الأحد، 1 مارس 2015

الفوائد التربوية من ضرب الأمثال المذكورة في سورة النحل

 ضرب الله تعالى في هذه السورة  الأمثال والمقصود منها هو : إيضاح الغموض والكشف عن المعنى المراد وهي أبلغ ما يُنبه به المخطئ إلى خطئه, والمحسن إلى إحسانه (١).
 وضرب الأمثال في القرآن يستفاد منها أمور كثيرة :
التذكير والوعظ والتدريس والحث والزجر والإيثار والتقرير وتقريب المراد للعقل وتصويره في صورة المحسوس بحيث تكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى الحس (٢) وتأتى أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر وعلى المدح والذم، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره وعلى تحقيقه أو إبطالـه، قال تعالى : (وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ) إبراهيم / 45، وقال تعالى : (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل / 74. لما تتضمنه من فوائد (٣).

 الفوائد التربوية من ضرب الأمثال المذكورة في سورة النحل :
 1 -
أ - قال تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) النحل/75.
 ب - قال تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) النحل / 76.
 ضرب الله الأمثال في سورة النحل من واقع حياة الناس، وهذا في واقع حياة الجاهلية إذ كان لهم عبيد لكنهم يرفضون المساواة بين السادة والعبيد، فكيف يسوون بين الله وبين أحد من خلقه من شجر أو حجر.؟!
 كيف يسوون بين حجر أو صنم، وبين الله سبحانه القادر العليم، الآمر بالمعروف، والهادي إلى صراط مستقيم في حين أنهم لا يسوون بين رجل ضعيف لا يملك شيئا، ولا يعود بخير وبين رجل قوي، ويملك, ويتكلم، ويأتي بالخير.
 وفي هذا تعليم للدعاة لتوظيف ما هو واقع في حياة الناس من المحسوسات المادية للوصول إلى المعاني السامية في الدعوة (٤).

 2 - قال تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) الآية 112 - 113 النحل.
 ذكر بعض المفسرين ومنهم ابن جرير وابن كثير أن القرية المراد بها مكة فلما أنكر أهلها نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وعاندوه وصدوه دعا عليهم بقولـه : " اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فأصابهم سنة أذهب كل شيء وابتلوا بالقحط فاضطروا إلى أكل الجيف والكلاب الميتة والعظام، ثم قتل رؤساؤهم في بدر.(٥) ورجح بعض المفسرين أن المراد بالقرية عامة، سواء مكة أم غيرها؛ لأن الجزاء من جنس العمل لأن تنكير قرية يفيد ذلك ومكة تدخل في هذا العموم (٦)، من أجل هذا يلتمس المسلم من خلال ضرب المثل بالنعمة ثم سلبها، حكمة الله فيحرص على الأسباب التي توفر لـه بقاء النعمة ويتجنب الأسباب التي تؤدى إلى زوالها.

 3 - قال تعالى : (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٩١) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل/91 - 92.
قال مجاهد : هو مثل لمن نقض عهده بعد توكيده، وهذا القول أرجح وأظهر ممن نقض العهد كان كمن نقض الغزل بعد فتلـه وإبرامه، فهو ليس من فعل العقلاء، بل في زمرة الحمقى (٧)؛ فالمسلم مطالب بالوفاء بالعهد، لذا حذرت الآيات من عدم الوفاء بالعهد واعتبرته خللاً في سلوك الإنسان.
----------------------
(١)  الفياض، محمد جابر، الأمثال في القرآن الكريم، ص293.
(٢)  الزركشي، البرهان، ج2 / ص118.
(٣)  السيوطي، الإتقان، ج2 / ص1042.
(٤)  الميداني، حبنكة، الأمثال القرآنية، ص52.
(٥)  البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب (110) حديث رقم : (1006)، ص215.
(٦)  الطبري، جامع البيان، م7 / ص655. (103) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج2 / ص771.
 / الفوائد التربوية المستنبطة من سورة النحل/ د. محمد عيد الكردي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق