سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .. نواصل مع هذه القصة العجيبة، أصلها سورة القصص فيها قصص عجيبة جداً.
{ ُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }
طبِّقها على نفسك إن نجوت هنيئاً لك والله ، إن كان فيك شيء منها فارجع إلى ربك ماذا أجاب هذا الظالم الباغي الطاغي كفرعون؟ لأنه تمالأ مع فرعون، ماذا قال لهم ؟ { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي } لأنهم قالوا له : { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ } يقول لا .. ليس من الله هذا ، حتى لاحظوا لم يقل : إنما آتاني الله هذا المال على علم عندي ، مع أن هذا ما يجوز لكن { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ } لم يُشر إلى ربه { عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي } هذه القضية هو قالها بلسانه أجاب على هذا الأمر، كثيرون يقولونها في قلوبهم يشعر أن هذا المال الذي عنده أو هذا الذكاء أو هذه الرئاسة أو هذا المنصب يعود لنفسه بفضل من عنده .. لا هو من الله ،هنا بداية الهلاك الشيطان - إبليس - لما أمره الله أن يسجد لآدم ماذا قال ؟ { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } وآخر يقول : { هَذَا لِي } وذاك يقول : { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي} هذه مداخل الشيطان، كلٌ منا ينظر إلى قلبه، من أنت ؟ وماذا عندك ؟ وماهي إمكانياتك ؟ والله كله (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) أي نعمه بك من الله ولذلك تأملوا في قوله : { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ } أخي ربما نحن نقرأ هذه الآية ننظر الجانب المالي فقط يجب أن نتصدق مادام الله أعطانا، هذا لا شك مقصودا أوليا لكن هناك جانب آخر { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك } إذا أعطاك العِلم فأحسن في أداء هذا العِلم إذا أعطاك الذكاء فأحسن في حق ذلك الذكاء، إذا أعطاك وجاهة أو رئاسة أو مسؤولية أي شيء أعطاك الله جل وعلا فأدّي حقه {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك} وإلا قد تكون النهاية أو المقابل { وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ } تكون النهاية كنهاية قارون.
لو أن كثير من طلاب العلم قاموا بهذا وطبَّقوا هذا المنهج { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك } لتغيرت أحوالنا ، لو أخذتهم الغيرة على ما يجري من انتهاك محارم الله ما بقيت الأحوال كما ترون في كثير من بلاد المسلمين ، أعطاهم الله العلم لكن بعضهم يكسب فيه الدنيا {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} دائما انظر إلى نِعم الله عليك وهي كثيرة جداً { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } ولذلك نقول : نِعَم الله تُعد ولا تُحصى كما يؤخذ من آية النحل وليس لا تُعد ولا تُحصى بل إنها تعد لأنها لولا تُعد ما أُحصيت لكن نقول نعم الله تُعَد لكن لا تُحصى أقول من نعمة الله الإيمان، من نعمة الله الإسلام، من نعمة الله السمع البصر، أنت تعُدّها الآن لكن مستحيل أن تُحصيها فإذاً العبارة الدارجة <نِعم الله لا تُعد ولا تُحصى> فيها نظر لأن الله قال : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } أثبت العدّ ونفى الإحصاء فنقول : نِعَم الله تُعد لكنها لا تُحصى فأنت تجلس وتعُد نِعم الله عليك كثيرة لكن مستحيل أن تُحصيها ، فهنا أحسن كما أحسن الله إليك هذا معنى فكان جوابه { أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً } ألا يعتبر لما حدث لقوم نوح لقوم هود لقوم صالح ؟ ألا يعتبر بهؤلاء ؟ ألم يقل قوم هود { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } لماذا هذا الطغيان الذي يحدث؟! إنسان في بلد سليم جداً مهما كان كبيراً في ذاته بالنسبة لمُلِك الله لا شيء ومع ذلك يطغى ويتكبر ويتغطرس لا.. لا ، هذه معاني { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا } نصّ على قارون.
{ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } قد يسأل سأئل ألم يقل الله سبحانه وتعالى ويبين الله سبحانه وتعالى أن المجرمين يسألون يوم القيامة ؟
نعم قال العلماء : لاختلاف المواقف.
وقيل: { وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } أي لا يُسألون في الدنيا، يهلكهم الله مباشرة قارون لما قال هذا الكلام خسف الله به وبداره الأرض، فرعون لما قال أنا ربكم الأعلى أغرقه الله جل وعلا، ما يُسألون قبل ذلك أما في الآخرة { وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } والسؤال وارد يوم القيامة. وقيل هو لإختلاف المواقف - والله أعلم -إذاً هذا معنى.
/ بعد ذلك يأتي معنى عظيم، معنى عظيم جداً { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } لاحظ { الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } { إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } تأملوا مقاييس أهل الدنيا
{ َقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ } هكذا دور المصلحين النُصح وبيان الحقائق وأن ما عند الله خير وليست هذه الدنيا الزخارف لهو ومتاع وغرور { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ } هنا دور المصلحين، هنا دور المحتسبين، هنا دور العلماء، هنا دور الدعاة، هنا دور المُربيين، دور الأباء والأمهات، ويلكم دعوكم من هذا المنطق الأعوج { ثَوَابُ اللَّهِ خَيرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ } تصحيح كثير من الأعراف الموجودة في بعض البلاد يجب أن تُصحح على أيدي أهل العلم، على أيدي أهل الخير، فالناس يكونون في جهل فهم يحتاجون إلى من يصدع بكلمة الحق كما صدعوا مع قارون (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) هذه النصائح العظيمة نصحوه هذه النصائح العظيمة الكبيرة، هذا دور أهل الخير يجب أن يصدُقوا مع الله جل وعلا وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم كما أنهم مع قارون لم يُجاملوه، فلا تجامل صاحب رئاسة أو مُلك أو وزارة أو جاه أو مال قل الحق إيّاك أن تأخذك بالله لومة لائم لأن البعض مع كل أسف ربما ينصح الضعفاء والمساكين لكنه لا ينصح من هو أولى بالنُصح لأنه بهدايته يهتدي أمم من ورائه، نعم نحن يجب أن ننصح الفقراء والمساكين الضعفاء ولهم حق في ذلك لكن أيضاً غيرهم أولى بذلك الصدع بالحق. ما قبل قارن ، ماذا قال؟ { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ } خسَف الله جل وعلا به وبداره الأرض هكذا كانت النتيجة {فَخَسَفْنَا} بِهِ مباشرة { وَبِدَارِهِ } حتى هذا المال الذي معه ذهب.
سبحان الله يتكرر المشهد، كيف يتكرر المشهد؟
هذا غداً بإذن الله في الحلقة القادمة أقف مع قوله : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ } وما وَرَد معها من تعقيبات والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق