الأربعاء، 23 أكتوبر 2024

تدبر سورة الواقعة / د. محمود شمس/ م.1

🎧 لسماع الدرس

من يقرأ سورة الواقعة مع سورة الرحمن يدرك أنهما سورة واحدة، فالسياق واحد والمعنى واحد ووصف الجنات تقريبا واحد لكن هنا وصف النار زاد قليلا عن سورة الرحمن. ثم تحدث الله أيضا عن كمال قدرته في هذا الكون فبدأه بمراحل، كل إنسان يدرك هذه المراحل التي تدل على قدرة الله تبارك وتعالى.
● فيذكر كمال قدرته أولا في خلق الإنسان (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين) إلى آخر ما ذكر، لكن في النهاية ذكر موت هذا الإنسان بعد قضاء أجله في هذه الدنيا.
● ثم قال: (أفرأيتم ما تحرثون أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) النبات أيضا (لو نشاء لجعلناه حطاما) ذكر الهلاك.
● ثم قال: (أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا)
يعني إذا يذكر الشيء ويذكر هلاكه دليلا على كمال قدرته جل وعلا، وكمال قدرته في ملكه وفي ملكوته.
(أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين) لم يذكر هلاك النار إنما جعلها تذكرة  ومتاعا للمقوين إشعارا بأن نار الدنيا إذا كانت لا تهلك ولا تنطفئ فكذلك نار الآخرة وهي عذاب السعير الذي أعده الله للكافرين والمكذبين. 
● ثم بعد ذلك يتحدث الله عن الإنسان وعن الموت وخروج الروح، وتقسيم الناس إلى أنواع عند خروج الروح، الناس أنواع. والله عندما يتحدث عن خروج الروح فإنه جل وعلا يضع أمرا أولا وهو (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين) هل تستطيعون أن تُرجعوا هذه الروح التي خرجت من الجسد الآن؟ هل يملك أحد؟ هل يملك أطباء العالم أن يرجعوا روحا أخرجها الله وأزهقها؟ لا يستطيعون، ولا يستطيعون أن يمنعوا الموت عن أنفسهم فضلا عن غيرهم.

وسبحان الله كنت تابعت في فترات ما من فترات عمري وتبين لي قضية مهمة جدا لا بد أن نعرفها وهي ماذا؟ كل طبيب يموت بتخصصه المتخصص فيه تخصصا دقيقا، هل تعلمون ذلك؟ يعني كل طبيب يموت بمرض في تخصصه، تخصصه هو، وسبحان الله وينتهي أجله بنفس المرض، ولذلك هذه تعطينا عبرة: عندما تذهب إلى طبيب إياك أن تظن أنه سيشفيك، لا، هو فقط يصف حالتك و يشخصها ويعطيك العلاج. كان هناك طبيب صديق لي وكان لي خالة يرحمها الله مريضة مرض يعني خلاص، فقالت لي أحضر لي هذا الطبيب فاتفقت معه. والمهم جاء ورآها وكشف عليها ونحن خارجين قال لي يا عم الشيخ خالتك أصلا ميتة، هي ماتت خلاص الآن، أنت روح جهز الكفن وجهز الأمور هذه، هي ميتة المهم.. يشاء الله أن يموت بنفس المرض بعد شهر تقريبا من كلامه معي هذا وخالتي تموت بعده بستة أشهر، يعني ستة أشهر كاملة، بل إنها شفيت بإذن الله وكأنها شفيت تماما وبدأت تتحرك وتأتي البيت عندنا وتذهب، يعني سبحان الله يعني الله جل وعلا يعطينا أدلة قوية في أنفسنا وحولنا. وكم من صحيح يخدم مريضا وهو بكامل صحته ويموت قبل المريض بسنين. أنا بكلمكم من الواقع الذي رأيته بنفسي وعاينته.
إذا الله تبارك وتعالى يُقسّم الناس إلى ثلاثة أقسام: (فأما إن كان من المقربين* فروح وريحان وجنة نعيم* وأما إن كان من أصحاب اليمين* فسلام لك من أصحاب اليمين* وأما إن كان من المكذبين الضالين* فنزل من حميم*وتصلية جحيم) وبالطبع كل هذه الآيات فيها دروس وعبر سندقق ووقتها عندما نتناولها. تمام. لكن كما تعودنا لا بد من
 مقدمة للسورة:
هذه السورة سميت الواقعة بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم، يعني النبي صلى الله عليه وسلم سماها الواقعة، ولم يعرف لها اسم غير اسم الواقعة. هذه السورة بالذات سميت بهذا الإسم، ولذلك في حديث رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال أبو بكر: يا رسول الله قد شبت، قال شيبتني هود والواقعة والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت) وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. 
● وعن عبد الله بن مسعود لكن بسند ضعيف. الحديث الآتي سنده ضعيف والبعض يستدل به ويقول أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا" والحديث طبعا مشهور، والناس كلها تعرفه.
●وروى أحمد عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور. يعني كان يقرأ أحيانا في سورة الفجر سورة الواقعة. وهكذا سميت بهذا الإسم. 
السورة مكية وقال ابن عطية بإجماع، إنها مكية بإجماع من يعتد به من أهل التفسير. لكن هناك أقوال بأن هناك آيات وقعت في طريق السفر إلى المدينة، أو أنها نزلت في المدينة. فإما أنها نزلت في طريق السفر. وإما أنها نزلت في المدينة.

أغراض السورة: 
●التذكير بيوم القيامة والتأكيد على تحقيق وقوعه، ووصف ما سيكون فيه الناس يوم القيامة.
● الغرض الثاني: بيان صفة أهل الجنة وبيان بعض نعيمهم، وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب لتكذيبهم بالبعث، و لكفرهم.
● ومن أغراضها: بيان أن الله تبارك وتعالى عندما ينزع الأرواح من الأجساد لا يستطيع أحد أن يمنعها من الخروج.
●والتأكيد على أن القرآن مُنزل من عند الله، وأنه نعمة من الله لكن الكافرين لم يشكروها.

🏷 ويبدأ الله السورة بافتتاح بديع عجيب بقوله: (إذا وقعت الواقعة) هذا افتتاح يسترعي الألباب لتترقب ماذا بعد هذا الشرط؟ يعني هذا الشرط يدل أن الأمر عظيم، وأن الأمر خطير. فماذا بعد هذا الشرط؟ بالتأكيد هناك حدث عظيم بعد هذا الشرط.
(إذا) ظرف زمان وهو متعلق بالكون المقدر في قوله تعالى: (في جنات النعيم) يعني إذا وقعت الواقعة فريق من الناس سيكونون في جنات النعيم وسينعمون في سدر مخضوض، وفريق من الناس سيكونون في سموم وحميم. يعني (إذا) الذي هو أداة الشرط هذه تفيد انها تعلقت بكون مستقبلي عندما تقع الواقعة، عندما تقع الواقعة سيكون هناك فريق من الناس في جنات النعيم - أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم - وهؤلاء ينعمون في سدر مخضوض إلى آخره. وفريق من الناس في سموم وحميم. 
وهذا يدل على أمر مهم جدا أن ندركه وهو: أن القضية ليست قيام الساعة إنما مصيرك بعد قيام الساعة، يعني قيام الساعة وتحاسب ومصيرك هل أنت من أهل جنات النعيم، وتلتقي بامواتك على سور متقابلين وتكون معهم متكئين عليها متقابلين، وتُنعموا في سدر مخضوض وطلح منضود، أم سيكون الأمر -والعياذ بالله- عكس ذلك؟ لا بد أن تضع لنفسك غاية وهدفا وتعمل لأجل هذا اليوم. لأنك كما تعلم وكما أكدنا مرارا أننا خلقنا للبقاء ولم نُخلق للفناء كما يفهم الناس.
الله خلق الانسان للبقاء لكن لنا حياتان الحياة الأولى وهي الحياة الدنيا التي نحن فيها هذه هي الحياة حياة التكليف، وحياة الابتلاء، وحياة المنغصات، وحياة التمحيص، تأتيك المنغصات من كل جانب تمحيصا لك حتى تُنقح (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) ثم عندما تنتهي الدنيا بالنسبة لك، وينتهي أجلك فكأن قيامتك قد قامت، فتُنقل إلى البرزخ، وحياة البرزخ إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار. وهذا أخبر به الصادق المصدوق، وورد في القرآن الكريم. لكن البرزخ أنت منتظر قيام الساعة، ومنتظر ما سيكون يوم القيامة، (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) تجد هنا جاءت (يسعى نورهم) جملة فعلية فعلها فعل مضارع، لأن الآخرة خطوات ومواقف، موقف بعد موقف، ففي كل موقف يتجدد سعي نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. (يسعى نورهم) تفيد التجدد والحدوث، وأنت تحتاج إلى التجدد والحدوث. وكل الناس يفزعون يوم القيامة إلا المؤمن (وهم من فزع يومئذ آمنون) (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور) فإذا أنت يوم القيامة في فزع منه آمن، والأمن والأمان الله جل وعلا هو الذي أعطاك إياه. 
جاءني سؤال بالأمس -تقريبا- قراءة (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) بالجزم وبالرفع في موضع سورة البقرة قبله (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفرُ لم يشاء ويعذبُ من يشاء) (فيغفرْ لمن يشاء ويعذبْ من يشاء)، ويجوز لغة لا قراءة، لم ترد قراءة بالنصب (فيغفرَ) هذه في قواعد اللغة (فيغفرَ لمن يشاء ويعذبَ من يشاء) لكنها لم ترد قراءة. تمام. 
قراءة الجزم تكون معطوفة على جواب الشرط المتقدم. (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفرْ لمن يشاء ويعذبْ من يشاء) ما دلالة قراءة الجزم هذه في المعنى؟
دلالتها في المعنى: ان الله جل وعلا بعد أن يحاسب العباد على ما ارتكبوه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء لكن بعد الحساب (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم .. فيغفر) تبقى المغفرة بعد المحاسبة.
وقراءة (فيغفرُ لمن يشاء) بالاستئناف، المغفرة ليست مرتبطة بالمحاسبة قبلها (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) خلاص انتهت الجملة، (فيغفر) استئناف جديد، أي أن الله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء مغفرة مطلقة. أو تعذيبا مطلقا على ما فعلوه قبل المحاسبة، يعني الله يغفر لمن يشاء قبل المحاسبة، كيف هذا؟ من الناس من يلجأ إلى الله بالدعاء خاضعا منقادا ذليلا لله في وقت السحر فيدعو الله جل وعلا، ويحسن التوبة فيغفر الله له، فهذه المغفرة ليست بعد المحاسبة إنما غفرها الله له وعفا عنه. العفو هو المحو، يمحو الله ذنوبه، ولذلك ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة القدر ماذا أقول؟ ماذا قال لها؟ "اللهم إنك عفو" يعني ما في أفضل من طلب العفو في الدنيا، تعرفون لماذا؟ العفو معناه المحو، الله يعفو عنك يعني يمحو الذنب. فكونك تطلب من الله هذا والله جل وعلا يستجيب لك فيعفو عنك ذنوبك قبل أن يحاسبك عليها. بل قد يبدل الله السيئات حسنات (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) بل قد يمحو الله السيئات بحسنات أنت تفعلها (إن الحسنات يذهبن السيئات) وهذا كله يدل على سعة رحمة الله تبارك وتعالى.
 الأولى عدم الوقف على (يحاسبكم به الله) لأنها متعلقة بما بعدها تعلق اللفظي والمتعلق بما بعده تعلق لفظي بالضرورة متعلق تعلق معنوي. فالأولى عدم الوقف، وإنما الوصل على قراءة الجزم. مثلها (ويكفر عنكم من سيئاتكم) وإن شاء الله نبقى نتكلم فيها خلاص. 

المهم الآن ربط (إذا وقعت الواقعة) بـ (في جنات النعيم) أن الناس سيكونون، هذا اسمه ارتباطٌ بكون، يعني ارتباط بكون الناس سيكونون كذا. (إذا وقعت الواقعة) فريق من الناس يكونون في جنات النعيم وفريق في سموم وحميم، فأنت أنظر لنفسك، وانظر لعملك، وانظر أنت تستعد لأن تكون في أي فريق، فسورة الواقعة فيها دلالة من اسمها، الواقعة يعني وقعت و(ليس لوقعتها كاذبة) أمر وقع أي حصل خلاص. تمام. والأمر الواقع الله ذكر الواقعية في سورة الواقعة ما هي الواقعية؟ أن الواقعة إذا وقعت الناس إما في جنات النعيم، وإما في سموم وحميم. فهمنا الواقعية؟
هنا في قوله (إذا وقعت الواقعة) وقعت الواقعة بمعنى أنها وقعت يعني حدثت، حصل، وطالما حصلت ليس لوقعتها كاذبة أيضا تمام.
إذا الله تبارك وتعالى يفتتح هذه السورة بهذا الأسلوب وذكر الله وقعت الواقعة مترتبا على أشياء قبلها في سورة الحاقة، ما الأشياء التي رتبها الله ورتب عليها وقوع الواقعة؟
( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة * وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة) إنقلاب في الكون (فدكتا دكة واحدة* فيومئذ وقعت الواقعة) (فيومئذ) التنوين هنا عوضا عن جملة تُفسّر بناء على ما قبلها فيومئذ نفخ في الصور نفخة واحدة، ويومئذ حملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة، وقعت الواقعة. ولذلك أحد علماء البلاغة وهو عبد القاهر الجرجاني - يرحم الله الجميع- عبد القاهر الجرجاني له لفتات ولطائف وفهم يقولها في كتابه دلائل الإعجاز في القرآن الكريم فيقول: (إذا) ليست شرطا، وليست ظرفا لأنها ستجعل أن وقوع الواقعة مستقبلي، الله لا يريد أن يخبر أن وقوع الواقعة مستقبلي بل يريد أن يخبر أن الواقعة وقعت لا أنها ستقع في المستقبل، يعني يقول (إذا) لو قلنا أنها أداة شرط إذاً (وقعت الواقعة) لم تحصل بعد. طيب. وإذا كانت ظرفا ضُمن معنى الشرط؟ أيضا وقوع الواقعة لم يحصل. طيب ربنا عبّر عن وقوع الواقعة بالزمن الماضي (وقعت) ليس ستقع، فيقول: أن (إذا) هنا ليست شرطية، وليست ظرفا متضمنا معنى الشرط، إنما هي صلة جاءت لتصل الوقوع الذي حدث.
 لا لا يصلح تكون فجائية، الفجائية لازم يكون فيه كلام قبلها. هذه صلة تصل (وقعت الواقعة) بما بعدها فكما أخبر الله بقوله (أتى أمر الله) قال (وقعت الواقعة) يعني الله يخبر بأنها وقعت تحقيقا لوقوعها، يعني فَهم هذا الرجل لا يريد أن يجعل وقوع الواقعة مرتبط بزمن في المستقبل.  يعني يقول ليست (إذا) دالة على أن الوقوع في المستقبل، لا.. ربنا أخبر عن الوقوع بالزمن الماضي أنها وقعت فتكون هي صلة فقط لتصل جملة (وقعت الواقعة) بما بعدها ولا تفيد معنى الشرط، ولا تفيد معنى الزمن، لأنه لا زمن ولا مستقبل، إنما هي وقعت فعلا، وقعت. يعني بالضبط مثل (أتى أمر الله)، مع أنه لم يوافقه أحد من المفسرين وإن كان البعض ذكر كلامه على أنه وجه من الأوجه وفقط. وأنا أردت أن أقوله ليس جزما بأن كلامه هو الصحيح وإنما كلامه له دلائله وله أدلته، وله نظير. يعني (اقتربت الساعة وانشق القمر) مثلها، (أتى أمر الله) مثلها، مثل (وقعت الواقعة).
ويقول أن الله تبارك وتعالى أنث الواقعة لماذا؟ يعني (إذا وقعت الواقعة) ثم قال (ليس لوقعتها كاذبة) كما أتى بالخبر مؤنث وقال (خافضة رافعة) ..الخ. 
نعلم أن التأنيث أحيانا يكون مراعاة للفظ، ويكون مراعاة للمعنى. والتذكير أحيانا يكون مراعاة للمعنى ومراعاة للفظ، وسبق وقابلنا مثل هذه الأشياء.  تذكرون مثلا في (ولا يقبل منها شفاعة) قراءة التذكير هنا (ولا يقبل) مراعاة لمعنى شفاعة، هل هناك شفاعة بدون شافع أو شفيع يذهب؟ الشفاعة الحدث والحدث يحتاج إلى ذات تذهب لتشفع لك، فيكون التذكير مراعاة لشافع أول لشفيع، يعني ولا يقبل منها شافع، ولا يقبل منها شفيع، فيعطينا هذه الدلالة.
هذه المرة الواقعة باعتبار المعنى، لأن المعنى حادثة وقعت، يعني المراد بالواقعة أنها حادثة وقعت (طامة) و(صاخة) كلها بالتأنيث للدليل على وقوعها. إذاً (إذا وقعت الواقعة) كان التأنيث بإعتبار أنها حادثة صاخة، قارعة، طامة، فحادثة وقعت، وطامة وقعت ...الخ

(ليس لوقعتها كاذبة) نفي لكون هذه الوقعة كاذبة. لماذا لم يثبت الله أن وقعتها صادقة؟ يعني لماذا قال (ليس لوقعتها كاذبة)، لماذا نفى الكذب عن الوقع؟ قلت لكم سابقا أن نفي الضد أبلغ من إثبات الضد، يعني إثبات الصدق للشيء أقل درجة من نفي الكذب، إذا نفيت الكذب عن الشيء فأنا بذلك أثبت الضد وهو الصدق،وأثبت الصدق الكامل ولذلك نفى الله الكذب عن هذه الواقعة ليقول إنها واقعة صادقة صدقا حقيقيا. وجملة (ليس لوقعتها كاذبة) جاءت على سبيل الاستئناف البياني لأنها نشأ عن قوله (إذا وقعت الواقعة) سؤال، إذا وقعت الواقعة ماذا سيحدث؟ وماذا سيكون؟ قال (ليس لوقعتها كاذبة)
● وعلى اعتبار قول القائل بأن (إذا) جواب الشرط  ظرف ضُمن معنى الشرط، أو أنه أسلوب شرط، فيكون (إذا وقعت الواقعة) أين جواب الشرط؟ جواب الشرط في قوله (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة) يعني اذا وقعت الواقعة ينقسم الناس إلى فريقين: فريق أصحاب الميمنة، وفريق أصحاب المشأمة.
ثم فصّل الله أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة فجعل أصحاب الميمنة فريقين، يعني أصحاب الميمنة ينقسمون إلى فريقين: فريق السابقون السابقون، وفريق أصحاب اليمين. وجعل أصحاب المشأمة فريق واحد.
لكن نلحظ هنا في قوله (إذا وقعت الواقعة) أن الله تبارك وتعالى أكد يقين وقوع هذه الواقعة أولا، ثم بين أن الناس يوم القيامة، يعني معنى نفي الكذب هنا، أن الناس عندما تقع الواقعة كل النفوس تأمن الكذب بوقوع الواقعة لأنه بعد وقوع الواقعة لا كذب، خلاص لم يعد هناك كذب على وجه الأرض، فأمنوا هذا الأمر.
 ثم بعد ذلك يخفض الله من يشاء ويرفع من يشاء، كأن هذه الواقعة من أهم صفاتها أنها بسبب وقوع الواقعة يخفض الله أناسا كانوا يظنون أنفسهم أنهم مرتفعون، وكان الناس يظنون أنهم مرتفعون لأنهم كانوا يرونهم في الدنيا أهل مكانة لكنها كانت مكانة كاذبة والله قال (ليس لوقعتها كاذبة) خلاص لم يعد كذب، لم يعد من يفتخر كذبا، لم يعد من يتظاهر، ولم يعد من يظهر خلاف ما يبطن، لم يعد هناك كذب في الآخرة. والدليل الواقعي على ذلك أنك ستجد أناسا كنت تظن أنهم ممن يرفعهم الله يوم القيامة فإذا بهم من أهل الخافضة، وأناس كنت تظن أنهم من أهل الخفض فإذا بهم رفعهم الله تبارك وتعالى. يعني إذا نتيجة حقيقية، نتيجة يقينية، بس النتيجة اليقينية لكي يخبرنا الله عنها نفى الكذب بعد وقوع الواقعة ما في كذب خلاص. كل يظهر على حقيقته، ويظهر على حقيقته التي ما كنا نراها كما قال أهل النار (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) فالله جل وعلا، يعني أنا فقط أبين لكم التعبير الدقيق (ليس لوقعتها كاذبة) لم يعد هناك كذب وبما أنه لم يعد هناك كذب فهناك أناس خفضهم الله، وهناك أناس رفعهم الله، كأن هناك أناس في الدنيا الآن نظن أنهم ممن يرفعهم الله أليس كذلك؟ أليس قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن اول ثلاثة تسعر بهم النار، هؤلاء لو رأيناهم في الدنيا معنا، لو رأينا احد الناس يقرأ القرآن ويظهر لنا بأنه يعمل به، ويأمر الناس بالعمل به، سنقول هذا من أهل من يرفعهم الله؟ لكن المقاييس عند الله مقاييس حقيقية، مقاييس يقينية، الله الذي يعلم السر وأخفى، الله الذي يعلم ما كان وما يكون، وما سوف يكون، وما لم يكن. سبحانه وتعالى. فنسأل الله تبارك وتعالى أن يسترنا جميعا وأن يجعلنا ممن يرفعهم الله يوم القيامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق