الخميس، 2 يونيو 2016

تفسير المفصل -٥-/ د. محمد بن علي الشنقيطي / سورة الشرح



الحمد لله رب العالمين الذي له الحمد في السموات والأرض وله الشكر وله الثناء الحسن ، سبّح كل شيء بحمده، وخشع كل شيء له، وأسلم كل شيء له، فله الحمد على خلقه ورزقه وتدبيره ، وله الثناء الحسن على أسمائه وصفاته وأفعاله ، وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد ..
معاشر الإخوة الفضلاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 ومرحبا بكم في روضة من رياض الجنة يُتلى فيها كلام الله ويُتدارس فتنزل سكينة الله التي تكون بها زيادة الإيمان {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:٤] تتنزل فيها ملائكة الله الذين إذا حلُّوا في مكان حلّت فيه رحمة الله وما يتنزلون إلا بأمرالله ، ويذكر الله الجالسين في الملأ الأعلى عنده ومن ذكره الله فإنه يُذكر فلا يُنسى ، وإنه يَذكر فلا ينسى ، وإنه يكون عند الله يوم القيامة من المقربين ويكون في الدنيا من المطمئنين {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] .
بعد هذه المقدمة وصلنا وإياكم إلى سورة الشرح وهذه السورة نزلت بعد سورة الضحى حتى إن بعض العلماء يرون أنهما سورة واحدة شأنهما في ذلك شأن سورتي الأنفال والتوبة والفلق والناس فيقولون هما سورة واحدة، ولكن الصحيح أنهما سورتان وكل سورة مستقلّة وبينهما علاقة عجيبة .
سبق معنا يوم أمس عندما ذكرنا أسباب نزول سورة الضحى أنه ضيق صدر حصل للنبي ﷺ عندما قال بعض الناس قلاه ربه، ودَعه ربه، تركه ربه، سيأتي برسول غيره بعد توقف الوحيّ، فكان ما سمِع سبب لضيق صدره فجاء جبريل بعد انقطاع وحي بقول الله جل وعلا { وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} انتهت الرسالة ، عاد جبريل إلى السماء، اطمأن محمد وانشرح صدره واطمأن قلبه جاء جبريل إليه بخطاب آخر هو خطاب مباشر من الله لمحمد ﷺ . سورة الضحى الخطاب فيها بواسطة جبريل (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ) لكن سورة الشرح الخطاب فيها مباشرة من الله لمحمد ﷺ فماذا قال الله له؟ قال له :
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } ما أجمل هذه الافتتاحية العظيمة {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }
 شرح الصدر فعل عظيم من أفعال الله والناس فيه على ثلاث أحوال :
الحال الأول : أن يطلب الإنسان شرح الصدر من الله كحال موسى عليه الصلاة والسلام عندما سمِع كلام الله واطمأن بذكر الله وآمن بالله فماذا قال ؟ قال: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ) هنا موسى سأل، لو قرأت هذه الآيات ثم قرأت سورة الشرح لرأيت العجب العُجاب ، ما سأله موسى أُعطي لمحمد بلا سؤال -عليه الصلاة والسلام- . هذه الحالة الأولى أن تسأل شرح الصدر من الله .
الحالة الثانية : أن يُعطي الله شرح الصدر لكن بشرط ، أن يشرح الصدر بشرط وهي حالة سائر المؤمنين قال الله جل وعلا (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) [الأنعام:١٢٥] هذه حالة .
أما الحالة الثالثة -الخاصّة- : فللخاصّة فمن هم الخاصّة؟ لمحمد ﷺ خاصة ، أن يُعطى شرح الصدر بلا سؤال ولا شرط ولا قيد .
قال الله : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } كلمة {أَلَمْ} فيها نفيان :
- فهمزة الاستفهام تفيد النفي ، [أزيد موجود؟] هذا استفهام لكن يقتضي معنى النفي، ممكن غير موجود.
- "لم" نافية .
فاجتمع نفيان نفى أحدهما الآخر نفيا كاملا فحصل الإثبات التام الذي لا مِرية فيه، فموضوع شرح صدر النبي ﷺ موضوع مُثبت تامّ لا مرية فيه .
لم تفتتح هذه السورة بالقسم كسائر السور التي مضت معنا لماذا؟ لأن السورة التي قبلها جاء فيها القسم الذي أثبت فيه الله جل وعلا للنبيّ أنه ما ودّعه وما قلاه وذكّره بالماضي يوم كان يتيما فآواه ، ويوم كان فقيرا فأغناه، ويوم كان جاهلا فعلّمه أو غافلا فذكّره ، إلى غير ذلك. فجاءت هذه السورة {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } كلمة { نَشْرَحْ }افتُتحت بنون العظمة هذه النون دلّت على أن فعل الشرح من الله ، وشتان بين أن يُنسب الفعل لله وأن يُنسب لغيره -كما ذكرت لكم بالأمس- أن الفعل إذا نُسب لله اقتضى العظمة ، فشرح صدر النبي شرحٌ من الله .
نأتي لمسألة الشرح ، ما معنى الشرح ؟
عندما يأتي واحد بكتاب يقول اشرح لي الكتاب يعني فصّله .. بيّنه وأبسطه ، تشريح اللحم إلى شرائح يعني يكون كتلة واحدة فتُشرِّحه وتبسُطه حتى يكون مبسوط وواضح. طيب
الشرح للصدر أو الشرح للقلب أو لهما معا؟
ما الفرق بين الصدر والقلب ؟
الصدر: مكان بين الرأس والبطن وهو الوسط وخير الأمور الوسط ، الصدر محط نظر الرب لما فيه ومكان الصراع بين الحق والباطل ، الملائكة تريد الوصول إلى الصدر والشياطين تريد الوصول إلى الصدر ، ولا يحمي الصدر ويحفظه إلا الله، ولا يُوسِّعه إلا الله ولا يُضيّقه إلا الله ، فإن حلّ فيه النور اتسع وانشرح ، وإن حلّت فيه الظلمة ضاق (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) [الأنعام:١٢٥] إذا الإسلام نور (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) [المائدة:١٥] هذا النور يدخل الصدر (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ )[الفتح:١٨] لكن اسمع ، صدر النبي ﷺ شُرِح حِسا ومعنىً ، شُقّ صدره وهو طفل في بادية بني سعد يوم كان عمره سنتان وثلاثة أشهر ، وكان يلعب مع غِلمان يرعون البُهم في بادية بني سعد فجاء رجلان فأخذاه من بين الغُلمان واضجعاه وشقّا صدره وأخرجا قلبه وأخرجا قلبه وأخرجا منه سخيمة الشيطان وغسلاه بماء زمزم وأعاداه مكانه والتأم الصدر عليه وبقي الطفل المحبوب عند الله وعند خلق الله جالس على ذلك الجبل لا يدري ما الخبر ، لا يدري ما الأمر ، ذهب أخوه في الرضاع وتوجّه إلى أمّه حليمة وقال : يا أماه إن أخي محمد قد أصابه شر ، جاء رجلان ... فقصّ عليها القصة فذهبت حليمة وزوجها أبو كبشة حتى جاءا إلى النبيّ وهو طفل فخافا عليه الجنّ فأخذاه فأرجعاه إلى مكة - إلى أمّه آمنة - فقصّت عليها حليمة القصة ، فقالت لها آمنة: لا تخافي على ابني هذا فوالله يوم حملته رأيت رؤيا فيه ويوم وضعته خرج نور مني أضأ له المشرق والمغرب -في المنام- رأيت أنه خرج مني نور أضأ له المشرق والمغرب فلا تخافي على ولدي هذا فوالله إن له لشأن . فلما اطمأن قلب حليمة قالت لآمنة رديه معي حتى يقوى بدنه فإذا اشتدّ ارجعته إليكِ، فعادت به ثانية ليُشقّ صدره ثانية عندما بلغ من العمر أربع سنين وارجعته أيضا حليمة إلى آمنة وقد بلغ من العمر أربع سنين، فلما أرجعته المرة الثانية استمسكت به أمّه وذهبت به إلى المدينة -عمره ست سنوات- ثم عادت به فماتت في الطريق.
فهذان شرحان للصدر .
 وقيل: أنهما واحد ، اختُلف فيه وهو ابن سنتين أو ست سنوات ، ثم بعد ذلك في بداية الوحي شُقّ صدره وغُسل بماء زمزم قبل الوحي. هذه المرة الثانية وقيل الثالثة . وفي ليلة الإسراء والمعراج شُقّ صدره وأُخرج قلبه وغُسِل بماء زمزم وملئ بالحكمة ثم أعيد قبل الإسراء به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به من المسجد الأقصى إلى السموات العلا فكان شقّ صدره عليه الصلاة والسلام وشرح صدره كم مرة؟ أربع مرات ، وقيل: ثلاث ، وقيل : اثنتان .
المهم .. هذه شروحات صدره الحسية.
 أما الشرح المعنوي فلا تسأل عن كثرة شرح صدره ﷺ معنى لأن انشراح الصدر إنما يحصل بالنور والقرآن كله نور وقد نزل على قلبه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) [الشعراء] فكل آية بل كل كلمة بل كل حرف من القرآن ينشرح له صدر النبي ﷺ .
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } هذه الآية أسلوبها عجيب، ما الفرق بين قولك "ألم نشرح لك صدرك" وبين لو قال "ألم نشرح صدرك"؟
تخصيص ، لذلك قوله على لسان موسى (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) لماذا ؟ من المستفيد من شرح الصدر أهو رب العالمين أو المخلوق؟ المخلوق، فهي لك ولذلك قال ابن القيّم -رحمه الله- : "ومن فوائد شرح الصدر ما ترتب بعد ذلك في السورة" فمن شرح الله صدره أعطاه الله ما في سورة الشرح كله، إذا تريد أن يُعطيك الله ما في للسورة فاطلب شرح الصدر، ماذا في السورة؟
أولا: "وضعنا عنك وِزرك" يعني إذا شُرِح ابصدر غُفر الذنب لأن الذي يُضيّق الصدر هو الذنب فإذا شُرح الصدر بالنور فماذا يحصل لظلمات السيئات؟ تزول، لأن الله جل وعلا قال (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ) [هود:١١٤] والحسنات نور
والسيئات ظلام كما بيّن ذلك النبيّ ﷺ في حديث حذيفة بن اليمان الذي رواه في مجلس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال حذيفة : كنت في مجلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال عمر : أيها الناس أمنكم من سمِع رسول الله ﷺ يحدِّث عن الفتن؟ قال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- : نعم أنا، سمعت رسول الله ﷺ يُحدِّث عن الفتن يقول (فتنة الرجل في أهله وماله وولده) قال عمر: لا عن هذه أسأل إنما أسأل عن تلك التي تموج كموج البحر، قال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- : أنا، سمعت رسول الله ﷺ يقول (تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عُودا عُودا -وفي رواية - عَودا عَودا فأيما قلب أُشرِبها نُقطت فيه نقطة سوداء -وفي رواية- نُكتت فيه نكتة سوداء ، وأيما قلب أنكرها نُقطت فيه نُقطت بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين ، قلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السموات والأرض، وقلب أسود كالكوز مجخيا لا يعرِف معروفا ولا يُنكر منكرا إلا ما أُشرِب من هواه).
القلب أين يقع؟  في الصدر .
 الذنوب كلها مصدرها من جهتين: إما من جهة نفسك { إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } أو من جهة الشيطان { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ } وكما قال تعالى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }، هذا الشيطان وهذه النفس هما سبب الذنوب لذلك جاءت سورة الناس لتُطهّر قلوب الناس من الذنوب التي مصدرها الناس والشيطان { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ } وعلى رأسهم إبليس { وَالنَّاسِ } وعلى رأسهم نفسك أنت .
إذاً صدرك يضيق بسبب نفسك والشيطان ، طيب من الذي يقدر على الشيطان وعلى نفسك ؟ الله ، أنت لاتستطيع أن تواجه إبليس ولا تستطيع تواجه نفسك إلا إذا هداك الله ، إلا إذا أعانك الله، لذلك جاءت الآيتان متتاليتان { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فلو لم يُعِنك اللله لما استطعت عبادته .
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } كلمة "لك" دلّت على أن الأمر مخصوص للنبيّ ﷺ ابتداءً من غير شرط ولا قيد .
/ { وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ } -سبحان الله العظيم- الصدر موطن العلم والقرآن ، العلم كله في الصدر، والقرآن كله في الصدر، والتقوى كلها في الصدر ( التقوى هانا وأشار إلى صدره ) { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } ، قبل أن نتجاوز الصدر نرجع لسورة النور فننظر المثل العظيم الذي ضربه الله لصدر المؤمن عندما يمتلئ نوراً قال الله جل وعلا : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ } قال ابن عباس : "في صدر المؤمن" { كَمِشْكَاةٍ } الصدر مشكاة، المشكاة تعرفونها أو لا ؟ ماذا تسمونه ؟ الفانوس .. السراج .. الزجاجة هذه عندها فتحة من أعلى وفتحة من أسفل، الفتحة الأسفل يدخل منها النار، والأعلى يخرج منها الدخان، والنور يملأ الزجاجة من الداخل فإن كان هناك مخرج للدخان بقيت الزجاجة نظيفة وخرج النور خارج، أما إن لم يكن هناك مخرج للدخان حشر الدخان داخل ولا يخرج النور فلو أوقدته في غرفة مظلمة لبقيت مظلمة ضيقة كما هي فاسمع ماذا قال الله، قال الله : { نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ } في قلب المؤمن وفي رواية في صدر المؤمن { كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } النور
{ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } هذه الزجاجة، زجاجة { كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌ } هي نفسها مضيئة، يعني صدر المؤمن زجاجة، هذا الصدر أمتلأ نوراً كأنه كوكب دري ولذلك ورد في الأثر (إن الملائكة لتنظر لقلوب المؤمنين وصدورهم كما ينظر أهل الأرض للنجوم في السماء ) فهل النجوم في السماء متساوية في نورها ؟ فهنالك في السماء قمر وهو قلب محمد صلى الله عليه وسلم وصدره، وهناك نجوم كواكب درية الصحابة ونجوم دون ذلك وهكذا .
 { الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ } انظر العجب العجاب، الكوكب أصلاً في السماء فكيف يُوقد من شجرة في الأرض ؟ العمل الصالح أين ؟ { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } لكن العمل الصالح في الأرض ، { يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } هذه الشجرة المباركة بيّنها لنا في آية أخرى قال الله جل وعلا : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ } أين ؟ في الأرض { وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } الكلمة الطيبة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" هي أصل النور كله إذا نطق بها الكافر أشرق صدره نوراً، إذا نطقها المؤمن أزداد النور { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } .
{ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } وسبحان الله لما تكلمنا على { أَلَمْ نَشْرَحْ } جاءت بعدها { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } لأجل أن يبين لك ما العلاقة ما بين شرح الصدر وما بين الإيمان { يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ } يقرأ الصحابي هذه الآية وينظر للكرة الأرضية من حوله الشرق الفرس الذين يعبدون النار، والغرب اليهود والنصارى الذين ادّعوا لله الولد فيقول : هذا النور من "لا إله إلا الله" ليست مجوسية وليست يهودية ولا نصرانية بل سماوية ربانية { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ } { لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ } في زمننا المعاصر نقرأها { لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ } قبل فترة شرقية الشيوعية الحمراء وغربية الرأسمالية فنحن نقول : عقيدتنا سماوية ربانية إلهية لا شرقية شيوعية حمراء ولا غربية رأسمالية لأمريكا وأوروبا لكنها من الله { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ } والعجيب أن الكون كله مع الزمن كله الماضي والحاضر والمستقبل مقسوم على كتلتين شرقية وغربية، الجنوب والشمال متجمدين مالهم علاقة بالفكر ولا بالعقيدة .
{ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ} انظر صدرك -صدر المؤمن- { نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ } عندما نأتي لمعنى { نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ } يتبين لنا معنى { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } دعنا نأخذ واحد نتصور أن هذا الرجل كافر توه جاء يريد الدخول في الإسلام قال ماذا أفعل ؟ قلنا له : قل "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله " خلاص الآن أَوقد النار في قلبه نور الإيمان اشتعل الإيمان اشتعلت لا إله إلا الله هذا نور ، هل قبله نور ؟ نعم قبله الفطرة { فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الرجل ما جاء إلا لأنه مفطور على التوحيد أصلاً ، نور الفطرة نور ، نور التوحيد بعد الفطرة هذا { نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ }، ثم حضرت الصلاة حي على الله حي على الفلاح الصلاة نور{ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ }، ثم الرجل عنده فلوس قلنا زكي وزاد النور، والعمل الصالح كل حسنة نور، أصبح حياته كلها { نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ } إذاً يشرح الله صدره أو لا ؟ هذا الذي يشرح الله صدره .
 أما ضيق الصدر فلا يحصل إلا في الظلمة، والظلمة من الظلم والإنسان الكافر ظلوم { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }، الجهل ظلم ظلمات
 العلم نور والجهالة حلك ** ومن يسِر في ظلمة الجهل هلك
 هذا النور -نور العلم- عرفناه نأتي لظُلمة الجهل وظُلمة الشرك وظُلمة المعاصي { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } ماذا قال الله عن صدر الكافر ؟ قال جل وعلا وهو يصف لنا الصدر الذي لا ينشرح، صدر كُتِبت عليه الضلالة والضيق قال : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } انظروا الفرق بين شجرة وبين إنسان مُغمّس في ظلمات -في بحر- دعونا نرى الظلمات هذه.
 البحر أصلاً طبقات ، المحيط فيه أعماق البحر ظلمة، وفيه الأمواج التي تُحرِّك الماء الأمواج هذه موجة تمشي هكذا وهي ثانية فوقها فإذا تحرك الماء أظلم، عندما تأخذ ماء وتحطه ثم ترمي فيه قلم ثم تحركه القلم لا تراه لأن الماء إذا تحرك أظلم والبحر متقلب فهو مُظلم ، ثم ظلمة الليل فوق ذلك { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } هل في الكون مصدر للنور ؟ نعم لكن هذا الشخص بينه وبين النور ظلمات { إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } طبعاً الآية فيها إعجاز علمي أن قعر البحار ظلمات العين لا تبصر فيها والنور لا يشتعل فيها .. الخ .
 المنافق أين ؟ صدره منشرح أو لا ؟
قد يُشرح صدر المنافق لحظة ثم يعود للضيق لذلك ضرب الله له مثلين في القرآن قال سبحانه وتعالى : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } هذا المثل الأول.
 المثل الثاني : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ } مطر { فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } البرق كم يمكث في السماء ؟ هذا مصدر النور عنده، برق -نسأل الله العافية- { فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ } انظر لا يمشون إلا وقت البرق { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ} متى؟ في النهار ليراهم الناس أما في الليل لا، أما الفجر لا، كذلك سعيهم على قدر مُكث البرق في جو السماء -نأسأل الله العافية- .
/ { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ } ما أجمل هذا العطف كل هذه الأفعال أفعال الله لمحمد ﷺ { وَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} عندما يأتيك شخص تحبه وقد أعطيته دَين جاءك محتاج يريد أن يتزوج قلت له يا فلان خذ هذه مليون ريال دين إذا تيسرت رجعها ، فأخذها راح تزوج واتصرف ولكن ما تيسرت معه فإذا رآك ضاق صدره -الله له علي دين وإلى الآن ما دفعته- يقول لك : يا فلان ترى المليون هدية لك، كيف ينشرح صدرك ؟ آخر آية نزلت في سورة الضحى { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } هذه سببت همّ 
الله .. أي نعمة تتحدث بها، هل هي نعمة البدن والصحة، أو نعمة الدِّين والقرآن، أو نعمة إني رسول وإني خاتم الأنبياء، أو ما أعطاني من الكوثر؟ ما الذي أتحدّث به، فلما حمل هذا الهمّ شرح الله صدره وقال له: خلاص أنت الآن تعتبر سيد الشاكرين كلهم تحدثت أو ما تحدثت فالوِزر الذي وُضِع قيل: الهمّ الذي حمله من التكليف بالتحدث بالنعمة
وقيل: الوزر الذي وُضِع عنه ﷺ هي الذنوب التي كان عملها قبل الإسلام قبل أن يُوحى إليه لأنه ما كان يدري { وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ} هذه الآية يوم قرآها النبي ﷺ قال : المشكلة كنت ضال، خلاص ذاك الضلال { وَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ } مثل قوله تعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ } ماذا ؟ { مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا }.
وقيل: أن المراد بذلك اجتهادات النبي ﷺ التي اجتهدها وأخطأ فيها مثل اجتهاده في ابن أم مكتوم لما أقبل فعبس في وجهه فعاتبه الله فيه فحمل النبي ﷺ الهمّ لأن الإنسان المُحِب الرقيق لا يتحمل حتى العتاب صح أم لا ؟ إذا أقبلت على شخص تحبه ويحبك ويعاتبك لو بشطر كلمة تحزن، تحمل همّ أكيد أني أخطأت، فهذا الهمّ الذي حمله من العتاب الذي حصل قال الله : { وَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ } ذاك ترى مغفور تراك ما أخطأت يا رسول الله .
/ { وَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } هنا فائدة: أنه كلما علت مكانة العبد كلما كان الخطأ الصغير في حقه كبير .. فهمتم أو لا ؟ يعني لو أن إنسان عالم أخطأ ليس مثل إنسان جاهل -لو غيرك مو مشكلة لكن أنت لا- صح وإلا لا، لو شخص تحبه أخطأ في حقك مو مثل شخص عادي، لذلك كانت المسألة عظيمة لذلك ورد في الأثر أن صغائر ذنوب المُقربين إلى الله يعدوها كبائر، وكبائر الناس البعيدة يعدوها صغائر { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } لكن المُقربين يحسبونه عظيم وهو هين .. عرفتم .
/ { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ }
تعرفون معنى أنقض ؟ أتعب .. أثقل .. أوهن .. هدّ.
النقيض: الصوت الذي يحصل عند حمل الشيء الثقيل، لو واحد عنده سيارة وحمّلها فوق الطاقة تطلِع صوت هذا اسمه نقيض وهذا النقيض يحصل لفقرات الظهر عندما تحمل على الجمل أو على الحمار أو على الدابة الشيء الثقيل تسمع الفقرات تطلع صوت يعني من شدة الثقل الذي عليها هذا يسمى نقيض مثل الأطيط ( أطت السماء وحق لها أن تئط ) الأطيط والنقيض بمعنى واحد وهو صوت الثِقل.
/ { الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } الظهر محل حمل ماذا ؟ { يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } .
الحسنات أين تحمل ؟ إذا كان الظهر يحمل الذنوب الحسنات أين ستحملها ؟ الله عز وجل يقول : { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } قالوا لأن السيئة في الدنيا خفيفة على النفس ثقُلت في الآخرة ، ولأن الحسنة في الدنيا صعبة خفّت على النفس في الآخرة فما تحتاج حمل هي مرفوعة لنفسها ، والعجيب أن ميزان الآخرة يختلف عن ميزان الدنيا، ميزان الدنيا الشيء إذا ثقل نزل والشيء إذا خفّ ارتفع ، وميزان الآخرة الشيء إذا ثقل ارتفع وإذا خف نزل ولذلك قال : {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } والهوية هبوط .
/ { الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ما أجمل { وَضَعْنَا } و { وَرَفَعْنَا } وضعنا عنك ورفعنا لك، هل يستطيع محمد ﷺ 
 بنفسه أن يضع عن نفسه أو يرفع عن نفسه ؟ لا ، إذا وجدت الرجل يرفع نفسه ماذا تقول عنه ؟ مُتكبر، لكن إذا رفعه الآخرون لا والله ( من تواضع لله رفعه ) إذاً سيد المتواضعين محمد ﷺ يكفيك من تواضعه أن الله جل وعلا أعطاه ما لم يعطِ أحدا من العالمين قال: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } وقال : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } وأعطاه .. أعطاه .. أعطاه ومع ذلك يوم يجيء الليل يسجد ويقول : ربي اغفر لي وارحمني وتب علي ويبكي وتقول له عائشة : ( يا رسول الله ألم يُغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ يقول لها : يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً ) تواضع، يتشاجر واحد من الصحابة مع واحد من اليهود، يهودي تاجر يبيع ويشتري وصحابي جاء يريد يشتري حاجة سأل الصحابي اليهودي قال له : ما سعر هذه؟ يعني زينة وإلا ليست زينة؟ فقال اليهودي : والذي فضّل موسى على العالمين إن هذه التجارة صحيحة وكذا .. وكذا .. وكذا فالصحابي كلمة فضَّل موسى على العالمين هذه ما طاقها قال له : لعنك الله بل فضّل محمد ﷺ على العالمين وتشاجروا ضرب جاؤا الصحابة ماذا بكم ؟ والله هذا أقسم قالوا : تعالوا عند النبي ﷺ يحكم بينكم، انظر التواضع اليهودي كافر ما أسلم والصحابي مسلم وجاؤا الإثنين يتحاكموا على النبي ﷺ فقال النبي ﷺ للصحابي : ماذا حصل؟ قال له : هذا اليهودي الملعون يقول والذي فضّل موسى على العالمين وأنا رددت عليه والذي فضّل محمد ﷺ على العالمين.
الرسول يعلم أنه سيّد ولد آدم وهو الذي قال : ( والذي نفسي بيده لو أن موسى بن عمران حياً لما وسعه إلا أن يتبعني ) وهو الذي أنزل الله جل وعلا عليه { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ } بما فيهم موسى وإبراهيم وكل الأنبياء { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} يعني محمد {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ } خلاص وقفوا إذا جاء محمد رسول انتهت رسالتكم، عنوان نهاية الرسالات كلها خروج محمد ﷺ { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } كيف من نبي يصبح فاسق إذا لم يتبع محمد ﷺ، هذه الآيات كلها تدل على فضل النبي ﷺ على موسى وعلى غيره لكن انظروا التواضع فقال النبي ﷺ وهو يبتسم : ( لا تفضلوني على موسى بن عمران فوالذي نفس محمد بيده إني لأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة فأرفع بصري فإذا بموسى بن عمرآن قائم على ساق العرش لا أدري أفاق قبلي أو أنه أكتفي له بالصعقة التي صُعقها يوم قال : { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا } ) هذا الحديث دلّ على تواضع النبي ﷺ، وهذا الجواب ارتاح اليهودي وانبسط وارتاح الصحابي وانبسط ولم يجرح مشاعر أحد تحمّلها في نفسه ﷺ كان يستطيع أن يكون متكبر يقول : أبد أنا أفضل من موسى بن عمران وهو صادق لكن (لا تفضلوني) ويقول للصحابة : ( لا تطروني كما أطرت اليهود عيسى بن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله) يقول : ( أنا عبد ابن أمة كانت تأكل القديد ) عليه الصلاة والسلام قمة التواضع، يأتيه رجل محتاج فقير أعرابي بدوي فجاءه والنبي ﷺ في زمن الشتاء ولابس الصوف تعرفون الصوف ؟ بشت صوف، فمسكه بتلابيبه وخنقه خنق النبي ﷺ حتى انتفخت  أوداجه وحتى أثّرت البردة في رقبته وجاء عمر وفكه، قال له : يا عمر -انتبه- الرجل يطلب حقاً فماذا قال الرجل ؟ قال الرجل : يا محمد -ما قال يا رسول الله- (أعطني من مال الله الذي عندك فإنه ليس مالك ولا مال أبيك ولا مال جدك) شحات ويتشرط وبيضرب الرسول ﷺ فماذا قال النبي ﷺ ؟ قال : ( يا عمر اذهب وأعطه من بيت مال المسلمين وزده جزاء ما روّعته ) هذه قمة التواضع .
/ بعد هذا قال تعالى : { وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } نأتي إلى { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }
كيف رُفِع ذكر النبي ﷺ ؟ وما سبب نرول هذه الآية ؟
 طبعاً هذه الآية مثل { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } لما مات أبناء النبي ﷺ الذكور في مكة ولم يبقَ عنده إلا الإناث فرحت قريش -المشركون فرحوا- قالوا : إنما يحمل ذكر الرجل أولاده وأما بناته فلن يحملن ذِكره بل سيكن أوعية لحمل أولاد الغير أم فلان وزوجة فلان أما أبوها خلاص انتهى محمد لن يكون له ذكر أبو البنات فقال الله جل وعلا : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } إن ذكرك يا محمد مرفوع في الملأ الأعلى حيث إن حملة العرش ومن حول العرش يُصلون عليك باسمك (اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) حتى إن رب العالمين يصلي عليك باسمك { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } رفع ذِكره أو لا ؟
 اثنين: أنه لا يقبل إسلام أحد حتى يتفوه باسم محمد ﷺ، تريد تدخل الإسلام أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله .
 لا تقام صلاة حتى يُرفع ذكر محمد ﷺ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، وتدخل في الصلاة وتذكر محمد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله اللهم صلي على محمد.
 وأيضاً خطبة الجمعة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله داخل الخطبة ، خطبة العيدين.
والآن كم في الدنيا من مئذنة ترفع أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، وكم في الدنيا من كتاب، حتى رفع الذكر ليس فقط في كتب الناس حتى في كتب الله المقدسة { وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ } ماذا ؟ { أَحْمَدُ } هو محمد في الأرض وأحمد في الكتب المُنزّلة ومحمود في الملأ الأعلى عليه الصلاة والسلام { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }.
من رفع ذكر الله رفع الله ذكره ومن وضع ذكر الله أنسى الله ذكره قال الله جل وعلا : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم } ويقول في الحديث القدسي : ( إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني منفرداً ذكرته منفرداً وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من الملأ الذي ذكرني فيه ) أسألكم بالله سؤال من أكثر الناس ذكراً لله وتذكيراً بالله من سائر خلق الله ؟ محمد ﷺ لولا محمد ﷺ وبعثته ما عرفنا الله وما عرفنا شرع الله لذلك أمتنّ الله جل وعلا به على هذه الأمة { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} هذا الرسول رحمة { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ٌ } وفي قراءة (من أَنْفَسِكم) { مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }
/ ماذا بعدها ؟ { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } تكرار من أجل التأكيد فكل عُسرٍ قبله يُسر قبل أن يكون وبعده يسرٌ بعدما يكون ، المرأة ، كل عسر قبله يسر قبل أن يكون عسرا، وبعده يسرٌ بعد أن كان عُسراً أضرب لك مثال : المريض ألم يكن معافاً قبل المرض ؟ ألا يتعافى بعده ؟ المديون ما كان سليم قبل الدين ألا يقضي الدين فيسلُم ، المسجون ما كان طليق قبل السجن ألا يطلق بعد السجن، المهموم ما كان مرتاح وسعيد قبل الهم ثم يزول الهم فتعود له السعادة ؟ فالعُسر محاط باليسر قبله وبعده هذا وجه .
 الوجه الثاني : أن الله جل وعلا جعل العُسر في الدنيا قبله يُسر وبعده يُسر في الآخرة فأصبح اليُسران يُسر في الدنيا مع العسر ويسر في الآخرة زيادة { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } لذلك قال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} مخرج من ماذا ؟ من الضيق من العسر فكل عسر جاءك سيجعل الله لك منه مخرجاً ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لن يغلب عسر يسران ) والآية فيها بلاغة في تعريف العُسر بالألف واللام وتنكير اليسر، قالوا : العسر الأول هو عين العسر الثاني لأن الألف واللام دلت على العهد، بينما اليسر مختلف اليسر الأول غير اليسر الثاني { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } العسر هو العسر نفسه لكن اليسر الأول غير اليسر الثاني { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } .
هذه الآية فيها توجيهات كثيرة:
 التوجيه الأول: أن من تعسرت أموره فيسّر أمور غيره يسر الله أموره ، هذا تعسرت أموره فيسر أمور غيره يسر الله أموره. جاءني واحد شاب بلغ من العمر خمسة وثلاثين سنة ما تزوج قال : يا شيخ قبيلتنا المهر عندهم مئتي ألف ريال وأنا ما أملك إلا خمسين وإذا  تزوجت من خارج صارت مشكلة وما أدري ماذا أفعل، قلت له زوّج غيرك ييسر الله أمرك، ففعلاً دفع مهر أحد الشباب عشرة آلاف ريال وبقيت له الأربعين وحضر فقالوا له : جزاك الله خير، والناس تقول الله يجزيك خير، فكم واحد قال جزاك الله خير وكل من علِم ذهب وأعطاه عشرة آلاف هذه والله جزاك الله خير، هذه والله جزاك الله خير، فتجمع عنده في ذلك العرس ما يزيد عن ثلاثمائة ألف ، فرِّج همّ غيرك يُفرج الله همك { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } فرج عسر الغير تجد أن الله يتولى عسرك أنت لذلك النبي ﷺ مشى على هذه الوصية كلما جاء معسور.. كل ما جاء إنسان مديون.. كلما جاء محتاج أعطاه النبي ﷺ الذي عنده ، وسار على ذلك صحابته الكرام { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } حالهم كما ذكرت سورة الإنسان { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } .
{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ } فرغت من ماذا ؟ من الفلوس ؟ من العبادة، العبادة في أحد يفرغ منها ؟
{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } يقول النبي ﷺ : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) عندما تجد عندك فراغ لو خمس دقائق أشغلها فيما يرضي الله، يعني إياك أن تقعد فارغ ما عندك شيء ولذلك كان السلف يكرهون الرجل الفارغ الذي لا يشتغل لحسنة لمعاد أو درهم لمعاش، إما أن تشتغل في الدنيا وإما أن تشتغل في الآخرة أما تجلس ما عندك شيء فهذا خطأ .
{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } { فَرَغْتَ } تُركِت مطلقاً و(انصب) تركت مطلقاً وترك الشيء للإطلاق يفيد العموم، لكن هذا العموم فيما يرضي الله.
 هذه الآية يقرأها البناء الذي يبني البيوت فرغت من البناء فانصب في العبادة
يقرأها التاجر يبيع ويشتري فرغت من التجارة انصب في العبادة
يقرأها طالب العلم فرغت من الدرس انصب في العبادة
 يقرأها أي أحد فرغ من ما هو فيه يدخل في الشيء الآخر الذي بعده .
وقيل فرغت من الفرض ادخل في النفل ، فرغت من النفل ادخل في الفرض
 فرغت من الطاعة ادخل في طاعة أخرى
لذلك فُسِّرت هذه الآية بقوله تعالى : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } يعني واصل العبادة في تواصل حتى يأتيك الموت، أما ما يقوله بعض الناس ساعة لله وساعة للملاهي فما رأيكم في هذا القول ؟ صحيح أم باطل ؟ الملاهي وين { اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا } الملاهي مالها ساعة لكن عندما تتعب ممكن تُهوِّن على نفسك، تُخفف على نفسك ببعض المباحات مثل الصحابة كانوا يترامون بالجِّح تعرفون الجح -حبحب- يرمي بعضهم بعضاً قشور الحبحب والرسوا ﷺ يراهم ، وكانوا أيضاً في زمن العيد يفتح النبي ﷺ المسجد للمصارعة الحرة فجاء الأحباش وتصارعوا في المسجد على شكل رقص يوم العيد وشاهدتهم عائشة من وراء النبي ﷺ، لعب مباح لكن وراءه فائدة يعلم الرماية ويعلم الحرب ويعلم الجهاد ..الخ .
 أما لعبنا اليوم فهل فيه فوائد ؟ هذه حق الأطفال ماذا يسمونه ؟ ما أعرفه بلستيشن كله كلام -نأسأل الله العافية- .
{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ } ما أجمل هذه الخاتمة آخر شيء ختم به سورة الضحى قال : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } وختم سورة الشرح قال : { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ } إذاً النعم كلها مِن مَن ؟ فإذا شكرت نعمته فارغب في زيادته لأن الله جل وعلا يقول: { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } الرغبة ضد الرهبة وهذه الآية فيها دعوة عامة لحسن الظن بالله، يقول النبي ﷺ عن ربه أنه قال : ( أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بس ما شاء ) فمن ظن خيراً وجده ومن ظن غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه قال تعالى : { الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ } { فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } ما تظنون أن الله فاعل بكم بعد موتكم ؟ ظنوا خير { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } أحسنوا الظن بالله ولذلك قال النبي ﷺ : ( ألا لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه ) .
هنا مسألة : هل تُحسن الظن بالله مطلقاً في جميع الأحوال ولا تخاف منه ؟ أو أنك تجمع بين الأمرين ؟
أي نعم تجمع بين الخوف والرجاء وبعض أهل العلم فصَّل قال : إذا كنت في قوة وشباب ومُقتبل العمر فغلِّب جانب الخوف لأن الله جل وعلا قال : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ } وقال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } وقال : { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } وقال : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا } فقدّم الله ذكر الخوف، فإذا شعرت بالموت أبعد الخوف وجب الرجاء، وجب حسن الظن مهما كانت ذنوبك يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي : ( يا ابن آدم لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ) يعني ما يقارب الكرة الأرضية من ذنوب ( ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ).
{ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ } وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. واسترونا ما كان من تقصير فمني ومن الشيطان وما كان من صواب فمن الله وحده لا شريك له ولا حول ولا قوة إلا بالله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق