الله سيكفي هذه الأمة أؤلئك الكافرين من أهل الكتاب والمشركين (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ) إذا كنتم على الدين صادقين مسلمين مؤمنين حقا (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ) وإنما جاء الخطاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون أمته تعظيماً له ووعدُ له كريم , فإنه وعد للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتبشيراً له أنّ دينك يا محمد مُتصل ممدود إلى قيام الساعة , ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق قائمين لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) (7) ، هذا وعدٌ كريم بأنّ هذا الدين لن يُغلب ولا يمكن - بإذن الله تعالى - أن تستأصل بيضته ، ولا يمكن للكافرين الغلبة على هذا الدين , فما أعظم وعد الله لنا فما بقي إذا وعد الله بذلك أن نكون أهلاً لهذا الدين وأن نحمله وأن ننصره حتى نبلّغ رسالة الله فنشرف بها , قال الله - تعالى - بعد ذلك (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (صِبْغَةَ اللّهِ) هذا ردّ على زعمهم أنا نصطبغ بصبغة أنبيائنا ونحن على دينٍ صحيح , ما زالوا يصطبغون إلى اليوم , اليهود زعموا أنهم يغتسلون تطهيراً من الذنوب , اليهود يزعمون في عقيدة بينهم أنه حين يُصبغ أحد أبنائهم بهذا الماء الذي يزعمون قدسيته فإنه يُطهر ويُقدّس , وكذلك النصارى إلى اليوم فهم يزعمون هذه الصبغة وأنّ من اصطبغ بها فهو نصراني على الدين الصحيح .
قال الله - عز وجل - (صِبْغَةَ اللّهِ) هنا وافقهم في الاسم لكن في الحقيقة أمر آخر , فقال الله: (صِبْغَةَ اللّهِ) أي دين الله أو فطرة الله (صِبْغَةَ اللّهِ) هي الفطرة ، قال (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً) إذا كنتم تزعمون أنّ عندكم صبغة فالله صبغ هؤلاء المسلمين بصبغته , أيّ شرفٍ أعظم من هذا , وصبغته هي دينه وفطرته - سبحانه وتعالى - فطرة الإسلام , والتعبير بالصبغة دليل على أنّ الدين تظهر آثاره على الجوارح , كل إناء بما فيه ينضح , وإن كان الأصل ما وقر في القلب لكن لابدّ أن يُصدّقه العمل , فأنتم ترون أن الإنسان إذا حسُن إسلامه واستقام ظهرت هذه الصبغة عليه , والصبغة تقال في الأمر المعتاد في الأمر الظاهر , في جمال الأمر وظاهره , فالله تعالى أشار هنا إلى أنّ المسلم مصبوغٌ بالفطرة باطناً ومصبوغٌ بشعائر الدين والمظاهر الشرعية وأوامر الله ظاهرة بالصلاة والصيام والذكر والمظهر الشرعي في الجسم بلحيته وما أمر الله تعالى به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الله - تعالى - هنا (وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ) مقرّون ثابتون مستقرّون على هذا الدين , فهذه إشارة إلى إصرارهم أي المسلمين وثباتهم وبقائهم على هذا الدين أنه الحقّ.
ثم قال الله: (قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ) أي أنتم تزعمون أنكم أحباب الله , إن كنتم صادقين فانظروا (هُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) مالذي يفرق بيننا ؟(وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) أنتم تعملون كما تزعمون ونحن نعمل , هذا ردّ عليهم (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) وأنتم مشركون , الله ـ عز وجل ـ كأنه يلقّن المسلمين أنكم إذا كنتم تزعمون أنّ الله ربكم وأنكم أحباب الله وأبناء الله , قال الله قولوا لهم : (وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) فانظروا لمن العاقبة عند الله ـ عز وجل ـ لمن النجاة يوم القيامة فهذا هو معنى الآية.
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى) هل تزعمون أنّ هؤلاء كانوا هوداً أو نصارى (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ) أأنتم أعلم بحال هؤلاء الأنبياء الذين ماتوا على ماذا كانوا , أم الله الذي يعلم ويقول لكم على ماذا كانوا عليه فهم على التوحيد (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ) وهذا يدل على أنّ ذكر أنبيائهم وأنهم على التوحيد مكتوبٌ عندهم يقرؤونه لكنهم يكتمونه , قال الله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) يُهددهم ويتوعدّهم بأنكم سترون هذا الذي أنتم عليه , وكتمانكم للحقّ.
ثم قال الله: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) هذه الآية الثانية ما معناها؟! نحن قلنا أنّ الأولى في قطع زعمهم أنّ هؤلاء الأنبياء سيشفعون لهم عند الله وسينفعونهم يوم القيامة , وسينجون وسيدخلون الجنة ببركتهم , فقطع الله ذلك عنهم , في هذه الآية المقصود قطع الأنبياء عنهم , في الأولى قطعهم عن الأنبياء بالشفاعة , وهنا في يوم القيامة لن يعترف لهم الأنبياء بالنسب لهم , سيقطع الأنبياء علاقتهم بهم لأنهم قد خالفوهم ولم يكونوا على ما كانوا عليه , فالأولى قطع لهم هم بزعمهم أنّ هؤلاء سيشفعون لهم , والثانية يوم القيامة يُشير إلى حال الأنبياء معهم ولن يعترفوا لهم ولن يُقرّوا لهم بصلتهم بهم وأنّى لهم ذلك.
-------------------------------
مصدر التفريغ ملتقى أهل التفسير / بتصرف يسير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق