الأحد، 30 أكتوبر 2016

الدرس (٢١) من تفسير سورة النور/ تتمة فوئد ودروس من قصة الإفك


بسم الله الرحمن الرحيم
 نواصل في قصة الإفك ولعلي أن تمكنت اليوم أن أختم .
 من قصة عائشة رضي الله تعالى عنها فيها من الدروس ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )
فأقول : كيف علمت بالخبر عائشة رضي الله تعالى عنها ؟
عندما كانت تمشي مع أم مسطح فقالت : تعس مصطح ، فالشاهد أنه قال العلماء أن المرأة إذا خرجت وخاصة في مكان مظلم أوفيه فتنة واضطرت للخروج أن يكون معها من يؤنسها ويخفف عنها، وقد أشرت إلى ذلك سابقاً فلذلك من تضطر زوجته للدخول إلى السوق أو أخته أو إبنته أن يكون معها أخوها فإن لم يمكن فعلى الأقل أن يكون معها امرأة اخرى لأنه كلما كان مع المرأة محرم ومعها بعض النساء وبخاصة إذا كانت كبيرة في السن كانت أقل تعرضاً للفتنة بينما إذا كانت وحدها كان تعرضها للفتنة أشد، ولا يعني هذا كما تفعل بعض الأخوات هداها الله إذا أرادت أن تخرج للسوق اتصلت لزميلاتها ثم خرجن أربع أو خمس، ثم الثانية إذا أرادت أن تخرج خرجت في مجموعة وهكذا فتصبح خرّاجة ولاجة فالاعتدال في هذا مهم جداً .
 / أيضاً: النبي صلى الله عليه وسلم لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي فلذلك لم يتكلم بالحكم على قضية الإفك حتى نزل الوحي ببراءة عائشة رضي الله تعالى عنها فالإنسان لا يحكم بنفسه وهذه مسألة مهمة دقيقة لها علاقة وإشارة في هذا الجانب فمع ثقته صلى الله عليه وسلم بعائشة ولكنه لم يُرد أن يفعل ذلك حتى ينزل الوحي من الله جل وعلا .
/ أيضا: التعصب لأهل الباطل يُخرِج عن أصل الصلاح لأن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت عن سعد بن عبادة : وكان رجلاً صالحاً ولكن أخذته الحمية ، عندما رد على سعد بن معاذ وقال له : "والله لا تقتله" مع أن المراد كان عبد الله بن أبيّ فقام أُسيد بن حضير ورد عليه وقال : "إنك منافق تجادل عن المنافقين" فقال العلماء في هذه الحالة : أنه قد يخرج الإنسان إذا دافع عن أهل الباطل، الدفاع عن أهل الباطل لا يجوز وهناك من ينصبون أنفسهم يدافعون عن أهل الباطل ( وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ) هناك من يخاصم الآن عن أهل الباطل وهذه المسألة دقيقة جداً ومهمة فقد يتعصب لأقاربه أو لسبب من الأسباب فيدافع عن أهل الباطل، والله جل وعلا حرّم الدفاع عن أهل الباطل ( وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ) إذا ثبتت خيانته فكذلك لا يجوز الدفاع عنه .
/ أيضاً: من الوقفات -وكلها سريعة- إطلاق الكذب على الخطأ فالكذب في لغة أهل الحجاز يقصد به الخطأ.
/ أيضاً فيه التبشير لمن تجددت له نعمة أو اندفعت عنه نقمة مثل: إذا خرج أحد من إخواننا من السجن يُزار ويُؤيد حتى لو كان وقع في خطأ يا إخوان قد يقول أحدهم : ما الدليل ؟ الدليل قصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه والثلاثة جميعاً لما نزلت توبتهم من الله تبارك وتعالى ( وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ) ماذا ؟ تاب الله عليهم بعد ذلك، فلما تابوا تاب الله عليهم فقام هناك من يهنئهم بهذه التوبة فلذلك حتى (**) فكيف إذا كان الخارج من السجن من الدعاة وطلاب العلم الذي لا نعرف عنه إلا الخير ولا نعرف عنه إلا الخير والصلاح ونعرف عنه الاحتساب نعم يُدافع عنه، تدافع عن أخيك ، المحتسب في الأصل أن يُكرَّم وأن يُعزز ولا يُعاقب ولذلك الإمام الشيخ شيخنا محمد بن ابراهيم رحمه الله بلغه - كما في فتاواه- أن أحد المشايخ -ولا أريد أن أذكر اسمه- في القصيم هذا وقت الشيخ محمد بن إبراهيم كان يأمر هذا الشيخ بالأمر عن المعروف والنهي عن المنكر فأوُقِف -أوقفته الأمارة- فغضب الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله وقال : "أخرجوه فإن المحتسبين لا يوقَفون" المحتسبين لا يوقفوا حنى لو وقعوا في خطأ وهذا جانب نوضح الصورة التي قد تُحدث لبساً عند البعض، فكذلك إذا تجددت نعمة شيخ بخروجه من السجن أقول : حتى لو أنه شخص آخر ليس من المحتسبين ولا من طلاب العلم بل ربما يكون وقع في خطأ وحُكمِ عليه ومع ذلك فإننا نقول أنه يُهنأ كما هُنئ هؤلاء الصحابة الذين أمر الله جل وعلا بهجرهم وأمر بهجرهم خمسين يوماً فلما نزلت براءتهم ذهب الصحابة يهنئونهم ولا قالوا لأنهم كانوا وقعوا في خطأ فإنهم لا يهنأون بل يُبَشرون ويُهنئون وكان الصحابة يتسابقون لتبشيرهم بتوبة الله عز وجل عليهم ، لأنه البعض -مع كل أسف- أنه إذا خرج الإنسان من السجن حتى لو وقع في معصية وتاب قد يهجرونه ويتركونه فيزداد وقد يرجع للمعصية بشكل أشد ، يجب أن يُحتضن ويُبيَّن له مادام قد تاب توبة نصوحة كأصحاب المخدرات وغيرها فما بالك إذا كان من الدعاة إلى الله أو المحتسبين، يجب أن يُوقَف معه ويُشد من أزره وأن يُدافع عنه سواء كان في السجن أو بعد السجن وهذه المسألة تختلف عن المسألة التي أشرت إليها قبل قليل في موضوع الكلام وتعميم الكلام في القضاة أو القضاء، هذه مسألة تختلف عن تلك تماماٍ ، فمن عرفناه بالخير والاحتساب والعلم والدعوة فندافع عنه ( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) وأن نقدم شهادتنا له وبيان أننا والله ماعرفناه إلا بخير وقد طلب مني بعض المشايخ أو جاء أبناؤهم يطلبون شهادة لهم وهم في السجن بما أعرفه عنهم فكتبت لهم تزكية وبينت أنني لا أعرف عنهم إلا الخير والصدق والاحتساب ورفع راية هذا الدين ، هذه مسألة يجب أننا نشهد بما علمنا عن كل داعية وعن كل طالب للعلم بل عن كل مسلم حتى لو لم يكن داعية ( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) فالتساهل في هذا الأمر أو التخوف أو قول : أنا لا أريد أن أشهد معه أخشى أن تلحقني مسؤلية ، لا.. مادمت تعرف عنه الخير والصلاح فاشهد له هذا الذي يجب ، فأسأل الله جل وعلا أن يوفق. هذه مسألة أقول التبشير لمن تجددت له نعمة .
/ أيضا: التدرج لمن وقع في مصيبة فلذلك من وقع في مصيبة ويُراد أن يُخبَر يُهيأ قبل ذلك، بل حتى في الفرح يا إخوان ، الفرح والمصيبة قد تخرج الإنسان عن واقعه فلذلك يجب على الإنسان إذا تجددت له نعمة عظيمة ما كان يتوقع أن يُتدرَّج في إخباره وكذلك من وقع في مصيبة -مثلاً- إنسان وقع حادث ومات عليه بعض الأولاد من الخطأ أن يأتي إليه إنسان مباشرةً ويقول : ترى وقع حادث وماتت زوجتك ومات أولادك، هذا لا ينبغي بهذه الطريقة إنما يُمهّد له ويبين له أمراً إنما وقع حادث وأنهم إن شاء الله يرجى لهم خير شيئاً فشيئاً حتى يبلغ إن كان ولابد أن يُبلَّغ ، كذلك من عنده مرض شديد قد يكون مرض سرطان أو غيره ما يُبلَّغ هكذا أول ما تخرج التحاليل يقول أنت فيك سرطان، قد يُصاب بهزة فيجب أن يُتدرَّج معه، أي مصيبة كانت وكذلك الفرح، الفرح أحياناً قد يْحدِث هذا كما ذكره علماء النفس سأذكر قصة طريفة -فيها طرافة- يذكرون أن رجلا دخل مسابقة ففاز بجائزة كبرى فخافوا أن يخبروه مباشرةً أنه هو الذي فاز فيصاب بصدمة لأنه فقير مسكين هو، فذهبوا لطبيب نفسي - القصة هكذا تقول - قالوا : ودنا أن تخبره ، قال : نعم ، فجاء الطبيب إليه قال : أنت قدمت المسابقة الفلانية ؟ قال : نعم ، قال : لو أنك فزت في المسابقة ؟ قال : لك نصفها فانصدم الطبيب. لأنه فوجي أنه قال : نصفها لأنه يعرف أنه فاز فيها ولكن كان غير متوقع أن يفوز فيها.
 ولهذا الفرح والحزن يحتاج التدرج فيها، الفرح والحزن إذا كان غير متوقع أو شديد . 
/ أيضا: أن الشدة إذا اشتدت أعقبها الفرج وهذا مضطرد في القرآن، لما اشتدت الأزمة في قصة عائشة رضي الله تعالى عنها جاء الفرج ولذلك ما بين علمها وما بين فرجها إلا أيام قليلة وسبق أن ذكرت لكم في سورة يوسف، في كل سورة يوسف في قرابة ستة مواضع في نفس الشدة يعقبها الفرج وآخرها ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ) في آخر لحظة في أشد مرحلة مرّ فيها يعقوب عليه السلام وأبناؤه فإذا هو يأتي الفرج ( أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ ) فارتباط الشدة ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) ارتباط وثيق ولهذا بإذن الله نأمل الفرج لإخواننا في الشام وفي غيرها، الآن اشتد الأمر عليهم واستحرّ القتل فيهم مالم يحدث إلا القليل في البلاد الأخرى فلذلك نحن ننتظر الفرج العاجل -بإذن الله- ولكن لابد من الأخذ بأسباب هذا الفرج . 
/ أيضا: من أسباب الفرج إذا انقطع قلب الإنسان من الخلق وتعلق بالله قّرُب الفرج ، عائشة رضي الله تعالى عنها انقطع قلبها من كل أحد حتى لما طلبت من أبويها أن يدافعا عنها أجيبا الرسول صلى الله عليه وسلم لما سألها النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن كنتِ ألممتي بذنب) فجزعت تأثرت فقالت لأبويها : أجيبا فقالوا : لا ندري كيف نجيب النبي صلى الله عليه وسلم ، فانكفأت في جلستها من الحزن والتأثر وانقطع قلبها من أي أحد من البشر حتى من أبويها وتوجهت إلى الله تنتظر الفرج منه فجاء الفرج فما برح النبي صلى الله عليه وسلم وهو في موضعه إلا وينزل عليه الوحي ببراءة عائشة، ولهذا كلما انقطع قلب الإنسان من المخلوقين وتعلّق بالخالق إلا وقرُب الفرج ، لا يعني هذا عدم الأخذ بالأسباب كلا، هناك فرق بين الأخذ بالأسباب وبين تعلّق القلب، المطلوب من المؤمن أن لا يتعلق قلبه إلا بالله أما الأخذ بالأسباب فيأخذ بالأسباب بل الأخذ بالأسباب مشروع ومطلوب ولا ينافي التوكل ، هذا يقع -مع كل أسف- لأن البعض عندما يذهب لبعض القُراء للرقية يكون هناك نوع من التعلّق وكل إنسان أدرى بقلبه ولهذا جاء ( ولا يسترقُون ) مع أن طلب الرقية ليس محرماً لكنه ليس من السبعين ألف الذين يدخلون الجنة لأنه في نوع من التعلّق ، والذي يعرف الناس عموماً وكيف يطلبون الرقية من أشخاص دون آخرين قد يشعر بشيء من هذا، فكلما انقطع قلبك من المخلوقين وتعلّقت بالخالق كلما قرُب الفرج منك إذا كنت في أزمة أو شدة والدليل قوله تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ) قال العلماء : حتى الكافر إذا كان مضطراً وتوجّه إلى الله يجيب الله دعوته ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) فكيف بالمؤمن ؟ المهم أن ينقطع قلبه عن المخلوقين وإن أخذ بالسبب بل هو مطلوب أحياناً بشرط أن لا يتعلّق قلبه، أما إذا كان هناك شبهة تعلق قلب فالأولى أن يتركه كما قلنا في الرقية ( ولا يسترقون ) أي لا يطلبون.
 وهنا مسألة دقيقة ليست مباشرة في الموضوع إذا عرض عليك أحد رقية أي أن يرقيك لا تمتنع، هذا لا يدخل في الحديث ولا يدخل في النهي ، البعض يخلط في الأمر، أنت لا تطلب الرقية لكن لو جاء إنسان وقال : سأرقيك لا تمنعه يقول أخشى أن لا أدخل في السبعين ألف، لا.. لاتدخل هنا ولا يدخل في النهي ( ولا يسترقون ) إنما السين هنا سين الطلب أي لا يطلبون الرقية وما قال : لا يرقون، كون الإنسان يرقيك تبرع من نفسه ولم تطلب أنت منه فلا حرج في ذلك ولا يكون حرماناً لك من السبعين.
 أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السبعين الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب آمين .
 إذاً هنا عائشة رضي الله تعالى عنها انقطع حتى من أبويها لما قالت : أجيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : ماذا نجيب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك ماهي إلا لحظات وبعد انكفأت في جانبها من الحزن وعلقت قلبها بالله جل وعلا فإذا هو ينزل الوحي والنبي صلى الله عليه وسلم في موقعه هذه مسألة مهمة جداً في هذا الجانب .
/ أيضا: من تلك الوقفات جواز القرعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يخرج أقرع بن نسائه ، والقرعة وردت في القرآن كما تعلمون في مواطن منها: في قصة مريم في سورة آل عمران ( وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) وكذلك في قصة يونس عليه السلام ، في قصة مريم عليها السلام وفي قصة يونس وردت فيها القرعة ، فالقرعة مشروعة بل أنها من الأسباب التي لا تجعل في النفوس شيء خاصة إذا كررها ثلاث مرات يقطع الأمر بشرط أن تكون على وجهها الصحيح ليس فيها حيلة ولا غير ذلك فإنها من باب العدل ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه وكثيراً ما تخرج عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لا يكون في نفوس الصحابيات زوجاته شيء لأن هذه قرعة ولأن هذا من فعل الله جل وعلا ومن حُكم الله جل وعلا من قدر الله جل وعلا ، هل هناك قرعة ليست على وجهها الصحيح ؟ 
نعم فلهذا إذا احضر إنسان قلم سألقي القلم إن سقط كذا لي وإن صار واقف فهو لك فهل يسقط القلم واقفاً بعض الناس قد يقول إرم القلم طبيعي سيسقط على الجنب ربما ينخدع البعض ويتصور أنه يمكن أنه سيقع ويقف، لا يمكن، فبعض أنواع القرعة يكون فيها خدعة وهذا موكول الله جل وعلا، أما إذا كانت القرعة على الوجه الصحيح وخاصة إذا كانت ثلاث مرات فإنها تكون عادلة وتكون مزيلة لما في النفوس ولا يبقى في النفوس، أما من اعترض فقد اعترض على قدَر الله جل وعلا وعلى حُكم الله جل وعلا ، القرعة إذا كانت على وجهها الصحيح الدقيق من فِعل الله جل وعلا وليست من فعل البشر نتائجها والله أعلم .
/ أيضا: النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ويقول : (من يؤويني في رجل آذاني في بيتي) مع أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكم، رسول الله هو أمير المدينة وهو الحاكم لم يستبِد بذلك صلى الله عليه وسلم وإنما يطلب من الصحابة يقول : من منكم يؤويني ؟ فيقول سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه ويقول: "يا رسول الله إن كان منا قتلناه - مادام يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم - وإن كان من إخواننا الخزرج فأمرنا بما تشاء" فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم ما استبد وقال فلان اقتلوه أو عاقبوه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا من يكون في موقع المسؤلية أن لا يسبد برأيه ولا يستبد بقراره إنما يحاول أن يجعل الأمر شورى وأن يساعده الجميع ومع ذلك لما خاف النبي صلى الله عليه وسلم وقوع الفتنة بسبب ما حدث بين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأُسَيد بن حضير رضي الله تعالى عنهم جلس يسكّنهم النبي صلى الله عليه وسلم وترك الموضوع هذه أيضاً مسألة مهمة .
/ النبي صلى الله عليه وسلم في قضية عائشة كان يستشير الصحابة، استشار علي واستشار زينب واستشار غيرهم من الصحابة إذاً النبي صلى الله عليه وسلم كان يستشير وهو رسول الله المؤيد بالوحي، هناك الآن بعض الشباب لا يستشيرون من هو أعلم منهم ولا أقدر منهم والنبي صلى الله عليه وسلم يستشير من هو أقل منه، طبعاً هؤلاء الصحابة مع مكانتهم ليسوا في منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي ومع ذلك يستشيرهم في قضية عائشة رضي الله تعالى عنها.
 فيا إخوان فعِّلوا الإستشارة تعاملوا مع الإستشارة في كل أموركم الصغيرة والكبيرة .
كان عندي بعد العصر أحد الإخوة فسألته عن شاب -لا أريد أن أذكر اسمه- ما شاء الله رسائله في تغريدات عجيبة جداً ودقيقة مع صغر سنه وأصبح له شأن الآن فسألته قلت له : هذا من هو ؟ قال : أخي ، قلت : ما شاء الله مع صغر سنه أسمع عنه ثناءً كثيراً ، 
قال : كل تغريدة يستشير فيها . يستشير من هو أعلم منه ويعرضها على بعض مشايخه وعلى بعض زملائه قبل أن ينزلها فلذلك أصبح له هذا الشأن . فكلما استطعنا أن نُعمِم الاستشارة نستشير من هو أعلم منا من زملائنا.. من أساتذتنا .. من إخواننا.. من آبائنا من أمهاتنا بل من زملائنا، قد يدلك بعض أبنائك أو إخوانك الصغار على أشياء قد تغيب عنك فما المانع أن تستشير وتشاور ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستشير أصاحبه ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) وبدا هذا ظاهراً في مواقف كثيرة ومنها قضية عائشة رضي الله تعالى عنها .
/ أيضا: الأصل في البيوت أن تكون خالية مطمئنة كما أشار إلى ذلك علي رضي الله عنه الأصل في الزوجة أن تكون سكناً وأن يكون الزوج سكناً لزوجته أما إذا صارت البيوت مليئة بالمشكلات فيجب أن يبادر الرجل أو المرأة لإعادة البيت إلى مكانه فكما أن الأصل أن البيت سكن والزوجة سكن وكذلك الزوج سكن فإذا لم يستقر هذا البيت فله آثاره التي لا تخفى وسبق أن تحدثنا عن ذلك.
/ جواز الهجر ولكن عند الحاجة والمصلحة والتراجع عن ذلك إذا وُجِدَت مصلحة أعم كما فعل أبوبكر رضي الله تعالى عنه مع مسطح فإنه حلف أن لا ينفق عليه ولكن بعد ذلك رجع للإنفاق عليه وعدم قطعه .
/ أيضا: الحكم بالظاهر وحسن الظن بالمسلمين وهذا الذي تحدثت عنه قبل قليل ، علينا أن نحكم بالظاهر يا إخواني أما باطن الأمور التي لا نعلمها فنكل أمرها إلى الله جل وعلا .
/ أيضا: أن غضب المسلمين لعِرض نبيهم وسلطانهم كان محموداً بل أن سعد بن معاذ قال : يا رسول الله إن كان منا قتلناه ، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله قتلناه فالذي يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم حقه القتل، الذي يسب النبي صلى الله عليه وسلم أو يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم في الماضي والحاضر حقه القتل والردة وكونه يتوب إلى الله فهذا بينه وبين الله ولكن حكمه الصحيح قال العلماء : لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لسعد بن معاذ لما قال : قتلناه لم يقل لا لا يُقتل ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم خاف من الفتنة ولذلك لم يقتل المنافقين ( لا يحب أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ) . 
/ الاحتجاج بالقرآن.
/ وأخيرا : جواز التسبيح عند الأمر العظيم ( وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) قال العلماء : التسبيح هنا هو تنزيه الله جل وعلا ، قد يسأل سائل : تنزيه الله هنا في موضوع الإفك ماهو ؟ 
لأنه لا يمكن أن تكون زوجة نبي خائنة ، لا يمكن ، خيانة زوجة نوح ولوط عليهما السلام خيانة في دينهما لا في عِرضهما ، قال العلماء : لا يمكن أن تكون زوجة نبي خائنة في عِرضها، فلا يمكن أن تكون ابتداءً عائشة رضي الله عنها وقعت فيما رماها بها المنافقون، قالوا : لأن هذا قدحٌ في الله جل وعلا ، فقال : ( سُبْحَانَكَ ) تنزيه الله جل وعلا أن يجعل زوجة لنبيِّه تقع في عِرضها فلذلك قالوا : ( سُبْحَانَكَ ) ظهورها في هذا الموضع دقيق جداً وهو معنىً تدبري ( وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ ) أي كيف يمكن أن تكون عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل أحب زوجاته تكون خائنة، هذا قدح في حق الله جل وعلا، في قدرِ الله جل وعلا لأنه لا يمكن أن تكون زوجة نبي خائنة في عِرضها فقال : ( سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) فهو تنزيه لله جل وعلا أن يكون ذلك .
 هذه معاني سريعة أيها الإخوة والفوائد حقيقةً كثيرة جداً ومليئة الدروس لعله تأتي فرص أخرى للحديث عنها حتى ننتقل مع هذه السورة العظيمة سورة النور. أسأل الله أن يُنور قلوبنا وأن لا يحرمنا هذا النور الذي ملأ السماوات والأرض ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) .
لاتنسوا إخوانكم في الشام وفي فلسطين وفي العراق وفي كل مكان لا تنسوهم من الدعاء ، إخوتي أشعر بأن البعض كأنه نسي قضية فلسطين أو قضية العراق لا.. لا تغطي أحداث على أحداث ، صحيح أنه في زمن قد تُقدَّم قضية على قضية لظروفها لكن هل يعني هذا أننا انتهينا من العراق واستلمها الرافضة واستلمها المجوس وكأننا نسينا قضية العراق؟ لا يجوز ، هل يعني أننا ننسى قضية فلسطين، لا يجوز مع وجود قضايا أخرى كقضية الشام لكن لاشك أن الأحوال أحوال زمن قد يُقدم بعضها على بعض دون نسيان للقضايا الأخرى فلذلك لا تنسوا إخوانكم في كل حالة في فلسطين في الشام في العراق في باكستان في كل مكان يوجد فيه مستضعف لأن المصائب يرقق بعضها بعضاً حتى البعض كأنه استسلم لاستلام أعداء الله لهذه البلاد العظيمة في مشارق الأرض ومغاربها فلا تنسوهم من الدعاء والوقوف معهم ، ومن عرف صاحب حاجة في أي بلد من هذه البلاد في فلسطين أو الشام أو العراق أو غيرها فليحاول إن استطاع أن يقف معه وأن ينصره وأن يؤيده فإخوانكم في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان و باكستان وفي غيرهما وفي الشام يعيشون في كروب عظيمة جداً ، عندما زرنا الأردن وجدنا عدد من إخواننا من أهل العراق ومن أهل فلسطين موجودون في الأردن هم لا يريدون الاستقرار الدائم هناك، يتمنى أعداء الله أنهم لا يرجعون إلى بلادهم ولكنهم ينتظرون الفرصة ويُعِدون العُدة ويحاولون الكرة بعد الكرة وهم بإذن الله منتصرون، فكم سيطر الاستعمار على بعض بلاد المسلمين ورجعت، كما سيطر الصليبيون على أكثر من مأتي سنة على بلاد المسلمين وجاء صلاح الدين وأعادها، كما حدث الاستعمار في عدد من البلاد الإسلامية وحررها أهلها المهم أن لا تُنسى القضايا إذا لم تستطع أن تفعل شيئاً فورِّث أبناءك أن يقوموا بهذا الواجب العظيم، اكتب في وصيتك أنك توقف من وقفك للجهاد لتحرير فلسطين أو تحرير العراق أو غيرها من بلاد المسلمين المستعمرة ليعلم الله جل وعلا أنك تعيش قضايا المسلمين وأنك لم تنسها ولم تتخلَ عنها ولم تستسلم لأعداء الله ونحن واثقون بل نحن موقنون يقيناً أن اليهود سيُجلَون من فلسطين فليكن لنا مساهمة في هذا الأمر، واثقون بإذن الله أن تعود العراق وغير العراق لديار المسلمين ، ولا يعني الآن أن الأمر أنه قد انتهى، لا يزال هناك جهاد في داخل العراق ولايزال هناك جهاد في أماكن عدة في أفغانستان وغيرها ويجب نصر هؤلاء المجاهدين والوقوف معهم ودعمهم كلٌ بما يستطيع وأن لا تأتي قضية وتنسينا القضايا الأخرى .
 نسأل الله أن ينصر المستضعفين أينما كانوا وأن يعيد بلاد المسلمين إلى حظيرة الإسلام وأن يُحكم فيها بشرع الله نسأل الله أن يكفينا شر المنافقين العلمانيين نسأل الله أن يكفينا شر هؤلاء المفسدين الذين يريدون أن يجروا بلادنا وبلاد المسلمين للمآسي والكوارث ولإهلاك البلاد ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) الآن ترى في بلادنا ( لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) قد تصيبنا بتساهلنا وغفلتنا وأعذار لا تقوم بها الحُّجة. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ونلتقي في الأسبوع القادم بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق