الأربعاء، 20 أبريل 2016

التفسير العقدي لجزء عمّ / المقدمة

د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد..
فإن الله سبحانه وتعالى بعث نبيه صلّى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فالهدى هوالعلم النافع ودين الحق هو العمل الصالح
، وقد ضمن الله سبحانه وتعالى ما أنزل على نبيه من البيّنات هذين الأمرين فاحتوى كتاب الله عز وجل على كل ما يحتاجه الناس في أمر معاشهم ومعادهم من العقائد والشرائع والأخلاق والآداب فكان فيه غُنية وكفاية، وجعل الله تعالى كتابه آية خالدة ومعجزة باهرة إلى يوم القيامة وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من نبي بعثه الله إلا وآتاه من الآيات ما على مثله يؤمن البشر وقد كان الذي أُوتيته قرآنا يُتلا) فهذا القرآن العظيم فيه الخير والبركة والصلاح والفلاح والنجاة لهذه الأمة ولجميع العالمين إلى يوم القيامة. وقد امتنّ الله تعالى على عباده المؤمنين بإنزال هذا الكتاب، وامتنّ على نبيه بذلك وشرّفه به فقال سبحانه:
 ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [سورة الفرقان 1]
وقال تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ) [سورة الزمر 23]
 وأقسم الله به في غير ما موضع في كتابه تعظيما لشأنه وتفخيما له ، وإنما أنزله الله تعالى لا لأجل أن يُترنم بذكره ويُتغنى به فحسب  وإن كان هذا مرادا مقصودا ولكن ماهو أعظم من ذلك لتدبره وتعقُّله :
(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة الزخرف 3]
(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [سورة ص 29]
فالقرآن العظيم بركة في تلاوته لما يُحدِثه في نفس تاليه من السكينة والطمأنينة لأنه أعظم ذكر الله وقد قال تعالى ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [سورة الرعد 28] وكم من إنسان قلق متوتر فتح دفتي المصحف ورطب لسانه بتلاوة آياي الكتاب فانقشعت عنه سحائب من الهموم والغموم وانجلت عن ناظريه الغشاوة، وعن أذنيه الأكِنة، وعن أُذنيه الوَقَر وعن قلبه الأكِنة.
/ وهو مُبارك أيضا فيما تضمنه من العلوم النافعة وأعظم ما فيه من العلوم العلم بالله عز وجل، فلا سبيل لنا إلى العِلم بالله جل وعلا إلا فيما أودعه في كتابه فقد تضمن من أسماء الله الحسنى وصفاته العُلا الشيء الكثير مما لا يخفاكم، فيحصل للقلب من تدبر هذه المعاني الجليلة لأسماء الله وصفاته وأفعاله ما يقع به تعظيم الرب وخشيته ومحبته ورجاؤه وسائر ما يتنعّم به القلب من العبادات القلبية في الباطن.
/ وأودع الله فيه أيضا من الشرائع العادلة مما يحتاجه الناس في عباداتهم وفي معاملاتهم، وفي معاشرتهم لأهليهم مالا يبقى معه إشكال، فلم يدع شاذة ولا فاذّة إلا وترك لنا منه علما.
/ وهو مبارك أيضاً في موعظته، فإن في القرآن موعظة لا توجد في غيره ، وفيه تأثير على القلوب - والله أعلم بمن خلق - لا يحصل إلا به وربما تفنن الوُعّاظ والمربون بأنواع المواعظ والتأثيرات وربما كان تأثيرها كبيرا لكنه آني، أما موعظة القرآن فإنها باقية..ثابتة ومؤثرة فأعظم ما عالج به الإنسان قلبه كتاب الله عز وجل، ولهذا عتِب الله تعالى على المؤمنين في أول الإسلام ما أصابهم من فتور فقال سبحانه (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) [سورة الحديد 16] فلابد أن يُحدِث هذا القرآن خشية وخشوعا  في القلب وكأن الله يحضهم ويُحرِّضهم على تحصيل هذا الأثر (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [سورة الحديد 16] حذر الله تعالى من مشابهة أهل الكتاب الذين جعلوا كتاب الله ظهريا ولم ينتفعوا به (فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) فكتاب الله بين ظهرانيهم لكنهم لا يرفعون به رأسا. ثم أردف تعالى هذه الآية بقوله (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة الحديد 17] فلفت الله الأنظار إلى أن حاجة القلوب إلى موعظة القرآن أعظم من حاجة الأرض الميتة إلى ماء السحاب، فلئن كان ماء السماء يحيي الأرض بعد موتها فتُنبت الزرع ويدر الضرع فإن هذه القلوب أحوج إلى ما أنزل الله من السماء من كلامه من الأرض الميتة إلى المطر (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) فإذا كان في قلبك موات فاسقِه بالقرآن العظيم .
/ والقرآن العظيم مبارك في آثاره فإنه يُحدث آثارا حميدة في الحياة الدنيا وفي الآخرة على مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعات وعلى مستوى الأمة بعمومها، فالمرء إن اعتصم به والتزم بهديه أصلح الله له حاله ورُزق الحياة الطيبة واطمأنت نفسه وهدأ باله وحصّل نعيم الدنيا المتمثل بلذة مناجاة الله تعالى.
والمجتمع إذا التزم بتعاليمه وحدوده وُقي من الشرور والآفات وحُفظت الأسرة من الخلاف والفُرقة والنزاع وروعيت الحقوق والذِمم.
والأمة بمجموعها إن التزمت به حقق الله النصر والتمكين (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [سورة الحج 41] (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [سورة النور 55]
فالقرآن العظيم هو عهد ما بيننا وبين الله عز وجل إن نحن التزمنا به وعظمناه وبجلناه وجعلناه إماما لنا اهتدينا، وإن كانت الأخرى فليس وراء ذلك إلا الضلال والخسارة في الدنيا والآخرة - لا سمح الله - ولهذا توجّه الهمّة أن نستفتح درسا في تفسير القرآن، فإنه لا يخفاكم - يرعاكم الله - أن العلم الذي كان بين أيدي الصحابة - رضوان الله عليهم - هو هذا العلم المُنزّل من السماء - القرآن العظيم - لم يكن بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من هذه الكتب المطولات ولا الشروحات ولا ما تمتلئ به رفوف المكتبات الآن وإنما كان أحدهم يُقبل على هذا الدين بكُليته فيقرع سمعه القرآن فيستحيل خلقا جديدا، ما أن يسمع كلام الله عز وجل حتى يستيقظ من غفلته ويصحو من غفوته ويعلم سِر خلقه وإيجاده فيعود خلقا جديدا يُنشئه الله نشأة أخرى ولهذا صنع الله بأصحاب نبيه صلّى الله عليه وسلم من الكرامة والخير والتمكين مالا يخفى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [سورة آل عمران 164] كانوا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء فبعث الله نبيّه صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة العربية التي كان بعضها يأكل بعضا، وينزوا بعضها على بعض ويقتتلون السنين الطوال من أجل بيت شِعر أو شطر قصيدة أو لأجل بعير أو مرعى أو بئر ماء ونحو ذلك ،فجعل الله تعالى منهم أمة قوية متحابّة وفتح بهم القلوب قبل أن يفتح بهم الحصون وفي سُنيات معدودة طبّق دين الله تعالى الأرض المعمورة.
عجب من العجب كل هذا من بركة القرآن ، تمثّلوه فرفعهم الله تعالى به ولن يُصلِح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ولذلك كان ينبغي لكل عاقل لبيب حازم أريب أن يتوجّه إلى النبع الأول إلى النبع الصافي ويدع السواقي، يبتدئ بما أنزل الله على نبيّه من الكتاب والحكمة فيعمد إلى الكتاب والسنة يستقي منهما - ليس هذا تقليلا من العلوم الفرعية فإن العلوم الفرعية بمنزلة الآلة أو الضوء الذي يكشف بعض مُراد الله عز وجل - لكن على الإنسان أن يعمد إلى النبع فيستقي منه. إذا وجدت ماء جاريا وله فروع فإن الكسول يمكن أن يذهب إلى أحد هذه الفروع فيملأ منها إناءه، ولكن صاحب الهمة يختلف يقول مالي آخذ من هذه السواقي التي فيها شؤب وكدر وطين مع الماء لأذهب إلى هذه العين المتفجرة المتدفقة الصافية الرقراقة فاستقي منها.
فلأجل هذا رأينا أن نعقد هذه الدروس في تفسير القرآن العظيم وأن نركِّز على التفسير الاعتقادي فإنه أساس بناء الأمة وأساس صلاح القلب، واخترنا لهذا جزء عمّ آخر أجزاء القرآن العظيم سنتناوله - إن شاء الله تعالى - بالطريقة التالية:
أولا: نبين مقاصد السورة، كل سورة من كتاب الله في هذا الجزء نُبين مقاصدها فإن الله سبحانه وتعالى ما جعلها سورة مُسوّرة إلا ولها موضوع أو موضوعات مترابطة.
/ ثم نقوم بتجزئة هذه السورة - إن كانت طويلة - إلى أجزاء ذات رابط موضوعي، فكل طائفة من الآيات تكون متناسبة فيما بينها عند التأمل.
ثم ثالثا: نشرع في التفسير التحليلي لهذه المقاصد ببيان مفرداتها وما قيل فيها وتراكيبها وما يفتح الله تعالى من علم وخير.
ثم نختم رابعا: باستنباط الفوائد العقدية والإيمانية والتربوية المميزة من هذا المقطع.
وعلى هذا النهج نسير بإذن الله تعالى.
فقد رأيتُ في هذه الجلسة أن نقرأ بعض الفوائد التي ذكرها ابن القيم - رحمه الله - في كتابه [بدائع الفوائد] متعلقة بتفسير القرآن لتكون كالمقدمة بين يدي التفسير، وهذه الفوائد قد انتخبها الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - وجعلها في أول تفسيره فلعلنا نجعل هذا الدرس في تلاوة هذه الفوائد والتعليق عليها.
نعم..
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
فوائد مهمة تتعلق بتفسير القرآن.
قال ابن القيّم - رحمه الله تعالى - :
" [ قال: فصل ] النكرة في سياق النفي تعم، مُستفاد من قوله تعالى: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)
 - وفي الاستفهام من قوله تعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)
- وفي الشرط من قوله: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا) (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)
- وفي النهي من قوله تعالى: (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ)"
/ تعليق الشيخ:
إذا هذه فائدة وهي:  أن النكرة متى تفيد العموم، النكرة قسيم المعرفة، متى تُفيد النكرة العموم؟
في هذه الأحوال:
- النكرة في سياق النفي
- النكرة في سياق الاستفهام
- النكرة في سياق الشرط
- النكرة في سياق النهي
إذا جاءت كلمة نكرة في أحد هذه السياقات فإنها تدل على العموم. هذه فائدة مهمة حتى نفهم أحكام القرآن.
ففي سياق النفي قال الله تعالى (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) أين النكرة؟ أحدا ، أين النفي؟ (وَلا يَظْلِمُ) هذا نفي. إذا جاءت نكرة في سياق النفي فأفادت العموم إذا (أحدا) يعني أحدا كائنا من كان لا يمكن أن يظلم ربك أحدا. ومثلها (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) أين النكرة؟ "نفس" وأين النفي؟ "فلا تعلم" .
إذا فهمنا من ذلك أن أي نفس من الأنفس لا يمكن أن تعلم بما أُخفي لأهل الجنة من قُرة أعين ومِصداق ذلك في الحديث القدسي قول الله عز وجل (أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
في الاستفهام في قوله  (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) . إذا هذه النكرة في سياق الاستفهام أفادت العموم فدل ذلك على أنه لا سميّ لله أي لا مُسامي له.
في الشرط أين النكرة في الآية (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا) ؟ أحدا. وأين الشرط؟ "إما". إذا ماذا أفاد لنا ذلك؟ العموم، يعني أحدا كائنا من كان، أيا كان ذلك الأحد كبير .. صغير .. شريف .. وضيع (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا).
وكذلك (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ) النكرة "أحد" والشرط "إن" .
بقي النهي أين النكرة في قوله (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) ؟ "أحد"، والنهي؟ "لا".
الفائدة الثانية: 
وفي سياق الإثبات، بعموم العلة والمقتضى كقوله: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ)، وإذا أضيف إليها « كل » نحو (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)، ومن عمومها بعموم المقتضي (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) "
تعليق الشيخ:
إذا قال "وفي سياق الإثبات" يعني متى نستفيد العموم في سياق الإثبات؟ قال: "بعموم العلة والمقتضى" فقوله (عَلِمَتْ نَفْسٌ) "نفس" يعني كل نفس (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) إذا هذا في سياق الإثبات لعموم العلة والمقتضى فلما هذه النفس قد أحضرت ووافت عملها الصالح فقد علمت ما أحضرت (عَلِمَتْ نَفْسٌ) يعني كل نفس فدل على العموم.
فإذا أُضيفت إليها "كل" كان ذلك أبلغ في العموم لأن "كل" من ألفاظ العموم عند أهل الأصول (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ) إذا دلّ ذلك على العموم.
"ومن عمومها لعموم المقتضي (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)" يعني أقسم الله تعالى بكل نفس وبما سواها.
 / فصل :
"ويستفاد عموم المفرد المُحلى باللام من قوله: (إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) ، وقوله: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ)
وعموم المُفرد المضاف من قوله: (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكِتَاِبهِ) قرأ أهل البصرة وحفص (وَكُتُبِهِ) على الجمع وقرأ آخرون (وَكِتَاِبهِ) على التوحيد  وقوله: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) والمراد جميع الكتب التي أُحصيت فيها أعمالهم".
تعليق الشيخ : 
إذا فهمنا من هذا إن العموم يحصل في المفرد المُحلى باللام، اللفظ المفرد إذا حُلِّي بالألف واللام أفاد العموم مثل (إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) لو قيل "إن إنسانا لفي خُسر" هل يُفهم منه العموم؟ لا، لكن لما أدخل الألف واللام على لفظ إنسان أفاد العموم (إِنَّ الإِنْسَانَ) يعني جنس الإنسان (لَفِي خُسْرٍ) إلا ما استُثني بعد ذلك.
(وَيَقُولُ الْكَافِرُ) هل المقصود كافر معين وإلا كل كافر؟ كل كافر ، لأن الألف واللام دخلت على هذا المفرد فأفادت العموم.
/ إذا كان المفرد مضاف فكذلك هذه الإضافة تعطيه وتُكسبه معنى العموم لاحظ (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا) عندنا مضاف ومضاف إليه "كلمات" مضاف "ربها" مضاف إليه، فالمفرد لما أُضيف أفاد العموم بمعنى أن مريم رضي الله عنها صدّقت بجميع كلمات ربها "وكتابه" أو "وكتبه" أي القراءتين موافق للقاعدة؟ (كتاب) لأنه مفرد فأثبتها لأنها قراءة الآخرين (وكتابه) فلو قلنا "كتاب" لم تُفد العموم، لما أضافه أفاد العموم على هذه القراءة.
/ المثال الثالث:  (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) "كتاب" مفرد لما أُضيف فقال (كتابنا) أفاد العموم يعني كل كتابنا ينطق عليكم بالحق فجميع الكتب التي أُحصيت فيها أعمالهم.
"وعموم الجمع المحلى باللام من قوله: (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) وقوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) وقوله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ) إلى آخرها.، والمضاف من قوله: (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)"

تعليق الشيخ:
إذا هذه أيضا من صيغ العموم وهو الجمع إذا حُلّي بالألف واللام:
 (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) جميع الرُسل ، (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) جميع النبيين ، (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ) جميع المسلمين ، جميع المسلمات، فالألف واللام أيضا من ألفاظ العموم.

وعموم أدوات الشرط من قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا) "

تعليق الشيخ:
أين أداة الشرط؟ "مَن" فإذا "مَن" من ألفاظ العموم أيضا فدلت على العموم فمن يعمل من الصالحات كائنا من كان وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما فلا نقول إن هذا ينسحب على أحد دون أحد بل هو يُفيد العموم ومثله..

"وقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) ، وقوله (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) ، وقوله (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) ، وقوله: (وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ، وقوله: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، وقوله: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) هذا إذا كان الجواب طلبا مثل هاتين الآيتين."
تعليق الشيخ:
هم اثنتان وإلا ثلاث؟ لاحظوا قال "هذا" إذا كان الجواب - جواب الشرط - طلبا ، نحن الآن نتكلم عن الجملة الشرطية لها فعل شرط ولها جواب شرط. الشيخ -رحمه الله- هنا يقول "هذا" يعني تفيد العموم " إذا كان الجواب طلبا مثل هاتين الآيتين" ما أفهمه أنا أنهن ثلاث يعني لأنه أراد بالآيتين آخر ما استدل به لكن لو تأملت لوجدت أنهن ثلاث أين هن؟ أولاهن أو أقربهن لكلامه؟ (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ) إذا "قل" طلب ، والتي قبلها (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ) هذا طلب لكن أيضا الذي قبله (وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا) إلا إذا كان أحد -مثلا- أحد النُّساخ أدخل فيها الآية على سبيل زيادة الأمثلة قد يكون ودائماً النُسّاخ يُعتذر بهم.

/ " فإن كان خبرا ماضيا لم يلزم العُموم، كقوله: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا) ، (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) وإن كان مستقبلا فالتزموا رد العموم، كقوله تعالى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) ، وقوله: (وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) ، وقوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ)، وقد لا يعُم كقوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) "
تعليق الشيخ:
 إذا تبين من هذا أن الجملة الشرطية الأصل أن أداة الشرط تدل على العموم لكن إن كان الجواب طلبا فإنه يفيد العموم، لكن إن كان خبرا ماضيا لم يلزم العموم ومثاله (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا) لا يلزم منه أنهم كلما رأوا تجارة أو لهوا  انفضوا إليها، ما نقول إن هذا عموم لابد إنهم إذا رأوا تجارة أو لهوا لابد أن ينفضوا إليها لا نقول ولا نلتزم في هذا الحال أن يُفيد العموم.
ومسألة ثانية : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ)
قال (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) أين الفعل الماضي ؟ (قالوا) ، إذا جاؤك قالوا فهذاأيضا لا يلزم  أنهم كل مجيء يجيؤنه يقولون نشهد إنك لرسول الله.
الحال الثالثة: أن يكون مستقبلا، ففي حال الاستقبال التزموا رد العموم قال عندي كذا في النسختين وفي بدائع الفوائد المرفوع “فأكثر موارده العموم " إذا كان مستقبلا فأكثر موارده العموم" (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)
 إذا الغالب أنه يدل على العموم لكن أحيانا لا يدل على العموم كقوله (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ).
 المهم أننا عرفنا من هذا إن العموم في القرآن العظيم يُستفاد من عدة أمور :
/ من مجيء النكرة في سياق النهي أو النفي أو الاستفهام أو الشرط .
 / يُستفاد العموم من دخول الألف واللام على المفرد ، ومن دخول الألف واللام على الجمع، ومن إضافة المفرد يحصل العموم أيضا. / ويُستفاد العموم أيضا بأدوات الشرط .
وهذا مفيد للأصوليين والمفسرين أن يعرفوا متى تكون هذه الجملة تُفيد العموم لأنها إذا كانت تُفيد العموم فالحكم ينسحب على جميع الأفراد -على جميع أفرادها- ولا يحِل لأحد أن يُخرج فردا من الأفراد إلا بدليل (***) مبحث مستقل لكننا استفدنا الآن أننا إذا قرأنا آية فيها -مثلا- أداة شرط وإلا فيها مضاف وإلا فيها مفرد دخل عليه الألف واللام ، أو نكرة في سياق النفي والنهي والاستفهام والشرط أنها تدل على العموم فهذا مفيد للمُفسِّر.

/ فصل:
"ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب من ذمِه لمن خالفه وتسميته إياه عاصيا، وترتيبه عليه العقاب بالعاجل أو الآجل. ويُستفاد كون النهي للتحريم من ذمِه لمن ارتكبه وتسميته عاصيا وترتيبه العقاب على فعله. "
تعليق الشيخ:
فائدة مهمة للمُفسر الذي يريد أن يستنبط الأحكام الشرعية من القرآن العظيم.
  الأمر : من الأصوليين من يُطلق القول فيقول الأمر للوجوب والنهي للتحريم. ولكن عند التأمل يجد المرء أنه لابد من قرائن (**) بصيغة الأمر وبصيغة النهي حتى نقول إن الأمر للوجوب وليس للاستحباب ، وأن النهي للتحريم وليس للكراهة أو التنزيه.
ما هذه القرائن؟ قال : " يُستفاد كون الأمر المطلق للوجوب من ذمِه" يعني من ذمِه سبحانه وتعالى لمن خالفه "وتسميته إياه عاصيا  وترتيبه عليه العقاب العاجل أو الآجل" فإذا وجدنا هذا مُقترنا بالأمر علمنا إذا أن الأمر للوجوب.
طيب النهي كيف نستفيد أن هذا النهي للتحريم؟ من ذمِه سبحانه لمن ارتكب هذا المنهي عنه وتسميته عاصيا وترتيبه العقاب على فعله. فهذه أمور يستنبط منها مُتدبر القرآن أن هذا الأمر للوجوب أو أن هذا النهي للتحريم . ثم قال :
/ "ويستفاد الوجوب بالأمر تارة، وبالتصريح بالإيجاب والفرض والكتب، ولفظة « على » ، ولفظة: حق على العباد وعلى المؤمنين."
تعليق الشيخ:
 هذه أيضا فائدة أصولية : متى نعلم أن هذا الأمر للوجوب؟ بالصيغة التي يأتي بها مثلا بالتعبير بالأمر (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا) [النساء:٥٨] الآن أتى بصيغة الأمر صريحا فعلمنا أنه للوجوب.
/ طيب "وبالتصريح بالإيجاب"؟ من السنة (غُسل الجمعة واجب على كل محتلِم) -على القول الراجح-.
/ طيب،  الفرض؟ (فريضة من الله)
/ الكتْب؟ ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [البقرة:١٨٣] .
/ لفظة "على"؟ ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ) لأن "على" تدل على الاستعلاء.
/ ولفظة "حق على العباد" قد نجد هذا -مثلا- في السُنة، و "على المؤمنين" هذا ألفاظ دالة على أن الأمر للوجوب.
في المقابل :  
"ويستفاد التحريم من النهي، والتصريح بالتحريم والحظر، والوعيد على الفعل، وذم الفاعل، وإيجاب الكفارة بالفعل. وقوله: « لا ينبغي »"
تعليق الشيخ:
هذه كلها من أساليب التحريم التي تدل على أن النهي للتحريم، إذا نهى الله سبحانه عن شيء بلفظ النهي مثل (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً) [النور:٦٣].
/ التصريح بالتحريم (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ) [النساء:٢٣]
/ و"الوعيد على الفعل" كثير ، و"ذم الفاعل، وإيجاب الكفارة" كثيرا ما يذكر الله سبحانه وتعالى الوعيد ، وذم الفاعل وإيجاب الكفارة كل هذه تدل ، وأيضا كلمة "لا ينبغي" ذكر هاهنا فائدة تتعلق بها لأن بعض الناس يظن أن لفظة "لا ينبغي" لا تدل على النهي والتحريم وإنما فيها نوع من الرخاوة ، وليس هذه طريقة القرآن فإن "لا ينبغي" -في القرآن- تدل على المنع  قال :    
/ " فإنها في لغة القرآن والرسول للمُمتنع عقلا وشرعا، ولفظة « ما كان لهم كذا وكذا » و « لم يكن لهم » ، وترتيب الحد على الفعل".
تعليق الشيخ:
« ما كان لهم كذا » كقوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) [التوبة:١١٣]
و"ترتيب الحدّ على الفعل" (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) [المائدة:٣٨] فهذا يدل غلى أنه مُحرم.
نعم ..

/ " ولفظة « لا يحل » و « لا يصلح » ، ووصف الفعل بأنه فساد، وأنه من تزيين الشيطان وعمله، وأن الله تعالى لا يحبه ولا يرضاه لعباده، ولا يُزكي فاعله ولا يُكلمه ولا ينظر إليه ونحو ذلك".
تعليق الشيخ:
كل هذه نصوص دالة على أن النهي للتحريم، فالمتمرِّس في نصوص الكتاب والسُنة يستنبط منها أن هذا المنهي عنه أُريد به التحريم.  طيب ...

"وتستفاد الإباحة من الإذن والتخيير، والأمر بعد الحظر، ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة، والإخبار بأنه يعفو عنه، والإقرار على فعله في زمن الوحي، وبالإنكار على من حرَّم الشيء، والإخبار بأنه خلق لنا كذا وجعله لنا، وامتنانه علينا به، وإخباره عن فعل من قبلنا، غير ذام لهم عليه. فإن اقترن بإخباره مدح، دل على رجحانه استحبابا أو وجوبا".
تعليق الشيخ:
إذا الإباحة حكم شرعي فمِم تُفهم الإباحة؟
- من الإذن والتخيير، وهذا موجود في كتاب الله أن الله سبحانه وتعالى يُخيّرنا "لمن شاء" من شاء فليفعل ومن شاء لم يفعل .
- "الأمر بعد الحظر" (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) [المائدة:٢]
- "نفي الجُناح" (لا جُناح عليكم) و "الحرج والإثم والمؤاخذة والإخبار بأنه يعفو عنه والإقرار..." إلى غير ذلك من الأشياء التي يطول التمثيل لها، فكل ذلك يدل على أن يفهم القارئ والمُفسِّر أن الله تعالى أراد التوسعة على عباده.

/ فصل :
"وكل فعل عظّمه الله ورسوله، أو مدحه، أو مدح فاعله لأجله، أو فرح به، أو أحبه، أو أحب فاعله، أو رضي به، أو رضي عن فاعله، أو وصفه بالطيب، أو البركة، أو الحُسن، أو نصبه سببا لمحبته أو ثوابه عاجلا أو آجلا أو نصبه سببا لذكره لعبده، أو شكره له، أو هدايته إياه، أو لإرضاء فاعله، أو وصف فاعله بالطيب، أو وصف الفعل بأنه معروف، أو نفى الحزن والخوف عن فاعله، أو وعده بالأمن، أو نصبه سببا لولايته، أو أخبر عن دعاء الرسل بحصوله، أو وصفه بكونه قُربة، أو أقسم به أو بفاعله، كالقسم بخيل المجاهدين وإغارتها أو ضحك الرب جل جلاله عن فاعله، أو عجبه به، فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب".
تعليق الشيخ:
هذه مسائل يطول التمثيل لها لكنها مستفادة من عموم الأدلة فكل هذه الصِيغ تدل على المشروعية، والمشروعية تحتمل أن تكون لللإيجاب أو أن تكون للاستحباب والندب، فإذا جاءت الصيغة هكذا فإنها تدل على أن هذا مُراد لله وأنه من مراضي الله عز وجل، لكن ما الذي يصرِفه للوجوب أو الاستحباب؟ القرائن الأخرى. ولهذا احمدوا الله تعالى على أنكم عرب فإنكم لو لم تكونوا عرب فإنكم لا تتذوقون هذه النصوص ولا تعرفون هل هذا يدل على رضا .. هل هذل يدل على سخط لأنها ليست اللغة التي وُلدتم عليها لكن من تكرِمة الله عز وجل لهذه الأمة أن أنزل القرآن بلغتها، وليس المقصود بالعرب - بالضرورة- أن يكون عربيا أبا عن جد وإنما المقصود أن يفهم اللسان العربي ، ولهذا نجد في المستعربين ممن أسلم في الفتوحات الإسلامية علماء كبار فاقوا العرب الأقحاح في فهم كتاب الله عز جل واستنباط المعاني والأحكام لأنهم صار عندهم ذائقة ومعرفة بمرامي لغة القرآنظ يكفيك أن من أشهر النُحاة سيبويه وهو أعجمي وغيره وغيره كثير.
نعم..                      
 / فصل
" وكل فعل طلب الشارع تركه، أو ذمّ فاعله، أو عيب عليه، أو مقت فاعله، أو لعنه، أو نفى محبته إياه، أو محبة فاعله، أو نفى الرضا به، أو الرضا عن فاعله، أو شبّه فاعله بالبهائم أو الشياطين، أو جعله مانعا من الهدى، أو وصفه بسوء أو كراهة، أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه، أو جعل سببا لنفي الفلاح، أو لعذاب عاجل أو آجل، أو لذم أو للوم، أو ضلالة أو معصية، أو وصفه بخبث أو رجس، أو نجس، أو بكونه فسقا أو إثما، أو سببا لإثم أو رجس، أو لعن أو غضب، أو زوال نعمة، أو حلول نقمة، أو حدّ من الحدود، أو قسوة، أو خزي، أو ارتهان نفس، أو لعداوة الله أو محاربته، أو الاستهزاء به وسخريته، أو جعله سببا لنسيانه لفاعله، أو وصف نفسه بالصبر عليه، أو الصفح أو الحُلم عنه، أو دعا إلى التوبة منه، أو وصف فاعله بخبث أو احتقار، أو نسبه إلى الشيطان وتزيينه، أو تولي الشيطان لفاعله، أو وصفه بصفة ذم، مثل كونِه ظلما أو بغيا، أو عدوانا أو إثما، أو تبرأ الأنبياء منه أو من فاعله، أو شكوا إلى الله من فاعله، أو جاهروا فاعله بالعداوة، أو نُصب سببا لخيبة فاعله عاجلا أو آجلا أو رتب عليه حرمان الجنة، أو وصف فاعله بأنه عدو لله أو الله عدوه، أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمل فاعله إثم غيره، أو قيل فيه « لا ينبغي هذا » أو « لا يصلح » أو أمر بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل يضاده، أو هجر فاعله، أو تلاعن فاعلوه في الآخرة، أو تبرأ بعضهم من بعض، أو وصف فاعله بالضلالة، أو أنه « ليس من الله في شيء » أو أنه ليس من الرسول وأصحابه، أو قرن بمحرم ظاهر التحريم في الحكم والخبر عنهما بخبر واحد، أو جعل اجتنابه سببا للفلاح، أو جعل سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل لفاعله « هل أنت مُنتهْ » أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتب عليه إبعاد، أو طرد، أو لفظة « قتل من فعله » ، أو « قاتل الله من فعله » "
تعليق الشيخ:
لفظة « قتل من فعله » بأن يقول "قاتله الله" مثلا أو نحو هذا.
 نعم..
" أو أخبر أن فاعله « لا يُكِّلمه الله يوم القيامة، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه » ، أو أن الله لا يصلح عمله، ولا يهدي كيده، أو أن فاعله لا يفلح، ولا يكون يوم القيامة من الشهداء ولا من الشفعاء، أو أن الله يغار من فعله، أو نبّه على وجه المفسدة فيه، أو أخبر أنه لا يُقبل من فاعله صرفا ولا عدلا أو أخبر أن من فعله قُيّض له الشيطان فهو له قرين، أو جعل الفعل سببا لإزاغة الله قلب فاعله، أو صرفه عن آياته وفهم آلائه، أو سؤال الله سبحانه عن علة الفعل « لِم فعل » نحو:
(لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ) ، (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ) ، (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) ، (لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)
 ما لم يقترن به جواب من المسئول فإذا قُرن به جواب، كان بحسب جوابه. فهذا ونحوه، يدل على المنع من الفعل، ودلالته على التحريم أقرب من دلالته على مجرد الكراهة. "
تعليق الشيخ:
إذا هذه الجُمل هي عشرات الأمثلة -في الواقع- فلو حسبت فيما تقدّم أخيرا من كلام الشيخ لوجدت عشرات الجُمل كلها تدل على أن هذا مكروه لله مبغوض له وأنه يتردد بين الكراهة والتحريم وهو إلى التحريم أقرب، فهذا الأمر يُدرِكه من عرف اللسان العربي، ولهذا ينبغي لطلبة العِلم أن يكون عندهم نوع اهتمام بعلم البيان والبلاغة وأن يكون لهم قراءات في مادة الأدب وإن كان لا يلزم من هذا أن يُفسضوا فيها وأن يتوسعوا لكن وجود هذه الذائقة وهذه الملَكة التي تجعل الإنسان يعرف مرامي اللغة العربية وتراكيبها يعينه على فهم القرآن فهذا من باب الوسائل لا من باب الغايات لكنه نافع بإذن الله تعالى ، ولهذا كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يحفظ من الشواهد العربية وشِعر العرب ما يستعين به على تفسير القرآن حتى إن ابن الأزرق لما ناظره صار يأتي له بتفسير كل لفظة من كتاب الله ببيت من شِعر العرب، فينبغي لطالب العِلم أن يكون عنده نوع إلمام بهذا حتى يُعينه ذلك على فهم مُراد الله تعالى.
ضع بين عينيك -أيها المؤمن يا طالب العِلم- أن أشرف عمل يمكن أن تشتغل به في طلبك للعلم أن تفهم مراد الله فإن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب لِنعِيَه ولنفهمه ولنتدبره فكل ما يُعينك على تحقيق هذا فاحرص عليه .
الآن لو نزل بيان من جهة مسؤولة لرأيت الناس يفحصونه ويقرؤونه طولا وعرضا ويُحللونه وماذا يتناول وهل هو بأثر رجعي أم بأثر مستقبلي إلى غير ذلك وهو من كلام الآدميين فكيف بكتاب الله وبكلام الله عزوجل الذي عليه مدار سعادة الدنيا والآخرة هو أحرى بأن يحرِص الإنسان على فهم مُراد قائله سبحانه وبحمده. نعم ..                                             
/ "وأما لفظة يكرهه الله ورسوله، أو مكروه، فأكثر ما يستعمل في المحرم، وقد يستعمل في كراهة التنزيه".
تعليق الشيخ:
مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله كرِه لكم قيل وقال) فهذا يدل على التحريم لكن لما غلب الاصطلاح الفقهي في تعريف الكراهة صار الناس يظنون أن لفظة [كرِه و مكروه] أنها تدل دائما على ما لا يُعاقب فاعله ولكن الأقرب أنها تدل على التحريم، وعند السلف المتقدمين إذا قال "أكره ذلك" فالغالب يدل على أنه يرى تحريمه لكن عند المتأخرين من الأصوليين والفقهاء صار يدل على الكراهة.
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعى آله وصحبه أجمعين.                          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق