الجمعة، 20 يونيو 2025

البسملة/ قوله "الثامنة: الرحمن الرحيم صفتان من الرحمة...

 ن

قال ابن جُزيٍّ:  "الثامنة: الرحمن الرحيم صفتان من الرحم ومعناهما الإحسان فهي صفة فعل وقيل: إرادة الإحسان، فهي صفة ذات"

ت 
قولُه: «ومعناهما: الإحسانُ ...» إلخ: هذا يتضمَّنُ تفسيرَ الرحمةِ: إمَّا بالإحسان، أو بإرادةِ الإحسان.
قال: «والإحسانُ صفةُ فعلٍ»، والذين يقولون هذا يريدونَ: ما يخلُقُهُ اللهُ مِن النِّعَم؛ فالرحمةُ -إِذَنْ- عبارةٌ عن مخلوقاتِهِ سبحانه، وإن سمَّوْهَا: «صفةَ فعلٍ»، فهو غلَطٌ في العقل؛ فإنَّ المفعولَ لا يكونُ صفةً للفاعلِ، بل أثَرُ فِعْلِه، وهم لا يُثبِتُونَ فعلًا يقومُ بالفاعلِ بمشيئتِه؛ فليس عندهم إلا فاعلٌ ومفعول. وقد يفسِّرون «الرحمةَ»: بإرادةِ الإحسانِ؛ وعليه فهي صفةٌ ذاتيَّةٌ؛ كما قال المؤلِّف؛ أي: أنَّها قائمةٌ بذاتِهِ تعالى. وكلٌّ من التفسيرَيْنِ فيه صرفٌ للَّفْظِ عن ظاهرِه؛ فإنَّ الرحمةَ لها معنى يقابِلُ الغضَبَ كما جاء في الحديثِ القُدْسيِّ: «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي». قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "العقيدة التدمريَّة" في الذين ينفُون صفةَ الرحمةِ والمحبَّةِ، والغضَبِ والرضا: «إنَّهم يفسِّرونَ ذلك: إمَّا بالإرادةِ، وإمَّا ببعضِ المفعولاتِ مِن النِّعَمِ والعُقُوبات». اهـ.
وعليه: فالواجبُ إثباتُ الرحمةِ صفةً للهِ حقيقةً، وتفسيرُها بالإحسانِ تفسيرٌ لها بأَثَرِها.
والرحمةُ في صفاتِ اللهِ نوعانِ:
-صفةٌ ذاتيَّةٌ.
-وصفةٌ فعليَّةٌ.
وذهَبَ ابن القيِّم: إلى أنَّ الصفةَ الذاتيَّةَ مدلولُ اسمِهِ الرحمنِ، والفعليَّةَ مدلولُ اسمِهِ الرحيمِ.
وينبغي أنْ يُعلَمَ أنَّ الرحمةَ المضافةَ إلى الله نوعان:
- نوعٌ هو صفةٌ له سبحانه ذاتيَّةً أو فعليَّةً، كما تقدَّم، وإضافتُها إليه مِن إضافةِ الصفةِ إلى الموصوفِ، وهي مدلولُ الاسمَيْنِ الشريفَيْن الرَّحمنِ الرحيمِ؛ ومِن هذا النوعِ: قولُ سليمانَ عليه السلامُ متوسِّلًا: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: 19].
- والنوعُ الثاني: رحمةٌ مخلوقةٌ، وإضافَتُها إلى الله مِن إضافةِ المخلوقِ إلى خالقِهِ؛ ومِن ذلك قولُه تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ﴾ [الروم: 50]، فالرحمةُ هنا المَطَرُ، وقولُه تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران: 107]، والرحمةُ هنا الجَنَّةُ، وفي الحديثِ القدسيِّ: أنَّ اللهَ قال للجَنَّةِ: «أَنْتِ رَحْمَتِي؛ أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءَ»، والله أعلم.

ن
قال ابنُ جُزَيٍّ -رحمه الله-: "العاشرة إنما قدّم الرحمن لوجهين: اختصاصه بالله، وجريانه مجرى الأسماء التي ليست بصفات"
ت
تقديم اسم الرحمن على الرحيم في الآيات يرجع إلى الفرق بين الاسمين، وكلُّ ما قيل في الفرق بينهما يقتضي تقديم الرحمن، وقول المفسِّر: "وجريانه مجرى الأسماء التي ليست بصفات" معناه: أن مِن أسماء الله ما هو علم محضٌ، لا يدل على صفة، والصواب أن كلَّ اسم من أسماء الله يدل على صفة، فهو علم وصفة؛ علم يدل على ذات الرب وصفة من صفاته، فهو علم وصفة، وليس من أسماء الله ما هو علم محض، فتدبَّر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات على المسائل العَقَديَّة في كتاب التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي
 عبد الرحمن بن ناصر البرَّاك




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق