الأربعاء، 29 يوليو 2015

تفسير المثل في قوله تعالى (مَثَل الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ وَالْبَصِير وَالسَّمِيع..)

د. محمد الخضيري

ثُم ننتقل بعد ذلِك إلى سورة هود حيثُ يقول الله عز وجل:
 (مَثَل الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ وَالْبَصِير وَالسَّمِيع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [هود:٢٤] هذا مَثل من أمثال القُرآن يضربه الله عزوجل لصِنفين من الناس وفريقين مُتباينين وقد جاء هذا بعد ذِكر هذين الصنفين من بعد قولِه عزَّ وجل (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ...) [هود:١٧] هذا الصِنف الأول
 ( وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ۘ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)) كانوا يسمعون وكانوا يُبصرون لكِنَّهُم لا يسمعون شيئاً ينفعهم ولا يُبصرون شيئاً ينفعهم يرون الحق فلا يقبلون ما يرونه من الحق ويسمعون الحق فلا يقبلون ما يسمعونه من الحق (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:١٠] ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) [الأعراف:١٧٩]
قال الله عزَّ وجل (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ) خسِروا أعظم شيءٍ يكون فيه الخسار وهو النفس لم يخسروا أموالهم ولا أولادهم ولا دُنياهم إنَّما خسروا أعظم شيءٍ اِئتُمنوا عليه وهو أنفسُهم.
 قال (وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) أي ذهب وضاع وانمحق عنهم الشيء الذي كانوا يفترونه على الله من قولِهم هذا ابن الله .. هذه آلهةٌ من دون الله (لَا جَرَمَ) حقَّاً (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ).
ثُم ذكر الله عزَّ وجل الصنف الثاني والفريق الآخر فذكرهُم بأعمال ظاهرة وباطنة ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
 ولمَّا ذكر الفريقين وأعمالهُم وذكر مصائرهم في الآخرة أراد أن يوضح لنا مثلاً لهُم فقال (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) هذا الفريق الأول الذي عمِي وصُم فهو لا يرى ولا يسمع انظُروا يا إخواني إلى شخص يأتي إلى مكانٍ لا يعرِفه وهو أعمى وأصم ماذا يكون حاله ؟ يكون في حيرة وشك وتخبط مرة يصطدم بجدار ومرة يعثُر بحجر أو بشجر أو برصيف ومرة يتعرض للمهالِك ومرة يطأ على النار هذا مَثَلُه وكذلك هذا الذي كفر بآيات الله لمَّا جاءته يجعلُه الله عز وجل في الظُلمات كما قال في المثل الذي ذكرناه قبل قليل (كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام١٢٢] وهُنا قال (كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ وَالْبَصِير وَالسَّمِيع ) ذكر مثلاً آخر وهو للفريق الآخر البصير والسميع ولو لم يكن عِنده بصرٌ ولا سمع مادام قد آمن وصدَّق وعمِل بالحق الذي تزل عليه من ربه سبحانه وتعالى فهو المُنتفِع بسمعه والمُنتفع ببصره ولاحظوا يا إخواني يُسمي ربُنا سبحانه وتعالى من ينتفع بسمعه وبصره ولو لم يكن عنده سمعٌ ولا بصر يُسميه سميعاً بصيراً ويُسمي من لم ينتفع بسمعه ولا بصره يُسميه أعمى وأصم لأنَّهُ أوتي هذه الآلات والأدوات التي يهتدي بها إلى الحق فلم ينتفع بها ولم يستفد منها فضلَّ وأضل نسأل الله العافية والسلامة.
 ثُم يقول (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ) الجواب لا يستويان (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) أفلا تعقِلون وتتفكرون ؟! نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أولئك.
 نلتقي إن شاء الله لنُكمل بقية الأمثال بعد الصلاة وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق