الثلاثاء، 24 يونيو 2025

فوائد سورة المرسلات (١-١٥)



 
🔹فوائد عامة في سورة المرسلات
● عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ: (والمرسلات عرفا)، فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة. إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب». صحيح البخاري (١) (١٥٢) ، صحیح مسلم (۱) ۳۳۸).

● عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار، وقد أُنزلت عليه: (والمرسلات عرفا)، فنحن نأخذها من فِيه رطبة، إذ خرجت علينا حية، فقال: "اقتلوها" فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقاها الله شركم كما وقاكم شرها.) صحيح البخاري (۳) ١٤)، «صحیح مسلم (٤ / ١٧٥٥).

● عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ منكم بـ (والتين والزيتون) فانتهى إلى آخرها (أليس الله بأحكم الحاكمين) فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين.
ومن قرأ: (لا أقسم بيوم القيامة) فانتهى إلى (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) فليقل: بلى،
ومن قرأ: (والمرسلات) فبلغ (فبأي حديث بعده يؤمنون) فليقل : آمنا بالله". سنن أبي داود (٢ / ١٦٣)، (مسند أحمد» (١٢) .(٣٥٣

(والمرسلات عرفًا * فالعاصفات عصفًا * والناشرات نشرا * فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكرا)
🔘 قال ابن تيمية : اسم الملائكة والمَلك يتضمن أنهم رسل الله، كما قال تعالى: (جاعل الملائكة رسلا)، وكما قال: (والمرسلات عرفا) فالملائكة رسل الله في تنفيذ أمره الكوني الذي يدبر به السموات والأرض كما قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون)، وكما قال: (بلى ورسلنا لديهم يكتبون)، وأمره الديني الذي تنزل به الملائكة فإنه قال: (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده)، وقال تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم)، وقال تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس)" مجموع الفتاوى (٤ / ١١٩)

🔘وقال ابن تيمية: «الملائكة يُقرّ بها عامة الأمم، كما ذكر الله عن قوم نوح وعاد وثمود وفرعون مع شركهم وتكذيبهم بالرسل أنهم كانوا يعرفون الملائكة. قال قوم نوح: (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة)، وقال تعالى: (أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة)
وقال فرعون: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين* فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) وكذلك مشركو العرب، قال تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون)، وقال تعالى: (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) ، وقال تعالى عن الأمم مطلقا : (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا* قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) فكانت هذه الأمم المكذبة للرسل المشركة بالرب مُقرة بالله وبملائكته فكيف بمن سواهم!! فعلم أن الإقرار بالرب وملائكته معروف عند عامة الأمم؛ فلهذا لم يقسم عليه، وإنما أقسم على التوحيد لأن أكثرهم مشركون».ا.هـ مجموع الفتاوی (۱۳/ ۳۱۹).
✔️والمراد : أن الله لم يُقسم لإثبات وجود الملائكة وإنما أقسم بهم سبحانه على أمور أخرى مما أراد سبحانه أن يؤكدها.

 وقال ابن القيم: "الملائكة موكلة بالعالم العلوي والسفلي، تدبره بأمر الله عز وجل كما قال تعالى: (فالمدبرات أمرا)، وقال (فالمقسمات أمرا)، وقال تعالى: (والمرسلات عرفا* فالعاصفات عصفا* والناشرات نشرا* فالفارقات فرقا* فالملقيات ذكرا)
وقال: (والنازعات غرقا * والناشطات نشطا* والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا* فالمدبرات أمرا) ». روضة المحبين ونزهة المشتاقين» (ص ۸۹).

وقال الألوسي: «قيل: أقسم سبحانه بمن اختاره من الملائكة عليهم السلام على ما أخرجه عبد بن حميد عن مجاهد، فقيل: المرسلات والعاصفات طوائف، والناشرات والفارقات والملقيات طوائف أخرى.
فالأولى: طوائف أرسلن بأمره تعالى وأمرن بإنفاذه، فعصفن في المُضي وأسر عن كما تعصف الريح تخففا في امتثال الأمر وإيقاع العذاب بالكفرة إنقاذا للأنبياء عليهم السلام ونصرة لهم.
والثانية: طوائف نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي، ففرقن بين الحق والباطل، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عليهم السلام » تفسير الألوسي (١٥ / ١٨٨).
✔️والمراد: أن النوع الأول من الملائكة موكلون بأمر الله الكوني القدري ، والنوع الثاني موكلين بأمره الشرعي. والله تعالى أعلم.

💬 وقال ابن عاشور بعد أن ذكر خلاف العلماء في المُقسم بهم في هذه الآيات قال: "ويتحصل من هذا أن الله أقسم بجنسين من مخلوقاته العظيمة، مثل قوله: {والسماء ذات البروج* واليوم الموعود) ومثله تكرر في القرآن. ويتجه في توزيعها أن الصفات التي عطفت بالفاء تابعة لجنس ما عطفت هي عليه، والتي عطفت بالواو يترجح أنها صفات لجنس آخر. فالأرجح أن المرسلات والعاصفات صفتان للرياح، وأن ما بعدها صفات للملائكة، والواو الثانية للعطف، وليست حرف قسم. ومناسبة الجمع بين هذين الجنسين في القسم: أن كليهما من الموجودات العلوية؛ لأن الأصل في العطف بالواو أن يكون المعطوف بها ذاتا غير المعطوف عليه. وما جاء بخلاف ذلك فهو خلاف الأصل. التحرير والتنوير» (٢٩ / ٤٢٠).
✔️يعني رحمه الله: أن العطف بالواو يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه. وهذا هو الأصل، وما جاء بخلاف الأصل فهو قليل ونادر.

▪️(عذرا أو نذرا):
قال ابن القيم: «قال تعالى: (فالملقيات ذكرا* عذرا أو نذرا) فإنه من تمام عدله وإحسانه أن أعذر إلى عبيده، ولم يأخذ ظالمهم إلا بعد كمال الإعذار وإقامة الحجة». مدارج السالكين» (۱) ۲۸۲).

▪️(إنما توعدون لواقع)
قال القرطبي: (إنما توعدون لواقع) هذا جواب ما تقدم من القسم، أي ما توعدون من أمر القيامة لواقع بكم ونازل عليكم». الجامع لأحكام القرآن» (١٩/ ١٥٦).

▪️(فإذا النجوم طمست)
قال القرطبي: (فإذا النجوم طمست) أي ذهب ضوؤها ومحي نورها كطمس الكتاب، يقال: طمس الشيء إذا دُرس وطُمس فهو مطموس، والريح تطمس الآثار، فتكون الريح طامسة، والأثر طامسا بمعنى مطموس». «الجامع لأحكام القرآن» (١٩/ ١٥٧).

▪️(وإذا الرسل أقتت)
قال البغوي: (وإذا الرسل أقتت)
● قرأ أهل البصرة (وقتت) بالواو
● وقرأ أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف
● وقرأ الآخرون بالألف وتشديد القاف (أُقّتت)
وهما لغتان والعرب تعاقب بين الواو والهمزة
-أي تستخدم هذا مكان هذا، وهذا مكان هذا- كقولهم: وكدتُ وأكدت، و ورَّخت وأَرخت ومعناهما أي (وقتت) و (أُقّتت) جُمعت لميقات يوم معلوم وهو يوم القيامة ليشهدوا على الأمم». «تفسير البغوي (٣٠٥/٨).

▪️( ويل يومئذ للمكذبين)
قال القرطبي: "وكرره في هذه السورة عند كل آية لمن كذب لأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكذب بشيء عذابا سوى تكذيبه بشيء آخر، ورب شيء كذب به هو أعظم جرما من تكذيبه بغيره، لأنه أقبح في تكذيبه، وأعظم في الرد على الله، فإنما يُقسم له من الويل على قدر ذلك". الجامع لأحكام القرآن» (١٩/ ١٥٨).
✔️ومراده: أن تكرار هذه الآية في هذه السورة يراد بها أن أنواع العذاب التي يُعذب بها المكذبون مختلفة متنوعة باختلاف تكذيبهم وما كذبوا به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق