الأربعاء، 29 مايو 2024

في قول الله تعالى: {فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} كيف نفهم هذه الآية؟

س: في قول الله تعالى: {فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} كيف نفهم هذه الآية؟ هل هذا الحياء محمود إذا تخلَّقنا به؟

الجواب: الآية فيها ذكر حياء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يستحيي من المؤمنين؛ فيمنعه الحياء أن يبدي لهم ما يفهمون منه رغبته في خروجهم من منزله بعد الطعام.
وهذا حياء من النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّه الله عز وجل عليه، ولم ينكره عليه، ولم يعاتبه فيه، إنما عاتب المؤمنين الذين يستأنسون للحديث بعد تناول الطعام.
فمن الآداب العامة أن من دعي إلى طعام وعرف من حال الداعي أنه يحب التبكير إلى دعوته فيبكر إليها، ثم إذا طعم؛ فالسنة في حقّه ألا يطيل المكث بعد تناول الطعام إلا إذا وجد منه رغبة في الحديث بعد الطعام، ولا سيما من كانت له حاجة إلى الحديث.
وأما قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ }؛ فيدل على أنّ الحق لا يمنع منه الحياء،
وفي المراد بالحقّ في هذه الآية وجهان في التفسير:
أحدهما: أنّ إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وإحراجه منكر عظيم، والحياء يجب ألا يمنع من إنكار المنكر، وإذا كان الله عزّ وجلَّ قد نهى عن إيذاء أوليائه وإحراجهم؛ فكيف بإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم.

والآخر: تعليم الناس الحق، وتأديبهم بالآداب الشرعية، ومن ذلك تأديب المدعوين إلى تجنب إيذاء صاحب الدعوة وإحراجه.
والوجهان صحيحان، يصحّ حمل الآية عليهما.
والله تعالى حييّ كريم كما في سنن أبي داوود والترمذي وابن ماجة من حديث جعفر بن ميمون الأنماطي قال: حدثني أبو عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردّهما صِفراً)) وحياؤه جلّ وعلا أكمل الحياء وأحسنه وأقومه.
والحياء الحسن لا يمنع من إنكار المنكر، ولا من القوة في أمر الله تعالى، وتعليم الناس الحق وبذلك فرّق بين الخجل المذموم، والحياء المحمود.

والخلاصة أنّ هذه الآية يؤخذ منها آداب وفوائد مهمة:
أولها: تحريم إيذاء صاحبِ الدعوة وإحراجه.
وثانيها: مشروعية استحياء صاحب الدعوة من المدعوين.
وثالثها: أن الحياء لا يمنع من إنكار المنكر؛ بل مَنْ منعه حياؤه من إنكار المنكر فهذا لضعف عزيمته أو في بصيرته، وليس هذا القدر من الحياء محموداً في حقه.
ورابعها: أنه لا يكون في شريعة الله عز وجل ما يخالف الحياء الحقيقي المحمود، ولا ما يحمل المكلفين على فعل ما يخالف موجَب الحياء.
------------------------------------
عبد العزيز بن داخل المطيري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق