معنى الاستعاذة والبسملة من دورة الأترجة القرآنية للدكتور / محمد بن عبدالله الربيعة
*نتحدث أولاً عمّا يُفتتح به قراءة القرآن من الاستعاذة والبسملة , فقوله : ( أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَيْطَانِ الرَّجِيمْ ) هذه الكلمة يُفتتح بها كتاب الله تعالى كل قارئ , وليست آيةً من كتاب الله -عزّ وجل- وإنمّا الغرض منها هو : التجرّد من حظّ الشيطان وقطع السبيل عليه إلى أن ينال من قلبك حين تبتدئ كتاب الله -عز وجل- بأن يجعل من قراءتك نصيباً لغير الله تعالى , فإنّك بهذه الاستفتاح تقطع طريق الشيطان , وقولك ( أَعُوذُ ) بمعنى : ألتجئ , ( أَعُوذُ ) بمعنى: ألتجئ من الشيطان الرجيم , والشيطان هو : كل عاتٍ متمّردٍ من الجن والإنس , وإنمّا سُميّ شيطاناً بمعنى: شَطُن , بمعنى : بَعُد فهو شيطان مرجوم مبعد عن رحمة الله عزّ وجل . وفي هذه الاستعاذة -أيّها الأحبّة- وقولك ( أَعُوذُ بِاللهِ ) اعتراف منك أيّها العبد الضعيف بعجزك والتجاء منك وإيمان ٌبربّك سبحانه وتعالى القادر أن يدفع عنك هذا الشيطان وشرّه ووسوسته , ولا سبيل -أيّها الأحبّة- إلى القرب من الله -عز وجل- إلاّ بأن يعترف الإنسان بضعفه , وبأن يعترف الإنسان بقدرة الله -عز وجل- وفضله عليه . والعلاقة بين الاستعاذة والبسملة هناك علاقة لطيفة : وهي أنك تبتعد من الشيطان الرجيم الذي يريد أن يصدّك عن ذكر الله , لتصل إلى الرحمن الرحيم الذي يريد لك الخير ، ويريد لك دار السلام والهداية في الدنيا , والنجاة والتوفيق في الآخرة , فإنّك في الاستعاذة تبتعد عن هذا الشيطان , وفي البسملة تقترب من ربّك الرحمن الرحيم . أمّا البسملة -أيّها الأحبّة- وهي آية من كتاب الله تعالى أُنزلت على القول الصحيح للفصل بين السور في خلاف طويل لا يسع المقام لتفصيله : فقيل : أنّها آية من الفاتحة وقيل : أنّها آية أُنزلت للفصل بين السور وهي آية من سورة النمل في قصة النمل , وقد رُوي عن جعفر الصادق أنّه قال : البسملة تيجان السور , وهذا يدلّ كما قال القرطبي رحمه الله : "أنّها ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها" . وإذا قلنا ذلك دلّ على أنّ قراءة البسملة في الصلاة ليست ركناً في الفاتحة , هذا على القول برجحان أنّ البسملة ليست من الفاتحة , أمّا على القول بأنّها ركن أو أنها من الفاتحة فلا بدّ للقارئ في الصلاة أن يقرأها . هذه البسملة تأمّلوا فيها جيداً تجدوا أنّها تضمنّت ثلاثة أسماء , هذه الأسماء هي (الله) و(الرحمن) و(الرحيم) , هذه الأسماء -أيّها الأحبّة- هي أصل الأسماء كما قال ابن القيم وأعظمها وأجملها , هي أصل الأسماء وأعظمها وأجملها , واسم (الله) -عز وجل- لفظ الجلالة ( اللهِ ) هو أعظم الأسماء وإليها مرجع الأسماء كلها , فهو مشتمل عليها جميعاً , أمّا ( الرحمن والرحيم ) فلشمول معنى الرحمة التي عليها مدار الدارين , الرحمة عليها مدار الدارين , وعليها مدار القبول والنجاة في الدنيا والآخرة , ولذلك تضمّنت هذه البسملة هذه الأسماء الثلاثة , والغرض منها والقصد : الافتتاح للتبّرك والتيمّن , فإنّك تقول: أستعين بالله تعالى باسمه الرحمن الرحيم , وهذا لاشكّ دافع وداعٍ بإذن الله تعالى إلى عون الله لك وتوفيقك , وقولك : ( ِبسْمِ اللّهِ ) بمعنى باسم الله أقرأ , حينما تفتح الباب أو تدخل في المسجد تقول : بسم الله أدخل , وحينما تكتب تقول : بسم الله , في نيتك أكتب وهكذا , فالمتعلّق مُتعلّق الباء محذوف يُقدّر على حسب الفعل الذي يفعله الإنسان , ففي القراءة يقصد بقوله : ( بسم الله ) أي بسم الله أقرأ .

الإنسانُ ضعيف شاء ذلك أم أبى قال ربُنا { وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً } (النساء28) والضعيف يحتاجُ إلى من ينصُرهُ خاصةً إذا كان لهُ عدو فالاستعاذة المعنى الحرفي لها : أستجيرُ بالله وألوذ من الشيطان الرجيم في أمر ديني ودناياي هذا المعنى الحرفي . ينجمُ عن الاستعاذة ثلاثةٌ مقاصد :
الأول منها :عترافُ العبد بضعفهِ لأنهُ لا يلجأ ولا يستجير إلا الضعيف اعترافُ العبد بضعفهِ و اعترافُ العبد بضعفهِ مقصودٌ شرعي .
الأمر الثاني في قضية الاستعاذة : فيها اعترافٌ من العبد بعظمةً ربهِ وجلالهِ وأنهُ لا يُجيرُ إلا هو وهذا من أعظم مقاصد الشرع .
والأمرُ الثالث :.اعترافُ العبدِ بأن الشيطان عدوٌ له وهذا أمرٌ قصدهُ الله في كتابهِ {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً }(فاطر6) .
فهذهِ الثلاث تتحرر من قناعة المرء و تلفُظهِ بالاستعاذة ، أما قول ربنا جل وعلا ( من الشيطان الرجيم ) فالشيطان هُنا إبليس وأعوانه من الجن والإنس لكن من أين مأخوذة مادة شيطان ـ المادة أقصد اللفظية الحرفية لا أقصد المادة الخلقية ، المادة الخلقية مخلوقون من نار ـ الصوابُ أن نقول إنها مأخوذةٌ من الفعل شطن بمعنى بعُد فتنبه يا أُخي إذا كان هُناك بئراً بعيدٌ قعرهُ وتُرمى فيه الدلاء بالحبال أين يكونُ طرفا الحبل ؟ أحدُهما في الأعلى والآخر في الأسفل وإذا قُلنا أنهُ بعيدٌ قعرُه فهُناك بُعدٌ تام بين طرفي الحبل ،عنترةٌ يقول : أشطانُ بئرٍ في لبان الأدهمِ أشطان البئر حبالهُ [ واضح ] مُتباعد الطرفين هذا التباعُد هو اللفظ المُشتق منهُ اسم الشيطان ، فكما يتباعدُ طرفا الحبل إذا طال فالبُعدُ بين الخير وبين الشيطان كالبعدُ بين طرفي الحبل إذا طال فهو بَعُد عن الخير بكُل وجه ولهذا شطن فسُميَ شيطان .
أما الرجيم فإننا نقولُ إن الله ذكر إبليس في كتابهِ بأوصافٍ مشئومة وأسماء مذمومة لكن لفظ الرجيم هو أجمعُ تلك القبائح فيهِ لكن لفظ الرجيم هو أجمع تلك القبائح في الشيطان يعني الوصف أو الاسم الذي تجتمعُ فيهِ القبائحُ كُلها في الشيطان فهو هنا رجيم فعيلٌ بمعنى مفعول أي رجيمٌ بمعنى مرجوم أي مطرودٌ بعيدٌ كُل البُعد عن الخيرِ وعن رحمة الله {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ }(ص78) نعوذُ بالله من ذلك ، هذا المعنى العام لأعوذُ بالله من الشيطان الرجيم .
ومن الناحية الفقهية فإن جمهور العُلماء على أن قراءتها مُستحبة وليست بمُتحتمه ، وقال بعضهم بالوجوب هذهِ الاستعاذة .
أما البسملة فهي قول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وجرت عادة العُلماء أنهم يذكرون هُنا خلافهم في هل هي آية من القرآن أو لا ؟ أما هنا في سورة الفاتحة فالذي يتحرّرُ عندي أن بسم الله الرحمن الرحيم آيةٌ من الفاتحة وهي الآيةُ الأولى وبهذا يتحقق القول بأنها السبع المثاني، واتفقوا على أن بسم الله الرحمن الرحيم آيةٌ من سورة النمل {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } (النمل30) । واختلفوا ـ أي أهل العلم ـ فيما عدا ذالك هل بسم الله الرحمن الرحيم آيةٌ في المصحف أو قُصد بها الفصل والتبرك وليس هذا موطن التفصيل .
--------------------------------------------
* النص من ملتقى أهل التفسير (بتصرف يسير)
--------------------------------------------
* النص من ملتقى أهل التفسير (بتصرف يسير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق