الأربعاء، 9 يوليو 2025

الدرس الثالث والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٣٥) (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة…

 تفسير سورة البقرة: من الآية (٣٥) (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة..) 



الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
ن \ "قوله (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكون من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) لما خلق الله تعالى آدم وفضّله أتم نعمته عليه بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها، ويستأنس بها، وأمرهما بسكن الجنة والأكل منها رغدا أي: واسعا هنيئا، (حيث شئتما) أي: من أصناف الثمار والفواكه، وقال الله تعالى له (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى* وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)، (ولا تقربا هذه الشجرة) نوع من أنواع شجر الجنة الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها إمتحانا وابتلاءا، أو لحكمة غير معلومة لنا، (فتكون من الظالمين) دل على أن النهي للتحريم لأنه رتب عليه الظلم، فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نُهي عنه حتى أزلهما أي: حملهما على الزلل بتزيينه، وقاسمهما بالله إني لكما لمن الناصحين، فاغترا به وأطاعاه فأخرجهما مما كان فيه من النعيم والرغد، وأُهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة، (بعضكم لبعض عدو) أي آدم وذريته أعداء لإبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق، وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا تحذير بني آدم من الشيطان، كما قال تعالى (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)، وقال (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا)، ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض فقال (ولكم في الأرض مستقر) أي مسكن وقرار، (ومتاع إلى حين) أي انقضاء آجالكم ثم تنتقلون منها للدار التي خُلقتم لها وخُلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة مؤقتة عارضة، ليست مسكنا حقيقيا، وإنما هي معبر يُتزود منها لتلك الدار، ولا تُعمر للاستقرار"

ت \ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا رب العالمين، فقهنا أجمعين في الدين وعلمنا التأويل، أما بعد:
قول الله جل وعلا (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) هذا معطوف على ما قبله، وقد مر معنا في الآيات وسياق الآيات المتقدمة ذكر الامتنان، امتنان الله سبحانه وتعالى على آدم عليه السلام بالمِنن العظيمة ولهذا فإن قوله (وقلنا يا آدم) هذا معطوف على ما قبله في ذكر الامتنان، مِنة الله سبحانه وتعالى على آدم وإخبار الله عز وجل لنا معاشر الذرية، ذرية آدم بهذه المنة العظيمة على أبينا آدم، والفضل العظيم عليه، وأيضا -كما سيأتي- ذكر العدو له حتى نعرف فضل أبينا فنأتسي به ونعرف عدو أبينا وعدونا وعدو ديننا الذي خلقنا الله لأجله فنحذره، فإن هذا من أعظم ما يقصد بهذه الآيات وهذا السياق العظيم المبارك، قال: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) هذا الأمر له بسكنى الجنة كان بعد التشريف العظيم الذي شرف الله به آدم عليه السلام عندما أمر الملائكة بالسجود له تحية -وقد تقدم- فبعد هذا التشريف العظيم بسجود الملائكة له، وإظهار مكانته العظيمة وعلمه، وفضل الله سبحانه وتعالى عليه، بعد ذلك أكرمه الله عز وجل بسكنى الجنة قال: (أسكن أنت وزوجك) أيضا السياق هنا قوله (اسكن أنت وزوجك) يدل على أن حواء خُلقت قبل دخول آدم الجنة، يدل على أن حواء خُلقت قبل دخول آدم الجنة، قال (أسكن أنت وزوجك الجنة)، ومن أهل العلم من أئمة التفسير من يرى أنها خُلقت له في الجنة وكان خلقها بعد دخول آدم عليه السلام الجنة، وبكل من القولين قال جماعة من المفسرين، (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا) أي تمتعا بما فيها من صنوف النّعم وألوان المنن، وطيب الثمار، (كلا منها رغدا) أي رزقا هنيئا واسعا، الرغد هو: السعة، عندما يقال فلان في رغد من العيش أي في سعة (كلا منها رغدا) أي رزقا واسعا كثيرا هنيئا. 
(حيث شئتما) من أي موقع، وأي ثمرة من ثمار الجنة تمتعا بثمرها الهنيء الطيب من أي موطن، كل ثمار الجنة لا يُستثنى من ثمار الجنة ثمرة إلا واحدة شجرة عينها الله سبحانه وتعالى لآدم، قال إلا هذه الشجرة وكُلا من كل ثمار الجنة. المنع من هذه الشجرة والتعيين لها قيل في الحكمة منه الابتلاء والامتحان، ابتلاء وامتحان لآدم عليه السلام، أو له حكمة الله أعلم بها، قد يكون هو الابتلاء والامتحان أراد الله أن يبتليه وأن يمتحنه، أو أن هناك حكمة الله سبحانه وتعالى أعلم بها.
 
قال (ولا تقربا هذه الشجرة) عين لهما شجرة معينة، ونهاهما عن قربانها، (لا تقربا) أي أنت وزوجك، ما هي هذه الشجرة؟ بعض المفسرين سموا أنواع، بعضهم قال العنب بعضهم قال النخلة، بعضهم قال الحنطة الحب، ذكروا قرابة ستة أقوال في التعيين أنواع من الشجر في الجنة، لكن الذي رجحه عدد من أئمة التفسير مثل ابن جرير الطبري، ومثل ابن كثير، ومثل أيضا ابن عطية، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: عدم القطع بتعيين شجرة، لأن الله عز وجل أخبرنا أنه أنه نهاهم عن قربان شجرة، لكن لم يأتِ في القرآن ولا في السنة الصحيحة تسمية هذه الشجرة أهي عنب، أهي رمان، أهي النخلة لم يأتِ تعيين، الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى يقول "ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة" أي أنه أخبرنا بأنه نهاهم عن شجرة معينة في الجنة ألا يقرباها، ألا يقرباها أي بالأكل منها، (كلا منها) أي الجنة رغدا رزقا واسعا، تمتعا بكل صنوف الثمار والنعيم، والأرزاق التي في الجنة إلا هذه الشجرة لا تقرباها، أي لا تأكلا منها (ولا تقربا هذه الشجرة).
 (فتكونا) أي أنت وزوجك (من الظالمين) لما ذكر سبحانه وتعالى الظلم في هذا السياق أفاد أن هذا الأمر الذي نُهي عنه إثم وفعل محرم لأنه رُتب عليه ظلم (فتكونا من الظالمين) فأفاد ذلك أن النهي الذي كان ليس نهي كراهة، أو نهي تنزيه وإنما نهي تحريم.
(لا تقربا هذه الشجرة) أي يحرم عليكم قربان هذه الشجرة والأكل، حرمت عليكم قربان هذه الشجرة والأكل منها.
 (فأزلهما الشيطان) هذا بداية الكيد العظيم من هذا الشيطان للعدو لآدم ولذريته من بعده، كيد عظيم جدا وأنواع من الحيل والمكر والكيد لإيقاع آدم وزوجه في الزلل، في مخالفة ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه، ثم من بعد ذلك التسلط على الذرية بالأمر نفسه إيقاعهما في الزلل، وفيما نهى الله سبحانه وتعالى عنه. (فأزلهما) أي آدم وحواء، (أزلهما) من الزلة أي أوقعهما في الزلل، وفي قراءة عشرية (فأزالهما) من الإزالة أي نحاهما، (فأزلهما الشيطان) نحاهما وأبعدهما من الجنة، (أزالهما) أي فعل أو تسبب في أمر يكون به ذلك، ولهذا كل من القراءتين مفسرة للأخرى، (أزلهما) أوقعهما في الزلل فترتب على وقوعهما في الزلل الإزالة، التنحية من الجنة، أزالهما: نحاهما، نحّاهما أي: تسبب في التنحية بما فعله معهما من إغواء.
 (فأزلهما الشيطان عنها) (عنها) أي: الجنة، (فأخرجهما) أخرجهما تسبب في إخراجهما، أضيف إليه الإخراج لكونه المتسبب فيه (فأخرجهما مما كانا فيه).
 قال الله سبحانه وتعالى (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) (اهبطوا) الأمر بالهبوط هو لآدم وحواء وإبليس، قال (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) ويأتي في بعض الآيات (اهبطا) وسيأتي الكلام عليها.
(وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)
 (بعضكم لبعض عدو) العداوة بين آدم وإبليس وذريتهما، ولهذا في في موطن من القرآن قال الله لآدم (إن هذا عدو لك ولزوجك)، وقال أيضا في موطن من القرآن سبحانه وتعالى لعموم الذرية (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) ولهذا من أعظم ما يستفاد من هذا السياق أن تتضح للمسلم هذه المسألة، أن هناك عدو وعداوته خطيرة جدا وشديدة وكبيرة، ودهاؤه ومكرهه كبير، وأن الواجب على المسلم أن يتخذه عدوا، أن يعتبره من أكبر أو أكبر أعدائه ويحتاط الاحتياط التام من كيد هذا العدو ومكره وينتبه لأنه مثل ما قال أهل العلم في تفسير هذا السياق المبارك "هذا السياق يتضمن التهديد العظيم عن كل المعاصي التي هي من كيد الشيطان بالإنسان ومكره به" لأن الآن سمعنا لما مكر الشيطان بالأبوين في كم ذنب، كم معصية؟ كثير؟ واحدة، لا تقرب هذه الشجرة، فانظر ماذا ترتب على هذه ال المعصية الواحدة، من تصور ما جرى لآدم بسبب معصية واحدة، كيف تألف نفسه المعاصي الكثيرة!! ولهذا هذا من أهم ما ينبغي أن يستفاد من القصص، لأن هذه القصص تذكر للعبرة، ليست مجرد معلومات تعرف وإنما مواطن فيها عبرة، فيها عظة، فيها إيقاظ للقلوب.

(فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) أي ما كانا فيه من النعيم، (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) هذه كم؟ ثلاثة أشياء، ثلاثة أشياء، التي للناس في الأرض ثلاثة أشياء، (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) هذه كم؟ ثلاثة أشياء لنا في الأرض، للذرية في الأرض ثلاثة أشياء: الأمر الأول: مستقر، أي مسكن وقرار، مستقر: أي مسكن تقرون فيه، تسكنون فيه. والأمر الثاني: متاع، يعني لكم فيها رزق، متاع: أي لكم فيها رزق قدّ ره الله وكتبه لكم، لأن كل نفس توجد في هذه الدنيا تُخلق وقد كُتب رزقها، كتب كل ما تطعمه وتتغذاه في هذه الحياة الدنيا.
الأمر الثالث: إلى حين، هناك آجال لكم، كل واحد له أجل معين منهم من يطول، ومنهم من يقصر، لكن لكل أجل، والأجل لا يتقدمه صاحبه ولا يتأخر عليه (ومتاع إلى حين) إلى حين انقضاء آجالكم، وهذا فيه أن بعد ذلك انتقال من دار إلى دار، الدار التي هم فيها دارعمل، والدار التي سينتقلون إليها دار جزاء على العمل، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم - يعني في الدنيا - عمل ولا حساب، وغدا - أي في الآخرة - حساب ولا عمل".
● قال رحمه الله تعالى: "لما خلق الله آدم وفضّله أتم عليه النعمة بأن خلق منه زوجه، أي أن حواء خُلقت من آدم لحكمة أرادها الله عز وجل، حتى يكون هناك انسجام وأنس وتواؤم (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) خلقها منه ليسكن إليها، ليطمئن إليها، أن تكون النفوس قريبة من بعض، "فأتم عليه النعمة بأن خلق منه زوجه"
 هل خلق زوجة آدم كان في الجنة أو قبل الدخول؟ قولان لأهل العلم كما تقدم.
 ليسكن إليها ويستأنس بها، "وأمرهما بسكنى الجنة والأكل منها رغدا أي واسعا هنيئا حيث شئتم أي من جميع الأصناف والفواكه والثمار التي في الجنة، وقال الله له (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى* وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) وقال له جل وعلا (ولا تقربا هذه الشجرة هذه الشجرة) نوع من أنواع شجر الجنة الله أعلم بها". قوله "الله أعلم بها" هذا هو اختيار كثير من المحققين من أئمة التفسير، لأنه لم يأتِ نص لا في القرآن ولا في السنة في التعيين، قال: "وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء، أو لحكمة غير معلومة لنا" قد تكون الحكمة الابتلاء والامتحان، الحكمة خفية، الله أعلم بها.
قال: "(فتكونا من الظالمين) دل على أن النهي للتحريم، الدليل؟ قال: "لأنه رتب الظلم عليه" فهذا يدل على أن النهي لم يكن للكراهة ولم يكن للتنزيه وإنما كان للتحريم. قال: "فلم يزل عدوهما -أي إبليس- يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه حتى أزلهما" أي حملهما على الزلل بتزيينه، هذا على قراءة (أزلهما)، والقراءة الأخرى (أزالهما) أي نحاهما، عرفنا أن الأمرين مترتب أحدهما على الآخر، والقراءتان واحدة منهما مفسرة ومبينة للمترتب على المعنى الأول، في القراءة التي هي (أزلهما) هذا الزلل المترتب عليه الإزالة (أزالهما)، "حتى أزلهما أي حملهما على الزلة بتزيينه وقاسمهما كما في سورة طه (إني لكما لمن الناصحين)، فدلهما بغرور وقاسمهما بالله إني لكما لمن الناصحين، قال بعض المفسرين -لأنهم ذكروا أسباب أنه كيف أن آدم أطاعه في هذه- بعض المفسرين قالوا: ما كان يظن آدم أن أحد يجرؤ على أن يقسم بالله وهو كاذب، ما يظن ذلك، ما يظن أن أحد يجرؤ أن يقسم بالله وهو كاذب، فلما حلف (قاسمهما بالله) حلف لهم بالله أنه ناصح لهما أطاعه، قال بعض المفسرين ما كان يظن آدم أن أحد يتجرأ أن يحلف بالله وهو كاذب، فاغترا به وأطاعاه فأخرجهما مما كان فيه من النعيم والرغد، وأُهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة والمكابدة، هذه الدار دار الدنيا.
 ●قال (بعضكم لبعض عدو) من؟ آدم وذريته مع الشيطان إبليس وذريته، ولهذا فإن الله عز وجل أبدى وأعاد في القرآن الكريم في بيان شدة هذه العداوة من إبليس لآدم وذريته، وتكرر هذا المعنى في مواطن عديدة يحذر الذرية من هذا العدو، ويذكر سبحانه وتعالى العداوة الشديدة منه لآدم وذريته.
قال "ومن المعلوم أن العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوه، وإيصال الشر إليه بكل طريق وحرمانه الخير بكل طريق، وهذا الذي ينصب ويجتهد في فعله إبليس (ثم لآتيناهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)، (ولا تجد أكثرهم شاكرين) هذا قاله عندما طلب من الله أن يُنظره، في ذاك الوقت قاله، قال (ولا تجد أكثرهم شاكرين) هذا ماذا يكون؟ هذا ظن من إبليس أنه سيفعل أفاعيل عظيمة جدا، ويمكر مكرا كبيرا.
والذي يظنه أنه ماذا سيحصل؟ أن أكثر الذرية سيضلهم، هذا ظنه (ولا تجد أكثرهم شاكرين) هذا ظن من إبليس
ماذا قال الله عز وجل في سورة سبأ؟ (ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين)، (ولقد صدّق عليهم) يعني كثير من الذرية ما خيبوا إبليس في ظنه، فيهم ما خيبوه، أطاعوه واتبعوه، صاروا من أتباعه، وركضوا وراءه فيما يدعوهم إليه، ما خيبوه فيما ظنه، (ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه) ظنه ما هو؟ (لا تجد أكثرهم شاكرين)، فعداوة شديدة، قال بعض السلف: "عدو يراك ولا تراه، شديد المؤنة" لكن مع شدة المؤنة هناك نعمة عظيمة ذكرها الله عز وجل ممتنا بها على العباد قال (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) عبادي الدخول في العبادة، التقرب إلى الله واللجوء إلى الله، والاستعاذة بالله، والذكر لله، الإقبال على طاعة الله، هذا ينحي الشيطان، إذا أذن المؤذن ماذا؟ ولى الشيطان وله ضراط، (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)، الدخول في العبادة، القرب من الله، التقرب إلى الله، الصدق مع الله، الإخلاص مع الله، هذا كله يبعد هذا العدو شديد العداوة، أعاذنا الله عز وجل وذرياتنا والمسلمين من الشيطان الرجيم، ومن ذريته، ومن همزه ونفثه ونفخه. قال: "ففي ضمن هذا تحذير بني آدم من الشيطان" هذا مثل ما قدمت، من أهم ما ينبغي أن يستفيده المسلم من هذا السياق، أو أهم ما ينبغي أن يستفيده المسلم من هذا السياق أن يعرف أن هذا يتضمن تحذير لنا معاشر الذرية من هذا العدو قال: "ففي ضمن هذا تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا* إنما يدعو حزبه) أي من يطيعونه ويتبعونه ويصيرون من أحزابه (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) هذا الذي يريد (ليكونوا من أصحاب السعير) أي ليكونوا معه في النار، قال جل علا(أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) كيف يتخذ الإنسان عدوه وليا له!! (بئس للظالمين بدلا).
ثم ذكر منتهى الإهباط، إلى ماذا ينتهي هذا الإهباط؟ فذكر أمور ثلاثة في الأرض (ولكم في الأرض مستقر) أي مسكن وقرار، (ومتاع) أي أرزاق، (إلى حين) أي انقضاء الآجال، ثم تنتقلون منها أي من الأرض للدار التي خلقتم لها، للدار التي خُلقتم لها، وخُلقت لكم التي هي الدار الآخرة، ففيها أن مدة هذه الحياة مؤقتة عارضة، ليست مسكنا حقيقيا وإنما هي معبر يتزود منه لتلك الدار، ولا تُعمر أي هذه الدار للاستقرار، فهي دار معبر وليست دار مستقر أو دار قرار. نعم

قال تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)
ن \ قال رحمه الله: " (فتلقى آدم) أي تلقف وتلقن وألهمه الله، (من ربه كلمات) وهي قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا..) الآية، فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته فتاب الله عليه ورحمه إنه هو التواب لمن تاب إليه وأناب، وتوبته نوعان: توفيقية أولا، ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيا، الرحيم بعباده ومن رحمته بهم أن وفقهم للتوبة وعفا عنهم وصفح".

ت \ قال (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) (تلقى آدم) أي أن الله تفضل على آدم ومنّ عليه بأن ألقى إليه كلمات، ألهمه كلمات، وفقه أن يقول كلمات علمه الله سبحانه وتعالى إياها قال: "(فتلقى آدم) أي تلقف وتلقن، وألهمه الله، (من ربه كلمات) كلمات ألهمه الله أن يقولها، وفقه الله أن يقولها، ما هي هذه الكلمات؟ جاء في سورة الأعراف ما يفسرها (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) هذه كلمات عظيمة في التوبة، ولهذا يشبهها تماما قول يونس عليه السلام (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، يشبهها تماما وصية النبي صلى الله عليه وسلم لصديق الأمة لما قال علمني دعاء أدعو الله به في صلاتي وفي بيتي، قال قل (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) هذه كلها في المعنى نفسه، فألهمه الله كلمات هي هذه الكلمات التي ذكرها الله في دعاء آدم وزوجه في سورة الأعراف، جاء عن ابن عباس قال: "هي قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) ، وجاء أيضا هذا المعنى عن الضحاك، وعطاء، وقتادة، وعطية العوفي عبد الرحمن بن زيد، وجماعة من المفسرين، ورجحه أيضا عدد من أئمة التفسير، رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقبله أيضا ابن جرير الطبري، وآخرين من أهل العلم، هذه الكلمات (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فيها الاعتراف بالذنب، والاعتراف بالذنب والندم على فعله هو بوابة التوبة، وهو الباب الذي يدخل منها المرء للتوبة عندما يستشعر الذنب الذي وقع فيه، ويندم على فعله للذنب، (ظلمنا أنفسنا) فاعترف بذنبه، وسأل الله المغفرة أن يغفر له هذا الذنب الذي وقع عليه، (فتاب الله عليه) تاب الله عليه ورحمه سبحانه وتعالى (إنه هو التواب) تواب هذا اسم من أسماء الله الحسنى ويتضمن صفة التوبة، يتوب سبحانه وتعالى على من يشاء، التوبة صفة لله.
وتوبة الله على عبده نوعان:
الأولى: التوفيق للتوبة (ثم تاب عليهم ليتوبوا) هذا قبل توبة العبد، (ثم تاب عليهم ليتوبوا) حتى هنا في آدم (فتلقى آدم من ربه) هذه التوبة التي قبل التوبة ألقى إليه كلمات تكون توبته من الذنب الذي وقع، هذه توبة من الله على آدم قبل توبة آدم، وتوبة بعد توبة آدم التي هي ماذا؟ (فتاب عليه) يعني قبِل توبته، فإذا توبة الله على عبده نوعان: توبة قبل توبة العبد بالتوفيق للتوبة، لأنه لا يتوب من ذنوبه إلا من وفقه الله للتوبة. ولهذا ينصح العصاة الذين تسلطت عليهم النفس الأمارة، وتسلط عليه الشيطان، ينصح هؤلاء أن يكثروا من دعاء الله أن يوفقهم للتوبة، يسأل الله عز وجل أن يشرح صدورهم، لأنه لن يتوب إلا إذا وفقه الله، ولن يدخل في التوبة إلا إذا شرح الله صدره لها، ويسرها له.. ولهذا أيضا من النصيحة للعصاة من قريب لك، أو ليس بقريب أن تدعو له، هو في تسلط، تسلط نفسه، تسلط الشيطان، وتسلط فتن الدنيا، إذا رأيته مبتلى وقد أنعم الله عليك بالهداية لا تدعُ عليه، أدعو له أن يُقبل الله بقلبه، أن يهديه، أن يتوب عليه، لأن هذا المتسلط عليه من نفس أمارة، ومن شيطان، ومن فتن في الدنيا مهلكة، لن يتوب إلا إذا شرح الله صدره، فكن عونا له، لا تكن عونا للشيطان عليه، كن عونا له، ادع الله أن يقبل بقلبه، وأن يشرح صدره، أن أن يهديه، إن وافقت منك ساعة إجابة دخل هذا العبد في التوبة وآجرك الله وآثابك على إحسانك في الدعاء لمسلم أو لعاص تسلط عليه الشيطان فأهلكه وأوبقه.
قال: "وتوبته نوعان توبة توفيق أولا، ثم قبول للتوبة هذه ثانيا"

متى تكون مقبولة؟ قال إذا اجتمعت الشروط وهي: الندم، والإقلاع والعزم، ثلاثة: ندم وإقلاع يقلع عن الذم. ويندم على فعله، ويعزم عزما أكيدا ألا يعود إليه، (الرحيم) أي بعباده الرحيم، ومن رحمته بهم أن وفقهم للتوبة، وعفا عنهم، وصفح.
 نفعنا الله أجمعين بما علمنا، وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما…. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق