الأحد، 27 نوفمبر 2016

تفسير سورة الملك (١- ١٠ ) د. رقية المحارب


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين..
 أسأل الله أن يجعل هذه المجالس عامرة بذكره وأن يجعلنا وإياكم من المتاحابين فيه المتآنسين فيه المتجالسين فيه، وأذكركم بأنه من جاء إلى المسجد يتعلم آية من كلام الله جل وعلا فإنها خير له من ناقة كوماء - يعني عظيمة السنام - وآيتين خير له من ناقتين وثلاث خير من ثلاث وأربع خير من أربع، وأنتم والحمد لله ترجعون من الدرس، كلنا نرجع من الدرس بتعلم عشر أو إحدى عشر أو إثنى عشر يعني هذا خير عظيم وكثير لمن رعاه ونظر إليه بعين الاحتساب فأسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يحرمنا وإياكم الأجر.
 نبدأ بقراءة سورة المُلك وهي سورة تبارك وتسمى المُنجية وتُسمى الواقية والمنّاعة، كذلك تسمى تبارك الذي بيده الملك وتسمى أيضاً المُلك وتُسمى تبارك، فلها ثمانية أسماء أشهرها المُلك و تبارك الذي بيده الملك .

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
 { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ * وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ * إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين..
 وبعد فقدمنا أن هذه السورة جاء فيها تسميتها بعدد من الأسماء وهي من السور المكية ويذكر أنها مكية إلا ثلاث آيات نزلت في المدينة وهذا احتمال ، والسورة أشبه بالسور المكية من حيث الأغراض التي ذكرتها هذه السورة أو التي جاء بيانها في هذه السورة والتذكير بها، وبما أن السورة على أغراض السور المكية يعني معاني السور المكية فيعني نسبتها إلى المكي أقرب لها.
 وهذه السورة ابتدأت بتعريف المؤمنين معاني من العِلم بعظمة الله تعالى وتفرُّده بالمُلك وهو الحق سبحانه وتعالى ولفت النظر إلى تفرُّد الله جل وعلا بالإلهية فبذلك تكون هذه الآيات في الغالب موجهة في نزولها إلى المشركين الذين كانوا آنذاك بمكة.
 كما جاء في بيان هذه السورة أو في آيات هذه السورة معاني الموت والحياة وكيف أنه نظام أقامه الله سبحانه وتعالى للناس لأجل العبودية ولأجل التعرف إلى الله جل وعلا.
 وأيضاً جاء فيها ذِكر أن الله جل وعلا يجزي على أحسن الأعمال وأن العبرة بالأعمال وأن العبرة ليست بالحياة وأنما العبرة بالأعمال.
 وأيضاً جاء ذكر انفراد الله جل وعلا بخلق العوالم العُليا خلقاً بالغاً غاية في الإتقان وكذلك أُتبِع بالنظر في الكون وما فيه من دلائل تدل على انفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق وبالألوهية واستحقاقه تبعاً لذلك للعبادة.
 وأيضاً جاء في ذلك التذكير بما خلق الله سبحانه وتعالى في هذا العالم من مخلوقات دقيقة ونظام لا يمكن أن يأتيه باطل ولا يختل وهو ملائم أيضاً للناس ولحياتهم ولسعيهم فيها وأنه هو الذي خلق ما يسعون فيه وما يُحصِّلونه وقدّر سعيه والله جل وعلا.
 أيضاً وعظهم بأنه قادر على أن يغير هذا النظام وأن يفسد عليهم حياتهم التي منتظمة لهم لا يشعرون بانتظامها لو فسدت عليهم لكانوا بذلك مضطربين لا يستطيعون أن يعيشوا في هذه الحياة.
 وضرب الله لهم مثلاً من لُطفه سبحانه وتعالى بالطير في طيرانها أو بيّن لهم وأخبرهم عن عظيم تصريفه سبحانه وتعالى للكون من صغيره إلى كبيره من أن يُصرِّف الشمس والقمر إلى أن يصرِّف الطير فهو يصرِّف النجوم ويصرِّف أيضاً الطيور ويصرِّف كل شيء.
 وأيضاً ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة التوبيخ للمشركين بكفرهم بنعمة الله جل وعلا ووبخهم على استعجالهم موت النبي صلى الله عليه وسلم ليستريحوا من دعوته وأعلمهم أنهم سيعلمون ضلالهم حين لا ينفعهم العلم الذي عندهم من العلوم التي قد يرفعون رؤوسهم بها وليست تعدل شيئاً من العِلم الذي أوحاه الله تعالى لنبيه أو الذي اختص الله تعالى به أهل العلم.
 هذه جملة من المعاني وهذه الجملة من المعاني أيضاً كانت استفتاحاً للسور التي تليها والسور التي تليها سورة القلم .. الحاقة .. المعارج .. -عفواً- سورة نون والقلم ثم الحاقة والمعارج ونوح وكذلك سورة الجن والمزمل والمدثر والإنسان والمرسلات والقيامة كل هذه السور لو تلاحظين كلها حديثها أو مضامين الآيات تدل على القيامة وما يكون فيها والمواعظ من جنس ما يُذكر في سورة تبارك، بينما الجزء الذي قبله كانت السور مدنية، وتلك السور حديثها عن التحريم والطلاق والحشر - أقصد ما جاء في سورة الحشر من الكلام على اليهود وقتالهم وكذا - وكذلك سورة الصف وما فيها، فكل تلك السور - التغابن كذلك - تناقش قضايا وقعت في المدينة واستفتاح ذاك الجزء كان بسورة المجادلة وهي سورة مدنية أيضاً فيها هذه الأحكام فيدلك ذلك على أنه من حيث النزول متناسق بحسب الوقائع والأحداث، ثم من حيث الترتيب الذي جعله الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم كان متسقاً وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينزِل عليه القرآن فيقال له تنزل الآية في - مثلاً - حدث معين لكن في النهاية كان جبريل إذا نزل بالآية يقول للنبي صلى الله عليه وسلم ضع آية كذا في سورة كذا فيرتب له الآية مكانها من السورة، فالقرآن السور كانت ممكن تكون السورة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ بها تكون أقل من هذه السورة التي بقيت ثم نزلت آيات منها أُلحقت بها ففي آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم عُرِض بالقرآن مرتين وكان جبريل يقرأ أو يُقرئه القرآن من أوله إلى آخره كما هو الآن وعلى هذا اجتمعت الأمة.
 فجاءت السورة متناسقة بأغراضها بمعانيها ببيانها بما يتبعها هناك تناسق بين السور بعضها ببعض، هناك تناسق بين الآيات بعضها ببعض في نظام لا يختل وله تدرجه من أوله إلى آخره بنظام مُعجز مذهل لا يملك الإنسان أمامه إلا أن يُقرّ ويدين بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من لدن بشر وإنما هو تنزيل من الله جل وعلا.
 جاء في هذه السورة الاستفتاح كاستفتاح عظيم { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فاستفتح أو اُفتحت هذه السورة بما يدل على منتهى كمال الله تبارك وتعالى افتتاحا يؤذِن بأن ما حوته يحوم حول تنزيه الله تعالى عن النقص الذي افتراه المشركون لما نسبوا إليه الشركاء في الربوبية والتصرف معه وعطلوا أكثر الأعمال التي هي من شأن الله جل وعلا فخافوا غير الله، أتكلوا على غير الله، تقربوا إلى غير الله، حكّموا غير الله في أنفسهم في أموالهم في أولادهم، وكل هذا يتنافى مع الدينونة له بأنه هو الملك سبحانه وتعالى.
 وجاء في هذه السورة قوله جل وعلا :{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وهذه السورة كما تعلمون أن هذا ما ذكرته أظن أنه لا يخفى على أحد أن هذه السورة كما قلت أنها المُنجية جاء فيها أنها حاجّت عن رجل حتى أدخلته الجنة والنبي صلى الله عليه وسلم قال : أنها شفعت في رجل حتى أدخلته الجنة ، قال : ( إني لأعلم سورة ثلاثين آية حاجّت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة ) المقصود بصاحبها يعني صاحب السورة الحافظ لها المصاحب لقراءتها، والمصاحب للقراءة قد يقرأها كل يوم وقد يقرأها في اليوم أكثر من مرة وقد يقرأها يوم بعد يوم فهذا هو المصاحب لها، ويذكر بعض أهل العلم أنه من السنة أن تُقرأ قبل النوم ولم أقف على حديث في ذلك إلا الحديث الذي ذكرته قبل قليل.
 قال الله جل وعلا : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } يمجد الله سبحانه وتعالى نفسه ويخبر أن بيده الملك فهو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا مُعقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } لا مُكِره له، متى شاء أن يعذب الناس عذبهم، متى شاء أن يرحم الناس رحمهم، متى شاء أن ينزل عليهم الغيث أنزله، متى شاء أن يحبسه عنهم حبسه، ومتى شاء أن يحيله عذاباً أحاله، متى شاء أن يجعله رحمة جعله، فهو الذي بيده الملك لا مُعقب لأمره ولا رادّ لقدره لذا فهو على كل شيء قدير وقدرته عامة نافذة بالغة شاملة كاملة بالغة المنتهى.
 { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } وهذه القضية من أعظم القضايا وأبرز القضايا التي ينبغي أن يقف الإنسان المسلم عليها وقفة متميزة ليست كوقفة سائر الناس ، حينما ينظر المسلم إلى الموت كما ينظر له مثلاً الكافر فبأي شيء تميّز هذا المسلم ؟ الإنسان الذي يؤمن بالله سبحانه وتعالى، يؤمن بالرجوع إليه، يؤمن بجناته، يؤمن برحمته، وجالس يتعبد الله سبحانه وتعالى يصلي له، ويسجد له، ويدعوه ويثق بدعوته بأنه إذا دعاه أن الله جل وعلا يجيب - نحن يعني ذكرنا بالأسابيع الماضية أنكم لا تقرضون عدوماً ولا ظلوماً، يعني عدوما لا يجد وظلوماً لا يجزي بالحسنة أمثالها - فالإنسان الذي سيؤمن بهذه المعاني ينبغي له أو يجب عليه أن يؤمن بأن الله خلق الموت والحياة لا على مثلما يؤمن به المشركون أنه نهاية الحياة يعني الفناء إلى الأبد وأنهم يصبحون تراباً ويقولون { أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } فهم ينكرون ذلك، المسلم لا ينكر ذلك، المسلم يعلم أنه سيرجع وأن روحه لا تموت وأن الذي يموت جسده ، الإنسان المسلم ينام ثم روحه تحلِّق في ملكوت وفي عوالم ، الإنسان المسلم يعلم أنه وهو حي محبوسة روحه في جسده أكثر يومه بينما إذا مات تحررت روحه من جسده وكانت إلى العوالم الموعود بها، فلذلك فهو يعمل لأجل هذه الحياة الأخرى لا يعمل لأجل حياته الدنيا، حياته الدنيا يعمل لها إنما عمله لها ليس هو العمل الذي يريده، ليس هو العمل النهائي وإنما هو عمل يُقِيته أو يُقيت أولاده أو ينفع أمته لكن المقصد الأساس الهدف الأساس من حياته هذه هو العمل للآخرة هو يعمل لأجل الله جل وعلا فلذا كل عمل يعمله يرقُب أنه لله، يعطي لله، يأكل لله، يشرب لله، يتعلم لله، يتزوج لله، يعني هو مستحضر هذا المعنى، ولاشك أن الإنسان إذا كان مستحضراً لهذا المعنى ومستيقن بالجزاء هو مستحضر هذا المعنى ومستيقن بالجزاء يقين مثل لو أنه وعده مَلِك من الملوك، الآن لو جاءتك رسالة من الملك سلمان وقالت لك الرسالة جاية هذه الرسالة من أقرب واحد عنده من وزراءه أو الأولاد، أو جاءك خطاب، خطاب ما كلمك هو بس خطاب، وجاءك خطاب لكن هذا الخطاب فيه ختم من الديوان أو مجلس الوزراء أو القصر الذي هو وجاءك الختم مع أحد أفراد مع أحد خدمه أو مع أحد عبيده أو كذا أي ملك من الملوك جاءك هذا معه وقال لك : صك أرض -مثلاً كيلو في كيلو- وسيفرغ لكِ خلال أربع وعشرين ساعة أنتِ صراحة ممكن تدهشين لكن الدلائل الموجودة عندك القرائن الموجودة عندك أو لو جاك مثلاً مكالمة من القصر ستثقين بها صح وإلا لا ؟ ربما تبدأين في الإعداد تقولين ياعيالي خلاص جاءني مبلغ كذا وجاءني أرض صح وإلا لا ؟ سأعطيكم كذا وأعطيكم كذا فأنت خلاص عندك ثقة يعني يقين.
 الحقيقة أننا أن يكون يقيننا بالله سبحانه وتعالى أعظم من يقيننا بمكالمة البشر التي يمكن يموت ما وصلتني صح والا لا ؟
الله جل وعلا ليس بعدوم ولا ظلوم، إذاً إذا وعدك أعطاك وأنجز لك، لا أحد أصدق ولا أوفى من الله عز وجل حين يعِدك، هل ترين أن الله سبحانه وتعالى إذا وعدك وأنت كل يوم تقولين { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} أن الله لا ينجز لكِ وهو الذي يقول : (هذه لعبدي ولعبدي ما سأل) ؟! هل تظنين أن الله سبحانه وتعالى الذي وعد نبيه صلى الله عليه وسلم وصح ذلك الخبر عنه أنكِ ما سألتي بحرف من خواتيم سورة البقرة إلا أعطاك الله إياها وأنا فتحت لها باب من أبواب السماء ونزلت ووعدك الله سبحانه وتعالى على ذلك؟! يعني لو قلتي : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } دعوات كاملة وعدك الله سبحانه وتعالى إذا أنت قرأتيها أن الله جل وعلا يوفيك وجعلها عِدة منه سبحانه وتعالى هل تظنين أن الله جل وعلا لا ينجز لك ما وعدك؟!
 إذاً يجب أن نراجع إيماننا ونراجع يقيننا، من يوقن بهذه الأمور أنها عِدة من الله سبحانه وتعالى وأن وعد الله جل وعلا حق { إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } فمن يظن ذلك فإنه لا يبالي بالموت بل إنه يفرح به ولذا لما جاء بلال لما مرض بلال مرض الموت وعلم أنه يموت قال : "مرحباً بغائب طالما أنتظرناه غداً نلقى الأحبة محمدا وصحبه" فأنظري كيف كان اليقين وكان الإيمان الصادق الجازم مع أنهم تزوجوا وأكلوا وشربوا ومزحوا وضحكوا وناموا وسافروا ، خرج بلال من المدينة إلى الشام وكل ذلك فيه حراك في حياتهم الدنيا ولكنهم على يقين، يقين بأن الله سبحانه وتعالى يجزيهم وأن الله سبحانه وتعالى سيوفيهم ما وعدهم، ولذا فإن المؤمن إذا آمن بهذا المعنى { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } فهو عزيز سبحانه وتعالى أظهر مُلكه بهذا الاختبار- اختبار الموت والحياة - أظهر ملكه سبحانه وتعالى ووعد عباده المؤمنين الذين يؤمنون بهذه القضية ويعملون على أنهم يموتون وأن موتهم هذا بعده حساب وجزاء وعطاء ووفاء فهم على ذلك مؤمنون وهم يحيون عليه ويموتون عليه، ما معنى يحيون عليه ؟ يحيون عليه يعني يرقبونه في حياتهم، ما الذي يوقظك في صلاة الفجر ؟ أليس رغبة فيما عند الله.
 ما الذي يجعلك تتركين ما في يدك وتذهبين تتوضئين وتصلين ؟ أليس رغبة فيما عند الله. في الليالي المظلمة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( بشر المشائين في الظُّلَم بالنور التام في يوم القيامة ) ليس فقط الرجال الذين يخرجون في الظُلَم كذلك المرأة حينما تقوم من فراشها وتمشي خطوات إلى متوضأها وهي تمشي في الظُلَم قائمة لا يراها إلا الله جل وعلا مبشرة ( بشر المشائين في الظلم بالنور التام في يوم القيامة ) هي مبشَّرَة تأتي يوم القيامة { يَسْعَىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّات } فالمؤمن الذي يؤمن بهذه القضايا، يؤمن بهذه المعاني لا شك أن الموت أحب إليه من الحياة، لكن الذي يظن أن الموت انقطاع وأن الموت نهاية هذا لا شك أنه سيحزن ويرتبك ويضطرب ، إن كان الإنسان حينما يحزن للموت أو يخاف الموت أو يخاف أن لا يُختَم له بخير أو يخاف أن يُشدَّد عليه ويفتن فإنه ينبغي عليه أن يُحسن الظن بالله تعالى لأن الله جل وعلا ما كان ليضيع إيمانكم كما قال الله جل وعلا : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيم } فالله سبحانه وتعالى غفور ورحيم و رؤوف ورحيم فهو سبحانه وتعالى إنما خلقنا ليبتلينا وليرى أيّنا أحسنُ عملاً سبحانه.
{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } هل معناه أنه أوجد الخلق من العدم ليبلوهم؟
جاء ذلك فيما رواه قتادة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله أذل بني آدم بالموت ) وهذا الحديث إذا رواه قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير الصحابي فهو مرسل قال : يقول : ( إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء ) يقول سبحانه : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } يعني أي خيرٌ عملاً كما قال محمد بن عجلان ولم يقل أكثر عملاً وإنما قال : { أَحْسَنُ عَمَلًاً } والحُسن بمَ يكون ؟ يكون بحسن المتابعة وقوة الإخلاص.
 فإذا قلت كيف يأتيني الإخلاص وحسن المتابعة ؟
أما حسن المتابعة فيأتيك بالعلم، وأما الإخلاص فيأتيك باليقين يعني إذا كان الإنسان مستوقن بالله جل وعلا، بأسمائه وصفاته أخلص له، إذا كان الإنسان مستيقن ولذلك جاء في الحديث ( ان لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) من أحصاها يعني من استيقن بها دخل الجنة، فإذا أيقن الإنسان بأن الله غفور.. بأن الله رحيم .. بأن الله حسيب .. وأن الله كريم .. وأن الله عظيم .. وأن الله جليل .. وأن الله عزيز .. وأن الله لطيف .. وأن الله خبير .. وأن الله حكيم .. وأن الله حليم، إذا أيقن بهذا، أيقن بأسماء الله جل وعلا فإنه يعمل وفق هذا، ولكن هل يستطيع الإنسان أن يكون قلبه دائم اليقظة ودائم الحياة، يعني يأتي الآن مثلاً جالسة في مجلس تسمعين أحاديث لا شك أن قلبك حاضر ويعني ربما يمكن يصيب قلبك نوع من الطيران لعلي ألقى الله جل وعلا لعلي ألقى هذا الجزاء لعلي ألقى البشائر التي جاءت على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إنما أنا ناقلة يعني ليست البشائر من عندي هذه بشائر من رب العالمين والله جل وعلا يقول : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ } فالله جل وعلا هو الواعد سبحانه وتعالى هو الواعد والمُتعهد سبحانه وتعالى، النبي صلى الله عليه وسلم الصادق الذي أخبرنا بأمور ما يمكن أن يعرفها أحد من الناس دلتنا على أنه صادق فيما وعد وفيما قال وفيما روى عن ربه سبحانه وتعالى، إذا كان هذا اليقين عندي وأنا جالسة واسمع هذه الأحاديث لا شك أني إذا خرجت وبدأت أتحرك حراكي في الحياة غلبني أهل الحياة على هذا اليقين وبدأ يضعف فيني شيئاً فشيئاً فما العمل؟.
جاء حنظلة قال : نافق حنظلة يارسول الله قال : ( كيف ذلك ) طبعاً هو لقي أبو بكر الصديق وقال : (نافق حنظلة قال : كيف قال : كيف نكون عند محمد صلى الله عليه وسلم نكون عند رسول الله يعظنا يذكرنا بالجنة ويذكرنا بالنار فإذا رجعنا إلى بيوتنا عافسنا الزوجات والضيعات ونسينا كثيراً ) - قلنا اسكت يا هذا واجلس يا هذا وهاوشنا ذا وزعلنا على ذا - ونمنا مع الزوجة واشتغلنا في البستان يعني عافسنا الزوجات والضيعات ونسينا فكيف؟ فنحن منافقون ؟ هذا شعور حنظلة (قال أبو بكر : وإني ألقى مثل الذي تلقى) وهو أبو بكر يعني صديق الأمة قال : إني لألقى مثل الذي تلقى تعال بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : نافق حنظلة قال : ( وما ذلك ) قال مثلما قال لأبي بكر قال له : ( والذي نفسي بيده لو أنكم تدومون على ما أنتم عليه عندي وفي مجالس الذكر ) لأن في مجالس الذكر تحيا القلوب تسمع كلام الله وتسمع كلام رسوله وتسمع العِدات وتسمع الموعظة وتعزم على الخير كأنه رأي عين قال: ( ولو أنكم تدومون على ما أنتم عليه عندي وفي مجالس الذكر لصافحتكم الملائكة في الطرقات وفي فروشكم ولكن ساعة وساعة ) ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، اليوم ساعة في المجلس أنت عليه هكذا وإذا رجعت إلى بيتك ولكن ماذا ؟ ولكن لا يبتعد الإنسان عن الطاعة والعمل.
 إذاً فاليقين يُورث الإنسان الإخلاص لأنه إذا قام في جوف الليل يصلي علم أنه لا يصلي إلا لله وأنه لا يراه إلا ربه، وإذا احتاج إلى أن يتكلم بهذا أو أن يخاطب الله جل وعلا بهذا، إذا رفعتي يديك إلى السماء وأنت في جوف الليل المظلم ما يراك أحد إلا الله ويقع في قلبك والله أخشى على نفسي مثلاً عدم الإخلاص أو أخشى على نفسي إني نافقت أو كذا ورفعتي يديك وقلتي : يارب اللهم إنك تعلم أني قمت لك في هذا الليل الذي لا يراني فيه أحد ولا يشهد سوادي فيه أحد إلا أنت يارب العالمين اللهم إني أقوم لك وأسألك، وتخاطبين رب العالمين مستحضرة أنه يراك وأنه يسمعك لا شك أن القلب حينئذ سيكون حاضراً وأن اليقين سيكون قوياً وأن الإيمان سيكون عميقاً فإذا قلتي ذلك لا تدري لعل الله سبحانه وتعالى يقول إني قد غفرت لها، ما تدرين أي ساعة يقول الله جل وعلا فيها ذلك فأحسني إطلاع رب العالمين على ما في قلبك والله مطلع عليك ولكن حين تطلعينه عليه تستشعرين أن الله مُطّلع فإذا استشعرتي أنه مُطّلع إن كان لك ذنوب تبتي منها، وإن كان لك عزائم على الخير استمريتي عليها، وإن كان عندك عمل يشوبه بعض النظر إلى ما عند الناس من ذِكر أو من ثناء أو من حمد تقولين : اللهم يارب أعلم أن الناس لا ينفعونني ولا يضروني وأنه لا ينفعني إلا رضاك فيبدأ الإنسان يخاطب يعني يتضرع، ولذا لو نظرتِ في كلام الأنبياء وجدتِ أنهم يتضرعون لله سبحانه وتعالى { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} انظري كيف دعاء الأنبياء يعني يدعون يخبرون يخرجون ما في بواطنهم ليُطلعوا الله جل وعلا عليه وهم يعلمون أن الله جل وعلا يعلمه لكنهم يريدون أن يقولوا هذا الذي في قلوبنا يارب فاقبله منا.
 / قال الله جل وعلا : { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا } يعني سبع سماوات طبقة بعد طبقة والظاهر أن أول طبقة هي التي نراها من بعيد وإن كان قد يقولون أن هذه هي الأجواء الخارجية أو كذا لكن الله جل وعلا يقول : { ٍمَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِنْ فُطُورٍ } يعني من شقوق في السماء، ولو لم تكن السماء الأولى مرئية لما أُمرنا أن ننظر إليها وأن ننظر فيها شقوق أو ما فيها شقوق الله جل وعلا لفتنا إلى شيء نراه ولو لم نكن نراه ما لفتنا إليه بهذه الصورة الحسية .
قال الله جل وعلا : { مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُت } يعني ما ترى فيها اختلاف ولا تنافر ولا نقص ولا عيب ولا خلل، كم يطوف في السماء من الكواكب ومن النجوم ومدارات الأفلاك التي تُعد بالمليارات ما أقول بالملايين تعد بالمليارات { لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } فلا هذا يدرك هذا ولا هذا يدرك هذا ولا تصطدم، الله جل وعلا يُمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فالله سبحانه وتعالى جعل هذه السماوات طباقاً معجزة ليس فيها عيب ولا خلل ولا نقص ولهذا قال الله سبحانه وتعالى : { فَارْجِعِ الْبَصَرَ } تحدي هذا { فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِنْ فُطُورٍ } أُنظر إلى السماء فتأملها هل ترى فيها عيباً أو نقصاً، انظري إليها أنت حينما تقومين ترين هذه النجوم بعضها يبتعد مائتين سنة ضوئية أي عظَمَة في هذا الخلق، الله جل وعلا جعل هذه النجوم منها ما يبتعد مائتين ومنها ما يبتعد ثلاثمائة وستين سنة ضوئية، القمر إذا كان يبعد عنا دقيقتين ضوئيتين يعني قليل جداً عن الأرض القمر عن الأرض كما يذكرون دقيقتين ضوئيتين فكيف بالنجوم تلك التي تبتعد سنين بل مئات السنين عن الأرض عظَمتها ماهي وهي ثابتة يعني ليست هي الشهب التي يُرمى بها، إنما الشهب هذه التي يُرمى بها من جنس الإضاءة وليست من جنس النجوم.
 قال الله جل وعلا : { ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } يعني وقوله : { كَرَّتَيْنِ } لا يعني أنك لو نظرت أكثر من كرتين أنك سترى شيئاً ولكن المقصود { ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } المقصود به أن الإنسان عادة ينظر للشيء فإذا لم يجد ما يراه رجع ينظر له مرة ثانية ثم خلاص اكتفى النظرة الأولى للعلم والنظرة الثانية للتوكيد وليس بعد التوكيد توكيد فلذلك قال الله جل وعلا :{ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا } يعني ذليلاً قاله ابن عباس وقال مجاهد صغيراً، { وَهُوَ حَسِيرٌ } يعني كليل عن أن يدرك فيها إن كان يريد فيها شقوقاً أو عيوباً أو نقصاً سيجده خاسئاً عن ذلك.
/  يقول الله جل وعلا : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } يعني هذه السماء الدنيا التي ترونها أنتم زيّنها الله جل وعلا بالمصابيح، أما السماء التي فوق ذلك، فوق السماء تلك المُزينة بالمصابيح فإن في السماء ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الملائكة من الأنبياء جاء في الحديث ( أطت السماء وحُق لها أن تئط ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيها ملك قائم أو راكع أو ساجد ) وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء عن الرسل الموجودون أو الأنبياء الموجودون فيها، ففي السماء الأولى آدم، وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة يونس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأخبر في الإسراء أنه مرّ على آدم قيل له هذا آدم سلِّم عليه وسلّم عليه و ردَّ عليه آدم السلام، وكل واحد من الأنبياء يأتيه ويُسلم عليهم ويردون السلام حتى أتى موسى فلما جاء موسى بكى موسى، لما جاء موسى وسلّم عليه ورد عليه السلام ومشى النبي عليه الصلاة والسلام - يعني تعداه بكى - فقيل له : ما يبكيك قال : يبكيني أن غلام بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من أمتي، ففُرِضت الصلاة خمسين صلاة، تخيلوا أنها فرضت الصلاة خمسين فلما رجع وجد موسى أقرب له فوجد موسى قال : ماذا فرض عليك ربك قال : ( فرض علي خمسين صلاة ) قال : قد جربت بني إسرائيل وعاندت بني إسرائيل قبل ما كانوا يطيقون فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجع إلى ربه يسأله التخفيف فمازال يحط عنه يحط عنه حتى أوصله إلى خمس فلما جاء إلى خمس قال : قد جربت بني إسرائيل ارجع إلى ربك قال : ( قد استحيت من ربي ) فأمضاها الله سبحانه وتعالى خمس صلوات في اليوم والليلة بخمسين صلاة. فهذه السماء فيها من الأنبياء والرسل من أخبرنا عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم.
 وقال الله جل وعلا : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } يعني جعلنا من أمثالها ومن أضرابها من جنس المصابيح كما قال ابن كثير { وَجَعَلْنَاهَا } يعني على جنس المصابيح لا على عينها لأنه لا يُرمى بالكواكب التي في السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مُستمدَّة منها - يعني هذه النجوم الملتهبة مُتسمَّد منها أو يخرج منها - ما يُقذف به الشياطين وعلى كل حال كيفما كان ذلك المهم أننا نؤمن بما نراه وما أُخبرنا به أن هذه الشهب تُرمى بها الشياطين.
 والشياطين قد جاء في ذلك أحاديث أنها تجتمع لاستراق السمع فتصطف واحد فوق الآخر، والشياطين من نوع الجن وإلا هناك شياطين من الجن وشياطين من الإنس، والشيطان ما شَطُن وبعُد عن رحمة الله جل وعلا وعن عبادته فهم يصطفون ويرتفعون وهم طيارون ويتخللون الأرض ولهم صفة الاختفاء فهم يجتمعون ويستمعون ويدخلون ويخرجون وأنتم ما ترونهم، قد يكونون معكم في البيت، قد يكونون معكم منهم من يكون معكم في المسجد يُصلُّون مع الناس - مع المسلمين - مسلمين جن يدخلون المساجد يُصلّون كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أنهم استمعوا إليه { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِه} ثم هم انصرفوا إلى قومهم قال الله جل وعلا : {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } فهم أيضاً دعاة، منهم دعاة ومنهم خطباء، هم عندهم حياة أخرى، هؤلاء عوالم لا ندري عنهم، ومنهم كافرون ومنهم يهود ومنهم نصارى ومنهم زنادقة ومنهم أيضاً رافضة وأصناف وأنواع، وأيضاً لسانهم يتحدثون بحسب البلد الذي هم فيه فهم يتحدثون العربية في بلاد العرب، يتحدثون الإنجليزية في بلاد الإنجليز، يتحدثون الهندية في بلاد الهند وهكذا، هؤلاء العوالم ما رأيناهم لكن أخبرنا عنهم الله جل وعلا في كتابه وأخربنا عنهم رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة الصحيحة، والذين لا يؤمنون إلا بالمنظور والمشهود والمحسوس لا يؤمنون بذلك وهم خارجون من نطاق الخبر والحديث لأن الله جل وعلا إنما خاطب الذين يؤمنون بالغيب، لما خاطب الله جل وعلا خاطب الناس ليؤمنوا بالقرآن أول ما اُستفتح ذلك بقول الله جل وعلا : {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة َ} { الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } هذا القرآن الذي عندكم الآن { لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ } أي كتاب من الكتب حينما يُقدم لك يُقال هذا الكتاب بين يديك اجتهاد شخصي وكذا وما فيه خطأ مني وإذا وجدتم خطأ فيه فاخبروني ، الله جل وعلا أول ما استفتح هذا القرآن قال : { ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} شرط {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } هم الذين ينتفعون به {أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ } ولذا فإن هذه المعاني أنها شهب تُرمى بها الشياطين والشياطين يصطفون جاء ذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في استراقهم للسمع أنهم يصطفّون ويَرقون فيستمعون الكلمة فيُرمون بالشهب ومن يُفلت منهم يُلقي الكلمة إلى الساحر أو الكاهن فيزيد عليها مائة كذبة يعني يضيف إليها مائة كذبة وإذا أخبر الكاهن بخبر صحيح صدّقوه وقالوا هذا هو وهذا كله فتنة، والفتنة هذه إرادها الله سبحانه وتعالى ليمتحن عباده يقول الله جل وعلا :{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } فهذه دلائل على أنهم يسترقون السمع ويُلقونه إلى السحرة والكهنة وهي فتنة جعلها الله جل وعلا للناس، جعلها للساحر وجعلها للمسحور لأجل أن يبتلي الناس فمن يُصدِّقه ويطيعه ويتقيه ويخافه يجزيه جنات، ومن يُكذّبه ويعانده ويؤذي المؤمنين بهذا ويكفر بآياته ويُشرك بالتقرب إلى الجن وإلى الشياطين وإلى السحرة ويُصدّقهم فيما يقولون أيضاً هذا مُتوعَّد بناره ولذا الله جل وعلا يقول : { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } يعني أعتَد الله سبحانه وتعالى عذاب السعير لهؤلاء الشياطين ومن تبعهم وصدّقهم ومن عاونهم ومن سار على طريقهم.
/  يقول الله جل وعلا : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } ومثل ما قلت أن هذه الآيات التي يخاطب فيها الله جل وعلا الكفار بهذه السورة يغلب عليها أنها تكون من السور المكية ولذا قال : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ } فبئس المآل والمُنقلب وهم إذا أُلقوا فيها سُمع صياحهم وشهيقهم، يقول الثوري : "تغلي بهم كما يغلي الحب القليل في الماء الكثير" ويقول الله جل وعلا : { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظ } يعني تفور تغلي وتطّبخ يقول : { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } وغليان النار ليس كغليان الماء مائة درجة، أكثر من ذلك لأن النار ليست ماء وإنما النار تغلي بالناس والحجارة كما جاء فيما قبل { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } وأيضاً تغلي بالروائح الكريهة، فيها طينة الخبال وصديد أهل النار هذا الغليان، فيها الحديد { وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } فهي تغلي بالحديد وتغلي بالنار وتغلي بما فيها من الأذى مما لا يتصوره العقل في حياتنا الدنيا لأنه مُخفىً كثيرٌ منه ولكن الوصف به يكفي لإرعاب القلب وجعله ينكفئ عن أن يكون من أهلها أو يعمل أعمال أهلها.
/ يقول الله جل وعلا : { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ } يعني تكاد تتقطع من الغيظ، النار تكاد تتقطع من الغيظ ينفصل بعضها عن بعض من شدة غيظها عليهم وحنقها بهم.
 { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ } هم يُلقون فيها أفواج أفواج ، { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِير } وهذا السؤال ليس سؤال إستعلام وإنما سؤال تبكيت يقول: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِير } وهنا يعترفون ولكن اعترافهم هذا لا ينفع، لا يُستعتبون، لا ينفعهم اعترافهم هذا { قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْء } كل سؤال جوابه بالإقرار بلى وليس نعم، لأن كثير من الناس تسأله ألم أنهك يقول لك نعم أو أجل كأنه يقول أجل لم تنهني أو نعم لم تنهني فيكون الجواب ضد ما يريد، الجواب الصحيح أن يقول بلى.
 { قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ } وما من أحد يدخل النار إلا يعرف نذيره الذي أنذره، وما من أحد يدخل النار إلا مُقرٌّ باستحقاقه للعذاب لا يُدخِل الله النار من لا يُقِر باستحقاقه العذاب لأن الله جل وعلا يقول : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا } وقال جل وعلا أيضاً في سورة الزمر :{ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } فهم معترفون مقرون باستحقاقهم لذلك، يقول ابن كثير : "يذكر تعالى عدله في خلقه وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه" وهكذا إذا قالوا هذا عادوا بالملامة على أنفسهم وندموا حتى يتحسروا أكثر وأكثر حين لا تنفعهم الندامة { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير} يعني لو كانت لنا عقول ننتفع بها إذ ذاك - حينذاك - لو كانت لنا عقول ننتفع بها لما كنا على ما نحن فيه من أهل السعير وهؤلاء الذين يكونون من أهل الكفر بعد أن يُخرَج كل أحد منها من أهل الإيمان الذين استحقوا بغلبة الأعمال السيئة دخول النار، لأن أهل الإيمان منهم من يدخل الجنة لأول وهلة - الله يجعلنا منهم يارب العالمين - ومنهم من يدخل الجنة كما جاء في الحديث : سبعون ألف يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، هؤلاء يدخلون الجنة بدون حساب ولا عقاب، لكن إن عُرِضَت عليهم الرقية لا بأس ولا تخرجهم من هذا المسمى إن عُرِضَت عليهم أما هم لا يسألونها هؤلاء هم من السبعين ألفاً ، النبي صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل من غير طلبه وقال : "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك" ويُذكر أنه رقاه ستة أشهر حتى برئ - يعني الناس ترقي يومين ثلاث أيام يقولون أنا رقيت وما شفت شيء - حينما سُحِر رقاه جبريل ستة أشهر حتى برئ ودعا ودعا ودعا ثلاث مرات، معنى دعا ودعا ودعا يعني كناية عن إكثار الدعاء، والدعاء مُبرئ بإذن الله تعالى.
/  يقول الله جل وعلا : { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير *فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ } يعني ٱعترفوا باستحقاقهم للنار فسحقاً لهم كما جاء في الحديث ( فأقول سحقاً سحقاً ) فقول الله جل وعلا : { فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ } السُحق الذي هو أقصى مكان في النار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم أو جاء في الحديث ( لن يهلك الناس حتى يُعذروا من أنفسهم ) وفي حديث آخر ( لا يدخل أحد النار الا وهو يعلم أن النار أولى به من الجنة ) يُقِر، يُقرره الله جل وعلا أن النار أولى به من الجنة، وليقرره الله سبحانه وتعالى فإنه يُقرره فإن لم يُقِر هو بنفسه ختم الله على لسانه وأنطق جوارحه عينه ولسانه وأذنه و جلده وأنطقه
 { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } أليس الله جل وعلا يُنطِق من يشاء إذا شاء ؟ أنطقنا فالله جل وعلى أنطقنا وهو الذي ينطق كل شي إذا شاء، فبعد ذلك الخاتمة لهم { فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ } يعني الخيبة لأصحاب السعير وقاصي النار لأصحاب السعير الذين هم خالدون مخلدون فيها.
/ وبعدها، بعد هذه الحال يذكر الله جل وعلا أهل الجنة وأولى صفاتهم أنهم يخشون ربهم بالغيب أبرز صفاتهم وأولاها في إدخالهم في هذا الباب باب الإيمان والإسلام واليقين والتصديق هو أنهم يخشون ربهم بالغيب قال : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } وهذا دليل على أنه مهما يبلغ الإنسان من العمل في المعاصي عُمراً خمسين ستين سبعين أربعين إذا تاب إلى الله جل وعلا فإن الله جل وعلا يغفر ذنوبه كلها، وهل يُبدله إذا غفر ذنوبه وقد تاب توبة نصوحة هل يبدله من السيئة حسنة أم أنه يبدله أعمال صالحة في المستقبل ؟ الراجح الذي تدل عليه الأدلة أن الله جل وعلا يبدل سيئاته حسنات.
 وقد يقول قائل : كيف يكون أحسن أجراً من الذين يعملون الحسنات ؟ لا.. لا  أيكون حسن لأن الصالح يُضاعف الله له الحسنات من أول ما يعملها، أما الذي يعمل سيئات ثم يتوب يعطيه الله جل وعلا عن كل سيئة حسنة، يعطيه عن كل سيئة حسنة ويدل على ذلك الرجل الذي يقول ألم تفعل كذا ألا تذكر كذا هو مشفق من سيئاته فلذا قال الله جل وعلا لملائكته : أبدلوها حسنات قال : يارب ما أرى تلك السيئة التي عمِلتها، فيضحك الله جل وعلا له ويضحك النبي صلى الله عليه وسلم لخبره هذا. وهذا كله يدل على أن الذين يعملون السيئات تُبدّل حسنات.
وقد يقول قائل : مادام الدعوة كذا خلني أوسع صدري وأخذ وأخذ وبعدين قبل ما أموت أتوب.
 طيب هذا من يؤمنه أن الله جل وعلا يأخذه بعد توبة، قد يأخذه الله جل وعلا على هذا الحال، ولذلك من علم هذا فليعزِم على التوبة، يعزم على التوبة ويبادر بها لأنه حتى لو عاش بعدها فليفترض عاش بعد توبته عشرين سنة ثلاثين سنة تراها قصيرة في حكم التاريخ وفي حكم الأعمار الطويلة، ثلثها سيذهب نوماً، ثلث هذه سيذهب نوماً والثلث الآخر سيذهب بالمباحات وما يبقى لك إلا ثلث تعمل فيه، ثم أن هذا العمل ليس كله تعبّد منه أشياء كثيرة أنت أو أنتِ مسرورة بها وسعيدة تتزوجين وترعين أولادك وتقبلينهم وتحبيهم وإن شئتي رضعتيهم رضعتيهم، وإن أكلتيهم أكلتيهم وإن جلستي معهم وإن ضحكتي معهم، مادمتي أنتِ متقربة إلى الله سبحانه وتعالى يعني ما في فرق بينك وبين الذي يستمتع بالدنيا وهو غير مُحتسب ولا راجي إلا شيء واحد فقط الذي هو العبودية، هذا هو الفرق أنك أنتِ متعبدة لله سبحانه وتعالى وهو غير مُتعبِد لله سبحانه وتعالى فلماذا يأتينا الشيطان ويزحزحنا عن العبودية.
/ يقول الله جل وعلا : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } فهؤلاء الذين يخشون ربهم بالغيب يعني يخافون مقام الله جل وعلا وإن لم يروه، لو أنهم رأوه كان آمن كل الناس، لو أنهم رأوه رأي العين آمن كل الناس لكن الله جل وعلا جعل الإيمان به غيباً ، أحياناً قد يقول قائل : أنا ما الذي يوثقني أن هذا صحيح؟ كثير من مجادلات البنات الآن والشباب ما الذي يوثقني أن هذا صحيح؟ هناك دلائل، الله جل وعلا ما جعلك في غباء جعل دلائل عليه سبحانه وتعالى ويكفيك أن الجاهل الأمّي يقول : سماء ذات أبراج وأرض ذات فِجاج ، هذه تدل على الله جل وعلا، هذه كلها لا تدل على الله ؟! المرأة الكبيرة الأعرابية التي لا تفقه ما عندها إلا جمل تقول : البعرة تدل على البعير وأثر القدم يدل على المسير ، ما يحتاج، الأمر واضح شاهد لكن ما الذي يجعل الناس لا يكونون على الفطرة السوية ؟ الشياطين جاءتهم واجتالتهم. لما خلق الله جل وعلا آدم وأسكنه الجنة كان معه في الجنة إبليس، كان إبليس في الجنة وآدم خلقه الله جل وعلا في الجنة أخذ إبليس يطوف على آدم فلما رأه أجوف، آدم لما خلقه الله جل وعلا خلقه أجوف مجوف من الداخل علم أنه لا يتمالك ما يتمالك، يعني إن جاءه مرض خاف وجزع وصار من باطنه كله ملتهب من الخوف، وإن جاءه موت أحد من أقاربه جزع وكل هذا الإنسان ترى شعوره كله تفاعله من أين يأتي؟ من الداخل .. من الجوف، هذا الشهوة من الجوف، الهواء من الجوف البطنة من الجوف، كل شيء من الجوف لذلك النبي صلى الله علي وسلم يقول : من يحفظ إثنين - الذي هو المدخل الجوف ومخرج الجوف فمه وفرجه - اضمن له الجنة ) لو يحفظها، لكن هذا التجويف هو مدخل الشيطان فالشيطان إن وجد باباً مفتوحاً جاء في الحديث ( إذا تثاءب أحدكم فليكظم فإن الشيطان يدخل ) من هنا إلى الجوف، وإن قرأ الانسان على نفسه  ورَقى أين يلجأ الشيطان؟ يلجأ إلى دبره، إلى أسفل الجوف ، فإن غمر جوفه بالإيمان ما بقي للشيطان مكان، كيف يغمر جوفه بالإيمان ؟ أن يذكر الله من جوفه ذكر الله من جوفه هذا الذي هو الذكر القلبي جربي كذا واستشعري الإيمان الحقيقي كذا قولي لا إله إلا الله الآن نحن قلنا أنا قلت بلساني أحاول أني آتي بها من القلب ، ممكن أنتِ ايضاً الحقيقة أنه حتى أحياناً الإنسان ما يقدر يشوف يفتح عيونه إذا صار يعني يذكر الله جل وعلا من الجوف، كيف يذكر الله جل وعلا من الجوف ؟ يكون بقلبه يعني يجعل قلبه ينظر في السماء في العبودية في التوحيد في إفراد الله جل وعلا بالعبادة، يعني يستجمع هذه المعاني كلها ثم يقولها بقلبه، إذا قالها بقلبه سبحان الله يمتلئ قلبه إيمان فيكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذاك جراب مُلئ إيماناً ) الإنسان مثل الجراب إما أن ُيملأ إيمان وإما أن يكون مليئ شك، فالجِراب المملوء إيمان هذا الإيمان تجدينه يبرز، ما دلائله؟ دلائله الخلوات .. دلائله الروعات .. الروعة، إذا رُوُعتي تقولين بسم الله .. الله، جاء في الحديث الذي يُرَوّع أنه يقول الله .. الله ربي لا أشرك به شيئاً ، وجاء أيضاً أنه يقول بسم الله، ضُرب رجل على أصابعه فحُست - يعني قطعت بُترت أصابعه - فقال حس مثلما نقول أح أول كلمة لما يضربك شيء تقول أح، صح وإلا لا ؟ قال : (لو أنه قال بسم الله لرفعته الملائكة والناس ينظرون) لماذا؟ لأن الإيمان الباطن الإيمان الداخل يقلب الموازين لكن اضمني لي إيمان باطن ويعني ذكر باطن. يقول ابن القيم : "أفضل الذكر وأعظمه نفعاً إذا وافق القلب اللسان" ولذلك كان يؤتى للإمام أحمد ابن حنبل يؤتى له بالمريض الممسوس فيأتي فأول ما يأتي يقول : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم } فإذا قال ذلك بريئ أين إيمان أحمد بن حنبل أين هو؟ فيأتي الإنسان يحتاج إلى أن يجاهد نفسه مرة ومرتين، يعني الآن أرى كثيراً نحن نركز مثلاً نقرأ سورة البقرة - وأنا واحده أقع في هذا - أقرأ سورة البقرة ويعني تأتيني خواطر وروحات وجيات ودرس وعيالي قالوا وأفكر- يعني كل هذا يأتي وأنتِ تقرأين السورة ثم تقولين أنا قرأت سورة البقرة قرأت الرقية لكني ما أشوف نفسي..، اقرأيها على وجهها يعني اقرأيها بقلبك من أولها لآخرها لو تقرأين فقط الفاتحة من أولها لآخرها بقلبك يعني كل آية تقرأينها بقلبك الشيطان لا يشغلك ولا يصرفك سيكون لها نفعاً عظيماً فالله الله في هذا.
 الله تعالى يقول الله جل وعلا : {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ } وجاء هنا (إن الذين) بالتوكيد وهناك قال الله جل وعلا : { وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم } وهنا قال : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْب } فجاء ذاك توكيد ليدلك على أن الوعد بالجنة أكثر من الوعيد بالنار ينبغي أن يكون في القلب وإن كان كله من الله جل وعلا لكن التوكيد من الله سبحانه وتعالى عظيم فينبغي للمسلم الذي يخشى ربه بالغيب أن يكون على ثقة ويقين بوعد الله جل وعلا وأنه مُنجِز وعده سبحانه وتعالى ولكن نحن الذين منا القصور، نحن الذين نُقصِّر في العبادات، نقصِّر في الطاعات، في الإتيان بالأمور على وجهها ولذلك كثير من الناس تقول لك أنا أصلي وأصوم وأنا عارفة نفسي مسلمة لكن مشكلتي أن أعمالي ما أثق في أنها أعمال جيدة أسرح وأهوجس صح وإلا لا؟
 جاء أحد الصحابة، علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه مرّ برجل يُحدِّث فقال له : يافلان أنت تُحدِّث تُحسِن تصلي؟ قال : إذا أُذِّن للصلاة توضأت كما أمرني الله جل وعلا أن أتوضأ في قول الله جل وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون َ} ثم أستقبل القبلة فأضع الجنة عن يميني والنار عن يساري - يعني أتخيل الجنة عن يميني والنار عن يساري - والصراط من تحتي والله من فوقي فأُكبِر وأقرأ وأُتمّ ركوعها وسجودها وخشوعها فإذا سلمت أستغفرت الله ثلاثاً لا أدري قُبِلت مني أو لا، فقال : حدِّث فإنك تُحسِن تصلي. الله المستعان .. أين الإنسان الذي تكون صلواته على هذا الحال فعليه أن يجاهد نفسه ليدخل في هذا الوعد الذي وعد الله سبحانه وتعالى، قد يريدك الله جل وعلا للجنة لكن صلاتك ليست مؤهلة لك أنك تدخل الجنة قلبك رايح يمين وشمال وكذا فيريد الله قلبك أن يأتي، فيأتي الله بقلبك بأحد أمور: يأتيك بالمرض ينزل عليك المرض وتشعرين بأنك الدنيا خلاص راحت وراءك وأنت الآن أمامك الآخرة فتقومين تتقربين إلى الله وتُحسنين الصلاة وتُحسنين الذكر وتُحسنين الدعاء وتتقربين لله سبحانه وتعالى كما ينبغي كما يُحب الله جل وعلا فيريد الله جل وعلا على أن يأخذك على هذه الأعمال، ولذا جاء في الحديث فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن موتة الأسف - موتة الفجأة - قال : ( هي رحمة للمؤمن وعذاب للكافر ) رحمة للمؤمن لأنه المؤمن الذي يعمل الأعمال الصالحات وعلى يقين بالله سبحانه وتعالى هذا المؤمن الموت الفجأة له رحمة، وأما الكافر فهو عذاب له لأنه أسرع إلى العذاب، أما الذي يختصّه الله سبحانه وتعالى بأمراض قبل أن يموت، كل الناس يموتون لكن من الناس من يختصّه الله سبحانه وتعالى بأنه يموت بمرض، فلما يمرض يجلس سنة سنتين شهر شهرين خمس سنين المهم أنه يمرض هذا المرض الذي يشعر فيه بأنه بين يدي الموت فما الذي يحصل تبدأ صلاته تتحسن وصيامه يتحسن وذكره يتحسن، يبدأ يتخلص من حقوق الآخرين صح وإلا لا طيب أين هذا قبل ؟ أليس عنده يقين ؟ أين الصلاح هذا ؟
 أنا أقول لكم تجربة مرت بي أنا شخصياً رأيت في المنام مرة من المرات رؤيا.. رأيت أخي يعتنقني وأخي متوفي يعني وقع في قلبي أنه يمكن أن يكون معنى ذلك أنه يأخذني أني أموت، فلا تسألي عن صلاتي كيف تحسّنت، ولا عن ذكري كيف تحسّن، ولا عن شعوري حتى أني تسبقني دمعتي في الصلاة وخشعت فجلست على هذا الشعور أربعة وعشرين ساعة إلى غد، شعور من أجمل ما يمكن في العبادات اختلفت العبادة، هذا دليل على أني عندي تقصير كبير. فسبحان الله العظيم كانت ذاك الوقت عندي تأخير في الدورة فرحت المستشفى وعملت أشعة فقالت الدكتورة أنك حامل والجنين متوقف نموه، فبدأ شوي يخف عندي الشعور، فلما قالت ذلك قلت الحمد لله (**) بالعافية خله يموت أهم شي .. ، شعور، سبحان الله .. ذهب هذا الشعور فرجعت أعافس الزوج وأزعل وأرضى وأهوجس وأنا أصلي، ولذا الله جل وعلا يقول : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون َ} فالله جل وعلا أحيانا يريد أن يوقظ عبده بالرؤيا يراها، وأحيان يوقظ عبده بالمرض، وأحيان يوقظه بمشكلة، أحيانا يوقظه بالخوف { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون َ} الذي ينتفع بهذا هو الذي يهديه الله جل وعلا، ولذلك من كان هذا حاله يخشى ربه بالغيب قال الله جل وعلا : { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } فما ظنك بِعِدة من الله جل وعلا يعد بها عباده أن لهم مغفرة وأجر كبير.
 ما هذه المغفرة ؟ مغفرة الذنوب، قلبها إلى حسنات، هدايته إلى الطاعات، لأن العبد إذا تاب توبة نصوحة ودليل التوبة النصوح أنه يكره الماضي ويعزم على إصلاح المستقبل فيُحسن في مستقبله إن كان مفرط في الصلاة أحسن، وإن كان ما يصلي صلى، وإن كان عاقّ برّ، وإن كان للناس حقوق عليه .. فينبغي للعبد إذا استيقن واستحضر وأراد أن يتغير حاله ويغير حاله يحاسب نفسه، يجلس جلسة هادئة ويُحاسب نفسه يقول هل أنا أكذب ؟ نعم ، أعزم على أن لا أكذب ، هل أنا في حقوق للناس علي ؟ أعزم على أني أتخلص منها ، هل أنا مقصر في صلاتي وفي صيامي، في زكاتي، فيه حقوق عليّ مالية أُصلحها، كذلك أيضاً يبدأ يفكر في أنه يعمل لنفسه طاعات دائمة علم -مثلاً- يُنفع به، صدقة جارية تبقى له بعد ذلك يعني يقدم شيء لآخرته، أيضاً أولاده يجلس معهم يعِظهم يُذكرهم يا أولادي الله .. الله في أن تسيروا على هذا الطريق لا نريد أن نفترق في الآخرة ويكون بعضنا في وادي وبعضنا .. ، ويكون أحدنا في منزلة والآخر في منزلة كونوا معنا في الصلاة لا تفرطوا في صلاتكم يعني هذا هو الذي يجعلهم يفكرون ويجعلهم يستحضرون هذه المعاني ، يمكن تقولين يا ولدي قم صل يقول طيب يخرج من البيت يرجع ثاني مرة وهو ما صلى، لكن إذا أنت أشعرتيه بمعاني العبودية ومعاني الإيمان وتحدثتي عليه وجلستي معه لاشك أن هذا يمكن أن يغير من حاله، أو يمكن أن يجعله يتأمل خاصة في هذا الزمان يا أخواتي الكريمات -أسأل الله السلامة والعافية- شباب بدأ عندهم كثير أشياء قد تصل إلى الإلحاد نسأل الله السلامة وهذا من تفريطنا نحن في مناقشتهم والجلوس معهم وزرع الإيمانيات في نفوسهم، أيضاً دمجهم بالصحبة الصالحة قدر ما نستطيع كل ذلك إذا كنا نحبهم لأجل أن نحظى وإياهم بطيب المنازل وطيب الجزاء والثواب والله جل وعلا يقول : { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } ما كُبر هذا الأجر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أعدّ الله لعباده ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) أقول قولي هذا واستغفر الله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق