السبت، 22 نوفمبر 2025

اسم الله [الغالب/ النصير] من كتاب فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبد الرزاق البدر

  ورد اسم الله (الغالب) في موضع واحد من القرآن، وهو قول الله تعالى: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
 [يوسف: ٢١]. 
وورد اسمه (النصير) في أربعة مواضع وهي:
 قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَنَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الأنفال: ٤٠]
 وقوله :  ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ﴾ [النساء : ٤٥] 
وقوله: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَنَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج : ٧٨]
وقوله: ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [الفرقان: ٣١].

و«الغالب» معناه الذي يفعل ما يشاء، لا يغلبه شيء، ولا يرد حكمه راد، ولا يملك أحد رد ما قضاه، أو منع ما أمضاه. 
قال القرطبي رحمه الله: "فيجب على كل مكلف أن يعلم أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الغالب على الإطلاق، فمن تمسك به فهو الغالب، ولو أن جميع من في الأرض طالب، قال تعالى:  ﴿ كتب الله لا غلين انا وَرَسُلِي ﴾ [المجادلة : ٢١]، ومن اعرض عن الله تعالى وتمسك بغيره كان مغلوبًا، وفي حبائل الشيطان مقلوبا" (۱).

و«النصير» معناه: الذي تولى نصر عباده، وتكفل بتأييد أوليائه والدفاع عنهم، والنصر لا يكون إلا منه، ولا يتحقق إلا بمنّه ، فالمنصور من نصره الله؛ إذ لا ناصر للعباد سواه، ولا حافظ لهم إلا هو ، قال تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الحكيم ﴾ [آل عمران: ١٢٦]، وقال تعالى: ﴿إِن يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ ﴾ [آل عمران: ١٦٠]، وقال تعالى :  ﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُو مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ ﴾ [الملك: ٢٠] ، وقال تعالى: ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِي وَلَا نصير﴾ [البقرة: ١٠٧]، وقال تعالى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: ٤٧].

وقد ذكر الله سبحانه في مواضع عديدة من القرآن الكريم منته على أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد:
قال تعالى: ﴿إِنَّا لَننْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر : ٥١]
 وقال تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ) [التوبة: ٢٥]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَا عَلَى مُوسَى وَهَرُونَ وَنَجَيْنَهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ [الصافات: ١١٤ - ١١٦].
وأخبر أنهم لا يطلبون نصرهم إلا منه، ولا يلجؤون لنيله إلا إليه
 ففي دعاء نوح الله :  ﴿ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ [المؤمنون : ٢٦]
 وفي دعاء لوط :  ﴿ قَالَ رَبِّ أَنصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [العنكبوت: ٣٠]، وفي دعاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين : {أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: ٢٨٦].
وفي سنن أبي داود والترمذي وغيرهما (٢) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله الله إذا غزا قال: (اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول وبك أصول وبك أقاتل).
وأخبر سبحانه أن الكفار لا ناصر لهم:
قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران : ٥٦]
وقال تعالى: ﴿ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ [الروم: ٢٩]
 وقال تعالى : ﴿ وَكَأَيِّن مِن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَئِكَ الَّتِي أَخْرَجَتكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ [محمد: ١٣]
وقال تعالى للمؤمنين : ﴿ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الفتح: ٢٢ - ٢٣].
وهو خطاب للمؤمنين الذين قاموا بحقائق الإيمان الظاهرة والباطنة بأنهم هم المنصورون، وأن العاقبة الحميدة لهم في الدنيا والآخرة.
ولهذا فإن المؤمنين ما لم يجاهدوا أنفسهم على تحقيق الإيمان والإتيان بمقومات النصر على الأعداء لا يتحقق لهم نصر، بل يتسلّط عليهم أعداؤهم بسبب ذنوبهم وتقصيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وحيث ظهر الكفار فإنها ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم، ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم نصرهم الله، كما قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: ۱۳۹]، وقال: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: ١٦٥ ]" (٣).
فيحتاج العباد للانتصار على العدو الظاهر أن يجاهدوا العدو الباطن من النفس الأمارة بالسوء والشيطان، فما لم ينتصروا على هذا العدو فلا نصر لهم.
قال ابن القيم رحمه الله في بيانه لقوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: ٦٩]: 
"علق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادًا، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطّل من الجهاد... ولا يتمكن من جهاد عدوه الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطنا، فمن نصر عليها نصر على عدوه، ومن نصرت عليه نصر عليه عدوه" (٤).
وقال رحمه الله: «فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم، فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوه من طاعة الله تعالى، فالمؤمن عزيز عال مؤيد منصور مكفي مدفوع عنه بالذات أين كان، ولو اجتمع عليه من بأقطارها، إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته ظاهرا وباطنا، وقد قال تعالى للمؤمنين: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتَرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد : ٣٥] ، فهذا الضمان إنما هو بإيمانهم وأعمالهم التي هي جند من جنود الله يحفظهم بها، ولا يفردها عنهم ويقتطعها عنهم فيبطلها عليهم كما يتر الكافرين والمنافقين أعمالهم إذ كانت لغيره، ولم تكن موافقة لأمره» (٥).
هذا ونسأل الله الكريم أن يُصلح أحوال المسلمين، وأن يقيهم شر أعدائهم، وأن يحفظ على المسلمين أمنهم وإيمانهم، وأن يكف بأس الذين كفروا، والله أشد بأساً وأشد تنكيلا، وأن يعزّ دينه ويعلي كلمته، وأن ينصرنا على القوم الكافرين، والله عزل حافظ لمن لجأ إليه، وكاف من اعتصم به، فنعم المولى ونعم النصير.
------------------------------------------------------------
(۱) «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» (۲۱۹/۱).
(٢) رواه أبو داود (رقم : (۲۶۳۲)، والترمذي (رقم : ٣٥٨٤) وحسنه . وانظر صحيح أبي داود للألباني (۲۲۹۱).
(٣) «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (٦ / ٤٥٠ ) .
(٤) «الفوائد» (ص/ ۱۰۹) .
(٥) «إغاثة اللهفان» (٢ / ٩١٣ - ٩١٤).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق