الاثنين، 18 أبريل 2011

لطيفة في الاستعاذة

قال ابن كثير في تفسيره :
"ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث".

هذه من لطائف هذا التفسير، فالطهارة للبدن تكون بالماء وضوءاً وغسلاً أو بما يقوم مقامه كالتيمم، فالإنسان يتهيأ للصلاة ويتهيأ للقراءة فيكون متوضئاً حتى تحصل له هذه الطهارة، فهذه طهارة حسية، ويشرع له إذا أراد القراءة أن يجمع بين الطهارة الحسية والطهارة المعنوية وذلك بالاستعاذة، فهو كما يطهر بدنه بالغسل أو بالوضوء تهيؤاً للصلاة مثلاً، فكذلك يتهيأ للقراءة بطهارةٍ معنوية هي تطهير الفم من اللغو وما أشبه ذلك، والتنزه من الشيطان وملابسته، ووسوسته وما أشبه ذلك.

"وهو لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه، ولا يقبل مصانعة، ولا يدارى بالإحسان بخلاف العدو من نوع الإنسان، كما دلت على ذلك آيات من القرآن في ثلاث من المثاني، وقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} [(65) سورة الإسراء]. "وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري فمن قتله العدو الظاهر البشري كان شهيداً، ومن قتله العدو الباطني كان طريداً، ومن غلبه العدو الظاهري كان مأجوراً، ومن قهره العدو الباطني كان مفتوناً أو موزوراً، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان"

هذه الجملة من كلام ابن كثير فيها ثلاث لطائف:

الأولى : أن يجمع الإنسان بين الطهارة بالماء وطهارة الفم من اللغو، والتطهر المعنوي أيضاً بالتباعد عن الشيطان بهذه الاستعاذة.

الثانية : أن هذا يتضمن الاعتراف بالعجز عن دفع الشيطان، وأن المصانعة للشيطان لا حيلة للعبد فيها إلا أن يستعيذ منه.

الثالثة : أنه ذكر الفرق بين العدو الإنسي والعدو الجني، وأن الذي يغلبه عدوه من شياطين الجن يكون طريداً بخلاف ما إذا غلبه عدوه من الإنس، فالأول يكون فاجراً ضالاً بعيداً عن هدى الله -عز وجل-, قد تمكن منه الشيطان واستحوذ عليه، وأما الثاني فهو مأجور إذا غلبه عدوه من الإنس.

ويتصل بهذه اللطيفة ما ذكره هنا من كون الشيطان يرى الإنسان ولا يراه، فحيلة الإنسان أن يستعيذ منه بالله الذي يرى الشيطان ولا يراه.


-------------------------------------------------------
المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير / الشيخ خالد السبت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق