الاثنين، 18 أبريل 2011

( الله)

قال ابن كثير :
" الله : علمٌ على الرب -تبارك وتعالى- يقال إنه الاسم الأعظم؛ لأنه يوصف بجميع الصفات، كما قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(22-24) سورة الحشر]، فأجرى الأسماء الباقية كلها صفاتٍ له، كما قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [(180) سورة الأعراف]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [(110) سورة الإسراء]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)).

في قوله هنا : "الله : علمٌ على الرب -تبارك وتعالى-" أي أنه لا يسمى به غيره، فهو من الأسماء المختصة، وهذا الاسم لا يعرف أحد تسمى به لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وهو يختص بالله -عز وجل- لفظاً ومعنى، فلفظاً بمعنى أن هذا اللفظ لا يصح أن يسمى به أحد غيره، ومعنى بمعنى أن الصفة التي تضمنها -وهي صفة الإلهية- لا يصلح شيءٌ منها للمخلوق لا جملةً ولا تفصيلاً.

قال : "يقال إنه الاسم الأعظم", معلوم أن من أسماء الله الاسم الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وهذا الاسم فيه خلافٌ معروف، وأشهر الأقاويل أن هذا الاسم الأعظم هو "الله".

والذي ذكره الحافظ ابن كثير هنا هو دليل من النظر، وذلك أن سائر الأسماء الحسنى جميعاً ترجع إليه لفظاً ومعنى، وكون الأسماء الحسنى ترجع إليه لفظاً، أي أنها تأتي بعده، ولا يأتي بعدَ شيءٍ منها، كما في الآيات التي ذكرها هنا كقوله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ..} [(22-23) سورة الحشر] إلى آخر ما ذكر الله -عز وجل-، فلفظ "الله" تأتي الأسماء الأخرى بعده ولا يأتي هو بعد شيء منها.

هذا في اللفظ، وأما في المعنى فإن هذا الاسم الكريم "الله" يتضمن صفة الإلهية وهي أوسع الصفات، وهذه الصفة ترجع إليها جميع الصفات، فإن الإله يجب أن يكون هو الرب، العليم، الحكيم، الخالق، البارئ، المصور؛ لأن الرب لا يمكن أن يكون عاجزاً جاهلاً فقيراً، أو متصفاً بشيء من صفات النقص، ولهذا يقال: إن صفة الإلهية متضمنة لصفة الربوبية، وصفة الربوبية من أوسع الصفات، فإن الرب هو السيد والمالك، والمدبر المتصرف، والمربي لخلقه بالنعم الظاهرة والباطنة، وهكذا تصور كم يدخل تحت هذا الاسم من المعاني التي هي صفات الكمال؟،
فهذه الربوبية داخلة في معنى الألوهية، وهذا معنى كون الإلهية تتضمن الربوبية، والربوبية تستلزم الإلهية، فالذي تقول عنه: إنه هو الرب الخالق الرازق المصور يجب أن يكون هو المعبود وحده لا شريك له، فلا تصرف العبادة لأحدٍ سواه، فهذا الدليل هو الذي أشار إليه ابن كثير -رحمه الله- هنا، وهو أن الأسماء الحسنى تعود إليه لفظاً ومعنى.

وأما الأدلة من المنقول على أنه الاسم الأعظم فهي ثلاثة أحاديث

الأول : الحديث الذي ذكر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الاسم الأعظم في ثلاث سور، والاسم المتكرر في هذه السور الثلاث هو: "الله"، و"الحي القيوم"، في سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة طه، قال تعالى في سورة البقرة: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [(255) سورة البقرة]، وقال في سورة آل عمران: {الم* اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [(1-2) سورة آل عمران]، وقال في سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [(111) سورة طـه].
فالمقصود أن هذه الأسماء الثلاثة متكررة في هذه السور الثلاث، ولهذا كان القول الثاني في القوة هو أن الاسم الأعظم هو "الحي القيوم" بعد القول الأول بأنه لفظ الجلالة " الله" بمعنى أن أقوى الأقوال في الاسم الأعظم أنه "الله"، ثم يليه في القوة "الحي القيوم".

والذي يدل على أن الاسم الأعظم هو "الله" الحديثان الآخران، في الرجلين حينما دعوا الله -عز وجل- بدعاءٍ يشتمل على ذكر بعض الأسماء الحسنى، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لقد دعا الله باسمه العظيم)) فإذا نظرنا في الأسماء المذكورة نجد أن المتكرر في الجميع هو "الله" وليس "الحي القيوم".

يقول: "فأجرى الأسماء الباقية كلها صفاتٍ له كما قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [(180) سورة الأعراف]" هذا وجه الاستشهاد، فهو لا زال في الدليل النظري الذي ذكره، وهو أن الأسماء الحسنى تعود إليه لفظاً ومعنى –أي لفظ "الله"- قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [(180) سورة الأعراف] فلم يقل: وللعزيز الأسماء الحسنى، أو وللرزاق الأسماء الحسنى، وإنما أضافها إلى هذا الاسم الكريم فقال: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} فيكون محدَّثاً عنه ومخبَراً عنه، وتضاف إليه سائر الصفات، كما قال في الآية الأخرى: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [(110) سورة الإسراء]، فقوله: {فَلَهُ الأَسْمَاء} أي لله .

ومن ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن لله تسعةً وتسعين اسماً)) فما قال: إن للرزاق وإنما قال: ((إن لله تسعةً وتسعين اسماً))، فهذا الاسم هو أعظمها، والله تعالى أعلم.

----------------------------------------------------
المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير/ الشيخ خالد السبت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق