الجمعة، 3 يونيو 2011

الوقفة الثالثة في جـ 4 / مع قوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ )




الوقفة الثالثة في الجزء الرابع من كلام ربنا - جل وعلا - عند قول الله - جل وعلا - (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَك..) الآية ، وهي آية المواريث .
/ قول الله - جل وعلا -(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) منها مع الحديث فهم العلماء أن الله أرحم من الوالد بولده لأن الله هنا وصى الوالد بولده ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) وتقسيم الإرث لم يكله الله - جل وعلا - إلى أحد كما شأنه شأن الزكاة ، فالزكاة والإرث تولى الله - جل وعلا - بيان مقدارها وأهلها
/ قال ربنا ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) الأولاد لغة تُطلق على الذكور والإناث ، (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) ثم قال ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) العرب كانوا لا يجعلون للأنثى حظا فلهذا بيّن الله - جل وعلا - أن الولد ذكرا كان أو أنثى له حظ ، لكن الله جعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وذكر الله - جل وعلا - الأولاد هنا في صدر هذه الآية لأن النفوس بهما أشفق وإليهما أشوق ، كل نفس أشد شوقا إلى أولادها وتعظُم الشفقة عليهم .
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) فجعل الله - جل وعلا - نصيب الذكر يوازي مثقال اثنين من الإناث.
( فَإِن كُنَّ نِسَاء ) نساء هنا خبرلـ " كنّ " والمعنى : فإن كنّ الوارثات نساء ( فَلَهُنَّ ) أي هؤلاء النسوة ( ثُلُثَا مَا تَرَك ) ( وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ) المقصود بقول الله - جل وعلا - (وَلأَبَوَيْهِ ) الأبوان الأم والأب . قال الله - جل وعلا -(وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ) وهو لم يكن له وارث إلا أبويه ، لكن الآن تأمل هنا قال الله - جل وعلا - (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) فالأم إن لم يكن لها فرع وارث فلها الثلث ، فلو أن رجلا خلّف تسعين ألفا ثم إنه مات وليس له إلا أمّ وأبّ فالأم لها الثلث بنص القرآن والباقي للأب ستون، ثلاثون , لو فرضنا هذا الميت له إخوة فالأم يقل حقها إلى السدس (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) فأصاب نصيب الأم نقصان من وجود الإخوة فيُصبح حالها السُدس ، فسُدس التسعين خمسة عشر بقي كم ؟ كان لها في الأول ثلاثون فأعطيناها خمسة عشر لأن هذا الميت له إخوة والخمسة عشر الباقية تعود إلى الأب ، فالإخوة حجبوا أمهم حجب نُقصان أنزلوها من الثُلث إلى السُدس وهم لم يستفيدوا ، حجبوا أمهم حجب نُقصان لا حجب حِرمان وانتقلت أمهم من حال الثلث إلى حال السدس لوجود الإخوة رغم أن الإخوة أنفسهم وهم السبب في حجب أمهم لم ينالوا شيئا ، والله لم يذكر العلة ، ما قال الله - جل وعلا - لم جعلنا للأم السدس مع وجود الإخوة مع أن الإخوة لم يأخذوا شيئا ، لو أخذوا لا يحتاج الناس إلى بحث علة لكن الإخوة لا يأخذون شيئا مع وجود الأب ، على هذا اختلف العلماء في العلة هنا والصواب : ما اختاره جمهور العلماء على أن وجود الإخوة يُضاعف نفقة الأب فاحتاج الأب إلى زيادة فانتقل حال الأم من الثلث إلى السُدس ، أما في الأول لم يكن هناك إخوة فاكتفى بوضع الثلثين للأب والثلث للأم ، وهذا يدل على أن الأب مسؤول عن نفقة أبنائه .
/ قال الله - جل وعلا - بعدها ( آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ) لا يدري أحد من أين يأتيه الخير وإنما الناس عليهم أن يُعنوا بالظاهر ويًضمروا صدق النية في معاملاتهم ويستصحبوا أمور من أعظمها : ( أَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) وأن الله يقول ( وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ) من استصحب هذه في معاملته مع الناس نجا وسيق له الخير من حيث لا يدري لكن حري بالمؤمن أن يأخذ بالأسباب فالمؤمن حصيف عاقل يعرف الذي له وما الذي عليه ، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - ربط البرُاق في مكان يربط فيه الأنبياء دوابهم عند دخوله المسجد الأقصى وهو سيد المتوكلين ليُعلّم الأمة الأخذ بالأسباب لكن كما قيل كلا طرفي الأمور ذميم وإن الإنسان يتوسط في أحواله ولا يدخله فزع ثم إن المرء لا يدري أين الخير فيما يُقبل عليه أو فيما يُحجب عنه
وما أدري إذا يممتُ أرضا أريد الخير أيهما يليني *** أالخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي هو يبتغيني
وآخر يقول : فاستقدر الله خيرا وارضين به *** فبينما العسر إذ دارت مياسير
هذا يسوقك لتعلم لم علم النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن أن يقول في قنوته " اللهم اهدنا فيمن هديت وتولنا فيمن توليت " والناس اليوم إذا قال الإمام هذه يجعلونها كأنها مقدمة لا يُبالون بها وينتظرون متى يزدلف الإمام في دعائه إلى ما فيه نحيب وصُراخ والأصل البقاء على النصّ والأصل أن يكون التعلق نفعا بما ثبت النص فيه ، ولو أن الإنسان إذا قام من ليله تذكر أول الأمر أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - قرّب الحسن إليه لم يكن الحسن يومها على الأكثر قد تجاوز ثمان سنين لكن هكذا يُنشأ في بيت الأنبياء ، قال - رضي الله عنه - علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في وتري " اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت واصرف عني برحمتك شر ما قضيت إنك تقضي ولا يُقضى عليك ، اللهم إنه لا يذل من واليت " ليس فيها " ولا يعز من عاديت " لا أحفظ هذه الرواية " تباركت ربنا وتعاليت " فالإنسان وهو يدعو والله لو استشعر فقط معنى قول الله " لا يذل من واليت " والله لا يمكن أن تدخله الذلة أبدا ، لا يمكن أن يذل أولياء الله لكن السؤال أين أولياء الله ؟ الله يقول وقوله الحق ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ) وأعظم قرائن ولايتهم محبتهم لربهم وكثرة ذكرهم له ( مثل الذي يذكر الله ومثل الذي لا يذكر الله كمثل الحيّ والميت ) (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا) وغير ذلك مما تحسُن به الوِلاية .
صعب على المسلم أن يمرّ عليه يوم لم يفتح فيه المصحف ، صعب على المسلم أن يبيت ليلة دون أن يُوتر ، صعب على المسلم أن يستكبر أن تخطو قدماه في السَّحر إلى مسجد يُصلي فيه صلاة الفجر . هذه وأمثالها من القُربات إذا صنعها الإنسان وهو يشعر فيها بلذة العبودية أنه عبد لله وما ... أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول ( ولا يُعطي الدين إلا لمن يُحب ) فيكفي المرء فخرا أن يشعر أن الله - جل وعلا - يُحبه ، صحيح لا يستطيع أحد أن يقطع بهذا لكن العبد إذا رأى نفسه قد وُفق للطاعات لعل هذا من قرائن محبة الله له .
جعلني الله وإياكم ممن يخافه ويتقيه ويرجوه ويخشاه ، وجعلنا الله وإياكم ممن يحبهم ويحبونه .
هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده حول الجزء الرابع من كلام الله وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق