الأحد، 6 نوفمبر 2016

تفسير سورة هود (٢٥-٤٠) / الأترجة

د. ناصر بن محمد الماجد

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
انتهى بنا الحديث في اللقاء السابق عند استعراض أول السورة الكريمة وأول السورة الكريمة كما ذكرنا فيه إشارة إلى موقف المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم وإلى بعض افترائهم وإلى بعض ما واجهه النبي صلى الله عليه وسلم وفي أثناء ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم تجيء هذه الآيات التي سندرسها في هذا اللقاء لتذكُر أمثلة مما واجهه أنبياء الله عز وجل إخوانه عليه الصلاة والسلام
من الأنبياء السابقين، ما واجهوه من الصد والإعراض وموقف أممهم المكذبة، وابتدأت الآيات الكريمة بقصة نوح عليه السلام، فبعد أن قال الله عز وجل : { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ } يعني فريق المؤمنين وفريق المكذبين أعقب ذلك بضرب مثال على أحوال الفريقين عندما تأتيهم رسل الله بين مؤمن ومكذب فقال عز وجل :
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ } ،{ لَقَدْ } هذه للتحقيق والتأكيد، لتأكيد إرساله عليه الصلاة والسلام { نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } حقيقة فيها وقفات هذه الآية:
 أولاً : انظروا الوضوح في الدعوة إلى الله عز وجل، وضوح المهمة .. وضوح الغاية .. وضوح الهدف .. وضوح المقصد.
ماذا يقول الله عز وجل : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ } فهو تحديد إلى الجهة التي يُرسَل إليها {إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ } تحديد المهمة { أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} تحديد الهدف من دعوته وما الذي يريده منهم ثم قال : { إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيم } عاقبة الإعراض والصدّ، فهو الحقيقة اختصر الدعوة كلها في هذين السطرين وهذا يعكس وضوح الرؤية عند الداعية إلى الله عز وجل وهو يدعو الناس ويعرض عليهم بضاعته أن يكون واضح محدد بحيث لا يلتبس على الناس ولا يشتبه .
 مع هذا الوضوح وهذا البيان ماذا كان موقف قومه من دعوته قال الله عز وجل عنهم : {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا } وتأمل دخول حرف "الفاء" حيث يقول : { فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} بمعنى أن الفاء تدل على الترتيب والتعقيب يعني أن قولهم ومبادرتهم إلى هذا الجواب دون تفكّر دون تأمل، مباشرة ما إن دعاهم إلا قالوا هذا القول، وهذا الحقيقة حال لا تصدر إلا ممن لم يتأمل الأمر ولم يتبصر فيه.
 { فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ } وتخصيص القول بالملأ، أصل الملأ هم السادة والكبراء لأن الحقيقة الذي يواجه دعوة أنبياء الله عز وجل والدعاة إلى الله والمصلحين من أتباع الأنبياء هم هذا الملأ الكافر، كبراء الناس ورؤساؤهم وقاداتهم والوجهاء هم الذين يواجهون دعاة الله من الأنبياء وغيرهم وهم الذين يصدون الناس عن سبيل الحق ولذلك قال الله عز وجل في الآية الأخرى : { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } فأعظم أسباب ضلال الأمم هؤلاء السادة والكبراء لأن عندهم مكاسب دنيوية يخشون ذهابها بسبب الإيمان لأن الإيمان بالله يحرر الإنسان من العبودية لغير الله وهؤلاء السادة والكبراء قد استعبدوا الناس ولذلك يقفون أول من يقف في وجه الدعوة إلى الله كما سنلحظه في هذه السورة كلها أول من يقف في وجهها أولئك الملأ الكافر.
 { فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا } انظروا الآن ماهي الأسباب التي جعلتهم يُكذِّبون يقولون { مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا } فأنت بشر يجب أن تكون مَلَك، وهذا جهل بطبيعة الرسالة وطبيعة الرسول، الرسول أصلاً لماذا جاء؟ ليبلِّغهم رسالات الله، ليعلمهم الحق والباطل، ليقتدوا به، لو جاءهم مَلَك في صورة مَلَكِه الحقيقي كيف سيأنسون به ؟ كيف سيتلقون عنه الشريعة ؟ كيف سيقتدون به ؟ يكفي أن يقول هذا ملَك وأنا لا أستطيع أقلده، عنده طاقة وقدرة ليست مثلي فلا أستطيع أن أقتدي به، فإذاً هم جهلة بطبيعة الرسالة ومهمة الرسول. ثم هل هم الذين يرسلون الرسول حتى يتحكموا في نوع الرسل ؟ إذاً هذا السبب الأول قالوا : {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا } يعني لماذا تتفضل علينا ؟ لماذا الله الذي اختصك ؟ وهذا اعتراض على اختيار الله عز وجل، ولذلك ردّ الله عليهم في الآية الأخرى { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } وقال عز وجل : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ } هو الذي يصطفي عز وجل وهو الذي يختار.
 ثم قالوا أيضاً : { وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي } يعني ما اتبعك الكبراء والرؤساء إنما اتبعك الأراذل، أراذل الناس جمع أرذل وهو الحقير من الناس يسمون الضعفاء من الناس يسمونهم أراذل، لأن المقاييس عندهم مختلة، كم نسبتك؟ كم عندك في البنك؟ كم رصيدك في البنك؟ كم عندك من القوة والجاه والسلطة؟ هذه هي الموازين، وهي موازين أرضية ليس لها أدنى اعتبار عند الله عز وجل ولذلك لا يلتفت الله لها ولا ينظر إليها وليست أثر يحكُم على الإنسان وهي غير مؤثرة في الحُكم على الإنسان.
 قال : { أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي } وهذا تهمة أخرى حيث يقولون { بَادِيَ الرَّأْي } يعني أن هؤلاء كالأراذل من صفتهم أنهم يتبعون الشيء دون أن يكون لهم رأي، مجرد يظهر لهم شيء يتبعونه، رأيهم بادي يعني يأخذون بالرأي الظاهر فقط ما يتعمقون ما ينظرون إلى خبايا الأمور وإلى الأسرار وإلى ما وراء المقاصد، إذاً إذا كان هؤلاء الأراذل ليست هذه صفتهم فإذاً معناها أنهم هم أصحاب الرأي الذين ينظرون إلى خبايا الأمور وما يستتر منها فهم يذمون غيرهم ويزكون أنفسهم { أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ } ليس لكم علينا أي فضل ولا تميز فلماذا يختاركم الله.
 { بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } الظن في اللغة: الشك وقد يُطلَق الظن ويراد به الجزم واليقين والتحقق مثل قوله عز وجل :{ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } مثل قوله : { الَّذِينَ يَظُنُّون } يعني يوقنون، لكن يأتي الظن بمعنى الشك والآية تحتمل الأمرين وعلى الاحتمالين هم مذمومون:
- إن كان بمعنى الشك فهذا كيف يعني يكذبون بمجرد الشك ، الإنسان ما يكذب بشيء إلا إذا كان متيقن أنه باطل هذه واحدة.
- إن كان الظن هنا بمعنى اليقين فأيضاً هم مذمومون لأنهم ما ذكروا من أسباب يقينهم أسباباً منطقية، قالوا إنك بشر وأنه اتبعك الضعفاء وما نرى لك علينا من فضل تجعلهم يتيقنون بكذب النبي صلى الله عليه وسلم واضح هذا الكلام { بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }.
أمام هذا الكلام المملوء تبجح والمملوء غرور والمملوء الطعن في الناس ماذا كان جواب نوح عليه السلام ؟
جواب ورد في غاية الصبر، في غاية الحِلم، في غاية العقل وأخذهم بالحلم والصبر { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي } يعني على طريقة واضحة لا شك فيها ولا تردد { عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ } وهي الهداية للحق وإصابته ومعرفته
{ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } يعني خفيت عليكم { أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُون} يعني يقول هب يا قوم نأخذها من باب عقلي منطقي على فرض يقول لو كنت أنا على بيّنة، هب أنني على بينه واضحة من الله وأن الله رحمني وأنكم في المقابل عميت عليكم هذه الرحمة والهدى هل أملك أن أُلزمكم بمتابعتي ؟ ما أملك ذلك { وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } هذا أمر.
 ثم قال لهم : { وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا } وهذا كثيراً ما يأتي عند الأنبياء أن يؤكدوا على هذا المعنى، دائماً تجدون الأنبياء يقولون { لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ } { لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ } ونبينا يقول : { لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ } إذاً الأنبياء يُركزون على هذا المعنى لأن دائماً - وإلى يومنا هذا - كل الصادِّين عن سبيل الله البعيدين عن الحق دائماً يتهمون الأنبياء ودعاة الحق من أتباع الأنبياء بأنهم أصحاب مطامع ومطامح وأهداف ومرامي دائماً هذه تهمتهم، ولذلك يجب على الدعاة إلى الله عز وجل أن يُركزوا على هذه القضية أنهم ليسوا أصحاب مطامع وليس لهم أي هدف دنيوي،  ولذلك يعني مستشعرين قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ربه { لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } وهذا من خصائص دعوات الأنبياء التأكيد على هذا الأمر أنهم ليس لهم أي هدف ولا مقصد وهذا يجعل الناس يتقبلون دعوتك وما تدعوهم إليه لأنك لست صاحب مطمع ولا مطمح.
 قال : {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } لأنه لا يملك الإنسان أن يبعد المؤمنين لأن هؤلاء آمنوا بالله عز وجل فلا يملك صدهم حتى لو كان النبي { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِم} يعني الله هو الذي مجازيهم إن كانوا محسنين جازاهم وإن كانوا مسيئين عاقبهم أما أنا فليس لي أن أفعل ذلك، { إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } لكن مع ذلك وبصدق وأمانة أرى أنكم تجهلون يعني فيكم الجهل كيف تردون الحق بأسباب لا دخل لها ؟ هل قال قوم نوح إن الحق الذي جئت به ليس فيه كذا وكذا من العيب، فيه هذا الضلال فيه هذا الانحراف ؟ أبداً ماقالوا ذلك ولذلك قال { أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ }.
ثم قال الله عز وجل : { وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } يعني لأن الله، بل أمره أن يبلِّغ الرسالة فإذا آمن به أحد لا يستطيع أن لا يقبل إيمانه أو أن يرده لأنه بذلك يكون خالف المهمة التي بعثه بها الله عز وجل { مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }.
ثم قال لهم بعد أن لمزوه بالضعف وقلة المال وقلة الدنيا قال : {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ } الخزائن المكان الذي يخزن فيه المال ويجمع قال { وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْب } يعني ليس عندي خصائص خارقة للعادة تجعلكم تتابعونني أبداً أنا بشر مثلكم { وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَِ } لو قلتُ شيئاً من هذه الأمور، لو أدعيتها فأنا ظالم لأن هذا ليس فيَّ. وانظر التجرد في الدعوة إلى الله والوضوح وعدم الإنجرار إلى طريقة أولئك المكذبين بل نعم حينما تقولون : إنني لا أملك مال نعم لا أملك مال، حينما تقولون إنني بشر نعم أنا بشر، حينما تقولون إنني اتبعني البُسطاء من الناس نعم ولا عيب في ذلك{ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَِ }.
 الحقيقة هذه الآيات الكريمة وفي خطاب نوح فيها أسلوب الحوار الهادئ الذي لا ينفعل مع شدة الإعراض مع التجني الذي يفعله أولئك الناس، يعني فعلا تشعر من كلامهم أن فيه التجني وفيه سوء أدب بالغ ومع ذلك ما استفزه هذه الإساءة بل كان صابراً حليماً في غاية من الهدوء في الحديث وكلامه معهم في غاية من الرأفة والرحمة بهم.
 أيضاً الآية تدل على أن دين الله ليس حكراً على أحد ، الله عز وجل لم يرسل رسله لطائفة خاصة من الناس، أصحاب مواصفات خاصة .. لا بل هذا الدين هو للخلق جميعاً غنيهم وفقيرهم، وضيعهم، كبيرهم وصغيرهم، عربيهم وأعجميهم، هذا الدين للجميع ليس حكراً على أحد ولذلك ما ملك نوح عليه السلام أن يطرد واحد من المؤمنين حتى لو كانوا أراذل - في زعم أولئك المكذبين.
  وأيضاً الآيات تؤكد على حقيقة طبيعة النبي، طبيعة الرسالة، طبيعة المهمة، أن الله بعثه لينذر الناس ويبين لهم خطأهم وضلالهم وليس شيء أكثر من هذا، وليش شيء بعد ذلك بل هو يأمر ويبلِّغ الناس دين الله عز وجل.
 ثم أمام هذه الدعوة، أمام هذا الكلام الواضح البيّن، أمام هذه الحجة القاطعة ماذا كان جواب قوم نوح ؟ كان جوابهم جواب العاجز الذي انقطعت حُجته فماذا قالوا ؟ 
{ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} هذه طريقة المكذبين بالله ، تنقطع بهم الحجة، تنقطع براهينهم، تنقطع أدلتهم ما يبقى عندهم شيء، يعني يُفلسون في هذا الجانب فيلجأون إلى الحماقة ويقولون أنك جادلتنا أكثر الجدال يكفي { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } استعجال للعقوبة، وهذا كل المكذبين لأنبياء الله قالوا ذلك - كما سيأتي معنا استعراضه- ومع هذا حينما يقولون هذا الكلام الدال على يأسهم وعجزهم المُفظع أيضاً هذا الكلام ما يستفز نوح عليه السلام فيخرج عن الإطار الذي كلّفه الله به { قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } ليس بيدي أن أعذبكم حتى لو أردت ذلك بل الأمر لله عز وجل فقال : { إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاء } يعني إن أراد وإذا أراده ما أنتم بمعجزين يعني لا تفوتون الله إذا أراده.
 ثم قال : { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } 
ويقول لهم يعني مهما أنا أجتهد في نصيحتكم وتبليغكم الحق إن كان الله لم يُرد هدايتكم ولا توفيقكم إلى سبيل الله فإني مهما أُوتيت من البلاغة مهما أوتيت من الحُجة مهما أوتيت من الأدلة إنني لن أستطيع هدايتكم لأن الله ما أراد ذلك { إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُم } يعني إن كان الله يريد إضلالكم عن الحق { هُوَ رَبُّكُمْ } يعني هو مالككم، الرب: المتصرف في خلقه { هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
 فيحاسبكم على أعمالكم.
 عندئذٍ بعد إن عرَضَت الآيات الكريمة لدعوة نوح دعوة واضحة، إلى حجج قومه حجج واهية وجوابهم عن قول نوح يقول الله عز وجل :{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ } اختلف المفسرون في هذه الآية:
- بعضهم قال: أنه لازال الكلام في سياق دعوة نوح يعني يقولون يعني { افْتَرَاهُ } افترى هذا الكلام ولم يرسله الله { فَعَلَيَّ إِجْرَامِي } فعليَّ الإجرام من الجَرم وهو اكتساب الإثم يعني عليّ ما اكتسبه من أثم وعليكم ما تكتسبون.
- وقيل: إن الآية جملة اعتراضية تشير إلى قول كفار مكة جاءت في سياق الكلام. ولكن الأول هو الأولى لأن سياق الكلام يأخذ بعضه بحجج بعض .
/ ثم قال عز وجل بعد ذلك : {وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } نزل عليه الوحي من الله عز وجل بالحقيقة القاطعة أنه لن يؤمن بعد ذلك أحد { إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ } ودخول حرف "قد" للتحقيق يعني إلا من تحقق إيمانه، المتردد لن يؤمن، الشّاك لن يؤمن، المكذب أصلاً لن يؤمن، فقط لن يؤمن بك ويتابعك إلا من قد رسخ وثبت إيمانهم قبل ذلك.
 { فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } الابتئاس افتعال من البؤس يعني فلا يصيبك الهم والحزن بسبب هذه الحقيقة.
 وعندئذ بعد أن تأتي هذه الحقيقة يأمره عز وجل أن يتجه إلى فعل أسباب نجاته هو ومن آمن قال :{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِناََ }أمره الله أن يصنع الفلك وهي السفينة { بِأَعْيُنِنَا } بمرأىً منا وحفظنا ورعايتنا لك، { وَوَحْيِناََ } يعني تعليمنا أيضاً فهو يصنع هذا الفلك بأمر الله وبمرأىً من الله وبتعليم من الله عز وجل { َ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} يعني حتى مع ألف سنة إلا خمسين عاماً ما آمنوا به وقال عن الذين آمنوا { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} ومع ذلك نوح حتى بعد هذا ينهاه ربه أن يخاطبه على سبيل الرحمة والشفقة والشفاعة لقومه أن يُؤخروا وأن يُنظَرُوا انتهت المسألة الله عز وجل ينهاه عن مجرد طلب الإنظار لهم، وانظر  مقدار الشفقة والرحمة التي جُبِلت عليها قلوب أنبياء الله عز وجل ورسله بعد ذلك نوح عليه السلام الذي ما ترك شيئاً لدعوة قومه إلا فعله يأتيهم ليلاً ونهاراً، يغشاهم في أنديتهم، في مجالسهم، في أماكن إقامتهم، يدعوهم جهاراً نهاراً، يدعوهم جماعات وأفراداً، أربعة وعشرين ساعة دعوة إلى الله فجأة يقطع ذلك كله فلا يكلمهم ولا يغشى أنديتهم ولا يذهب إلى أماكن اجتماعهم لا يخاطبهم، يترك هذا كله ويتجه هو ومن آمن معه إلى سفينة يصنعونها، أخشاب أعواد يصنعون منها السفينة، يصنعون السفينة أين ؟ في مناطق ليس بقربها بحر وليست قريبة من بحر حتى أن الأمر أثار سخرية قوم نوح { وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ } يقولون يعني هذا الذي كان طول وقته ليله ونهاره يدعونا يُعرِض عنا كله ويتجه إلى سفينة يصنعها في هذه المنطقة التي ليس بقُربها بحر هل يا ترى سيسبح فوق السحاب أم فوق الجبال، من باب السخرية وهذا سبحان الله من إملاء الله عز وجل وإمداده للمكذبين به { وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } يعني ما منهم وقف قال هذا الذي ما ترك من سبيل إلا فعله ألف إلا خمسين عاماً يدعونا في لحظة يدع هذا كله لماذا ؟ على الأقل ما سألوه هذا السؤال ولذلك يسخرون، وماذا كان جواب نوح ومن معه ؟ 
{ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } إن تسخروا منا لأننا نصنع السفينة في هذا المكان فنحن نسخر منكم لجهلكم بما ينتظركم وما سيحِل بكم.
 والحقيقة إن السخرية هي من طباع وأخلاق المكذبين لرسل الله دائماً تجدهم يسخرون، وانظروا في حال كثير من الناس الذين يسخرون بدين الله عز وجل ويسخرون بالمتمسكين به الملتزمين به هذه حالهم دائماً الاستهزاء والسخرية وهم في ذلك أشبه ما يكونوا بالمكذبين لرسل الله عز وجل. 
وفي الآية الكريمة أيضاً إشارة إلى قول الله عز وجل فيها : { إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ*فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ } يقول لهم نوح : إن تسخروا منا لأننا قد انشغلنا بصناعة هذه السفينة فإنا نسخر منكم بسبب ضلالكم وجهلكم بما ينتظركم من العقوبة { فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } لمَ ؟ { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } من يأتيه العذاب الذي يُخزيه غاية الخزي، والخزي المقصود به أشد أنواع الذل والهوان.
 { مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ } يعني { يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ } سبحان الله هذه الآية فيها إشارة إلى أن العذاب سينزل بهم عذاب عظيم لا يدع منهم شيئاً لذلك قال : { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ } والحلول: النزول بالمكان، كأنه عذاب ينزل بهم، يستقِرّ عندهم ولم يكتفِ بهذا بل قال :{ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ } فهو يحِل وأيضاً يقيم بهم فمعناه أن هذا العذاب لن يدع منهم أحداً ولن يترك منهم أحد.
 وتأمّلوا حينما قال :{ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ } "عذاب" هذه جاءت بصيغة النكرة ودائماً خذوها قاعدة عامة: النكرة في القرآن إما أن تقتضي التقليل والتحقير أو التفخيم والتعظيم، وهنا جاءت يراد بها التفخيم والتعظيم.
كيف نفرق بين أن تكون النكرة من باب التقليل أو من باب التفخيم ؟ بحسب السياق ، السياق حاكم على ذلك فالسياق إذا كان يقتضي التقليل فهي كذلك وقد يأتي سياق يقتضي التفخيم، وسياق الآيات هنا يقتضي تفخيم تلك العقوبة التي تنزل بأولئك المكذبين. 
وهذه الآيات الكريمة الحقيقة فيها عدد من الإشارات التي يَحسُن التأكيد عليها:
 الأول : أن ترك نوح لدعوتهم وانصرافه عنهم كان بأمر الله عز وجل، جلس ألف سنة لا يتردد في دعوتهم ولا يتأخر واقرأوا أول سورة نوح عليه السلام { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} فهو اجتهد غاية الاجتهاد في دعوتهم، لم يتوقف لحظة، لكن لما جاءه الوحي من الله انتهت المهمة، انتهى البلاغ، انتهى دورك توقف، لأنه أصلاً ليس له هدف، ليس له مغنم أو مكسب من دعوتهم بل هو يُنفّذ أمر الله، من أمره بالبلاغ أمره بالتوقف فيكف عن هذا كله وعن دعوتهم.
 ولما بيّن الله له عز وجل أنه لن يؤمن أحد من قومه جاء الاستدراك في الآية وقال : { وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا } وهذا يكشف عن جزء مما انطوت عليه قلوب الأنبياء والمرسلين من الرحمة بأممهم والشفقة عليهم وسيأتي في ثنايا الآيات ما يدل على هذا المعنى، وهذا - سبحان الله - صفة ملازمة لكل داعٍ إلى الخير صفة الرحمة والرأفة والشفقة بالناس، هذه صفة ملازمة لكل داعٍ إلى الخير، كل أتباع الأنبياء من الدُعاة والمصلحين كلهم لا تشك، بل لا يُشكِل عليك ولا يصعب عليك أن ترى معاني الرحمة والشفقة فيهم في أقوالهم في سلوكهم في تصرفاتهم مع الناس وهذه صفة لا تبارح الدعاة إلى الله.
 السخرية الغفلة المطبقة عن الحق هذه أيضاً صفة تُميز كل من أعرض عن سبيل الله وصد عنه. 
ثم قال الله عز وجل بعد ذلك بعد أن صنع السفينة : {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } قوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا } المقصود يعني أمر إغراقهم، أوجاء الأمر يعني الشأن الذي وعِدوا به، وهذا وذاك قريب المعنى منه يعني الأمر المتعلق بإغراقهم.
 قال الله عز وجل : { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ } فهنا اقتران بين مجيء الأمر - يعني مجيء العذاب وما قضى الله- وفوران التنور، وهنا وقع خلاف بين المفسرين في معنى { وَفَارَ التَّنُّورُ } أولاً التنور المراد به: الفرن الذي يخبز فيه الخبز، وهذه موجودة قديماً يعني أفران تُصنع على الأرض خاصة وتُحفر في الأرض تكون خاصة بصناعة الخبز ونحوه، وقد اختلف المفسرون في معنى أو المقصود بهذه الآية قوله : { وَفَارَ } الفوران هو: الغليان، أصل الفوران غليان القدر فإذاً معنى { وَفَارَ التَّنُّورُ } يعني ظهر الماء فيه وتقلب وخرج منه. أصح القولين في معنى فوران التنور أحد أمرين:
- إما أنه على ظاهره والمقصود به فعلاً خروج الماء من تحت الأرض من فم التنور فجعل الله عز وجل ذلك علامة لنوح إذا فار التنور أن يركب السفينة، معنى أن العذاب قد قرُب عليهم، قرُب نزوله بهم هذا قول وهو ظاهر الآية.
- المعنى الآخر أن قوله : { وَفَارَ التَّنُّورُ } يعني المقصود به قُرب أن الأمر اشتد وقرب نزول العذاب بهم مثل قولك : حمي الوطيس تقول : الآن حمي الوطيس، الحقيقة ليس هناك شيء يُحمى وإنما المقصود شدة الأمر، مثل قولك : بلغ السيل الزبى يعني وصل أعلى شيء وليس بالضرورة أن هناك شيء قد بلغ ، تقول : وفاضت الكأس مثلاً شخص أغضبك تقول: فاضت بي الكأس وليس هناك كأس حقيقية تفيض إنما هذه ألفاظ عربية، أمثلة يقصد بها أن الأمر خلاص وصل إلى حده ونهايته فمعنى { وَفَارَ التَّنُّورُ } يعني أن الأمر وصل إلى حده خلاص الآن ستنزل بهم العقوبة عندئذ تصعد أنت ومن معك على السفينة { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } يعني احمل في السفينة { مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْن} الزوجين مثنى زوج والزوج يطلق على كل مقترنين ، مقترنين يسمى كل واحد منهم زوج، يقال للمرأة زوج وللرجل زوج باعتبار أنهما مقترنان فكل مقترنين يسمى كل منهما زوج سواء اجتمعا أو أنفردا ولذلك قال : { مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْن } يعني المقصود به الذكر والأنثى من كل نوع وذلك لأن العذاب الذي سيأتي سيُهلك قوم نوح والأرض جميعها فحفظاً لبقاء نوع الكائنات أمر الله عز وجل أن يصطحب معه في السفينة هذه من كل نوع من أنواع الكائنات زوجين.
 ثم قال عز وجل :{ وَأَهْلَكَ } أهل الرجل يعني أهل بيته { وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } يعني احمل فيها أهلك إلا من سبق عليه القول أنه لا يكون من أهلك أو أنه لا يكون معك { وَمَنْ آمَنَ ۚ} يعني واحمل أيضا من آمن بك من المؤمنين.
 ثم قال عز وجل : { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل } هذه الآية الكريمة فيها إشارة إلى مسألة الحقيقة ينبغي أن يتفطن لها الدعاة إلى الله عز وجل : نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ألف سنة وهو يدعو قومه بدون كلل بدون ملل وبعد هذه الألف سنة آمن به أناس كم مقدار هؤلاء الذي آمنوا ؟ يصفهم الله بقوله : { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل} يعني قليل من الناس ومع ذلك نوح عليه السلام هو أول الأنبياء وهو من أولي العزم، لأن مسألة الإيمان والهداية والقبول والانقياد هذه ليست بيد أحد من الناس لو كنت ما كنت ليست بيدك، هذه بيد الله عز وجل يهدي من يشاء ويضل من يشاء، قلوب العباد بيد الله عز وجل هو الذي يهديهم وهو الذي يُضلهم لكن ما الواجب عليك أنت ؟ الواجب أن تبلغ رسالات الله عز وجل أتم بلاغ وأبلغه وأوضحه، أما أثر ذلك في الناس مدى انقيادهم، مدى قبولهم، مدى تسليمهم، مدى متابعتهم للحق، هذا لست مسؤلاً عنه ولا يسألك الله عنه يوم القيامة، لكن الذي يسألك الله عنه يوم القيامة هو التبيلغ للحق بوضوح والدعوة إليه والجِد في هداية الناس إلى الحق، أما أثر ذلك في الناس فلست مطالب به ولا يسألك الله عنه، نعم قد ترى ثمرة عملك وترى الناس ينقادوا إلى الحق وقبلوه وقد لا تراها ولكن هذا لا ينقص من أجرك شيئاً، ولذلك كما ذكرنا في الحديث قبل قليل ( ويأتي النبي وليس معه ) أحد نبي من الله عز وجل موحى إليه ومؤيد بالملائكة ومؤيد بالمعجزات ومع ذلك ما يقبل دعوته أحد فإذاً لهذا يجب أن يكون الدعاة إلى الله، المصلحين، أتباع الأنبياء السائرين على طريقهم يجب أن يكونوا على وعي من هذه الحقيقة وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق