بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وبعد:
هذه دورة مختصرة في التدبر وقواعد التدبر سأتكلم فيها على شكل مقاطع قصيرة وعلى شكل أيام مختلفة لأستعين الله في تقريب علم تدبر القرآن. كما جرت العادة أن يكون في البداية التعريف
فأولا: التعريف اللغوي لكلمة التدبر:
هي مأخوذة من دبر أو أدبر، -يعني الفعل الثلاثي أو الرباعي- ومعاني هذه الكلمة في لغة العرب: دبر الشاة، أدبار الصلوات، تولوا أدبارهم، أدبار السجود، وغيرها من الكلمات، معاني هذه الكلمات تدور على أواخر الشيء دائما، عواقب الشيء، نهايات الشي، كل نهاية شيء يسمى دُبر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (ولا تدابروا) يعني لا أحد يعطي الآخر دُبره، بحيث أنهم متقاطعين ما يُسلم المسلم على أخيه. فالكلمة تدور على أواخر الشيء.
طبعا هذا المعنى اللغوي يفيدنا في فهم مدخل للتدبر في عدة قضايا:
القضية الأولى: اتضح من خلال المعنى، لأن المعنى يدل على أواخر الشيء، دُبر الشيء. يتضح من خلال المعنى اللغوي أن التدبر لن يكون هو الأول، سيكون فيه شيء قبله، فالتفسير قبل التدبر، التدبر هو الذي يأتي آخرا. التفسير هو الأول، ثم بعد ذلك يتدبر المتدبر.
القضية الثانية: التي استفدناها من التعريف اللغوي للتدبر: أنه لا يكون التدبر تدبر ا حتى يكتمل المعنى الذي هو معنى الآية، الذي هو تفسير الآية، فلا يمكن للإنسان أن يتدبر، والمعنى غير واضح أو لا يمكن للإنسان أن يتدبر والمعنى غير مكتمل، طبيعي سيتأثر التدبر، لماذا؟
لأن التدبر دائما يأتي هو في الأخير لأجل ذلك هو اسمه تدبر لأنه مأخوذ من دُبر الشي. هذا من حيث المعنى اللغوي.
أما من حيث المعنى الشرعي:
فعبارات أهل العلم تختلف ، بعضهم يقول: تأمل معاني القرآن
بعضهم يقول: التفكر في القرآن ومعانيه
بعضهم يقول: تحديق ناظر القلب إلى معانيه
بعضهم يقول: التأمل في معانيه
بعضهم يقول: النظر إلى ما وراء الألفاظ.
إذا تأملنا هذه التعريفات التي جاءت عن أهل العلم سنستنتج شيء، يعني نحاول أن ننظر لها وبالتالي نسجل عدة نتائج فنستنتج:
أولا: أن التدبر عملية ذهنية، ولو تلاحظ التعريفات - تأمل، تفكر، تحديق القلب، النظر إلى ما وراء الألفاظ - فالتدبر عملية ذهنية، يعني أن التفكّر في الآية يسمى تدبرا، إعمال الفِكر في الآية يسمى تدبرا، تأمل معنى الآية يسمى تدبرا، فأول نتيجة نسجلها أن التدبر عملية ذهنية، وبالتالي تبدأ عبادة التدبر ابتداء من التفكير بالآية، إذا فكر الإنسان في الآية، بدأ يتأمل الآية، نقول الآن أنت في عبادة اسمها عبادة التدبر، لأنك بدأت تتأمل وبدأت تستنتج، وبدأت تنظر، وبدأت تتفكر، فهذه هي العملية التدبرية.
وأيضا نستنتج شيء ثالث: أن التدبر قريب، يعني ممكن، ليس من الصعوبة بمكان لأنه بمجرد تأمل في الآيات أن يتأمل الإنسان في معنى الآية، أن يتأمل الإنسان في دلالة الآية، أن يتأمل الإنسان في أوائل الآية، في أواخر الآية، في الاسم الذي ورد -مثلا- اسم الله الرحمن، أو اسم الله الرحيم، أو الملك، أو غير ذلك، لأن إعماله فكره في ذلك هو تدبر.
فإذن التدبر ليس يعني شيء مثل ما تقول، يعني مختلف، شيء لا يمكن تطبيقه، وشيء يحتاج إلى طقوس معينة أو أمور معينة، مجرد أن الإنسان يفكر في الآية نقول أنت الآن ابتدأت صلاة القلب التي هي التدبر، أنت الآن ابتدأت بالتدبر، وهذا يعطينا تقريب للتدبر وهو المفروض أنه ينتشر بين الناس.
بقي نقطة: هناك بعض أهل العلم يمد أثر التدبر.
يعني التدبر هو يبدأ من بداية التفكر في الآية هذه نحن متفقين عليها، طيب يأتينا سؤال بعد ذلك:
إلى أي مدى ينتهي التدبر؟
بعض أهل العلم يمُد أثر التدبر ليشمل العمل، فإذا بدأ العمل يتغير، يعني كان عنده تفريط في الصلاة فبدأ يصلي، كان عنده تهاون في النظر فبدأ يغض بصره، كان عنده عقوق والدين، فبدأ يبر والده، إذا بدأ السلوك يتغير يعتبر الآن التدبر قد اكتمل.
وبعض أهل العلم لا يوافق على ذلك، ويرى أن التدبر هو مجرد عملية ذهنية، وأن كل ما جاء بعد ذلك إنما هو من آثار التدبر.
يعني إذا أثّر التدبر تحسن عندنا السلوك، وهذا يبدو -والله تعالى أعلم- أنه هو الأنسب، لأن التدبر عملية ذهنية يقوم فيها الذهن والله سبحانه وتعالى يريد من الإنسان المؤمن أن يُعمل فكره في كلامه فينظر في كلامه، ويتأمل في كلامه ويتدارس كلامه، يفكر في كلامه وفي دلالات هذا الكلام.
هذا هو التعريف اللغوي وما يستنبط منه، والتعريف الاصطلاحي وما يستنبط منه، وأيضا تعرضت لمسألة إلى أي مدى يكون التدبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق