الأحد، 11 سبتمبر 2011

تفسير سورة آل عمران (59 -80) / من دورة الأترجة


الشيخ د . أحمد بن محمد البريدي



بسم الله الرّحمن الرّحيم ، الحمدلله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدّين :
المقطع الأوّل :(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ*الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ*فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ*فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِين*قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ*يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ*هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ*مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ*إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ*وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ*يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ*يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ*وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ*وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ*يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ*وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ*بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ*إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ*مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ*وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ)يقول الله في محكم تنزيله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ) أيّ في قدرة الله تعالى حيث خلقه من غير أب (كَمَثَلِ آَدَمَ) كيف؟ يعني الله - تبارك وتعالى - خَلَق عيسى من أمٍّ بلا أب، وخلق آدم من غَيرِ أمٍّ وأب، ولذلك إن جازَ ادَّعاء البُنوَّةَ في عيسى أنّه ابن الله بِكَونه مخلوقاً من غير أب، فجَوَازُ ذَلك في آدم بالطَّريق الأَولى والأَحرى، وهذا دليل عقلي. ومعلومٌ بالاتِّفاق أنَّ ذلك باطل، فآدم من مخلوقاتِ الله - تبارك وتعالى - فَدعوَاه في عِيسى أشدُّ بُطلاناً وأظهرُ فَسَاداً لكنَّ الله ـ عزّ وجل ـ أراد أن يُبيِّن للنَّاس قُدرته على الخَلق، فَخَلَقَ آدم من تُراب لا أُمّ ولا أب، وخلق حوّاء من أبٍّ بلا أمّ من ضِلع آدم، وخلقَ عيسى ـ عليه السّلام ـ من أُمٍّ بلاأب، وَخَلَقَ سائـــِرَ النّاس من أبٍّ وأمّ، فالله على كلِّ شيءٍ قدير ، فكيف تدَّعُون هذا في عِيسى ـ عليه السَّلام ـ ! .
فإذا كان باطلاً في أَمر آدم فبُطلانُه في أَمر عِيسى أشدّ لأنَّ آدم أعظم فـــــي الـــمُعجزة ،خُلِقَ من لا شيء، خُلِق من تُراب لا من أب ولا من أُمّ، ثمّ قال الله ـ عز ّوجل ـ (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أيّ هَذا القول هو الحَقّ في عيسى الذِّي لا محيدَ عنه ولا صحيح سواه (فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) عود الضمير " الهاء " :
* يُحتمل أنّه يعود إلى عيسى ـ عليه السّلام ـ .
*ويُحتمل عَودُهُ إلى الحقّ لأنّه أقرب مذكور.
قال(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ ) أيّ حاجَّك في هذا الحقّ.
أيُّهما أصحّ؟كُلُّهُ صحيح.لأَنَّ أمر عيسى هو الحقّ فلا تعارض، ولِذلك بعض الــمُفَسِّرين أرجعه إلى أقرب مذكور، وبعضهم أعاده إلى ما هو حقيقة الحقّ الذّي هو أمر عيسى ـ عليه السَّلام ـ (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ ) أي جَادَلَك في أمر عيسى (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ) الابتهال هوالملاعنة.( فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) أيّ مِنَّا ومنكم.
وهذه الآية نزلت في وفد نجران [1] فإنّهم لـــمَّا جاءوا إلى النَّبي ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ جاءوا يُحاجّون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من البُنوّة والإلهية فأنزل الله صدر هذه السُّورة ردّاً عليهم،وعن حذيقة قال: جاءَ العَاقبُ والسيّدُ صاحبَ نجران إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يُريدان أن يُلاعنان فقال أحدهما لصاحبه:لا تفعل،، فوالله إن كان نبيّاً فلاعنَّاه لا نُفلِح نحنُ ولاعَقِبَنا من بعدنا ثمّ قال له إنَّا نعطيك ما سألتنا( وهي الجِزية) وابعث معنا رجُلاً أميناً ولا تبعَث معنا إلا أميناً.فقال: لأبعثنَّ معكم رجُلاً أميناً حقّ أمين فاستشرفَ لها أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،فقال:قُم يا أبا عُبيدة بن الجّراح، فلمّا قام: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - هذا أمينُ هذه الأمُة. وقد روى هذا الحديث مسلمٌ والتّرمذي والنّسائي وابن ماجة بنحو هذا الكلام.
إذاً في هذه الآية جواز المباهلة، لكنَّ المباهلة لا تكون على أمرٍ بسيط، يعني تختلف أنت وشخص فتقول تعال نتباهل لا ينبغي هذا. لذلك
اشترط العلماء للمباهلة شرطين:الشَّرط الأول: العلم.
الشَّرط الثّاني :أن تكونَ في أَمرٍ عامّ.
وقد حصل على الهَواء مباشرة مباهلة كما سمعتم في أَمرِ أُمِّنا أمِّ المؤمنين عَائشة ـ ـ بين أحد أهل السُّنة وبين ذاك الرَّافضي الخبيث ياسر الحبيب الذِّي اتّهمَّ أُمنّا عائشة ـ رضي الله عنهاـ ونسأل الله ـ عز ّوجل ـ أن يفضحه وألا يجعل هذه المباهلة امتحاناً للنّاس.
والغَـرض أنَّ أهل نجران الذّين هم هؤلاء النّصارى كانوا هُم أوّل من أدَّى الجِزية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - .
(فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) قال جابر: " أنفسُنا وأنفسكم رسولُ الله وعليّ بن أبي طالب ،وأبنائنا: الحسن والحسين ، ونساءنا: فاطمة " . وهكذا رواه الحاكم معناه ثمّ قال صحيحٌ على شرط مسلم. وقد رواه أبو داود الطّيالسي عن الشّعبي مرسلاً وهذا أصحّ وقد رُوِيَ عن ابن عبّاس والبراء نحو ذلك.
ثم ّ قال الله - تبارك وتعالى - (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) أي هذا الذّي قَصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحقّ لا مَعدل عنه ولا محيد (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ) بهم ؟
ماذا نُسَمِّيها هُنا؟الإظهار في موضع الإضمار. السِّياق فإنّ الله عليم ، ما فائدة ذلك؟ كَمَا قُلنا، فهو بيان أنّ فعلهم فساد وأنَّ الله عليمٌ بهؤلاء، وأنّ َكُلَّ من تَولّى عن دين الله ـ عزّوجل ـ فهُو مفسد . يعني فائدة الإظهار هنا في موضع الإضمار
بيان أنّ سبب توَّلِيهم هو الفساد وأنّ كل من تولّى عن دين الله عزّوجل فهُو مفسد .
ثم قال سبحانه (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) هذا الخِطَاب يَعُمُّ أهل الكتاب من اليَّهُود والنّصارى ومن جرى مجراهم (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ ) الكلمة هي تُطلق على الجُملة المفيدة لا نقصد الكلمة النَّحوية أو أنَّها كلمة واحدة أو لَفظة واحدة، المقصود هنا كلمة جملة ما هي هَذه الكلمة؟ فسَّرها الله – يُسمّى هذا من باب تفسير القرآن بالقرآن ( التَّفسير المباشر) - الكَلمة هي (أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ) إذاً نعبُد الله ـ عزّوجل ـ وحده ، نفرده بالعبادة ، لا نُشرك به، وهذه هي دعوة الرُّسل ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاَّ نُوحي إليه أنّه لا إله إلاَّ أنا فاعبدون)[2] ، ( ولَقد بعثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رسولاً أنِ اعبُدُوا الله واجتنبُوا الطَّاغوت) [3] .
وقول الله (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) أيّ لا يُطيع بعضُنا بعضاً في معصية الله (فَإِنْ تَوَلَّوْافَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) إِن تَوَّلوا عن هذا النَّصَف، وعن هَذِه الكَلمة السَّواء العَدل فَأَشهِدُوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الذِّي شَرَعَه الله ـ عزّوجل ـ لكم.
عندنا إشكال في هذه الآية يا إخواني،نَحن قُلنا أنَّ صَدرهَذه الآيات إلى بضع وثمانين آية نزلت في وفد نجران في النَّصارى،وهؤلاء وفدوا في سنة تسع.
ثبت عندنا في الحديث الصّحيح [4]أن النّبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ بعد صُلح الحديبية وقبل الفتح قبل فترة أرسل رسولاً إلى قيصر وفيه : من محمد بن عبدالله إلى هرقل عظيم الرُّوم : بسم الله الرّحمن الرّحيم، من محمّد رسول الله إلى هِرَقل عظيم الرُّوم، سلامٌ على من اتّبع الهُدى، أمّا بعد: فإنّي أدعُوك بدعاية الإسلام،أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين وَقَرأ النّبي - صلى الله عليه وسلم - (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاإِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) إذاً كيف نجمع بينها ؟ هَذِه الآية بَعثَها النّبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ بَعد الحُديبية . وقلنا إنّ هذه الآيات نزلت سنة تسع ، وردت في روايات كثيرة على أنّها نزلت في وفد نجران.
فما الجمع بين الأَمرين؟أجَاب العُلماء في جملة من الأجوبة عن هذه القَضيّة· الأول: منهم من قال: يُحتمل أنّ هذه الآية نزلت مرّتين مرّةً قبل الحُديبية ومرَّةً بعد الفتح، وفي شرحنا لــمُقدّمة التّــفسير قُلنا: إنَّ تعدَّد النُّزول ينبغي ألاّ يُصار إليه إلاَّ في أَضيق الحالات.· الثاني: قالوا يُحتمل أنَّ صدر سورة آل عمران نزل في وفد بني نجران إلى هذه الآية، وتكون هذه الآية نزلت قبل ذلك، ويكُون قول ابن إسحاق إلى بضعٍ وثمانين آية ليس بمحفوظ. وهذا لعلَّهُ هُو الأقرب، لعلَّ الأقرب أنَّ هذه الآية نزلت مُتقَدِّمة.يعني هَذا الحَديث سبب النُّزول هذا هُو من قَبيل المراسيل حقيقة يعني لا يُــوجد له إِسناد صَحيح، لكن نحن تكلَّمنا في شرح الــمُقدِّمة كَلام شيخ الإسلام عن المراسيل إذا تعددت طُرقه ، وهذا مِــمّا تعدَّدت طُرُقُه من طُرق متعدّدة أنَّ هذه الآيات نزلت في وفد نجران لكن لا يعني أننّا نقول أنها نـــزلت في وفد نجران أن كُلّ تفاصيل الرِّواية مقبولة، إِذا عارضها شيء آخر ورأينا أنَّ غيرها أرجح منها فلنُرجّح كما هُنا ما دام أنّه ورد أنّ النّبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أرسلها بعد الحُديبية هذه الآية معلوم أنّها نزلت قبل وفد نجران.
ثمّ قَال الله ـ عزّوجل ـ (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) يُنكِرُ تَعالى على اليَّهُود والنّصارى في مُحاجّتهم في إبراهيم الخليل ودعوى كُلِّ طائفةٍ منهم أنّه كان منهم- سبحان الله- اليَّهُود يقولون إنَّ إبراهيم يهُودي، والنَّصارى يقولون إنَّ إبراهيم نصراني، واليهُودِّية والنّصرانية لم تُوجَد بعد انظروا إلى بُهت القوم، إنَّك لَتعجب من بُهتهم وكيفية ادِّعَائه، يدَّعُون شيئاً من السَّهل ردُّه،بل يَنفيه الواقع والتّاريخ، إبراهيم يهُودّي! سبحان الله أَلاَ تَستَحِي أيُّها اليَهُوديّ أن تَدَّعي أنّ إبراهيم يهودي وإبراهيم مات قبل أَن تأتي اليَّهُودية وأنتَ أيُّها النَّصراني، ولذلك الله ـ عزَّوجل ـ عَابَ عليهم بقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) ختم الآية بماذا؟ (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) لأنَّ الدليل عقلي. يعني أنَّ هَذا حقيقة ضربٌ من الجُنون أن تدَّعي شيئا لم يحصُل لكن هذا من زيادة بُهتهم।ولذلك هُم قومٌ بُهت .

ثــمّ قال الله ـ عزّوجل ـ (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) معنى لكم به علم :· قال ابن عطيّة : أيّ ما لكُم به علمٌ على زَعمِكُم.
· أمَّا الطَّبري فإنَّــه يقول:ما لهم به علم من جِهَة كُتُبِهم وأنبائهم ممــّا أيقنوه وثبت عندهم صِحَّته
يعني يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) في قَضَايا كثيرة فيما هو موجود حقيقة عندكم لكن (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ثمّ قال الله ـ عزّوجل ـ مُقرِّراً هذه القضيّة ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسلماً) الحنيف هو المائل عن الشّرك (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يعني أنكم أنتم اليهود والنصارى أشركتم ، خاتمة الآية تدل على أنكم أشركتم بالله (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كما قال الله عزّوجل في سورة البقرة ( وَقَالوا كُونوا هُوداً أو نصارى تهتدواقل بل ملَّة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين)[5] .

ثم قال الله أنتم تدَّعُون أنَّكُم أتباع إبراهيم فقال( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ) من؟ (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) حتى لا يدَّعُون أنّهم أتباع إبراهيم قال (وَهَذَاالنَّبِيُّ) هُــو الذِّي اِتبّع إبراهيم وهُو من نَسل إبراهيم عليه السّلام لأنّه من وَلَد إسماعيل ، (وَالَّذِينَ آَمَنُوا) كذلك أتباعُ إبراهيم على الإسلام، لأنَّ الإسلام بمفهومه العام الذّي هو الاستسلام لعبادة الله وتــَرك عبادة غير الله ـ عزّوجل ـ ، (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) أيّ وليُّ جميع المؤمنين برُسُلِه .
ثمّ قال الله ـ عزَّوجل ـ يُبيِّن أنَّ هؤلاء لا يَنتهُون وأنّه منذُ أن بزَغ صدرُ الإسلام وهم يَكيدون لهذا الدّين وسيستَمِرُّون (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ ) يُخبـــِرُ تعالى عن حَسد اليَّهود للمؤمنين وبغيهم إيّاهم الإضلال، وأخبر أنّ وَبالَ ذلك إنّما يعود على أنفسهم وهُم لا يشعرون أنّه ممكور بهم (وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّاأَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ).
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) بَدأ يُوجِّه الخطاب لهم (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) يقول الله ـ عز ّوجل ـ مُنكراً عليهم وأنتم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهَدُون أنّها صدق وتعلمون أنّها حقّ بما أعطاكم الله ـ عز ّوجل ـ من الكتب.
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ) قال ابن عبّاس الحقّ إسلامُهُم بُكرةً، والباطل كُفرُهُم عَشِيَّة. (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أيّ تكتُمُون ما في كُتُبِكُم من صِفة محمد صلى الله عليه وسلّم، اليهود كانوا يقولون قبل أن يَصِل النّبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ إلى المدينة، ما سبب إقبال النّصارى في المدينة على النَّبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وإِيوَائِه،لماذا؟ كان اليَهُود يمتحنُونهم ويقولون سيخرُج نبيّ، وسنقتُلُكُم شرّ قِتلة. وذهبوا إلى الحجّ وكانوا يقولون والله هذا النَّبي الذّي كان اليهود يمتحنونكم، أَسرِعُوا وأَسلموا قبل أن يأتُوكُم اليهود يمتحنونكم فأسلموا، اليهود لمّا بُعث النّبي - صلى الله عليه وسلم - ، لماذا أتَوا هُم؟ قالوا يُبعث في أرض ذات نخل فَأَتَوا إلى المدينة هم الآن يُطالبُون بالمدينة لكن هم ليسوا من سُكّان المدينة أصلاً ولكنّهم أَتَوا لعلَّ يخرج فيهم النَّبي،فقال الله ـ عز ّوجل ـ (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) صِدقَ النّبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ في كُتُبِكُم مَوجُود،عيسى مُبَّشِر بالنَّبي ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ ثمّ قال: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) بدَأُوا بالحِيَل (آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ) وجه النّهار: أوّل النّهار، واكفروا آخره. لماذا؟ يعني أسلموا أنتم عُلماء بعد صلاتكم أعلنوا قُولُوا للنَّاس نحن قد اتبّعنا مُحمّداً. بعد العَصر قولوا لا قد تراجعنا عمّا قُلناه أوّل النّهار لأننا لم نجده موجود في الكتب عندنا.اُنظر للمكر الكُبَّار لليهود.
ولذلك نرى الآن في وسائل الإعلام حقيقة تمجيد لمن؟ إذا ارتّد إنسان مسلم رفعوه إلى السَّماء الإعلام، إذا كان هناك عربيّ يُشَكِّك في القرآن والله لـــــو كان من أجهل الجاهلين، جعلوه من الــمُفَكِّرين العَرب يُسَّمونه لماذا؟ هذا مكر اليهود من قديم الزمان .

(آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ) ما سبب ذلك؟ (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فهذه حرب شرسة.

قال ابن عبّاس في تفسير هذه الآية [6]: " قال طائفةٌ من أهل الكتاب إذا لقيتم أصحاب محمّدٍ أوّل النَّهار فآمِنُوا، وإذا كان آخره فَصَلُّوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلَمُ مِنَّا ".
ثمّ قالوا يُوصِي بعضهم (وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) أيّ لا تَطمَئنُوا وتُظهِروا سِرَّكم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم، أيّ لا تخبِرُون بهذه الخُطّة، ولا تُظهِرُوا ما بأيديكم للمسلمين فيُؤمنوا به ويحتّجوا به عليكم،أخفُوا حتى الكتب التّي تُبشِّر بالنَّبي صلى الله عليه وسلّم وهذا من المكر الكُبَّار. قال الله عزّوجل ( قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) أيّ أنَّ الله عزّوجل هُو الهَادي ولو مَكرتـُم ولو تمالأتم ولو أخفيتم، فإن الهدى الله عزّوجل هو الذِّي يزرعه في القلوب-نسأل الله لي ولكم الهدى والتّوفيق- أيّ الله عزّوجل هو الذّي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتمّ الإيمان بما يُنزّله على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلّم - من الآيات البيّنات والدَّلائل القاطعات.
ثمّ قال الله عزّوجل ( قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) أيّ لا تُظهِرُوا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلَّموه منكم ويُساوُونكم فيه، أبقوهم على الجهل جَهِّلوهم، فالجهل هو الوسيلة الوحيدة لإخفَاض هذه الأُمّة المحمدّية الجديدة.
قال الله عزّوجل (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) يا أيُّها اليَّهُود اُمكُروا، اِفعلوا ما شِئتُم، خَطِّطوا، كل الأمور بيد الله وتحت تصريفه وهُو المعطي والمانع، يمنُّ على إنسانٍ بإيمان ولو كانَ من الجاهلين، ويمنع التُّقى والهُدى ولو كُنتم أهل علمٍ وكتاب .
(وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أيّ اختَصَّكُم أيُّها المؤمنون من الفضل بما لا يُحدّ ولا يُوصَف بما شَرَّف به نبيَّكُم محمد صلى الله عليه وسلّم على سائر الأنبياء.
ثمّ قال الله عزّوجل (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) قال السِّعدي في مناسبة هذه الآية لما قبلها : " أنّ الله عزّوجل لـــمّا ذكر خيانتهم في الدِّين ومكرهم وكتمهم الحقّ ذكر حالهم في الأموال، وأنَّ منهم الخائن ومنهم الأمين " . وقال ابن عطيِّة : " أخبر الله عزّوجل أنّهم قِسمان في الأمانة ومقصدُ الآية ذمُّ الخَونة منهم والتَّــفنِيد لــِرأيهم، وكذبهم على الله في استحلالهم أموال العرب " .
قال الله عزّوجل (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) أيّ طائفة (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ) القنطار المال الكثير – كما قرّرنا- (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) وهذا مثال على الأمين (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ) أيّ مُطالباً ومُلازماً في الإلحاح لمطالبة حقّك، تضع لك محاميّ حتى تُخرِج حَقّك (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ) ، وإذا كان هذا صنيعه في الدّينار فما فوقهُ أولى فإذا كان في الدِّينار القليل فالكثير من باب أولى أنّه لا يُؤدّيه ، مثل إذا كان يُؤدِّي القِنطار فَما أقل منه من باب أولى أنّه سيُؤدّيه.
يُذكر هُنا رِواية علَّقها البخاري[7] في صحيحه عن النَّبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وذكر رجُلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يُسلفه ألف دينار فقال: ائـــتــِني بالشُّهداء أُشهدهم.فقال: كفى بالله شهيداً.– وهذه من الروايات الإسرائيلية التّي نُصَدِّقُها لأنَّ النّبي صلى الله عليه وسلّم أخبر بها. قال له صاحبه: ائتني بالكفيل. قال: كفى بالله وكيلاً. قال صاحب المال: صدقت. فَدفَعها إليه إلى أجلٍ مُسَّمَى فخرج في البحر فقضى حاجته، ثُـــمّ التمس مركباً يرَكبُ يَقدُم للأجل الذّي أجّله يُريد أن يُسدِّد فلم يجد مركباً. فأخذ خشبةً فنقَرها فأدخل فيها ألفَ دينار وكتب صحيفةً إلى صاحبه، ثمّ أَغلَقَ موضعها ثمّ أتى بها البحر فقال هذا الإسرائيلي: اللهُمَّ إنَّك تعلم إنّي استسلفتُ فلاناً ألف دينار فسألني كفيلاً فقلُتُ كفى بالله كفيلاً فرضيَ بك، وسألني شهيداً فقلتُ كَفى بالله شهيداً فرضِيَ بك، وإنِّي جَهدتُ أن أَجِد مركباً أبعثُ إليه الذِّي له فلم أقدر، وإنّي أستودُعكَ إيّاه فرمى بها في البحر حتى وَلجت فيه ثمّ انصرف. وهُو في ذلك رمى هذه من أجل أن تَصِل عُذراً أمام الله عزّوجل، وبدأ يلتمس مركباً آخر فَخَرج إلى الرَّجل، هَذا الرَّجل الذِّي كان قد أسلَفَه خرج في الموعد ينتظر المركب لعلَّه يأتي الرّجل، فلم يأتي الرَّجُل،لم يأتي الرّجل وإنّـــمَا أتت الخشبة! أخذ الخشبة يريد أن يكون حطباً لأهله ، فلمّا أراد تكسيرها وجد الألف دينار ووجد الصَّحيفة ، - اُنظروا لـــمَّا قال كَفى بالله شهيداً وصدَّق به،أَدَّى الله عزّوجل عنه - فأتى ذلك الرَّجُل مرّة أخرى وبحث عنه وأعطاه فقال له: هل بعثت إليّ بشيء؟ - بمعنى أتى بالألف دينار ولم يذكر أمر الخشبة- إنّ الله قد أدّى عنك. خُذ الألف دينار.
لماذا (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا)؟ هذا مثال للخونة منهم، لماذا؟
(قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) والأميِّين العَرب يقولون أنّ أموال العرب هي لنا أيّ شيء نأخذه من العرب حلال! والوَاقع الآن يشهد بهذا (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) فالأبناء يتوارثُون طبع الآباء،الآن أموال العَرب مُستَباحة من أهل الكتاب ، ولذلك سأل رجُل ابن عباس قال: إنَّا نُصيبُ في الغَزو من أموال أهل الذِّمة، يقول:إنَّا نغزُو أهل الذِّمة أهل الكتاب فنُصِيب منهم الدّجاجة والشّاة نأخذها في الغــَزو-والأصل ألا تُؤخذ لأنّها غُلُول- فقال ابن عبّاس: لماذا تأخذونها؟ فقال: ليس علينا بذلك بأس. قال ابن عبَّاس: هذا كما قال أهل الكتاب (ليس علينا في الأُميِّين سبيل) [8] يعني أنتم شابهتموهم وأصبحتم مثلهم! لا، بل الأموال محترمة لأهلها. فقال ابن عبّاس: إنّهم إذا أدَّوا الجِزية لم تَحِلَّ لكم أموالهم إلا بِطِيب أنفسهم. وإنِّي أستغرب كَمَا حدَّثني أحد الإخوة أنَّ طائفة من الطَّوائف من المسلمين في الغَرب يستَّحِلُّون أموال أهلَ الكِتاب وهم يعيشون بين أظهرهم، يدخل على المحلاّت التِّجارية ويسرق تسأله لماذا ؟ فيقول لك: هذا مالا لكُفّار حلال!! ، انظر للشُّبَه! ابن عبّاس رد عليهم كيف تستَحِلّ أموالهم، نعم كافر لكن المال محترم إلا بحقِّه صاحبُه مسلم، صاحبه كافر يهودي نصراني، المال ماله، المال محترم لصاحبه .

ثم قال الله عزّوجل: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ) العهد يشمل العهد الذّي بينه وبين ربِّه، وبين العبد وبين سائر العباد (وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) السِّياق يقول فإنّ الله يُحبُّهم، ولكن لماذا أظهر هنا في موضع الإضمار؟ كما قلنا فائدة ذلك أنّ فعل ذلك الإيفاء بالعهد، والتقوى من أفعال المتقين وأنّ الله يُحب كل متّقي .
ثمّ قال الله ـ عزّوجل ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يقول تعالى إنَّ الذِّين يَعتاضُون عمّا عاهدوا الله عليه من اتّباع محمّدٍ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وذكر صفته للنّاس وبيان أمره، وعن أيمانهم الكَاذبة الفَاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزَّهيدة هي عُروضٌ من هذه الدُّنيا الفانية الزّائلة أولئك لا خلاقَ لهم في الآخرة أيّ لا نصيب لهم فيها، والجزاء من جنس العمل (وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ) أيّ كلام لُطفٍ بهم لأنَّه ثبت في آيات أخرى أنّه يُكلّمهم (ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) بعين الرّحمة ، (وَلَا يُزَكِّيهِمْ ) من الذُّنوب والأَدناس، بل يأمُر بهم إلى النّار (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
سبب نزول هذه الآية : [9] قَال الأَشعث فِيّ والله نزلت،فِيّ والله كان ذلك، كان بيني وبين رجُلٍ من اليَهُود أرض فجَحدني فقدَّمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أَلكَ بيِّنة؟ قلتُ: لا. فقال لليَهُوديّ اِحلف-ولذلك البيّنة على الــمُدَّعِي واليمين على من أنكر- فقلتُ: يا رسول الله إذاً يحلف فيذهب مالي!- يعني هؤلاء اليهود لا يتوَّرَعُون أنّهم يحلفون - فأنزل الله عزّوجل (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا) وهذا العُلماء يُسَّمونها اليمين الغموس الذِّي تغمِس صاحبها في النّار، وهي من كبائر الذّنوب وقد سمعنا كثيراً عن تساهُلِ النّاس بها في المحاكم، والله إنّ الحلف عند بعض النّاس أسهل عليه من شرب الماء! يحلف بالله وبالأيمان الغَليظة وهو يعلم أنّه كاذب – نسأل الله العافية- لأجـل عرض الدُّنيا فالجزاء من جنس العمل فقال الله عزّوجل (
أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).ثمّ قال الله عزّوجل (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا) الفَريق الجَماعة من النّاس (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ) أيّ يُحرِّفُونه بتبدِيلِ معانيه من جهة اشتباه الأَلفاظ واشتراكها، والتَّحريف يشمل تحريف اللّفظ وتحريف المعنى ، فاليهود كُتُبُهُم محرَّفة،حرّفوا ألفاظها وحرَّفوا كذلك معانيها، ولذلك المبتدعة شابهُوهم عندما حرّفوا المعاني، وأمَّا الألفاظ فلا يستطيعون في كتاب الله جلّ وعلا لأنَّ الله تكفَّل بحفظه فقال (إنّا نحنُ نزّلنا الذّكرَ وإنّا له لحافظون) [10] وقد ذكرنا لكم أثناء شرح مقدّمة التّفسير بعض الأمثلة من التَّحريف .
يُخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائنُ الله أنَّ مِنهُم فريق يُحرِّفون الكَلِم عن مواضعه، ويُبدِّلون كلام الله ويُزيلونه عن المراد ليُوهِمُوا الجهلة أنّه في كتاب الله (لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ما هذه الجُرأة! جُرأة عظيمة من هؤلاء من قَتَلةِ الأنبياء، يُحرِّفون الكتاب مع تحريفهم يدَّعُون أنّه من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون كذبهم صراحة،يعلمون أنّهم كذبة، ولذلك هل في الكذّاب حيلة؟ لا.
هُناك رأي لوهب بن مُنبّه هنا نذكُرُه لغرابته، وهب بن منبّه يقول:[11] " إنَّ التَّوراة والإنجيل كَمَا أنزلهُما الله لم يُغيّرمنهما حرف، ولكنّهم يُضِّلون بالتَّحريف والتَّأويل، وكُتُبٍ كَانُوا يَكتُبونها من عند أنفسهم ويقولون هِي من عندالله، فأمَّا كُتُب الله فإنَّها محفوظةٌ ولا تُحرَّف" هذا كلام وهب بن مُنبّه ذكرناه هنا لغرابته، ونُوجّهه إن كان وهب يقصد أنّ كتب الله لم تُحرَّف أثناء إنزالها وأنّها محفوظة فهذا صحيح، لكن نحن نقطع يقيناً أنّ التوراة والإنجيل الآن التي بين أيدينا بل على وقت النبي أثبت القرآن تحريفها، ولذلك لابُدّ أن يُوجّه كلام وهب بن منبّه أنّه يقصد ماذا؟ أنّها حينما أنزلت كانت صافية.
/ ثم قال الله ـ عز ّوجل ـ ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ)
سبب نزول [12]هذه الآية – كما قَال أبو رافع القُرظي-حِين اجتمعت الأحبار من اليَّهُود والنَّصارى من أهل نجران عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ ودعاهم إلى الإسلام، قالوا أتريدُ يا محمد أن نعبُدك كما تعبد النَّصارى عيسى بن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يُقال له الرئيس: أوَ ذاكَ تُريدُ منّا يا محمّد وإليه تدعُونا؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : ( معاذ الله، أن نعبدَ غير الله أو أن نأمُرَ بعبادة غيره.ما بذلك بَعَثني ولا بذلك أَمَرني) – أو كما قال ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فأنزل الله ـ عز وجل ـ : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّيَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني هذا لا يصلُح لِنبيّ ولا لرسول ، إذا كان لا يصلح لإنسان مؤيّد بالكِتاب والحُكم والنُّبوة، فهل يَصلُح لغيره من الدَّجالين الذِّين يَدَّعُون النُّبوة والأُلوهية الآن ؟ لا يصلح. فإذا كان لا يصلُح لهؤلاء الأنبياء المؤيِّدين فلئن لا يصلح لغيرهم بطريق الأَولى والأحرى كما قال الله عزّوجل ( اتّخذُّوا أحبارَهُم ورهبانهم أرباباً من دُون الله) .
/ (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) الرَّباني : منسوب إلى الرَّبَّان وهو مُعلِّمُ النَّاس الخير وقائدهم ، ومنه أُخِذَ رُبَّان السَّفينة أي قائد السَّفينة، ولذلك قال العلماء : الرَّبَّاني هو الذّي يُربّي النّاس بصغار العلم قبل كِباره . فلا ينبغي لطالب العلم المبتدئ أن يأخُذَ مسائل العلم الكِبار ولا ينبغي للعالم أن يبدأ به في المسائل العِظام، بل يُربيّه بصغار العلم قبل كِباره .
قال الله ـ عزّوجل ـ (بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) الضَّحاك رَضِي الله عنه ورحِمَه استنبط من هذه الآية فائدة وقال : "حقٌّ عَلى من تعلَّم القُرآن أن يكونَ فقيهاً " لأن الله قال (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) أيّ معلِّمين النّاس (بمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ) تُعلّمُون من التعليم أي تُفهِّمُون ،وفي قراءة (بمَا كُنْتُمْ تَعلَمُونَ الْكِتَابَ) من الفهم (وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) أيّ تحفظون ألفاظه .
(وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا) أي لا يأمُركم بعبادة أحدٍ غير الله لا نبي مرسل ولا مَلَك مُقرَّب (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) أيّ لا يفعل ذلك، لأنّ من دعا إلى عبادة غير الله فقد دعا إلى الكفر، قال الله
( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نُوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون) .
------------------------------------------
[1] قصة وفد نصارى نجران في (دلائل النبوة ) باب وفد نجران وشهادة الأساقفة لنبينا بأنه النبي الذي كانوا ينتظرونه ، وامتناع من امتنع منهم من الملاعنة ، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
[2] الأنبياء25
[3] النحل36
[4] باب دُعَاءِ النَّبِىِّ - - إِلَى الإِسْلاَمِ وَالنُّبُوَّةِ ، وَأَنْ لاَ يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ . ( 101 ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ .
[5] البقرة135
[6] تفسير ابن كثير
[7] في البخاري باب الْكَفَالَةِ فِى الْقَرْضِ وَالدُّيُونِ بِالأَبْدَانِ وَغَيْرِهَا ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - - « أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَقَالَ ائْتِنِى بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ . فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا .
قَالَ فَأْتِنِى بِالْكَفِيلِ . قَالَ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً . قَالَ صَدَقْتَ . فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَخَرَجَ فِى الْبَحْرِ ، فَقَضَى حَاجَتَهُ ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا ، يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِى أَجَّلَهُ ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا ، فَأَخَذَ خَشَبَةً ، فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ ، وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ ، فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّى كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ ، فَسَأَلَنِى كَفِيلاً ، فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً ، فَرَضِىَ بِكَ ، وَسَأَلَنِى شَهِيدًا ، فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ، فَرَضِىَ بِكَ ، وَأَنِّى جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا ، أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِى لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ ، وَإِنِّى أَسْتَوْدِعُكَهَا . فَرَمَى بِهَا فِى الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ ، وَهْوَ فِى ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا ، يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِى كَانَ أَسْلَفَهُ ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِى فِيهَا الْمَالُ ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا ، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِى كَانَ أَسْلَفَهُ ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ ، فَقَالَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِى طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِى أَتَيْتُ فِيهِ . قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَىَّ بِشَىْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّى لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِى جِئْتُ فِيهِ . قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِى بَعَثْتَ فِى الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا » .
[8] تفسير ابن كثير
[9] صحيح البخاري باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
[10] الحجر9
[11] تفسير ابن كثير
[12] تفسير ابن كثير وتفسيرالطبري
مصدر التفريغ / ملتقى أهل التفسير / بتصرف يسير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق