الأربعاء، 29 مايو 2024

سؤال عن الفرق بين الرين والغين والغيم؟

سؤال عن الفرق بين الرين والغين والغيم؟

الجواب: هذه مراتب الحجب على القلب، وهي متفاوتة:
فأخفها الغين، وهو الحجاب المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليُغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة) رواه أحمد ومسلم من طريق ثابت البناني، عن أبي بردة، عن الأغرّ المزني رضي الله عنه.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والغين حجاب رقيق أرق من الغيم، فأخبر أنه يستغفر الله استغفارا يزيلُ الغينَ عن القلب فلا يصير نكتة سوداء).
- وقال ابن القيم: (الغين ألطف شيء وأرقّه) أي مما يغشى القلب.
فالغين حجاب رقيق، وهو حجاب الأنبياء والمقربين، وهو أرقّ الحجب التي على القلب.
وهذا الحجاب يعرض للأرواح ولا يُرى بالعين.

والحجب التي على القلوب على درجات
● فمن أشدّها الرَّين والختم والطَّبع والقفل، وهي الحجب التي تكون على القلوب القاسية والميتة.
● ويعرض للقلوب الحية المؤمنة عوارض أخفّ منها مثل الغيم، والغين، وكلما كان القلب أكثر حياة وأصحّ كان تجليه أكثر.
- قال عبد الرحمن بن مغراء الدوسي قاضي الأردن في زمانه: حدثنا الأزهر بن عبد الله الأودي قال: حدثنا محمد بن عجلان، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب: يا أبا حسن ربما شهدت وغبنا، وربما شهدنا وغبت، ثلاث أسألك عنهن هل عندك منهن علم؟
قال علي: وما هن؟ قال:
● الرجل يحبّ الرجل ولم ير منه خيراً، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شراً؟
قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الأرواحَ في الهواء جنودٌ مجندة تلتقي فتشامّ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
قال عمر: واحدة.
● والرجل يحدث الحديث إذ نسيه، إذ ذكره؟
فقال علي: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من القلوب قلبٌ إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ علت عليه سحابة فأظلم، إذ تجلَّت عنه فأضاء، وبينا الرجل يحدّث إذ علته سحابة فنسي، إذ تجلّت عنه فذكر».
وذكر بقية الحديث، رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وأبو نعيم في الحلية ومعرفة الصحابة، وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فهكذا الغيم الذي يكون على القلب تحصل به غفلة عن الذكر ونسيان، وهذا من شأن الأرواح وليس من شأن الجسد، والقلب له اتصال بالروح واتصال بالجسد، ومن العلماء من ذكر أن الروح على مسلاخ الجسد لكن من غير جُرم تبصره العين.
وهذا ظاهر من أدلة عدة يتبيّن بها أن أعضاء الجسد لها ما يقابلها في الروح, ومن ذلك الحديث الذي في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وغيرهما من طريق أبي الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح ابن آدم فإنَّ الأعضاء كلها تكفر اللسان؛ فتقول: "اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا")).
(تكفر اللسان) أي تحرج عليه، وتذمّمه، وتنقاد له.
فدلّ الحديث على أنّ أعضاء الجسد كلها تتكلم بكلام لا يسمعه الإنسان، والكلام من شأن الأرواح، فتبيّن بذلك أنّ كلّ عضو من الجسد له ما يقابله من الروج.
والقلب من حيث كونه عضوا جسديا محضاً ليس له قدرة على القيام بأعمال الإدراك والتصديق والإرادة والحب والبغض والتمني وغيرها من الأعمال التي هي من شأن الروح، وقد دلت النصوص على أن محل ذلك هو القلب.
فتبين بذلك أنها من شأن القلب الذي فيه روح، كما في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
ومن المعلوم المتقرر أن صلاح القلب إنما هو بالإيمان والعمل الصالح، وهما قائمان على صحة الإدراك، وصلاح الإرادة.
فبصحة الإدراك يكون التصديق صحيحا موافقا للحق.
وبصلاح الإرادة تستقيم الجوارح على عمل الطاعات.
والإدراك والإرادة من شأن الروح لا من عمل الجسد.
- قال ابن القيم رحمه الله: (يطلق القلب على معنيين:
●أحدهما: أمر حسي وهو العضو اللحمي الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر، وفي باطنه تجويف وفي التجويف دم أسود، وهو منبع الروح.
● والثاني: أمر معنوي وهو لطيفة ربانية رحمانية روحانية لها بهذا العضو تعلق واختصاص، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسانية) ا. هـ.
والمقصود أنّ الغيم والغين وغيرهما من الحجب التي على القلب هي مما يختصّ به الشقّ الروحي من الإنسان، وأثرها على أعمال الروح من العقل، والإدراك، والذكر، والنسيان، وغيرها.
وأخف هذه الحجب الغين، وهو أرقّ شيء وألطفه من تلك الحجب، وفي تقدير وقوعه حكمة من الله، وقد قيل في ذلك: أنّ القلوب لا تحتمل دوام استشعار الحقائق واستصحاب ذكرها، وذلك من لوازم الضعف البشري كما قال الله تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفا}.
وأكثف منه الغيم، وهذا يقع لبعض المؤمنين.
أما الرين فهو أغلظ هذه الحجب, وأشدّها كثافة، وهو حجاب الكفار، وهو المذكور في قول الله عز وجل: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي بسبب كثرة ذنوبهم وتتابعها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق