الحياة الحقيقية هي حياة القلب وتلك الحياة لا تكون إلا بالقرآن وفي القرآن ولذا نقول: لم يذق طعم الحياة من لم يتدبر كتاب الله..
الاثنين، 13 يونيو 2022
الوقف والابتداء في سورة البقرة (٢١-٢٩)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وحياكم الله في هذه الفقرة المتعلقة بالوقف والابتداء في سورة البقرة من الآية (٢١) حتى الآية (٢٩)، سآخذ نماذج منتقاة.
س: هل يصح الوقف على (خلقكم)؟ قال بعدها: (وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ)
الجواب:لا يصح الوقف، والسبب أن الواو واو عطف، فقوله: (وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ) معطوفة على الكاف من قوله (خلقكم)، والمعنى: خلقكم وخلق الذين من قبلكم.
س: وهل يصح الوقف على (من قبلكم)؟
الجواب: لا، لأن جملة (لعلكم تتقون) جملة تعليلية، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا بالعبادة حتى نحقق التقوى.
فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (22)) الوقف على قول الله تعالى: (والسماء بناء) هل يصح الوقف هنا أو لا يصح؟
هنا ننظر إلى الواو التي بعدها كما سبق وأن نبهتُ على ذلك، واو (وأنزل من السماء ماء) هل هي واو عطف أو استئناف؟
الصحيح الظاهر أنها واو عطف وليست واو استئناف، وبناء عليه الأصل عدم الوقف، لكن الإمام أبو عمرو الداني ـ رحمه الله ـ جعل الوقف هنا كافيا، وهذا وجيه لأننا ذكرنا سابقا أن عطف الجمل إن جاءت الجملة تامة كاملة قائمة بنفسها وارتبطت بشيء بعدها، فإنها قد تستقل بنفسها من حيث إظهار المعنى، فلو قرأنا (وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) هذه جملة تامة فيها الإخبار بإنزال الماء من السماء وأنه نتج عن ذلك إخراج الثمرات من الأرض رزقا لنا، فهي جملة تامة يصح الوقف قبلها، والله أعلم.
الجواب:لا وقف، لا على قوله (عبدِنا) ولا على قوله (من مثله)، لماذا؟
تأمل! قال: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) هذه جملة فعل الشرط، أين جواب (إن)؟ جوابها (فأتوا بسورة من مثله) إذا لا يصح الوقف قبل (فأتوا) لأنها تتمة الجملة.
وجملة (وادعوا شهداءكم) عطف على الجملة التي قبلها، وهي إتمام للتحدي، يعني فأتوا بسورة وادعوا شهداءكم من دون الله فليأتوا بسورة، فالارتباط بين الجملتين قوي، لذلك نقول لا يصح الوقف، والله أعلم.
الموضع الرابع: في الآية التي تليها (فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ وَلَن تَفۡعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ (24))
نفس الأمر، هل يصح أن تقول (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) تقف ثم تقول (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة)؟
الجواب: لا، لأن جواب (إن): (فاتقوا النار) يعني (إن لم تفعلوا)، (ولن تفعلوا) جملة معترضة هي من باب التحدي إن لم تفعلوا فاتقوا النار، فهذا جوابها، فالجملة لم تتم إلا بعد قوله (فاتقوا النار) التي وصفها بأنها (وقودها الناس والحجارة)، هنا يمكن الوقف.
(أَنَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ) هل يصح الوقف هنا أو لا؟
الجواب: أنه يصح الوقف، لأن الجملة أن البشارة بأن من آمن وعمل صالحا له جنات تجري من تحتها الأنهار، ثم كأن سائلا سأل: ما وصف هذه الجنات؟ ما حال هذه الجنات؟ فأجاب: (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ رِّزۡقٗا قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ)فيصح الوقف على (الأنهار).
الصحيح أن الوقف على قوله (فما فوقها)، لأن الله عز وجل يخبر أنه لا يستحيي أن يضرب أي مثل كان سواء كان المثل بعوضة أو ما هو أكبر منها، هذه هي الجملة، فبعوضة هنا بدل من قوله (مثلا) ، (أن يضرب مثلاً بعوضة فما فوقها) فلا يصح الوقف قبل (فما فوقها).
الموضع الذي يليه: في نفس الآية (وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ)
هل يصح الوقف على (مثلا)؟
هنا وضعت علامة الوقف اللازم في مصحف المدينة، وذلك للفصل بين قول الكافرين وقول الله سبحانه وتعالى، لأن الكافرين قالوا: (ماذا أراد الله بهذا مثلا) اعترضوا على تمثيل الله بهذه الأمثال، فأجاب الله (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) ووضعت علامة الوقف اللازم حتى لا يتوهم متوهم إذا وصلت أن الكافرين قالوا ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيرا، يعني كأنه تتمة لقول الكافرين فلذلك وضعت علامة الوقف اللازم حتى لا يقع هذا الوهم والإيهام.
الموضع السابع: في الآية التي تليها السابعة والعشرين (ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ (27))
(ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ ) جملة ، (وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ) ، (وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ ) هذه ثلاث جمل معطوفات، هل يصح الفصل بينها أو لا؟
على القاعدة التي ذكرتها سابقا، أنه إذا لم تحتج الجملة إلى تقدير فإنه يصح الوقف. وقد أجاز الأشموني الوقف على قوله (ميثاقه) أي (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) يقف، ثم يقرأ (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض) والأمر في ذلك واسع، والله أعلم.
ثم نأتي للآية التي تليها وهي (كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ (28))
أين الوقف في هذه الآية؟
هذه من أكثر الآيات التي وقع فيها الاختلاف في موضع الوقف فيها. طبعا (كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ) لا يصح الوقف، لأن الواو في قوله (وكنتم) واو حالية، والواو الحالية لا يصح الوقف قبلها، كأنه قال: كيف تكفرون بالله والحال أنكم كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون.
من العلماء من يجعل الوقف هنا (وكنتم أمواتا)، ومنهم من يجعله (فأحياكم)، ومنهم من يجعله (ثم يميتكم)، ومنهم من يجعله (ثم يحييكم) ، ومنهم من يقول لا وقف إلى آخر الآية.
دعونا نتأمل جيدا
(وكنتم أمواتا فأحياكم) الظاهر أنه لا يصح الوقف على (أمواتا) لأن الفاء هنا فاء النتيجة والعاقبة، يعني بعد أن كنتم أمواتا منّ عليكم بالحياة.
طيب نأتي إلى (فأحياكم) هنا وضعت علامة الوصل أولى في مصحف المدينة، يعني أن الوقف هنا يصح مع أن الوصل أولى، وهذا قول لمن رأى أن (ثم) التي تليها ليست عاطفة، وإنما استئنافية لترتيب الأخبار، يعني كأنه يريد أن يرتب أنه حصل هذا وبعده حصل هذا، وليس المقصود به العطف، فلذلك أجازوا الوقف هنا (فأحياكم). وهي نظرة معنوية أيضا، يعني كأنه قال: كيف تكفرون بالله والحال أنكم كنتم أمواتا فأحياكم من العدم، فكأنه يحتج عليهم وعلى كفرهم بأن الله أحياكم من العدم وأنعم عليكم فكيف تكفرون به، ثم انتهت الجملة وانتهى احتجاجه، ثم قال ثم سيميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون، هذه نظرة من صحح الوقف هنا.
أما من صحح الوقف على (ثم يميتكم) بمعنى أنك تقرأ (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم) اعتبر (ثم) الأولى هذه عاطفة، و(ثم يحييكم) هذه اعتبرها مستأنفة لترتيب الخبر، وعنده نظرة معنوية أيضا وهي أن الله احتج عليهم وعلى كفرهم بقوله: كيف وقعتم في الكفر بالله والحال أنكم كنتم (أمواتا) وهذا تقرون به، (فأحياكم) وهذا تقرون به أيضا أن الله أحياكم من العدم، (ثم يميتكم) وهذا تقرون به أيضا بأن الله يميتكم متى شاء، ثم وقفوا هنا، (ثم يحييكم) هذا الذي كانوا ينكرونه من البعث والنشور، فلذلك الاحتجاج عليهم بما يعلمونه ويقرون به، فنقف على (ثم يميتكم) ، أما ما بعد موتهم فهم ينكرونه أصلاً، فهو قام مقام الإخبار أن الله سيحييكم ثم إليه ترجعون، فلذلك وقفوا هنا (ثم يميتكم).
ومن وقف (ثم يحييكم) أيضا قاسها نفس القياس، أنكم كنتم أ أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم، قالوا: مثل قول الله تعالى (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)، ثم إليه ترجعون أي للحساب والجزاء، وهذا فُصِل لكونه محل إنكارهم.
والحقيقة إذا نظرنا إلى الأمر المعنوي في هذه الآية، الكفار كان كثير منهم ينكر أن يكون الله سبحانه وتعالى يميته (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) أي تصاريف الأيام هي تهلكنا ونموت قدرا دون أن ن يكون هناك إماتة مقصودة من الله سبحانه وتعالى لقصد الجزاء والحساب فيما بعد ذلك. وبناء على هذا نقول أن الوقف على (فأحياكم) هو الأفضل، ومن وصل الآية كاملة فقد أتى بالكمال، لكن إذا نظرنا إلى احتجاج الله عليهم لما قال (كيف تكفرون بالله) فتتمة الاحتجاج (وكنتم أمواتا فأحياكم) انتهى الاحتجاج هنا، ثم قال (ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) إخبارا لهم بمصيرهم وما سيلاقونه في قادم الأيام، والله أعلم.
(هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا) هل يصح الوقف هنا أو لا؟
من العلماء من صحح الوقف هنا، وهو وقف عند الهبطي والأشموني والداني وغيرهم، قالوا يبتدئ (ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ)، وحملوا (ثم) هنا على تعداد النعم لا على الترتيب، وبالتالي لم يجعلوها عاطفة فأجازوا الوقف قبلها، بأن الله يمتن علينا بأنه خلق لنا ما في الأرض جميعا، ثم أخبر سبحانه وتعالى أنه استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات.
وهذا القول خطأ، لأن أصحابه كأنهم يميلون إلى أنه لا ترتيب بين أفعال الله سبحانه وتعالى وهذا - خطأ - أفعال الله سبحانه وتعالى وما حصل منه من خلق السموات والأرض حصل فيها ترتيب، كما قال تعالى: (قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ (10) ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ) فلا شك أن خلق السموات كان بعد خلق الأرض، فثم هنا للترتيب وليست لمجرد تعداد النعم، وإذا كانت للترتيب عاطفة، وإن كانت عاطفة فلا وقف هنا.
إذاً .. إذا قلنا أنه لا وقف هنا، أين الوقف في هذه الآية؟
الوقف الصحيح (فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖۚ)، طالت الآية، والقارئ في الغالب إذا طالت الآية يحتاج إلى موضع يقف فيه وقفا حسنا ثم يعود ويربط الآية حتى يصل إلى موضع الوقف الصحيح، فأين موضع الوقف الحسن هنا؟
هل يقف ويقول (هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ ) أو (ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ)؟
الصحيح -ولا شك- أن يقف (ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ) ولا يقف (ثم استوى).
وقد ذكرت في مقطع تصحيح التلاوة أن هذا الوقف وقف قبيح، والسبب في ذلك: أن (استوى) تختلف معانيها بحسب الحرف التي تُعدى بها، كما ذكر ذلك الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره، وسبقه إليها ابن القيم رحمه الله، فاستوى إذا وقفنا عليها (ثم استوى) بدون حرف التعدية الذي هو (إلى) صار المعنى ثم كمُل ، ثم تمّ، وهذا قبيح في ذات الله سبحانه وتعالى، تعالى الله عن ذلك. كأن القارئ يقول: أن الله سبحانه وتعالى خلق لنا ما في الأرض جميعا ثم كمُل وتم هو سبحانه، وهذا ظاهر القبح، وهذا يقع من كثير من القراء فينبغي التنبه له، إن ضاق بك النفس قف على (جميعا) ولا تقف (ثم استوى)، وإن استطعت أن تصل إلى (إلى السماء) فهو أولى، ثم ترجع وتربط (ثم استوى إلى السماء)، لان معنی استوى بدون تعديتها بحرف معناها كمُل وتم، كما قال الله (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما) استوى هنا لم تعد بحرف فصار المعني هنا كمل ونضج وبلغ سن الرشد، أما (استوى إلى السماء) أي: قصد إلى خلق السماء، واستوى على العرش بمعنى علا عليه وارتفع، فاختلفت معانيها باختلاف الحرف الذي تعدى بها.
هذا خلاصة ما يمكن أن يقال في الوقف والابتداء في هذه الآيات، والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق