نواصل مع قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ )
نواصل مع الخيرية، وذكرت أن من هذه الخيرية بعض ما يتعلق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة ، كذلك الخيرية لرفع شأن الصدِّيق وزوجته أم عائشة رضي الله تعالى عنهما وهي لا شك خيرية عظيمة فيها خير ولذلك أثنى الله جل وعلا على أبي بكر ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ) فوصفه الله جل وعلا أنه من أُولي الفضل مع وصفه في القرآن في آيات كثيرة .
/ ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) هو أيضاً رفع شأن وخير للمؤمنين الذين أحسنوا الظن بعائشة رضي الله تعالى عنها ولم يقعوا فيما وقع فيه المنافقون ، ومن ذلك أيضاً تربيتهم هذه التربية العظيمة -تربية الصحابة ومن بعدهم- على هذه المعاني العظيمة بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم واحترام زوجاته، ولهذا هذا الأمر لم ينتهِ ، كل واحد منا عندما يقرأ هذه القصة ينظر ليحذر أن يقع في قلبه شيء مما وقع فيه المنافقون وقد تُصاب بعض القلوب بشبهة -والعياذ بالله- ربما عندما يقرأ القصة يقذف الشيطان ربما في قلبه شبهة يصعب عليه أن يدفعها ، المؤمن القوي يرفضها وهذا بيان قوة إيمانه، وهذا أمر مهم جداً ولذلك كان قبل نزول براءتها ووقع بعض الصحابة في ذلك مجرد قذف طُهِّروا بحد القذف وتاب الله عليهم، لكن بعد نزول القرآن فاتهام عائشة رضي الله عنها وصفوان رضي الله تعالى عنه -وهذا من الخيرية أيضاً لصفوان ما وقع له من الأذى في عرضه واتهامه بالطاهرة المُطهرة ليرفع الله من مقامه فبرأه الله جل وعلا وبرأ عائشة- فأقول ما يقع بعد نزول هذه الآيات كفر -والعياذ بالله- لأنه رد لهذه الآيات، رد لكلام الله الذي برأ عائشة فيكون رداً للقرآن، ولذلك من اتهم عائشة وبُيِّن له الحق وأن الله برأها واستمر على اتهامها فقد كفر. أما من لم يعلم بهذه الآيات فتُقام عليه الحجة ويُبيَّن له الأمر إن رجع وتاب إذا كان لم يعلم ببراءتها ربما قد يكون إنسان نشأ في بيئة لا يقرأ القرآن إلى غير ذلك، أما إذا كان وعلم بذلك -وهو الأصل وهذا من المعروف كلام الله جل وعلا- فإنه كفر ولا شك في ذلك كما يفعله كثير من الرافضة ، الشيعة ليسوا كلهم على درجة واحدة وقد قابلت بعضهم ولا يتهمون عائشة رضي الله تعالى عنها ويختلفون وبعضهم لا يسبون الصحابة لكنهم يفضلون علياً ، يختلفون هم درجات كما تعلمون ، الزيدية ليسوا كالإمامية ليسوا كالإسماعيلية فينتبه عندما يقال الشيعة، ولكن من كان على أصول الشيعة أوأصول الإمامية -وهم الرافضة- في تحريف القرآن واتهام جبريل رضي الله تعالى عنه أنه خان الأمانة وبلّغها للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلّغها علي -بأفكار الخميني المعروفة- والذي يْعتَبَر ولي من أوليائهم أعظم من اأنبياء ومن الملائكة ، الذين على هذه الأصول كفر لا شك فيه مخرج عن الملة -والله المستعان- لكن تعميم الأحكام على الأفراد أو تعيين لابد أن يُستبان قبل ذلك .
/ أيضاً من هذا الخير يا إخوان من أعظم الخير هو افتضاح أمر المنافقين وقد فضحهم الله جل وعلا في مواطن عدة والأمر واضح (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ) فالمنافقون في كل زمان ومكان مصدر بلاء وشقاء ( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ) ولذلك التركيز على صفاتهم -وهم موجودن الآن بيننا- موجودون في مجتمعنا هذا المجتمع الطيب المجتمع الذي عُرِف بالخير والإسلام فلا يستطيعون أن يواجهوا فبعضهم يُنافق ، هؤلاء ( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ) فيجب فضحهم بصفاتهم فيكل وادٍ ولهذا -ولله الحمد- من آثار هذا الفضح رجوع بعض من يُسَمَون بالليبراليين ودخول بعضهم في النفاق وبعضهم كفر على اختلاف أنواعهم تراجعوا والحمدلله، والآن عدد من الأشخاص -كما تعلمون- بل بعض النساء ممن انتموا إلى المنهج الليبرالي تراجعوا -نسأل الله أن يهديهم ويثبتهم بعد تراجعهم- وهذا الحقيقة خزي لهؤلاء المنافقين ولذلك أصيبوا بصدمات فكلما ازددنا فضحاً لهؤلاء، وهذا من أعظم الاحتساب -أيها الإخوة- الاحتساب ليس الاحتساب فقط في معرض الكتاب أو في الجنادرية، لا شك الاحتساب المنضبط الذي له ضوابطه الشرعية مطلوب عند كل منكر، في الأسواق .. في معارض الكتاب .. في الجنادرية في غيرها ، الإحتساب أمَرَ الله به ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ) .. الحديث ( فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان ) (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) الإحتساب مشروع لكن هناك احتساب بالقلم، هناك احتساب باللسان، هناك احتساب أنواع على الأمور الصغيرة والكبيرة والعظيمة واليسيرة لكن كذلك الاحتساب على هؤلاء المنافقين من أعظم أنواع الاحتساب خاصة الآن مع وجود هذه الوسائل الإعلامية التي فيها الغث والسمين لكن نحن نتعامل مع الكلام المنضبط ولهذا على طلاب العلم أن يراعوا ما يكتبون في هذه الوسائل فهي مؤثرة جداً يا إخوان ، لا نتساهل فيها لأن البعض يتساهل مع كل أسف في تغريدات أو غيرها ويكتب كلاماً قد يثير الفتنة ويثير مشكلة ولا ينبغي هذا، هذه الكلمة تطير في الآفاق -أيها الإخوة- وتعلمون الذي يكذب الكذبة تبلغ الآفاق كيف رآه النبي صلى الله عليه و سلم لما عُرِج به إلى السماء ورآه ( و رأيت أقواماً ) .. وهكذا و كذلك (الرجل يقول الكلمة و لا يلقي لها بالاً من غضب الله تهوي به في جهنم سبعين خريفاً ) بعض الناس يقول من باب المزح يُحدِّث الناس يقول ليضحكهم وهو يمزح ( ويل له ثم ويل له ثم ويل له ) فلننتبه لما نقول، فحذر الله جل وعلا من هذا وهذا سيأتي له كلام حتى في سورة النور -بإذن الله- لكن أردت أن أشير إلى أن الاحتساب على هؤلاء المنافقين عظيم جداً، فضح هؤلاء المنافقين .. تحذير الناس منهم بصفاتهم حتى الواحد منهم يخاف حتى لو قلت فلان وأنت ليس عندك بينة ظاهرة وحجة دامغة فهنا قد تقع إشكال مع نفسه مع عائلته ويحدث تفرق ويحدث إشكالات أنت في غنى عنها ، أما إذا كان الإنسان قد أعلن نفاقه فقد أعلن الكفر، الذي يعلن نفاقه فقد أعلن الكفر -والله المستعان- يجب أن نبتعد عن المنافقين عدم مجالستهم ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ ) هناك الآن من يدافع عن بعض المنافقين، هناك من يجالسهم أنا أقصد من يجالسهم من أجل دعوتهم وهدايتهم لكن يُجالسهم مجاملة لهم ومداهنة و الله جل وعلا بيّن خطورة هذا الأمر ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ) رد على من يقول لا وهو يكذب : أريد هدايتهم، ليس عنده قدرة على هدايتهم ( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ) فالآية واضحة في سورة النساء كما تعلمون .
وهؤلاء أشد إفساداً من اليهود والنصارى ولهذا أيضاً خطورة الحديث معهم والاستماع لأقوالهم وأفكارهم ، بعض الشباب -هداهم الله- يدخلون لبعض المواقع من أجل أن أستفيد وأرد عليهم ثم ما يلبث إلا أن يصبح في قلبه شبهة -والعياذ بالله- ، هناك الآن من يُروِّج في معرض الكتاب لكتب مُنحرفة كانت معروفة بأنها للخير -نسأل الله الثبات- ما الذي حدث ؟!
من أعظمها مجالسة أهل الأهواء مجالسة المنافقين مجالسة المنحرفين ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) فكما أن الإيمان يأخذ بعضه برقاب بعض فإذا اهتدى الإنسان ازداد هدى ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُم ْ) فكذلك المعاصي قد يرتكب الإنسان معصية فيُعاقَب بمعصية أكبر منها ثم يرتكب معصية أكبر فيُعاقَب بمعصية أكبر منها ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) فلنحذر ولا نتساهل وندعوا بالثبات حتى نلقى الله جل و علا .
اختم الحديث عن الآية في وقفات بعضها لشيخنا الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- كتبتها من أحد الطلاب جزاه الله خيراً وأرسلها لي وأدعو له بالتوفيق والسداد وزيادة العلم والثبات ولأهله ولأهلينا ولكل من ساهم في هذا الدرس.
/ في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) هم المنافقون لكن قوله ( مِنْكُمْ ) مع أنهم ليسوا منّا لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخذهم بظاهرهم وبحسب حالهم لأنهم يُعامَلون بالظاهر لا بالحقيقة والواقع وإلا فإنهم في الدرك الأسفل من النار .
/ أما قوله : ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ) فهذا بيّنا أنه قد يرى الإنسان شيئاً يحسبه شراً وهو خير له كما بيَّن الله جل و علا ( وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) ( فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) .
/ قال : ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) قال الشيخ رحمه الله : "التخلية قبل التحلية" فهو أولاً وقع في نفوس الصحابة أن هذا شر فنفاه هذا هو التخلية ، ثم ملأ قلوبهم بأنه خير ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ) تخلية ( بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) تحلية أي ملأ قلوبهم فبدأوا يبحثون عن هذه الخيرية التي لا نزال نتحدث عنها وتحدثنا عنها في هذا الدرس .
/ أيضاً ميزان العدل -يا أحبتي يا إخوتي- ينبهنا الشيخ لهذا الاستنباط حيث يقول الله جل وعلا : ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) مع أنهم عصبة وكلهم منافقون لكن ليسوا كلهم سواء ، عبدالله بن أُبيّ أعظهم ورأسهم وآخرون أقل منه ، فميزان العدل.. ولذلك القرآن يركز على ميزان العدل وعدم التعميم، ما جعلهم كلهم في الإثم سواء ( وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) أما البقية ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ) على حسب إثمه وإن كان من المنافقين فهذا ميزان العدل الذي يجب أن نعوّد أنفسنا .
مراراً أقول نقع في إشكال أحياناً الواحد منا يتكلم عن أهل بلد بالكامل وفيهم أخيار يقول : إن البلد الفلاني فيهم كذا أو هم كذا، ولا يجوز فكل أحد من أهل هذا البلد سيأخذ من نصيبه فلنحذر من تعميم الأحكام على قبائل، الآن عندنا مشكلة في تعميم الأحكام على القبائل أو حضري أو بدوي هو مشكلة تجد حكم مطلق ، الله سبحانه وتعالى لما ذكر الأعراب فصّل سبحانه وتعالى وبَيّن سبحانه وتعالى في القرآن العظيم ، هناك من يُطلِق أحكام على الحضر أو على البدو أو غيره كل طرف يقابل الطرف الآخر وفي الإنترنت وفي بعض القنوات الفضائية -ومع كل أسف- تعصب وسب للآخرين أو على القبائل أو غيرها، يكون بعض أفراد القبيلة أخطأوا تُلبَّس القبيلة كلها هذا الخطأ، وكأن كل فرد من أفراد القبيلة قد وقع ، يكفي عندما قال : فلان وقع في كذا وكذا قال : ألا تعرف ؟ قال : ماذا ؟ قال : القبيلة الفلانية ، سبحان الله اتقِ الله يعني كونه من القبيلة الفلانية هذا مبرر وتعمم الحكم على أفراد هذه القبيلة صفة من الصفات لأنه لا تخلو قبيلة من الخطأ أو من صفة سلبية أقصد من بعض أفرادها وفيها أخيار.. فيها صالحون .. فيها مؤمنون .. فيها تقاة .. فيها علماء .. فيها أئمة .. فيها مجاهدون رجال ونساء كما بيّن الله جل وعلا في سورة الحجرات ( لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ) فالله جل وعلا يبين لنا هنا، ولذلك لما ذكر اليهود في سورة المائدة بيَّن ( مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ) فتجد الاستغناء والعدل عند الحكم على العام ، ليس كما يفعل الكثير من الناس بأحكام جاهلية فالله جل وعلا هنا يقول : ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ) ليسوا كلهم على درجة واحدة .
/ أيضا أن أهل الشر قادة الشر يُعذَّبون أكثر من مقلديهم ولذلك عبدالله بن أبيّ ( وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وعن فرعون ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يقدُم إلى النار -والعياذ بالله- (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ) بينما أهل الخير كذلك، القائد للخير أعظم أجراً من أتباعه بل له أجر وأجر من تبعه، وهذا مرة أخرى من ميزان العدل وبيان الفضل .
/ بقيت مسألة أشرت إليها أختم بها ذكرتها في الأسبوع الماضي ولكنها من كلمة الشيخ محمد وكل الكلام الذي ذكرته استنباط من كلام الشيخ لا نصاً ولكن استنباطاً من وقفاته رحمه الله .
لماذا لم يُجلد عبدالله بن أبي في قصة الإفك مع أنه هو ( الَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ )؟
قالوا -وهذا ذكرته في الأسبوع الماضي- : لأنه كان خبيثاً لا يُصَرِّح ولكن يُوري يقول : أما سمعتم ما قيل في عائشة ؟ ما يقول : أنا أقول -وهذا يقع فيه البعض- ولذلك قيل : لأنه لم يكن يُصَرِّح ولو صرَّح لعُوقب .
و قيل : أن الحد تطهير للمحدود وعبدالله بن أبي ليس أهلاً للطهارة لأنه نجس خبيث ولكن قد يقال أن الحدّ تطهير وعقوبة فإذا لم ينفع التطهير تبقى العقوبة والدليل على ذلك أن المرتد الذي يُصِر على رِدته لا نقول أنه خلاص مرتد ما ينفع معه القتل إنما يُقتَل عقوبة، ولكن هذا من استنباطات العلماء.
وقيل: أيضاً أنه تكلّم ولكن لا يوجد شهود يثبتون لأنه لابد من شهادة أنه قال هذا الكلام فهو له خبرة وتجربة في المراوغة والنفاق فلم يثبت عليه ثباتاً شرعياً يقام عليه الحد .
و قيل: وهذا -قول فيه نظر- : أن عائشة لم تطالب بحقها وربما قد يقال لو قلنا ذلك : هل طالبت بإقامة الحد على مسطح وهمنة ؟ لا يوجد ، فلذلك أيضاً هذا القول فيه نظر لكن لأن الشيخ ذكره .
وقيل أنه - وهذا القول له وجاهة - أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك إقامة الحد عليه لمصلحة تأليف قومه وعدم إثارة فتنة وبخاصة أنه حق له ولزوجته فيحق له -أي لعائشة- أن تتنازل عن هذا ، لا يقال : ربما تتنازل عن أحد ولا تتنازل عن أحد حتى ولو لم تطالب مراعاة للمصلحة العظمى والكبرى في هذا. وقد يكون كله بهذا السبب أو بغيره ..
الشاهد: أنه لم يُترَك إقامة الحد عليه إلا لحكمة عظيمة ، هذا وقد هدده الله بالعذاب، ثمانين جلدة ماذا تؤثر في مقابل تهديد الله جل وعلا ( وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) لاشك أن ثمانين جلدة تؤدب أو تُطهّر ويكفي أنها حكم من الله و يكفي أنها حدّ من الحدود لكن هذا جزاؤه في الآخرة أعظم جزاء -والعياذ بالله- في الدرك الأسفل من النار -نسأل الله السلامة والعافية-
ولهذا بقيت مسألة دقيقة جدا : الله سبحانه وتعالى بيّن أنه { تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ } ألا يكفي هذا إثبات ؟ حكمة الله جل وعلا جعل الأحكام تجري بشهادة الشهود والبينات والأشهاد -ولله المثل الأعلى- يقال : القاضي لا يحكم بعلمه ، قد تقول : كيف أن القاضي لا يحكم بعلمه ، قاضي من القضاة واقف بمكان وجاء شخص وسرق رآه القاضي بعينه سرق ثم ذهب إلى المحكمة جيء بهذا اللص فالقاضي لا يقول: أنا شاهدته خلاص تُقطَع يده ، يُطالب لابد من شهود فلا يُعَد من الشهود لأن القاضي لا يحكم بعلمه حتى يبقى منصفاً ، بإمكانه أن تحول القضية إلى قاضٍ آخر ويصبح شاهداً لا إشكال هنا لكن إن كان هو القاضي فلا، حتى يبقى قاضي (***) فلذلك الله جل وعلا يعلم أنه { تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ } ولكن جعل الحكم فيما يظهر، وإلا لو تمت مؤاخذة المنافقين بما يعلمه الله لكانوا أشد كفراً من اليهود والنصارى ولا أُجريت عليه أحكام الإسلام الظاهرة، أكبر من عبدالله بن أُبيّ في قضية عينية لكن لحكم يعلمها الله جل وعلا ، والناس يؤاخذون -كما قال عمر- بظواهرهم ، قال في الوحي: كان ينزل الوحي هذا له حكم آخر لا يتعلق بهذه الأحكام وإقامة الحدود، بأحكام أُخر أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فالناس يؤاخذون بظاهرهم .
أسأل الله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم ونواصل إن شاء الله في الأسبوع القادم وهو الدرس الأخير ونختم في الدرس القادم ان شاء الله ونواصل مع هذه السورة وكتاب الفقه ولا تنسوا أن تدعوا لإخوانكم في الشام أسأل الله أن ينصرهم وأن يذل أعدائهم وأن يقر أعيننا بانتصارهم وأن يُهلك هذا الطاغية وحزبه وجنده ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلِّ اللهم على سيدنا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق