بسم الله الرحمن الرحيم
/ (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا)
قال البغوي: « قال ابن عباس رضي الله عنهما- يعني في هذه الآية -: متفرقا آية بعد آية، ولم ينزل جملة واحدة». «تفسير البغوي (۲۹۸۸).
وقال القرطبي : «(إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) ما افتريته ولا جئت به من عندك، ولا من تلقاء نفسك، كما يدعيه المشركون». «تفسير القرطبي» (١٩ / ١٤٨).
/ (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا)
قال البغوي: «قال قتادة: أراد بالآثم الكفور أبا جهل، وذلك أنه لما فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أبو جهل عنها، وقال: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه».
وقال مقاتل: «أراد بـ "الآثم" عتبة بن ربيعة، وبـ "الكفور" الوليد بن المغيرة، قالا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء والمال فارجع عن هذا الأمر، قال عتبة: فأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر، وقال الوليد: أنا أعطيك من المال حتى ترضى فارجع عن هذا الأمر، فأنزل الله هذه الآية». تفسير البغوي (۲۹۹۸).
وقال ابن عطية: «وحكم ربه هو أن يُبلغ ويكافح ويتحمل المشقة ويصبر على الأذى ليعذر الله إليهم».
●وقوله تعالى: (آثما أو كفورا) هو تخيير في أن يعرف الذي ينبغي أن لا يطيعه بأي وصف كان من هذين؛ لأن كل واحد منهم فهو آثم وهو كفور، ولم تكن الأمة -الأمة الإسلامية- حينئذ من الكثرة بحيث يقع الإثم على العاصي. قال: واللفظ أيضا يقتضي نهي الإمام عن طاعة آثم من العصاة أو كفور من المشركين». «تفسير ابن عطية» .(٥/ ٤١٤)
وقال القرطبي: «(آثما أو كفورا) أوكد من الواو - يعني (أو) أوكد من (الواو) لأن الواو إذا قلت: لا تطع زيدا وعمرا فأطاع أحدهما كان غير عاص، لأنه أمره ألا يطيع الإثنين، فإذا قال: (لا تطع منهم آثما أو كفورا) فـ (أو) قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يُعصى، كما أنك إذا قلت: لا تخالف الحسن أو ابن سيرين، أو اتبع الحسن أو ابن سيرين فقد قلت هذان أهل أن يتبعا، وكل واحد منهما أهل لأن يتبع، قاله الزجاج، وقال الفراء: (أو) هنا بمنزلة (لا) كأنه قال: ولا كفورا». «الجامع لأحكام القرآن» (١٩/ ١٤٩).
وقال ابن تيمية: «وقد قيل في معناه: اصبر لما يحكم به عليك، وقيل: اصبر على أذاهم لقضاء ربك الذي هو آت. والأول أصح».
وحكم الله نوعان: خلق وأمر.
فالأول: ما يُقدره من المصائب.
والثاني: ما يأمر به وينهى عنه.
والعبد مأمور بالصبر على هذا وعلى هذا، فعليه أن يصبر لما أمر به ولما نهي عنه، فيفعل المأمور ويترك المحظور، وعليه أن يصبر لما قدّره الله عليه.
وبعض المفسرين يقول: هذه الآية منسوخة بآية السيف، وهذا يتوجه إن كان في الآية النهي عن القتال فيكون هذا النهي منسوخا، وليس جميع أنواع الصبر منسوخة، كيف والآية لم تتعرض لذلك هنا لا بنفي ولا إثبات، بل الصبر لحكم الله ما زال واجبا، وإذا أمر بالجهاد فعليه أيضا أن يصبر لحكم الله، فإنه يبتلى من قتالهم بما هو أعظم من كلامهم، كما ابتلي به يوم أحد والخندق، وعليه حينئذ أن يصبر ويفعل ما أُمر به من الجهاد». مجموع الفتاوى (٨ ٣٢٥).
/ (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا * ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا)
قال ابن عطية: «أمره تعالى بذكر ربه دأبا بكرة وأصيلا ومن الليل، بالسجود والتسبيح الذي هو الصلاة، ويحتمل أن يريد قول: سبحان الله، وذهب قوم من أهل العلم إلى أن هذه الآية إشارة إلى الصلوات الخمس، منهم ابن حبيب وغيره. فالبكرة: صلاة الصبح، والأصيل : الظهر والعصر، ومن الليل: المغرب والعشاء». تفسير ابن عطية (٥) ٤١٤).
وقال القرطبي: «قال ابن عباس وسفيان: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة». «الجامع لأحكام القرآن».(١٩ / ١٥٠)
وقال ابن تيمية: «الله تعالى أوجب الركوع والسجود في الكتاب والسنة، وهو واجب بالإجماع، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} ، وقوله تعالى : {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون}، وقوله تعالى: { فما لهم لا يؤمنون* وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون}، وقوله تعالى : {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون}، وقوله تعالى: {واسجد واقترب}، وقوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب} فدل على أن الذي لا يسجد لله من الناس قد حق عليه العذاب، وقوله: {ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا». «مجموع الفتاوى» .(٢٢/ ٥٦٦)
وقال السعدي: ولما كان الصبر يستمد من القيام بطاعة الله والإكثار من ذكره أمره الله بذلك» - يعني أن الصبر الوارد في قوله (فاصبر لحكم ربك) - أمره الله بذلك فقال: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) أي: أول النهار وآخره، فدخل في ذلك الصلوات المكتوبات وما يتبعها من النوافل، والذكر، والتسبيح، والتهليل والتكبير في هذه الأوقات» «تفسير السعدي» (ص ۹۰۲).
/ (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا)
قال الطبري: «(ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) يقول : «ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة، وما لهم فيه النجاة من عذاب الله يومئذ، وقد تأوّله بعضهم بمعنى ويذرون أمامهم يوما ثقيلا، وليس ذلك قولا مدفوعا، غير أن الذي قلناه أشبه بمعنى الكلمة». تفسير الطبري (٢٤ / ١١٧).
وقال ابن القيم: «إن طال وقوفه في الصلاة ليلا ونهارا لله، وتحمل لأجله المشاق في مرضاته وطاعته خف عليه الوقوف ذلك اليوم - يعني يوم القيامة- وسهُل عليه، وإن آثر الراحة هنا والدعة والبطالة والنعمة طال عليه الوقوف هناك ذلك اليوم، واشتدت مشقته عليه. وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: {إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا* فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم أثما أو كفورا* واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا* ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا* إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) فمن سبح الله ليلا طويلا لم يكن ذلك اليوم ثقيلا عليه، بل كان أخف شيء عليه». «اجتماع الجيوش الإسلامية (ص ۷۰).
وقال ابن القيم: للعبد بين يدي الله موقفان:
موقف بين يديه في الصلاة
وموقف بين يديه يوم لقائه.
فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك الموقف. قال تعالى : { ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا* إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا)» «الفوائد لابن القيم (۱) ۲۹۱».
/ (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا)
قال ابن عطية: «والأسر : الخلقة واتساع الأعضاء والمفاصل، وقد قال أبو هريرة والحسن والربيع: (الأسر): المفاصل والأوصال، وقال بعضهم: (الأسر): القوة. قال الطبري: ومنه قول العامة خذه بأسره، يريدون: خذه كله».
وقال القرطبي: «الكلام خرج مخرج الامتنان عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية. أي سويت خلقك وأحكمته بالقوى ثم أنت تكفر بي؟! (وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا) قال ابن عباس: يقول: لو نشاء لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم. وعنه أيضا : لغيرنا محاسنهم إلى أسمج الصور وأقبحها». «الجامع لأحكام القرآن» (١٩/ ١٥٢).
وقال ابن كثير : «{وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا} أي : وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة، وبدلناهم فأعدناهم خلقا جديدا. وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة».
وقال ابن زيد وابن جرير : «{وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا} أي: وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم، كقوله: {إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا} وكقوله: {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز}». «تفسير ابن كثير (٢٩٤٨)».
وقال السعدي: «استدل عليهم وعلى بعثهم بدليل عقلي، وهو دليل الابتداء، فقال: {نحن خلقناهم} أي: أوجدناهم من العدم، وشددنا أسرهم أي: أحكمنا خلقتهم بالأعصاب والعروق والأوتار، والقوى الظاهرة والباطنة، حتى تم الجسم واستكمل وتمكن من كل ما يريده، فالذي أوجدهم على هذه الحالة قادر على أن يعيدهم بعد موتهم لجزائهم، والذي نقلهم في هذه الدار إلى هذه الأطوار لا يليق به أن يتركهم سدى، لا يُؤمرون، ولا يُنهون، ولا يثابون، ولا يعاقبون، ولهذا قال: {بدلنا أمثالهم تبديلا} أي: أنشأناكم للبعث نشأة أخرى، وأعدناكم بأعيانك وهم بأنفسهم أمثالهم». «تفسير السعدي» (ص ۹۰۳).
/( إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا)
قال ابن عطية: «وقوله تعالى: (فمن شاء اتخذ..) ليس على جهة التخيير، بل فيه قرينة التحذير، والحض على اتخاذ السبيل». «تفسير ابن عطية (٥/ ٤١٥)».
/ (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما)
قال ابن تيمية: «العبد له مشيئة للخير والشر، وله قدرة على هذا وهذا، وهو العامل لهذا وهذا، والله خالق ذلك كله وريثه ومليكه؛ لا خالق غيره؛ ولا رب سواه؛ ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وقد أثبت الله المشيئتين مشيئة الرب ومشيئة العبد، وبيّن أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب في قوله تعالى : {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا* وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما}، وقال تعالى: {إن هو إلا ذكر للعالمين* لمن شاء منكم أن يستقيم* وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين}». «مجموع الفتاوى» (۸) ۲۳۸)
--------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق