الاثنين، 7 مارس 2016

تفسير الأمثال في سورة الكهف/ د.مساعد الطيار


... ننتقل إلى المثل السابع في سورة الكهف آية اثنين وثلاثين هذا المثل وهو قوله سبحانه وتعالى :
{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } 
هذا المثل طويل لأنه قصة فيه محاورة الله سبحانه وتعالى ابتدأ بقول : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ } ماهي قصة هذين الرجلين ؟ 
كل جمعة مَن مَنَّ الله عليه بقراءة سورة الكهف يمُر على هذا المثل وهو مثل صاحب الجنتين .
الله سبحانه وتعالى في هذا المثل وهو أحد القصص الواردة في سورة الكهف يضرب لنا مثل برجلين، يعني رجل أنعم الله عليه من جهة الدنيا حتى طغى وظن أن ما أُوتيه إنما هو لمنزلته، يعني بل زاد من طُغيانة أنه ظن أنه لو رجع { وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي } يعني بدأ يشكك في البعث { وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا } فإذاً ميزانه ميزان مادي دنيوي وجعل أن ما أُوتيه في الدنيا دليل على أن الله لو بعثه في الآخرة لأعطاه أيضاً زيادة، يعني لاحظوا الآن هذا الظن الضيق الدنيوي المرتبط بالتراب .
 والآخر الرجل الآخر الذي قال عنه رجلين الرجل مؤمن - كما هو معلوم - الذي كان يعِض صاحبه وكان أقل منه مالاً .
 أيضاً المفسرون ذكروا خبر هذين الرجلين أنهما كانا أخوين ...الخ أو كانا صاحبين وكيف هذا حصل على مال وهذا لم يحصل على مال، بعضهم قال إنه إرث هذا أعطاه أبوه كذا..، القصص تتنوع لا تؤثر على صحة المثل ولا تؤثر على أصل المثل إطلاقاً تبقى هذه القصص تُصوِّر لنا واقعة أو حكاية يمكن أن ينطبق عليها المثل لكن لا يلزم أن تكون هي أصل المثل، يعني لا يلزم أن تكون هي أصل المثل لكن على الأقل هي من حيث هي كقصة صحيحة ليس عليها إشكال، ولهذا تفسير القرآن بها أو إيرادها في تفسير هذه الآيات ليس فيه مُشكِل يعني مثل ما رواه بن عباس قال : "هما ابنا ملك كانا في بني إسرائيل توفي وتركهما فاتخذ أحدهما الجِنان والقصور وكان الآخر زاهداً في الدنيا فكان إذا عمل أخوه شيئاً من زينة الدنيا أخذ مثل ذلك فقدّمه لآخرته" يعني هذا عنده مال وهذا عنده مال - ترِكة - فهذا يبني قصر ذاك ينفق بقدر المال في سبيل الله حتى نفذ ماله فضربهم الله عز وجل مثلاً - خبر- .
/ وأيضاً أريد أن تنتبهوا إلى قضايا في التفسير كيف تُحرر المعاني وتُناقشها هذا الخبر بالنسبة لك أنت هو خبر لكن هل فيه ملحظ عقدي عندك؟ هل فيه إشكالية ؟ خبر تاريخي، هل هو محتمل الوقوع؟ نعم، ما دام خبر تاريخي ومحتمل الوقوع وهو مناسب للقصة فإيراده ليس فيه إشكال ولهذا أورده ابن عباس وما أستشكل فيه شيء، فمثل هذه الأخبار تُحكى لأن المثل والقصة القرآنية يتبين بها ولا يؤثِّر على الآية، يعني لا يحرِف الآية أو يُغير معناها إلى معنى غير سليم أو غير سديد فيتخفف المفسرون في مثل هذه الأخبار ويذكرونها .
 طبعاً هناك رواية أخرى أو قصة أخرى في هذا ما نريد أن نُطيل في هذا لأن بعضهم قال هذا مثل ضرب لعُيينة بن حصن وأصحابه، وقيل لسلمان وأصحابه، أقوال متعدده كلها مادام يصدُق عليها المثل فهي أمثلة لهذا المثل، يعني صاحب جنتين أعطاه الله سبحانه وتعالى من نِعم الدنيا فأغتر بها وأخ له زاهد عارف بحقيقة الدنيا فكان ينصحُه فيها، فأي إنسان انطبق عليه هذا المثل فإنه يدخل في معنى هذا المثل لكن من المَعنِيّ بها أولاً هذا الذي قد يقع فيه خلاف وتختلف أقوال المفسرين فيه  مثلما ذكرت لكم في أحد الأقوال . طبعاً لا ندخل في تفاصيل القصة لأنها مشهورة ومعروفة لكن نحن نكتفي الآن ببعض الإشارات فيما يتعلق بهذا المثل لأن الحوارات هذه معروفة .
 واقع أو قصة هذا المثل يعني واقعها بالنسبة للقصص التي قبلها أيضاً قال الطاهر قال : "عطف على جملة { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ..}
 الآيات فإنه بعد أنه بيَّن لهم ما أعدّ لأهل الشرك وما ذكر ما يُقابله مما أعدّ للذين آمنوا ضرب مثلاً لحال الفريقين بمثَل قصة أظهر الله فيها تأييده للمؤمن وإهانته للكافر فكان لذلك المثل شبهٌ بمثَل قصة أصحاب الكهف من عصر أقرب لعلم المخاطَبين من عصر أهل الكهف فضرب مثلاً للمشركين والمؤمنين بمثل رجلين كان حال أحدهما مُعجباً مُؤنقاً وحال الآخر بخلاف ذلك فكانت عاقبة صاحب الحال المُؤنقة تباباً وخسارا وكان عاقبة الآخر نجاحاً ليظهر للفريقين ما يجرُه الغرور والإعجاب والجبروت إلى صاحبه من الإزراء، وما يلقاه المؤمن المتواضع العارف بسنن الله في العالَم من التفكير والتدبر في العواقب فيكون معرضاً للصلاح والنجاح"
 طبعاً المثل أول ما ضُرِب أو قُِصد به أهل مكة لأن السورة مكية وأول من عُني بالخطاب هم أهل مكة فضُربت لهم قصة بأصحاب الكهف ثم ضُربت لهم قصة مرة أخرى بصاحب الجنتين، يعني ضُربت لهم قصة بصاحب الجنتين، كأن القصص المذكورة هي تنبيه لأهل مكة أصالة في أن ينتبهوا لأنفسهم وأن حالهم هو حال هذا الكافر، يعني سيكون مآل المؤمنين إلى علو كما هو في قصة أصحاب الكهف ومآل الكفار إلى خسار يعني لن يستطيعوا أن يصلوا إلى أهل الإيمان.
/ في صاحب الجنتين أيضاً تنبيه لهم بأن مآل أهل الغنى الذين كفروا بالله إلى تباب وأن الله سبحانه وتعالى يُحيط بأموالهم وبثمرهم فيُهلكه لأنهم كلهم تحت قدرِ الله سبحانه وتعالى، ثم قِس على ذلك غيرها من القصص. فالمقصود إذاً الآن أن هذه القصص إنما كانت ضرب مثل لهؤلاء الكفار أصالة ثم يدخل فيها بعد ذلك من يصلح له الخطاب.
طبعاً أختصرنا الكلام في هذا المثال أو المثل لأنه كثيراً ما يُقرأ وهو معلوم المعاني عندكم .

 المثل الثامن في سورة الكهف أيضاً قال : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } نلاحظ أن لفظة { وَاضْرِبْ لَهُمْ }،{ وَاضْرِبْ لَهُمْ } تتكرر مع الأمثال، هذا المثل تكرر معناه في القرآن يعني لو أنت لو أردت تقول كنا نتكلم عن الأمثال الموضوعية يعني الموضوعات في الأمثال لقلنا مَثل الحياة الدنيا يعني مَثل الحياة الدنيا هذا مثل من يعطيني مثل آخر في الحياة الدنيا بنفس المعنى؟
{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ..} .. الآية ، وهو قريب من هذا المثل، يعني نحن لو أردنا نجعل النظائر سنجد أن نظيره ذاك المثل وهذا يؤكد الفكرة التي ذكرتها لكم سابقاً .
/ هنا الآن قال : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } يعني الحالة العجيبة أو صفة هذه الحياة ماهي صفة هذه الحياة ؟ قال يعني مثلها كمثل ماء أنزلناه من السماء وهذه لاحظوا الصورة حسية حية يشاهدونها { فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } طبعاً لما قال : { فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ } ماذا يحصل بعد هذا ؟ يعني يحصل ماذا ؟ فيه حالة محذوفة وهي أن النبات يخرج يعني ينبُت فبعد ذلك يصبح { هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا } هذه حال دورة الإنسان ودورة الحياة كلها يعني الحياة في حقيقتها هي كما صوّرها الله سبحانه وتعالى مثل الماء أو الغيث الذي ينزل على الأرض فتُخرج الأرض نباتاتها وقت قصيرة جداً كم ؟ شهرين شهرين ونص ثلاثة أشهر - على حسب صفاء الجو عندنا نتكلم عن جزيرة العرب - أربعة أشهر إن زادت خمسة أشهر ثم بعد ذلك ماذا ؟ تكون هشيم يعني تيبس وتكون صفراء تذروها الرياح يعني تبدأ الريح تسفي بها حتى تتكسر هذه الأعواد التي نبتت من الربيع، قال : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا } .
طيب الآن تصوير الحياة كما قال ابن الجوزي قال : "في سرعة نفادها وذهابها أو في تصرف أحوالها إذ مع كل فرحة ترحة"
 يعني احتمال أن يكون في سرعة ذهابها أو في تقلبها يعني في التقلب الذي نظر هذا النظر قال مرة يكون نبات ومرة يكون هشيم ثم يرجع مرة نبات ثم يرجع مرة هشيم فجعل تصوير المثل لتقلب الأحوال والأول جعل تصوير المثل لسرعة النفاد يعني هذا أيضاً يدخل في باب تنوع صورة المثل يعني هل المراد سرعة نفادها وانتهائها ؟ هذا محتمل، أو المراد تقلب الأحوال فيها فهذا أيضاً محتمل.
 قال : الهشيم من النبت هو المتفتت وأصله من هشمت الشيء إذا كسرته ومنه سُمي الرجل هاشماً يعني هاشم وهشام، هذا أخذ من مادة الهشم ومنه كان يكسر الخبز اليابس، يهشم الخبز اليابس ويدقه ثم يفرده للحجيج وسُمي منه هاشم يعني جد الرسول صلى الله على سيدنا محمد .
/ طيب أيضاً { تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } بمعنى تنسفه، يعني تمر عليه فتبعده من مكانه تقلعه..تكسره حتى يتغير من مكانه .
{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا } وقوله { مُقْتَدِرًا } بمعنى قديراً وزيدت التاء للمبالغة، فكأن المعنى أن الذي أنشأ قادر على أن يُفني فالذي اقتدر على أن ينشيء هذه ثم يُفنيها الذي في الدنيا هو قادر على أن يُنشيء هذا الكون كما أنشأه سبحانه وتعالى ثم يُفنيه ثم يبعثه كما أخبر سبحانه وتعالى.
 الطاهر بن عاشور يذكر أيضاً مناسبة هذا المثل في السياق ما مناسبة هذا المثل في السياق ؟
 يقول "كان أعظم حائل بين المشركين وبين النظر في أدلة الإسلام انهماكهم على الإقبال على الحياة الزائلة ونعيمها والغرور الذي غرّ طُغاة أهل الشرك وصرفهم عن إعمال عقولهم في فهم أدلة التوحيد والبعث كما قال تعالى : { وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا } وقال : { أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } وكانوا يحسبون هذا العالم غير آيل إلى الفناء { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ } وما كان أحد الرجلين الذين تقدمت قصتهما إلا واحد من المشركين إذ قال : { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يضرب لهم مثلاً الحياة الدنيا التي غرتهم بهجتها"
يعني كأنه كرر لهم مثل لأجل أن يؤمنوا أول مرة بالرجلين والمرة الثانية بالدنيا فكما أزال مُلك ذلك الرجل كذلك هو حال الدنيا لو كنتم تستبصرون أنها مثل حال هذا الرجل لا تستمر على حال وهي سريعة النفاد وسريعة الانتهاء.
 وبهذا نكون قد انتهينا من هذا المثل وهو المثل رقم ثمانية .

لتحميل الملف الصوتي:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق