ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القرآن الكريم قسمان :
قسم نزل بدون سبب وهو أكثر القرآن ،وقسم نزل مرتبط بسبب من الأسباب. ومن هذه الأسباب:
أ- حدوث واقعة معينة فينزل القرآن الكريم بشأنها
ب-أن يُسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء، فينزل القرآن ببيان الحكم
ـ فائدة العلم بأسباب النزول :
1ـ أن معرفة سبب النزول يعيننا على فهم الآية وإزالة الإشكال فيها وفي ذلك يقول الإمام الواحدي :
"لايمكن معرفة الآية دون الوقوف على قصتهاوبيان نزولها"
وقال ابن دقيق العيد : "معرفة سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن"
وقال ابن تيمية: "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمُسَبب "
ومن أمثلة ذلك أن عروة بن الزبير أشكل عليه أن يفهم فرضية السعي بين الصفا والمروة من قوله تعالى{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } البقرة158
ذلك لأن الآية لم تأمر بالسعي وإنما نفت الجناح أي الإثم عمن يسعى ونفي الجناح لا يعني الفرضية ، فسأل خالته عائشة رضي الله عنها عن ذلك فأفهمته أن نفي الجناح لا ينفي الفرضية ، إنما هو نفي لما استقر في أذهان المسلمين يومئذ عن التحرج والتأثم من السعي بين الصفا والمروة لأنه كان من عمل الجاهلية ، لأنه كان على الصفا صنم يُقال له إساف وعلى المروة صنم يُقال له نائلة وكان المشركون إذا سعوا تمسحوا بهما ، فلما ظهر الإسلام وكُسرت الأصنام تحرج المسلمون أن يسعوا بينهما لذلك فنزلت الآية لنفي الحرج
ومن هذا قوله تعالى {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة115،ظاهر الآية يفيد أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا وله أن يصلي إلى أي جهة شاء ، ولكن لما عُرف سبب نزولها عُلم أنها في نافلة السفر ، فالمسافر إذا أراد أن يتطوع وهو سائر في الطريق فقبلته حيثما توجهت به دابته ،فلولا معرفة السبب لبقية الآية مشكلة.
2ـ أن معرفة السبب يساعدنا على فهم الحكمة التي يشتمل عليها التشريع .
3ـ معرفة إسم من نزلت فيه الآية وتعيين المُبهم فيها وفي ذلك اسناد الفضل لأهله ونفي التهمة عن البريء الذي أُلصق به ماهو منه براء ومثاله :
ما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن مروان بن الحكم اتهم أخاها عبد الرحمن بأنه الذي نزل فيه قول الله
{ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا } فقالت والله ما هو به ، فلو شئت أن أسميه لسميته.
ومثل ما إذا عرفنا سبب نزول قوله تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ } البقرة207، إذا عرفنا ذلك عرفنا أن صاحب الفضل هو صهيب بن سنان الرومي
4ـ تثبيت الوحي وتيسير الحفظ والفهم وتأكيد الحكم في ذهن من يسمع الآية إذا عرف سببها .وذلك لأن ربط الأسباب بالمسببات ،والأحكام بالحوادث ،والحوادث بالأشخاص والأزمنة والأمكنة ، كل ذلك من دواعي تقرير الأشياء وانتقاشها في الذهن وسهولة استذكارها عند تذكر ما يقارنها وذلك هو ما يُعرف في علم النفس بقانون تداعي المعاني .
وإذا كانت الآية قد نزلت بسبب ما فلا يعني أن الآية أو حكمها مقصور على من نزلت فيه ، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
كحادثة خولة بنت ثعلبة التي ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت التي كانت سببا في نزول آيات الظهار.
ـ طريق العلم بأسباب النزول :
لا طريق لنا لمعرفة أسباب النزول إلا النقل الصحيح ولا مجال للعقل في هذا الموضوع إلا التمحيص والترجيح
يقول الإمام الواحدي : "لا يحل القول في أسباب نزول القرآن إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها وجدّوا في الطلب"
ومقتضى هذا أن المعول عليه في معرفة أسباب النزول هو الروايات الصحيحة الواردة عن الصحابة ومن أخذ عنهم من التابعين ، وممن كان على دراية بذلك من الصحابة عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه ،فقد روى البخاري في صحيحه أنه قال "والله الذي لا إله ما أُنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت،ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه"
ولا ينبغي التهاون في هذا الشأن وإلقاء القول على عواهنه بل لابد من التثبت في سبب النزول حتى لا ندخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"
وقوله كذلك (ومن كذب على القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار).
وكان السلف الصالح يتحرزون من القول في سبب النزول بغير علم ، قال محمد بن سيرين سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال : اتق الله وقل سدادا ، ذهب الذين يعلمون فيما أُنزل القرآن.
ـ أنواع أسبــــاب النـــــــــــــزول ـ
ـ العبارات التي يعبر بها عن أسباب النزول تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
صريحة وهي أن يقول: (( سبب نزول الآية كذا وكذا))
ظاهرة وهي أن يقول :(( كان كذا فنزلت))
محتملة وهي أن يقول :(( نزلت في كذا)).
ـ إذا ذكر كل واحد منهما سبباً لنزول الآية بلفظ صريح أو بلفظ ظاهر( فالأسباب الصريحة في سبب النزول ـ نزلت الآية في كذا) فهنا نقول :
إما أن الأسباب تعددت وكانت واقعة قبل النزول والنزول واحد لبيان الحكم ، وإما أن السبب متعدد والنزول متعدد.
والأقرب الأول؛ لأن تكرر نزول الآية خلاف الأصل ، فالأصل أن الآية إذا نزلت ، نزلت مرة واحدة.
ـ إذا قال أحدهم:(( نزلت في كذا))
وقال الآخر:(( كان كذا فنزلت الآية)) فمعلوم أننا نقدم الثاني؛ لأنه ظاهر،
وكذلك لو قال أحدهم : (( سبب نزولها كذا)) والآخر قال : (( نزلت في كذا)) فإننا نقدم الذي قال : (( سبب نزول الآية )) لأنه صريح .
ـ الذي يذكر السبب صريحاً فهو قطعاً سبب النزول (سبب نزول الآية كذا )
وأما الثاني ( نزلت الآية في كذا ) فهذا ذكر للمعنى أي أن هذا الشيء داخل في معناه مثاله :
لو قيل إن قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون:4،5)، نزلت هذه الآية في الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، فليس معناها أنه كان تأخير الصلاة عن وقتها سبباً لنزولها ؛ بل معناها الظاهر المتبادر أن هذا هو المراد من الآية ، فيكون مثل هذا القول تفسيراً وليس ذكراً لسب النزول.
ـ قـــــــــــاعدة في أسباب النزول ـ
قد يرد سببان لنزول الآية فإذا لم يمكن الترجيح فلا مانع من أن يتعدد السبب فيكون لنزول الآية سببان ، يعني أنها نزلت بعدهما جميعا فيكون الأمران سببين لنزول الآية
مثاله : قوله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }آل عمران128
ورد في بعض الروايات أن سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على قوم من الكفار مثل أبي سفيان وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية والحارث بن هشام ،هؤلاء أربعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم إذا صلى الفجر في الركعة الأخيرة يدعو عليهم (اللهم العن فلانا وفلانا ) بأسمائهم ،فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}
وهناك رواية صحيحة : أن النبي عليه الصلاة والسلام لما شجوا وجهه في أُحد جعل يمسح الدم عن وجهه ويقول كيف يُفلح قوم شجوا نبيهم وهو يدعوهم إلى الله ، فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}
والله تعالى أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أسباب نزول آيات سورة البقرة/د محمد محمود ندا
*شرح مقدمة التفسير / بن عثيمين
*/تفسير سورة آل عمران / بن عثيمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق