قال تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) [سورة التوبة:74]
أي يحلفون بالله إنهم ما قالوا تلك الكلمة التي نُسبت إليهم، والله يُكذبهم ويثبت أنهم قد قالوا كلمة الكفر التي رويت عنهم، ولم يذكر القرآن هذه الكلمة لأنه لا ينبغي ذكرها، ولئلا يتعبد المسلمون بتلاوتها، وأصح ما قيل فيها مارواه ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: « كان رسول الله ﷺ جالسا في ظل شجرة فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلّموا، فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق فدعاه رسول الله فقال له: علام تشتمنى أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا، فتجاوز عنهم فأنزل الله: يحلفون بالله ما قالوا » الآية.
أما همّهم بما لم ينالوا فهو اغتيال رسول الله ﷺ في العقبة مُنصرفه من تبوك - ذاك أنه لما رجع رسول الله ﷺ قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله ﷺ ناس من المنافقين فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول الله ﷺ أخبر خبرهم فقال: من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم. وأخذ رسول الله ﷺ العقبة وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين هموا بالمكر برسول الله ﷺ فإنهم لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثّموا وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله ﷺ حذيفة ابن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة أن يسوقها، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول الله ﷺ وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة غضب رسول الله ﷺ فرجع ومعه محجن، واستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضربا بالمحجن وأبصر القوم وهم متلثمون ولا يشعر إلا أن ذلك فعل المسافر، فأرعبهم الله سبحانه حين أبصروا حذيفة وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله ﷺ، فلما أدركه قال: « اضرب الراحلة يا حذيفة وامش أنت يا عمار وراءها » فأسرعوا حتى استووا بأعلاها، فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي ﷺ لحذيفة « هل عرفت من هؤلاء الركب أحدا؟ » قال حذيفة عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون، فقال رسول الله ﷺ « هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا؟ » قالوا: لا والله يا رسول الله، قال: « فإنهم مكروا ليسيروا معى حتى إذا طلعت في العقبة طرحونى منها » قالوا: أولا تأمر بهم يا رسول الله إذا فنضرب أعناقهم؟ قال « أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمدا قد وضع يده في أصحابه » فسماهم لهما وقال: « اكتماهم ». والصحيح في عددهم ما رواه مسلم أن رسول الله ﷺ قال: « في أمتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدّبيلة (خرّاج ودمّل كبير يظهر في الجوف يقتل صاحبه كثيرا) سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم » أي كأنه سراج من النار.
---------------------------------
* تفسير المراغي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق