الثلاثاء، 24 فبراير 2015

تفسير سورة يوسف / د.عويض العطوي (المحاضرة الأولى)



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد ..
أيها اﻹخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه اللقاءات -أيها اﻹخوة الكرام- ستكون حول سورة من السور التي نستطيع أن نقول إنها أكثر سور القرآن عناية عند المفسرين وهي أكثر سورة في القرآن أُفردت بمؤلفات خاصة على مدى هذه اﻷزمان المتطاولة، وذكر فيها شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله- قال: "لئن بقي في العمر متسع ﻷكتب فيها كتابا" وذكر قبل ذلك أنها تحتوي على أكثر من ألف فائدة وأنه سيفرد فيها كتابا ولكنه توفي -رحمه الله - ولم يُتح ذلك له. إذا نحن اﻵن أمام سورة عظيمة لها خصائص وميزات من خصائصها:
- أنها حوت قصة كاملة من أولها ﻵخرها وقلما تجد في القرآن قصة كاملة وإنما تجد قصص الأنبياء موزعة وأكثر قصة وردت في القرآن هي قصة موسى عليه السلام حتى قال بعض أهل التفسير : كاد القرآن أن يكون لموسى عليه السلام،  ومن أعجب العجب أنها مع كثرت ورود موسى عليه السلام في القرآن إﻻ أننا ﻻ تجد سورة واحدة سُميت باسم موسى عليه السلام فليس في القرآن سورة اسمها سورة موسى وإن كان بعض أهل العلم يذكرون سورة ويسمونها سورة الكليم لكن السور المُسماة تسمية توقيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم أي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اﻻسم ﻻ نجد وﻻ سورة واحدة سميت باسم موسى عليه السلام. أما يوسف عليه السلام فإن ذكره في القرآن قليل ولكن أُفردت له قصة كاملة. هذه الميزة اﻷولى.
الميزة الثانية: أن هذه القصة هي القصة الوحيدة في القرآن التي جاءت بهذه الصورة المطولة والتي ذُكرت فيها تفاصيل لحياة يوسف عليه السلام.
اﻷمر الثالث: أن هذه السورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في لحظات معينة أﻻ وهي حزنه صلى الله عليه وسلم على فقد زوجته خديجة وعلى فقد عمه أبو طالب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجد مؤازرين له من داخل بيته ومن خارج بيته، أما من داخل بيته فزوجته خديجة رضي الله عنها. ويكفي في هذا أن تعلم اﻷخوات الفاضلات أن الزوجة لها دور كبير في حياة زوجها .. صبرها معه .. مساعدتها له إن كانت صاحبة مال .. رأيها، فقد وقفت خديجة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الزمن الطويل وكانت تكبُره سِنا وساعدته بمالها ورأيها وكانت تقف معه في الشدائد فحفظ لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال أهل العلم: فلم يتزوج عليها في حياتها وفاء لها. وأما من خارج بيته فعمه أبو طالب.
فلما مات هذان الاثنان حزن صلى الله عليه وسلم، وهذا طبيعي في اﻹنسان أن يحزن على يساعده ومن يقف معه ومن يكون في جواره، يحزن عليهم فنزلت هذه السورة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن.  وعلى هذا أول درس نستفيده اليوم أن اﻹنسان إذا أصابه هم أو حزن فليقرأ سورة يوسف فإنه يجد فيها تسلية والقرآن كله تسلية -بمعنى تصبير- فإذا رأى اﻹنسان حالته في مقابل حالة يعقوب عليه السلام الذي فارق ابنه أكثر من ثمانين عاما ثم رآه بعد ذلك، ومرّ هذا الطفل الصغير بهذه المشكلات والمصاعب يسهل عليه ما يصيبه من مُصاب فيتصبر.
يقول أحد المفسرين وهو الرازي له تفسير اسمه التفسير الكبير ويسمى أيضا مفاتيح الغيب وهو من أكبر التفاسير يقول : " مات ولدي -وأظنه محمد على ما أذكر- مات ولدي -وكان من أحسن أبنائه عنده- يقول: فكنت ضيق الصدر جدا وكنت أفسر القرآن ففتحت ذاك اليوم -الذي توفي فيه ولده والذي أصابه فيه الحزن- ففتحته فإذا أنا على قوله تعالى (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) فكان أعظم تعزية لي" فهذا أيضا أيها اﻹخوان من أعظم الدروس التي نستفيدها بشكل عام من هذه السورة والتي هي سورة يوسف عليه السلام
هذه السورة -أيها اﻹخوة الكرام- ذكر الله تعالى في أولها أنه هو الذي سيقُصّها -سبحانه وتعالى- قال (نَحْنُ) أي الله سبحانه وتعالى، لما لها من العظمة (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) فلم يجعل قصّها ﻷحد بمعنى "قل" أو تُنقل عن أحد بل قصّها سبحانه وتعالى قال بعض أهل العلم : ذلك ﻷن العرب ﻻ يعرفون شيئا عن قصة يوسف عليه السلام بينما يعرفون عن قصة ثمود وعاد الذين سكنوا الجزيرة العربية فهم يعرفون شيئا من قصتهم لكنهم ﻻ يعرفون شيئا عن قصة يوسف عليه السلام لذلك قصّهُ الله سبحانه وتعالى.
نبدأ بالسورة ونقف في الحد الذي نقف عليه ونواصل في الجلسات القادمة إن شاء الله تعالى. ربما ﻻ يكون ما أذكره تفسيرا مباشرا ولكن أكثرها فوائد ووقفات وتربية، يمكن هذا الذي يهمنا.
/ يقول ربنا سبحانه وتعالى في مطلع هذه السورة  (الر)
 هذه الحروف التي نقرأها في أوائل السور هي حروف مقطعة بمعنى أنها تُذكر وتنطق حسب نطقها فنقول ألف وﻻ نقول آ، ونقول لام ولا نقول لا، ولذلك نحن نجد في سور أخرى مثل ( ألم نشرح لك صدرك ) مختلفة، فهذه الحروف المقطعة اختلف فيها أهل العلم كثيرا لكن يكفي منها من أظهر اﻵراء وأشهرها: أنها حروف تدل على اﻹعجاز بمعنى أيها العرب .. يا أصحاب اللغة ويا أصحاب البيان هذا القرآن الذي تحداكم الله به هو من جنس حروفكم وما هي حروفكم ( ألف ..باء..تاء .. ثاء .. جيم .. حاء )  فهذه الحروف التي تأتي في أولها يقول الله هذا القرآن الذي سيُذكر اﻵن في هذه السورة أو في سورة أخرى هو من جنس كلامكم ولغتكم التي تعرفون فإن استطعتم أن تأتوا بمثله فأتوا، إذا الله عز وجل تحداهم بشيء يتقنونه ويعرفونه ولكنهم عجزوا عن أن يأتوا بسورة وﻻ بآية وﻻ بأكثر من ذلك بل عجزوا، بل كل من حاول أن يُعارض القرآن -يعني يأتي بمثل القرآن- كل من حاول أن يعارض القرآن سقط، فإن كان بليغا معروفا أصبح إنسانا يُستهزأ به ومنهم مسيلمة الكذاب فإنه كان خطيبا مفوها عظيما في قومه فلما عارض القرآن سقط .. أصبح ليس له قيمة وقال كلاما يضحك منه الصغير قبل الكبير، وهذه حكمة من الله من يعارض القرآن يسقط .
فينقلون عن رجل ممن يسمونهم بالفلاسفة جاؤا إليه في يوم من الأيام قالوا له نريد أن تصنع لنا مثل هذا القرآن -هذا إن صح كفر والعياذ بالله- إن استحل أن يصنع شيئا مثل القرآن كفر، ففتح فكان على قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) [المائدة:١] سطران،  فأغلق وقال هذه آية واحدة فيها أمر ونهي وحلال وحرام وإطلاق وتقييد. هذا ما لا يكون إلا في أجلاد -يعني مجلدات- يقول أنا لو أعمل مثل هذا أحتاج إلى مجلدات وهذا جاء في سطرين. فهذا هو القرآن .. هذا هو القرآن العظيم الذي نتحدث عن سورة من سوره اﻵن. إذا هذه الحروف المقطعة التي في أول القرآن إذا هي حروف الله أعلم بمراده بها، أو هي حروف دالة على اﻹعجاز وأن هذا القرآن من جنس لغتكم وأنتم ﻻ تستطيعون اﻹتيان بمثله، والذي يؤيد هذا القول أنه ما ذُكرت هذه الحروف في القرآن -غالبا - إﻻ ويذكر بعدها إشادة بهذا القرآن إما ما معنا الآن (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) وفي آيات أخرى تجد  إشادة مباشرة بالقرآن على خلاف افتتاحيات السور اﻷخرى التي ليس فيها حروف مقطعة.
(تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) "تلك" إشارة إلى مُحدد وهو القرآن هنا، واﻹشارة إلى آيات القرآن وعلاماته. والله أعلم أن ذكر اﻵيات هنا بالذات دون اﻹشارة المباشرة للقرآن كما في سور أخرى ﻷن المراد أن ننتبه في داخل هذه السورة إلى الآيات والهدايات ﻷن الله عز وجل بنى هذه السورة على مجموعة آيات فقال في أولها (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) فيه علامات .. فيه دﻻﻻت لكل من يريد أن يتعلم ويسأل ويستفيد موجودة فيها ولذلك أُشير إليها في أول السورة حتى ننتبه ونحن نقرأ السورة أن فيه آيات وفيه عﻻمات ننتبه لها .. نبحث عنها.
(تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) ذُكر القرآن وذُكر الكتاب وإذا ذكر الكتاب فيه إشارة إلى الكتابة، والكتابة فيها إشارة إلى التقييد، والتقييد فيه إشارة إلى تثبيت الشيء وتوثيقه فإن الشيء المكتوب أقل عرضة للتحريف والتبديل لذلك الله سبحانه وتعالى لما نفى الشك والريب عن القرآن ذكره باسم الكتاب ولم يذكره باسم القرآن فقال ( الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ) ﻷن المقام مقام نفي شك عن القرآن وﻻشك أن الشيء المكتوب الشك يكون فيه أقل من الكلام المنقول.
  ومن اللطائف التي يمكن أن يجدها أيضا من يقرأ القرآن: أنه إذا بُدأت السورة إذا كان في افتتاحيتها كلام عن الكتاب تجد هذا يتكرر في السورة،  وإذا كان بدايتها عن القرآن تجده يتكرر في السورة بصورة أكثر، فأيهما يبدأ في السورة السورة تكرره.  وعلى سبيل المثال: لو أخذنا البقرة أنموذجا نجد أنه ذكر فيها الكتاب ثلاثين مرة ولم يذكر القرآن إﻻ مرة واحدة في آيات الصيام ﻷنها  (***) الكتاب.
علي كل حال (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) وصف الكتاب بالمبين في بداية السورة أيضاً له هدف ودلالة في مداخل هذه السورة أي أن هذه الآيات التي ستعرفونها في قصة يوسف هي بيّنة وليست خفية وليست محتاجة إلى تفسير عميق ومُطول أبدا أي إنسان يقرأها يستطيع أن يفهمها ويستطيع أن يعرفها، وأنا أريد منكم أي واحد وهو يقرأ القرآن ﻻ يجعل بينه وبين كلام الله حواجز وصعوبات .. أنا ما أفهم وأنا ما أعرف، ﻻ.. تفهم وتعرف ولذلك خطبة الجمعة يخطبها الخطيب وﻻ نحتاج أحد يترجمها، ونسمع اﻷخبار وﻻ نحتاج أحد يترجمها وﻻ يفسرها، وحين يأتي للقرآن يقول أنا ما أعرف القرآن، هل ما تعرف (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)؟! يعني نزل بلغة عربية علشان تفهمون. ما تحتاج تفسيرات كثيرة ولذلك جُلّ القرآن مفهوم لكن نحن أحيانا نضع حواجز وصعوبات ونحتاج إلى كتب معمقة وأحيانا عذر نقنع به أنفسنا حتى ما نجعل القرآن هو الهادي لنا وهو المُرشد.
إذا هذا الكتاب مُبين .. واضح ما فيه لبس والله عز وجل ﻻ يخاطبنا بشيء فيه لبس، ﻻزم يكون واضح وإلا للزِم أن النبي صلى الله عليه وسلم يفسر لنا القرآن كاملا وإﻻ كيف نفهمه.
(إِنَّا) وهنا "إنا" هذه مشتملة على ضمير في داخلها وهو ضمير يدل على الجماعة ولكن المقصود به واحد وهو الله سبحانه وتعالى فكيف يُعبر بالجماعة عن الواحد؟ قالوا: هذا أسلوب من أساليب العرب أنهم إذا أراد أن يضخموا ويُفخموا يتحدثوا عن الواحد بصورة الجماعة. وأنتم تسمعون إذا صدر مرسوم ملكي ماذا يقولون؟  نحن كذا .. وكذا .. أمرنا بما هو آت. الذي أصدر المرسوم كم واحد؟ واحد لكن هذا من أساليب العرب الدارجة أنه إذا أريد التفخيم  يقال هذا الأمر. والله عز وجل له العظمة سبحانه وتعالى وله القدرة ولذلك تجد دائما في القرآن هذه الضمائر ولكن من لطائف الدﻻﻻت فيها أنك تجد هذه الضمائر في المناطق الدالة على عظمة الله أو على العذاب أو على القدرة أو على إهلاك اﻷمم ﻷن هذه تحتاج إلى قدرة.
ولكن تجد في المقابل - أحيانا - الله عز وجل يقول عن ذاته العلية سبحانه وتعالى "أنا" ما يقول نحن يقول "أنا" مثل قوله تعالى مع موسى عليه السلام (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي) تجد القرآن واحد .. واحد .. قالوا: ﻷن المقام مقام إيناس؛ موسى عليه السلام خائف، أكثر نبي ذُكر معه الخوف موسى عليه السلام فلأنه خائف لا يتناسب المقام مع العظمة ﻷن مقام التعظيم مقام آخر فمقامات اﻹيناس يُعبّر فيها بالواحد ومقامات التوحيد -أيضا- يعبر فيها بالواحد أما المقامات اﻷخرى فيعبر عنها بالضمير الذي قال عنه السيوطي ضمير الأُبّهه والفخامة والله سبحانه وتعالى له المثل الأعلى.
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) لما نسمع كلمة "أنزلنا" معناه هذا القرآن نازل من عُلو وﻻشك ﻷن اﻹنزال يدل على أنه نازل من عُلو ولذلك هذا القرآن نزل من عُلو من اللوح المحفوظ ونزوله إلى الدنيا على محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد صلى الله عليه وسلم تلقاه بعضو من أعضائه ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن وهي إشارة لنا أن نستفيد من القرآن بهذه الطريقة (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ) فالنزول على محمد صلى الله عليه وسلم وفي أي شيء من محمد صلى الله عليه وسلم،  على قلبه ولذلك إذا أردت أن تنتفع بالقرآن فانتفع به في قلبك .. اجعله يخاطب قلبك ومن أحسن السُبل في ذلك أن تسمعه، اقرأه لكن اسمعه إذا سمِعته أثّر في قلبك لكن ربما تقرأ .. تتدبر .. تتمعن لكن إذا أردت أن تنتفع بالقرآن وهذا والحمد لله أسلوب سهل حتى لو كنت ﻻ تعرف تقرأ وﻻ تعرف تقرأ القرآن لكن بإمكانك أنك تسمع القرآن وبإذن الله يستفيد قلبك.
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) لم ينزل كتاب بلغة العرب إﻻ القرآن فهو الكتاب الوحيد باللغة العربية هذا شرف للغة العربية ولذلك اللغة العربية هي اللغة الوحيدة على وجه اﻷرض التي بقيت متماسكة  أكثر من آﻵف السنين حتى قبل اﻹسلام كانت اللغة العربية موجودة وبعد ذلك بعد الإسلام، وأي لغة اﻵن وأي شعب تتحدث معه تقول له أنا أستطيع أن أقرأ كتابا كُتب من قبل خمسمائة عام يقول هذا جنون ﻻ يمكن ﻷن أغلب لغات العالم تتغير أوصافها فإذا مضى عليها مئة سنة ﻻ يعرفون يقرؤون السابق إﻻ بمترجمين وعلى رأسها اللغة اﻹنجليزية التي هي من أشهر لغات العالم ﻻ يمكن أن يقرؤوا ما كُتب قبل مئة سنة إﻻ بمترجمين ولذلك هم يترجمون ما كتبوه باللغة الإنجليزية إلى اللغة الحديثة التي هم فيها وهكذا. اللغة العربية بقيت متماسكة على نظام ولذلك اختارها الله في آخر الزمان لأفضل الكتب وهو القرآن.
 وفي قوله تعالى بعد ذلك (لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) هذا دليل أيضا وثناء على اللغة العربية أي أن أفضل سبيل يمكن أن يعقِل معه اﻹنسان ويفهم معه المراد هو اللغة العربية، أقدر لغة على بيان المقصود ولذلك كثير من لغات العالم تختلط فيها اﻷلفاظ وتختلط فيها الضمائر ولكن ليس هناك لغة بمثل هذه الدقة كلغة العرب -اللغة العربية- وهي لغة أهل الجنة.
(لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يعني الله عز وجل جعل لنا جعل لنا هذه اللغة حتى نفهم .. حتى نعقل.
/ ثم يقول الله سبحانه وتعالى بعد ذلك بعد هذه المقدمة (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) أي يا محمد و"نحن" ضمير الأُبهه كما سمعتم قبل قليل.
 (نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) تولى الله قصّها كما تولى قصّ قصة أصحاب الكهف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ)
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) "أحسن القصص" ﻻ تعني هذه الكلمة أن قصة يوسف هي أحسن قصص القرآن الكريم،  ﻻ، ﻷن الحديث هنا عامّ عن القصص فالله عز وجل يقول نحن نقص عليك يا محمد أحسن القصص فكل ما في القرآن أحسن مما يشابهه في الموضوع أو القصة من كلام الناس أوالبشر، فالناس يقصُّون وعندهم قصص وعندهم حوادث لكنهم لن يصلوا إلى هذه المرتبة وﻻ المكانة التي عليها قصص القرآن. وقصص القرآن يتميز عن قصص الناس:
-أنه حق وليس فيه باطل
-وأنه كله صحيح ليس فيه كذب وﻻ تزوير
-والعجيب في قصص القرآن أنه مُختصر وقصير وهذه أيضاً فائدة نستفيدها -يا إخواني الكرام- لما الإنسان يخطب الجمعة أو يتكلم ويسرد قصة لا داعي للتفاصيل كلها، هات من القصة الفائدة المناسبة للحدث الذي تريد أن تتحدث عنه فقط، ولذلك تجد اﻻجتزاء واﻻختصار في قصص الأنبياء بحسب موضوع السورة إﻻ هذه القصة فهي واحدة. . واحدة من عشرات القصص وهي أنموذج واحد للقصة الكاملة ومع إنها قصة كاملة هي حكت عمر يقارب السبعين عاما ومع هذا بُسِّطت في هذه المقاطع القصيرة.
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) القَصص غير القِصص،  القَصص: كلمة تأتي تكون مصدر وتكون اسما لِما يُقصّ ولكن نفرق بين القِصص والقَصص بأن القَصص خاص بما يُقصّ في القرآن، ثم بنوا على ذلك أن القَصص خاص بما هو حق، وأما القِصص فهو خاص بما يقصه الناس وغالبا ما يدخل فيه الخيال والكذب والتطويل أو الزيادة أو غير ذلك، ولذلك ما يكتبه الناس نُسميه قِصصا وما في القرآن نسميه قَصصا.
(بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ) أي أن هذه القصص الصحيحة ستجدها في هذا القرآن الذي أوحيناه إليك (بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم -وهذه شهادة من رب العالمين- على النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن عنده عِلم سابق، لم يكن يجلس عند كُهان وﻻ سحرة وﻻ قصاصين وﻻ عرّافين وﻻ مؤرخين، ما كان، ليس عنده علم سابق إلا ما علّمه الله سبحانه وتعالى ﻷن الذي يكون عنده علم سابق ويُعرف بهذا يكون سهل عليهم أن ينسبوا إليه كذبا فيقولوا هذه قصة فلان أو من حكاية فلان أو من جلوسه مع فلان أو أنه كان يُجالس اليهود -اليهود أصحاب كتاب وعندهم علم- فالله عز وجل يقول أن محمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول وهو المُقرب من رب العالمين يقول كان غافلا ﻻ يعلم عن هذه الحادثة شيئا.
ولماذا قال الله عز وجل  (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) ولم يقل وإن كنت من قبله غافلا،  يعني لوحدك؟
قال ﻷن قومه معه كذلك، هو وقومه ما كانوا يعرفون شيئا عن هذا ولذلك جاءت هذه القصة مفصّلة.
/ (إِذْ قَالَ) شوف التهيئة يعني اﻵن ستأتيك قصة ﻻ تعلمها ، تصور إني أتحدث معكم هكذا وأقول يا جماعة سأحدثكم عن قصة عجيبة وهي من أحسن القصص -قصص القرآن كلها حسن- وهذه قصة عجيبة وعظيمة وأنتم ﻻ تعرفون عنها شيئا ﻻ أنتم ولا قومكم، تتشوف النفوس وهكذا كل قصص القرآن فيها مقدمة مشوقة وهذه من اﻷساليب التي يجب أن يتخذها الواعظ .. المتحدث أو أي شخص لجذب الجمهور أو الناس أو من يستمع ليسمع كلامه.
بعد ذلك بدأت القصة،  ﻻحظوا (....) نحن ﻻ نحسن البدايات  (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)  الذي ذكره هنا الرؤيا وهو جزء من القصة.  تصوروا أقول لكم يا جماعة اليوم أنا رأيت -وذكرت لكم رؤيا- أنا متأكد أن جميع الناس الذين يستمعون سينتظرون تفسيرها ولكنكم إن كنتم تنتظرون تفسير رؤيا يوسف يلزمكم أن تنتظروا سبعين عاماً، علشان تنتظروا حتى نصل إلى تفسيرها. وهذا درس جديد أن الرؤى قد يتأخر تفسيرها طويلا يمكن ما تتم إلا في آخر عمرك، وأعجب ما ذكروا في هذا -لعله من التجربة- أنهم قالوا أن الرؤى السيئة -التي يكون فيها سوء للإنسان- تحدث سريعا والرؤى التي فيها خير تتأخر حتى يعيش المسلم واﻹنسان بهذا التفاؤل وهذا الخير أكبر مدى ممكن، ولكن لو كان العكس، لو تأخر وقوع الرؤية السيئة عاش الإنسان في قلق هذه المدة كلها.
 (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ) قالوا رأى هذه الرؤيا وعمره سبع سنين -وهو طفل صغير- رأى هذه الرؤيا وأنا متأكد فيه أطفال يرون لكن من حسن تربيتنا أنه لو رأى رؤيا ما يقُصّها على أبيه لأنه يخاف يُكذِّبه .. يخاف يضربه .. يخاف يستهزئ به، ما لها قيمة رؤيا طفل ما لها قيمة، لا، كيف ما لها قيمة هذه رؤيا ولها قيمة.
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا) وكون يوسف عليه السلام مباشرة يقُصّ على أبيه هذه الرؤيا لا على أمه دليل على فقد اﻷمّ ﻷن الطفل في مثل هذا العمر غالبا ما يلجأ إلى أمه قبل أن يلجأ إلى أبيه مهما كانت اﻷم، ولذلك يقول بعضهم لا تلعن اﻷم فإن أسوأ أم في الدنيا ﻻ تستحق اللعن، أسوأ أم في الدنيا .. على وجه اﻷرض ﻻ تستحق اللعن ﻷنها أمّ .. يكفي أنها أمّ.  فإذا هذا الطفل ما توجه إلى أمه ربما ﻷنه ما عرفها .. ما رآها -فقدها- فتوجه إلى أبيه وهذا دليل على أن الجسر الذي بينه وبين أبيه ممدود وأنه إذا أصابه أمر أو أصابه شيء مباشرة يقُصّه على أبيه.  نقول للشباب وآباؤنا الكرام أبناؤكم معكم إذا حصل معه يقصه عليك وبعد ذلك وجهه الحسنى.
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ) وهذا من حسن التخاطب مع اﻷب. الشباب الذين يسمعون اﻵن (يَا أَبَتِ) هذا من حسن التخاطب وهذه لغة اﻷنبياء في القرآن كله فإنهم يخاطبون آباءههم بمثل هذه الطريقة، حتى إبراهيم عليه السلام كان يُخاطب أباه الكافر فيقول له يا أبت .. يا أبت أربع مرات بينما لما خاطب اﻷب الكافر الابن المؤمن -وهو إبراهيم- ما قال يا بني قال يا إبراهيم (أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ) والمخاطبة باﻻسم المباشر لا تدل على الاحترام ولذلك من المَسنُون في ديننا أن اﻹنسان يكون له كنية ومناداة اﻹنسان بكنيته يا أبا فلان .. يا أبا فلان هذه من التكريم للإنسان.  ومن دﻻئل ذلك، من دﻻئل التكريم أن الله سبحانه وتعالى لم ينادِ محمدا صلى الله عليه وسلم باسمه المباشر أبدا بينما نادى كل اﻷنبياء إﻻ محمد صلى الله عليه وسلم، ما تجد في القرآن ... ( يا أيها النبي - يا أيها الرسول ) لكن ما يقول يا محمد بينما تجد اﻷنبياء وهذا أيضا قالوا واحدة من دﻻئل منزلته صلى الله عليه وسلم عند رب العالمين سبحانه وتعالى.
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) إذا هذه الرؤيا، الرؤيا هي عبارة عن أن هذا الطفل رأى أحد عشر كوكب من كواكب السماء تسجد له ومن ضمن هذه الكواكب، ومن ضمن ما رآه يسجد له الشمس والقمر، وقد أفرد الشمس والقمر لتميزيهما ولرمزيتهما إلى شيء خارج عن اﻷحد عشر  إما لِكبر الحجم أو لغيره لكنه رأى الشمس لوحدها والقمر لوحده، والشمس والقمر ﻻ تخفى على أحد والبقية كواكب، ولكن ترمز هذه الرؤيا إلى أن أمرا عُلويا وعظيما سيحدث لهذا الطفل ﻷنه كون هذه الكواكب التي مكانها السماء ومكانها العلو تخضع له وتسجد له احتراما وتقديرا هذا لن يكون إلا إذا كانت له مكانة.  فكانت بشارة لهذا الطفل الصغير الذي لم يعرفها في ذلك الزمن.
ثم قال (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) لماذا قال (رَأَيْتُهُمْ) ورأيتهم  لفظ لا يُطلق إﻻ على العقلاء؟
 وإلا لو كان يُخاطب الشمس والقمر أو الكواكب يقول رأيتها؟ فأنت ما تأتي لشيء من الجمادات فتقول رأيتهم ما أحد يقبل منك هذا، مع ذلك قال ( رأيتهم ) قالوا ﻷنهم فعلوا فعلا هو من فعل العقلاء وهو السجود فنُزِلوا منزلة العقلاء مع أن هذه الكواكب وغيرها تسجد لكن سجودها للإنسان أمر غير مألوف لكن هي تسجد لرب العالمين وتسبح لرب العالمين بطريقة نحن ﻻ نعرفها.
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَا بُنَيَّ) انظروا أيضا لغة اﻷب مع ابنه (يا بني)
(قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) (لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) هذا توجيه من اﻷب ﻻبنه، أول نصيحة نصحه بها يقول ﻻ تقُصّها، ﻷن الطفل الصغير ربما تعجبه هذه القصة فيقولها لفلان وفلان وفلان وﻻ يعرف ببراءته مدى تأثيرها السلبي عليه في حياته فما يدري عن شيء ، يا شباب فيه بعض اﻷمور تخفى عليكم فاستشيروا آباءكم ، استشيروا إخوانكم في أمور ﻻ تعرفونها وﻻ تدركونها اﻵن، اﻻستشارة فيها خير كثير وإذا وجّهك إنسان توجيها حسنا فخذ به واستفد منه.
فقال (يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) طبعا هذا اﻷمر لما يأمره ﻻ تقصص رؤياك على إخوتك لماذا لم يذكر الناس اﻵخرين؟ ﻷنه في الغالب لم يلتق بهم ، الذين سيلتقي معهم اﻷخوة فكونه نهاه أن يقُصّ الرؤيا عليهم هذا قد يثير سؤاﻻ في نفسه لماذا؟ لماذا ﻻ أقصها على إخواني؟ والعمر كم يا جماعة؟ سبع سنوات، معناه الصغير هذا علل له .. فسّر له إذا نهيته عن شيء قل ما السبب لا تقل هذا صغير ﻻ يفهم وﻻ يعرف، ﻻ، كثير من الناس اﻵن يخطئون في قضية أنهم ﻻ يتعاملون مع الصغير بالطريقة الصحيحة ثم إذا مضت اﻷيام واﻷيام واﻷيام هو الآن يتربى .. هو الآن يفهم، ولذلك يكذب عنده، ويخلف الوعد، يعِده بشيء وﻻ يأتِ به، وإذا سألته لماذا؟ يقول هذا صغير ما يفهم، من قال أنه ﻻ يفهم،  هو يفهم وأنت تربيه على الكذب الآن، على إخلاف الوعد، إذا لم تستطع أن توفي بشيء ﻻ تعِده ولو بكى ولو صرخ ولو فعل ما فعل قل له أنا ما أستطيع، خلك واضح معاه أو قل له سآتي به متى استطع، حاول أن تُفهمه، هذه تربية، التربية تحتاج إلى صبر وتعب.
(لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ) فكأنه جاء في نفسه لماذا يا أبتِ؟ قال (فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا) ﻷنك لو قصصتها عليهم ستكون هذه القصة وهذه الرؤيا سببا لكيدهم لك، وهو لا يعرف هذا، لا يعرف هذا، والسبب أن أباهم قد رأى تميّز يوسف عليه السلام وهم أحسوا بعناية يعقوب عليه السلام بيوسف فداخلهم الحسد والغيرة فعرف هو عليه السلام -يعقوب عليه السلام- هذا الأمر فخاف عليه فقال إذا جاءت هذه القصة اﻵن وهذه الرؤيا سيزيد اﻷمر بلاء وربما يكيدوا له مكيدة يهلكوه بها والعجيب أنه لم يقصّ عليهم القصة وكادوا له فكيف لو قصّ عليهم القصة؟! يمكن يقرروا قتله، اﻵن لم يقرروا قتله والقصة لم تصلهم ولا عرفوا عنها شيء.
(فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا) وذكر الكيد بصورة الفعل "فيكيدوا" ثم "لك" يعني توجيه الكيد يعني أنت خاصة ، لو أن رجلا آخر رأى هذه الرؤيا ما كادوا له لكن المشكلة فيك أنت، ثم قال ( كيدا ) وهو مفعول مطلق للتدليل على تأكيد الفعل المذكور يعني الكيد مؤكد اﻷب يعرف يقينا أن هؤﻻء اﻹخوة سيكيدون لهذا الحق فيريد أن يصرف أسباب الكيد بقدر ما يستطيع وهذا أيضا درس لنا إذا لم تستطع أن تزيل الشر كله فأزل ما تستطيع منه أو (....) فإن الشر بعضه أهون من بعض.
(فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا) ثم انظروا -يا أخواني الكرام- هذا الكلام قد يوغر صدر الصبي الصغير على إخوته فيقول إخواني يكيدوا لي!! فيكرههم فقال شيئا آخر قال (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) وكأنه يريد أن يقول له صحيح أن إخوتك هم الذين كادوا لك لكن السبب هو الشيطان الذي أوغر صدورهم ، فهم ليس الشر فيهم لكن هم أداته والذي أوغر صدورهم الشيطان. وهذا أيضا من حُسن الأدب أنك لما تُعلِّم ولدك لا تعلمه الكُره للآخرين ، بعض الناس -وخصوصا في الإخوان المُعددين- من لديهم أكثر من زوجة تجد الأمّ تُكرِه أولادها في أولاد الأخرى أو العكس الأب يقول لا تمشِ مع هذا ما فيه خير وهو أخوه، لا تُكرههم ببعضهم .. اجمع الناس ولا تفرِّقهم، لا تزرع البغضاء بين الناس .. ابحث عن أعذار .. علِّل بتعليلات الشيطان وهو صحيح إذا عللت بالشيطان هو صحيح لأن  الذي يُوجد العداوة بين الناس هو الشيطان (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ) الشيطان هو الذي يُوجد العداوة بين الناس .
/ (لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) يعني عداوة الشيطان واضحة، والعجيب ما فيه أحد لا ملحد ولا صالح ولا خيّر ولا غيره إلا ويؤمن إيمانا كاملا أن الشيطان عدو وليس صديق وعداوته ظاهرة تماما ، يعني الشيطان عمره ما يأمر بخير وإذا أمرك بخير اعلم أن هذا الخير سيؤدي بك إلى شر فهو وسيلة مؤقتة إلى أن يُوصِلك لأنه يقول يدخل على الإنسان من سبعين بابا من الخير ليوقعه في باب من الشر ، يُحسِّن لك بعض الأمور حتى يُوقعك في شر آخر ، فنحن نعلم يقينا أن الشيطان عدو والعجيب فينا أننا لا نتخذه عدوا كما ذكر الله سبحانه، المفروض أن العدوّ حين يكون ظاهرا المفروض أني أُحاربه ومع هذا قليل من الناس من يُحارب الشيطان بل كثير من الناس (....) وراء الشيطان وكل ما تراه من أخطار يقع فيها الإنسان هو بسبب الشيطان ، والشيطان يستثمِر نفسك الأمّارة بالسوء، يستثمِر الهوى الموجود في الإنسان ويُحرِّك كل هذه الأمور ويُوجد الشر، حاربه ، ترى مُحاربة الشيطان ليست صعبة لكنها مُحاربة دائمة ، يعني معركة لا تنتهي ومن أهمّ ما فيها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، كلما استعذت بالله من الشيطان الرجيم كلما خنس وضعُف ، بس كثِّر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وأكثِر من ذكر الله .
/ (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ (وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) يعني هذه إشارة إلى أن الرؤيا التي رأيتها دلالة على أنك ستصل منزلة عالية ، وكذلك فيها تشبيه يعني ويُشبِّه ذلك ومِثل ذلك سيُعطيك الله شيئا آخر ، ليس هذا فقط أن تجد أُناس رفيعوا المكانة يخضعون لك ، هذا دليل على مكانتك العالية لكن أيضا سيكون لك أمر آخر شبيه بهذا (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ) فالله سيصطفيك ويجتبيك وينتقيك وهذه ميزة . ليس هذا فقط (وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) إذا الرؤيا واحد ، والاصطفاء والاجتباء اثنان، وتعليم تأويل الأحاديث هذه ثلاثة ، (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ) هذه أربعة، أعطاه الله أربعة أمور :
- منزلة عالية تُقدره فيها الناس وهذه تفسير الرؤيا
- وسينتقيه الله ويجتبيه ، قد يكون هذا اصطفاء واجتباء دنيوي بمعنى أن تكون له مكانة ومنزلة وقد كان، أو هو اجتباء واصطفاء بالرسالة والنبوة .
- ويُعلِّمه من تأويل الأحاديث وهذا دليل على أن تفسير الرؤى أمر ربانيّ وهو علِم لا يُتعلّم يعني لا أستطيع أنا أن أتعلّم عِلم الرؤى وأحفظها عن ظهر قلب ما فيه شيء زي كذا، هي إلهام من الله يعطيه بعض الناس ولكن إذا اجتمع معها عِلم شرعي عرف كيف يُصرِّف هذه الميزة فيه فيُفسِّر للناس تفسيرا فيه خير ولذلك الناس يُفسرون الرؤى بعضهم عنده معرفة بكيفية التفسير لا بكيفيته هو  ولكن بكيفية تصريفه فيُعبِّر للناس بما يُفرحهم ويُدخل السرور عليهم ويعرف كيف يوجههم فيما سوى ذلك ، وبعض الناس لا عِلم عنده فيُدخل الحُزن على الناس بسبب تفسير الرؤيا . فهي علم ربانيّ، والعجيب أن أول حدث قصّه الله علينا في قصة يوسف عليه السلام هو الرؤيا وكل ما حدث ليوسف عليه السلام تجد أن فيه علاقة بالرؤيا ، أي مكان يذهب إليه ، وإلا أي مِحنة يدخل فيها ، وإلا أي ميزة يحصل عليها الرؤيا لها علاقة بذلك .
- (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) إتمام النعمة قالوا إن إتمام النعمة في الدنيا بما يكون لها في الآخرة ويُتمّ الله عليك النِعمة في الدنيا وفي الآخرة أو قال  (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) أي بالرسالة فتكون نبيا زيادة على هذه الأمور. (كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ) إذا نحن عندنا الآن يا إخوان الكرام عندنا إبراهيم وعندنا إسحاق وعندنا يعقوب وعندنا يوسف عليه السلام وهي سلسلة نبوية ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال عن يوسف عليه السلام قال (الكريم ابن ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله) الذي هو إبراهيم عليه السلام فهي سلسلة نبوية هذه السلسلة التي منها يوسف عليه السلام.
/ (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) حين أعطاك هذه المِيز الأربع هو عليم سبحانه من يُعطي (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) ولذلك بعض الناس يقول لماذا فلان .. لماذا فلان حتى العرب اعترضت على محمد صلى الله عليه وسلم يقولون لو أُنزل هذا القرآن على رجل لم مكانة .. عنده منزلة .. عنده ثروة .. عنده مال .. له مكانة إجتماعية .. له مقام معين، المسألة ليست هكذا لستم أنتم من تختارون هذا الله من يختار (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (عَلِيمٌ) عندما يختار من تكون له هذه المِيَز وهذا كان طِفلا صغيرا لوجاء الناس ونظروا فيه ونظروا في مستقبله ربما لم يُعطوه شيئا لأنه مستضعف مسكين في إخوته ولكن الله سبجانه وتعالى هو الأعلم حيث يجعل رسالته.
(حَكِيمٌ) والحكمة هي وضع الشيء مكانه ونلحظ دائما أن العلم يرتبط بالحكمة ولذلك لا يستغني العلم عن الحكمة ولا الحكمة عن العلم وإذا اجتمعت الحكمة والعلم في إنسان فإنه -في الغالب- يصِل كمالا بشريا عاليا لأنه قد يكون عندك علم لكن ما عندك حكمة متى تقول ومتى تترك وكيف تزِن الأمور. والحكمة خُلُق يُعطيه الله عز وجل من يشاء والذي يؤتاه من قِبَل الله فقد أوتي خيرا كثيرا ، ولذلك تجد الناس بعضهم مُتسرِّع .. نزِق .. عنده طيش -ما فيه حكمة- ولا تجد غالبا الإنسان صاحب الحكمة إلا ناجحا في أموره وقد يلومه الناس وقد يتحدثون فيه الناس لكنه ناجح .
 الحكمة من أعظم الأشياء التي يُعطاها الإنسان (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) يقول أهل العلم الفرق بين الإيتاء والإعطاء لماذا يقول يؤتى ولا يقول يُعطى الحكمة؟ قالوا لأن الإيتاء تدل على منح الشيء ومشاركة الآخرين معك فيه فأنت لا تملِكه بكامله أما الإعطاء فأنا أُعطيك هدية تأخذها كاملة ولذلك أوتي المُلك، المُلك ليس لك ممكن أن يُنزع منك ويوضع لآخر، الحكمة تُعطى جزء منها وفيه آخر يأخذ منها لكن الكوثر (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) خاصّ للنبي صلى الله عليه وسلم.
/ هذه كأنها مُقدمة أيضا تشويقية لجزئية من القصة وكأنما أعطتنا القصة من أولها لآخرها فإنها دلت على رؤيا حصلت وأن الله سيُعليؤشأنك وسيعطيك ويعطيك ويعطيك من المكانة الاجتماعية والمنزلة وتأويل الرؤى والوصول إلى النبوة وهذا الذي حصل في هذه السنوات كلها لكن الآن جاء التفصيل (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) هذا التفصيل الآن للقصة.
و "اللام" تدل على القسم أو تدلّ على التأكيد ، و"قد" إذا دخلت على الفعل الماضي دلّت على التأكيد يعني هناك أشياء مؤكدة في هذه السورة آيات وعلامات بيّنات لمن أراد أن يتساءل أو يسأل. وأيضا كلمة "السائلين" هنا موقعها جميل ودال وكأنما فيها إشارة إلى أننا عندما نقرأ قصة قرآنية أو آيات قرآنية اسأل يا أخي .. اسأل .. لماذا حصل كذا .. لماذا قُدِّم هذا .. لماذا قال هذا، كلما استطعت أن تسأل أكثر كلما تعلّمت أكثر. وأنا جربت في بعض الدورات العلمية أن نضع آية ونجعل عليها أسئلة، بعض الناس لا يستطيع أن يأتي ولا بسؤال واحد، وبعض الناس -ما شاء الله- أُعطي -وخاصّة الصغار- الصغار يسألون . أذكر مرة في جدة آية من سطرين، عدد الأسئلة التي وصلنا إليها مع الحوار والحديث ستين سؤالا، أنا متأكد أنه فقط طرح الأسئلة هذه الستين هي (....) المستمعين وأخذ ذلك ساعتين من الوقت فأنت اجلس مع نفسك واقرأ واسأل، ولذلك ابن عباس هو من أعلم الأمة بالقرآن بل هو حبر الأمة وتُرجمان القرآن ما الصفة الموجودة فيه؟ له لسان سؤال وقلب عقول، والإخوة في التربية والتعليم يعرفون أنني عندما أدخل فصلا وأُجري حوارا مع الطلاب وسؤال وجواب يكون ذلك أفضل بكثير من أن يستمعوا فقط ، لذلك مهم جدا أن يكون فيه اهتمام بقضية السؤال، اسأل نفسك وقيّد الأسئلة وابحث عن الجواب وحاول واسأل غيرك عند ذلك ترسخ المعلومة والقرآن مليء بالأسئلة. ومِمن رأيتهم من السلف طبّق هذه الطريقة شيخ الإسلام ابن القيّم وإن أردتم أن تجدوا نماذج من ذلك فعودوا إلى تفسيره في آخر القرآن خصوصا لقصار السور تجدونه يقول : وفي هذه السورة مسائل ويسألك عشرين سؤال -إن كنت ما نسيت- في سورة الكوثر ذكر أكثر من عشرين سؤالا ثم بعد ذلك يُجيب عليها سؤالا .. سؤالا ، فهذه الطريقة مفيدة جدا.
إذا فيها آيات للسائلين إذا من الذي سيكتشف هذه الآيات؟ الذي يسأل، معناه الذي سيمر عليها هكذا لن يكتشف شيئا، اسأل .. قف .. تمعّن أي شيء في القرآن يمكن أن يكون مؤثرا، ممكن تسأل عن لفظ .. ممكن تسأل عن قصة .. ممكن تسأل عن الأشخاص .
(لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) في يوسف، ما قال في قصة يوسف قال (في يوسف) للتدليل على أن محور القصة هو يوسف عليه السلام وليست هي في قصة عارضة جانبية وإذا أردنا أن نقول أكثر (في قصص يوسف) لأنها ليست قصة واحدة، هي مجموعة حوادث شكّلت قصة كبيرة فكأن يوسف هو الظرف لهذه الآيات بمعنى أنه هو المحور بمعنى إذا وجدت آية من الآيات هذه علامة من العلامات عُد بها إلى يوسف عليه السلام حتى تعرف كيف تستفيد منها، فإذا رأيت -مثلا- من الآيات الصبر عُد إلى يوسف عليه السلام ماذا فعل حتى يكون صابرا، في الابتلاء بشيء ما ماذا فعل ، إذا مِحور هذه العلامات هو يوسف عليه السلام .
/ (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) أي هم -إخوته- قالوا إما في نفوسهم أو بين بعضهم أو لأبيهم والأظهر -والله أعلم- أنهم كانوا يقولون ذلك فيما بينهم، فهم -الإخوة الأحد عشر- من زوجة غير أم يوسف عليه السلام فهم إخوة غير أشقاء ليوسف عليه السلام، وقالوا وما منهم إلا واحد وهو الأصغر بنيامين هو أخوه والبقية ليسوا إخوته من أبيه وأمه.
هذا الأمر ربما كان أحد أسباب خوف والده عليه ولذلك قال (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ*إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ) اللام هنا للقسم كأنه قيل "والله ليوسف" (وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) هنا أخوه هذا الذي من أبيه وأمه -شقيقه- فهم الآن فصّلوا أن يوسف عليه السلام وأخوه أحبّ ، لماذا قالوا ( لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ) ذكروا يوسف أولا وأخوه ثانيا؟ قالوا لأن حب يوسف كان هو الأكثر والذي يليه في المكانة هو أخوه والسبب -والله أعلم- في ذلك أنه كان هو الأصغر ، والأصغر هذا أمر طبيعي خصوصا إذا كبِر الأب ، كلما تقدم السن بالأب وجاءه أطفال صغار يتعلق بهم وهذا أمر جبلي في الإنسان لكن هذا ردس لنا -أيضا- أن ننتبه أن مثل هذا الأمر وهو الحب الزائد أو إظهار الحب الزائد قد ينتج عنه أمر خطير جدا في التربية، لا يحتاج علماء نفس يقولون لأن الصورة واضحة، سبب لهم ذلك أن حقدوا على أخيهم إلى درجة أنهم استحلّوا قتله -تخيل لهذه الدرجة- إذا أنت أيها الأب ممكن أن تعمل عملا يُسبب في نفوس أولادك كُرها بين أولادك يصل بينهم إلى حدّ القتل والعداوات، أنت المسؤول، ولذلك إذا عندك طفل صغير من الطبيعي أن تعتني به والأم تعتني به تجد الطفل الذي قبله بسنة يغار وهو لا يعرف الغيرة ولا شيء لكنه يغار، يدفعه ولو حصل له أن يُبعدع ويقتله لفعل، ولذلك الأمّ والأب الحصيفان أنها تحاول ألاّ تظهر هذا وتأتي بالصغير وتُجلسه عندها وتُعطيه حتى يستقيم الأمر .. هذه تربية . فهنا إذا حصل هذا الأمر الذي خاف منه الأب وأقسموا أن يوسف عليه السلام وأخوه أحب إلى أبيهم منهم .
قالوا (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) يعني كيف يُحبهم (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) يعني نحن مجموعة قوية المفروض يحبنا نحن وليس هما فأخطؤا في تعليل الأمر وتفسيره فإن محبة القلب وميله لا تتعلق بالعصبة ولا بالقوة، لا، إنما محبة القلب وميله أمر إلى الله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن نسائه في التعدد (هذا قسمي فيما أملِك فلا تلُمني فيما لا أملِك) ففيه شيء لا يستطيع الإنسان أحيانا أن يقوم به لأنه فوق طاقته لكن فيه شيء تستطيع أن تقوم به .. إظهار الفرح والبِشِر لهم كلهم والعدل في العطية والهبة، هذه تستطيعها لكن ميل القلب من الداخل لأحد دون أحد هذا إلى الله سبحانه وتعالى، فهم أخطؤا وقالوا المفترض أن يكون مادام أن نحن أقوياء وأكثر المفروض يحبنا أكثر وهذا -للأسف- أسلوب موجود عند بعضهم أننا نضع التبرير ثم نُخطئ الناس بناء عليه ثم نعمل القرار بناء على ذلك. أولا انظروا  في التبرير الذي وضعتموه صحيح أو غير صحيح يسمونه العلماء المناطقة -مقدمة منطقية- أنت وضعت مقدمة الآن هل هي صحيحة أم غير صحيحة أصلا، إن كانت صحيحة فإنها تؤدي إلى أمر صحيح، والمقدمة الخاطئة تؤدي إلى أمر خاطئ كما يقولون الشمس طالعة إذا النهار موجود، مقدمة صحيحة تؤدي إلى نتيجة صحيحة .
(وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) هذا التفسير (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ) لاحظوا القرار الذي بُني على المقدمة الخاطئة والتصور الخاطئ (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) -أعوذ بالله- يعني تصور أبناء يقولون لأبيهم أنت ضال وضلال مُبين والأب نبيّ من أنبياء الله أمر ليس سهلا ولكن هذا دليل على أن الحسد يُعمي ويُصِم، وهذا دليل أيضا على أن أزهد الناس في العالِم أهله فهؤلاء أبناء نبيّ مع هذا لم يُعطوا أباهم هذه المنزلة وهم أبناء نبيّ بل وصفوه بهذا الوصف فقد جمعوا الآن بين العقوق وبين ظُلم أخيهم وحصل لهم بسبب الحسد أمور خطيرة هي من كبائر الذنوب:
 أحدها: أنهم استحلّوا قتل يوسف عليه السلام لولا أن الله عز وجل حماه وغير رأيهم برأي شخص واحد.
الأمر الثاني: أنهم وصفوا أباهم بوصف لا يليق أبدا .
الأمر الثالث: أنهم استحلّوا الكذب، فقد كذبوا في قضية البكاء وقضية الذهاب به وخدعوا أباهم .
هذه أمور خطيرة جدا سببها كلها حسد، ولذلك من أحسن الأشياء التي نُكافئ بها أنفسنا أن نغسِل قلوبنا من الحسد، أُتركوا الخلق للخالق .. رِزق الله واسع، إذا رُزق جارنا بسيارة أو ببيت حسده الناس، وإذا خرج عنده مولود حسده الناس ، وإذا نبغ ولده حسده الناس، لماذا أنت تُشغِل نفسك بالناس!! أشغِل نفسك بنفسك -يا أخي- وصفِّ نفسك وعوِّد نفسك أنك حين ترى خيرا عند أحد تفرح لهم، عوِّد نفسك أن تفرح للناس وللآخرين بالخير ، تقول الحمد لله أنه رزقهم، الحمد لله أن الله يسّر أمورهم، الحمد لله أن الله فكّ كربتهم، عوِّد نفسك حتى ترتاح وحتى ما تنزلق في أمور خطيرة بعد ذلك.
 ثم إن الحسد -أيها الإخوة الكِرام- داء لا يقتل إلا صاحبه، يمكن صحيح أنه قد يؤثر في الآخرين لكن صدقني أول من يُقتل بالحسد صاحبه
اصبر على مضض الحسود ** فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل نفسها ** إن لم تجد ما تأكله
فالحاسد يأكل نفسه ولكن أنت أيها الأب لا تكن سببا في تحاسد الأبناء، أنت مسؤول عن هذا الأمر فلذلك لا تُكرههم في بعضهم .. ربِّهم على المحبة، وأنت يا أخي المعلم .. وأنت يا أخي المُدرِّس .. وأنت يا أخي المُوجِّه لا تربي أبناءك ولا طُلابك على أن يكرهوا فلانا حتى لو كان مُخطئا في شيء، نعتذر له وننشر المحبة بيننا ونتعذر لإخواننا المسلمين ، هذا هو المنهج وليس المنهج أن نذكر عيوب الناس ونُحذِّر من فلان وفلان ونكيل له التُهم فنجعل الناس يكرهون بعضهم هذا مناقض لمقاصد الشرع ولذلك الشافعي يقول "التمس لأخيك سبعين عذرا" سبعين!! والله ما أظن وصلنا واحد أو اثنين، "سبعين عذرا فإن لم تجد فقل لعله كذا وكذا" حتى بعد السبعين قل لعله كذا وكذا، والله جربوا هذا يا إخوان، لو واحد -مثلا- أخلف لك موعدا أو حصل شيء أو لم يهتم لموضوعك لا تقل هذا نذل .. هذا لا يفهم .. سيء .. هذا أصلا عادته وعادة آبائه، انظر (إذا خاصم فجر) وصلت الأمور إلى أمور أعظم من الشخصيات لا، قل لعله مشغول .. لعله لم ينتبه .. لماذا لا نكون هكذا صافية قلوبنا هذه من أهم الدروس التي نأخذها.
(إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ) طبعا اختلف أهل العلم هل أولاد يعقوب عليه السلام أصبحوا أنبياء؟ لا يوجد -فيما نعرف- أنه يوجد دليل على أنهم صاروا أنبياء إلا باستدلال بعض الآيات أنهم هم الأسباط الذين يُذكرون دائما بعد يعقوب عليه السلام لكن ليس هناك تحديد دقيق أنهم أصبحوا أنبياء، وحتى لو أصبحوا أنبياء فإن هذا قبل أن يُنبؤا لأن الأنبياء لا يقعون في الكبائر أبدا. بعضهم يقول طيب وإبراهيم عليه السلام كذب وهو يقول أني كذبت في ذات الله ثلاث كذبات، ليس هذا مقام تفصيلها ولم يكذب ولا واحدة وإنما هذا من المعاريض والتورية .
/ (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ) انظروا الاقتراحات، أعمى الحسد أبصارهم فقرروا القتل الآن جلسوا لمحاورة الطريقة التي يتخلصون فيها من يوسف عليه السلام ، ماهي الطريقة؟ اقتلوه هذا الاقتراح الأول، (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) أي خذوه وارموه في مكان ليهلَك، يا اقتلوه مباشرة -باشروا قتله- أو ارموه في أرض، (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) إذا السبب والسِّررفي هذا كله أنه أخذ اهتمام أبيهم إذا الحلّ أن يهتمّ بهم أبوهم وانتهينا من الموضوع كله . فلو حصل عندك شيء من هذا أو شبيه بهذا -وهذه قصة أُسرية التي نتكلم عنها الآن يمكن أن تحدث لأي أحد- أعطِ أولادك اهتماما واعطِ كل ابن ما يهتمّ به فالصغير ليس مثل الكبير، والكبير ليس كمن هو في الجامعة، والبنت ليست كالولد ، اعطِ كل واحد اهتماماته وإن كنت لا تعرف فتعلّم، اقرأ أو احضر محاضرات أو اسمع أشرطة، ما خرجنا من بطون أمهاتنا مُتعلمين ولا يقل الواحد لا أنا أعرف كل شيء "من قال أنا علِمت فقد جهِل".
فقالوا إذا (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) ولماذا قالوا "وجه" بشكل خاص؟ 
أنا سأسألكم لماذا خصصوا الوجه بشكل خاص؟ لماذا لم يقولوا "تخلُ لكم يد أبيكم" أو رأس أبيكم، أو عين أبيكم، لماذا الوجه؟
الوجه هو كل ما قلتم ، الوجه هو التعبير الذي يُعبِّر به الإنسان عن الاقبال على الناس من بشاشة ومن خير ولذلك تجد أنك أنت تزعل وتغضب حين تتحدث مع أحدهم ويلتفت بوجهه عنك .. يتركك .. بماذا تشعر؟ هو يستمع، يقول أنا أسمعك لكن وجهه ليس عندك، تجدك غضبان من داخلك .. لا تريد لماذا؟ لأن مقام التوجُّه في الوجه .. مقام الاحترام في الوجه، فقالوا : هذا تعبير على أننا نريد أن يكون الاهتمام مُتوجِّها إلينا. والعجيب -يا إخواني الكرام- من عنده وقت منكم يتتبع تعبيرات الوجه في القرآن فهي لطيفة وجميلة ولها دلالات متنوعة، فيها في الدنيا والآخرة .
(يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) وهذا من المبادئ الخاطئة في التعامل مع الأشياء أنني أُقدِّم أن أفعل الخطأ ثم أقول سأتوب بعد ذلك، أسرق وأتوب بعد ذلك .. أشرب الدخان وبعد ذلك أعود .. أغتاب وبعد ذلك .. من قال لك أنك ستبقى حتى تتوب؟! هذا من الأشياء الخاطئة،لا، لا تفعل الخطأ أصلا وإن لم تستطع أن تُسيطر على نفسك وفعلته فتُب إلى الله مباشرة حتى لا يقع عليك إثم (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).
/ (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) هذه من أول صور حِفظ الله ليوسف عليه السلام ، هذا الطفل الصغير ما عنده أحد يدافع عنه ولكن الله هو الذي يُدافع عنه فالله خير حافظا ولذلك أنت احفظ الله عز وجل في أوامره ونواهيه الله يحفظك في أولادك. فمن ضمن الأشياء  هذه خطة الآن ما درى عنها لكن الله يعلم بها فماذا حصل؟ ألهم الله واحدا منهم أن -وهذه فيها أمر مهم جدا يجب أن نتعلمه- (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ) لاحظوا الكلام أنه فرد واحد للتدليل على التقليل يعني هذا ليس رأي الأكثرين بل رأي الأقل والمفترض أن رأي الأقل لا أحد يأخذ به ولكن لأن الله أراد أن يكون هذا الرأي هو المُنقِذ جعلهم يستمعون إليه.
 وفيه فائدة أخرى: أنني إذا كنت في محفل أو كنت في جماعة لي أو في مجلس وفيه شر يُخطط له أو أمر فيه تفريق للناس أو فيه أذى للناس لا أقول أنا واحد ماذا أفعل. وهذا كلام أكثر الناس يقول أنا ماذا أفعل .. أنا واحد -واحد من حزمة على قولتهم- تستطيع أن تقول هذا الرأي، تستطيع أنت أن تكون هذا القائل قل رأيك وقُلهُ بطريقة معينة إن شاء الله أنه سينفع ويُقلل الخطأ .
في قوله تعالى (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ ) درس لنا أن نُقدِّم ولو قليلا في محاربة الخطأ والشر ولا نستقِلّ الرأي، هذا الرأي في نهايته يظل مجرد كلام لكن أنقذ الله به نفسا من الموت، فإذا كنت في مكان قل كلمة فإذا قلت الكلمة ما الذي سيحصل؟ إما أن يزول الشر أو على أقل تقدير ستُغير أنت عددا من رأي الحاضرين إذا كانوا مُجمعين مئة بالمئة وإنسان قال رأيه بحكمة وبرأي حصيف وفيه دلائل وأمور مُقنعة فإنه بإذن الله سيُقلل عدد المقتنعين على أقل تقدير، ولكن لاحظوا معي كيف قال هذا القائل رأيه (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ ) وكلمة (منهم) دليل على أن الله جعل القائل من وسطهم وليس خارجا عنهم، إذا هو كان ممن يكيد معهم ولكن الله غيّر رأيه وقلبه في آخر لحظة .
(لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ) فنهاهم عن الدرجة الأعلى وهي القتل ولكن هو يعرف أنه لو نهاهم عن القتل الذي هم يتوجهون إليه هذا لن يُقبل منه فاقترح عليهم البديل. وهذه من أحسن الطُرق في إقناع الناس، عندما تجيء للناس تقول لهم لا تفعلوا هذا قل لهم افعلوا هذا، لا تسُدّ على الناس الشيء ثم تقول لهم خلاص اجلسوا هكذا ولذلك بعض الناس -بعض المواعظ- بعض الإخوة يتحدث عن قضية معينة ثم يسكت والناس يخرجون طيب ماذا نعمل الآن، أنت لم تفعل شيئا أنت حيرت الناس فقط ولذلك إذا منعت شيئا اذكر البديل، ستقول لي لا  يوجد بديل لا، هذه تهمة لديننا، ديننا عام وعظيم وشامل وفيه حلّ لكل شيء، أنت كونك لا تعرفه هذا شيء آخر لكن الإنسان إذا نهى عن شيء يُقدم البديل، فنهاهم عن شيء فقبل أن يعترضوا أعطاهم الحلّ.
/ يقول الله (وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) يا ترى لماذا اختار هذا الرجل .. هذا القائل -قالوا هو أكبرهم الذي قال لهم بعد ذلك (فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي) وهو من أعقلهم- لماذا اختار هذا الحل وهو أن يُلقى في جُبّ  .. في بئر؟ لماذا لم يُلقه في صحراء أو في جبل أو اقترح إقتراحا آخر؟ من يعرف؟
- حتى يكون الجُبّ فيه حماية له من السباع وغيرها حتى لا تصل إليه
- لأنه يمُرّ عليه الناس ولو وضعه في جبل أو في صحراء لم يمر عليه أحد -غالبا- فوضعه في المكان الذي يُتوقع أن ينجو فيه.
على عكس يوسف موسى عليه السلام الله يأمر أمّ موسى أن تضعه في الماء وأسرع شيء يموت فيه الإنسان الماء لكن ذاك أمر ربانيّ ليُظهِر لأمّ موسى وليُظهر لفرعون ولجميع ظلمة الأرض وجبابرة الدنيا أن الله إذا أراد شيئا كان وأن المُهلِك في نظرهم يجعله الله مُنقِذا فقال لها ضعيه في الماء، طفل يوضع في الماء!! سيموت، لا .. وماء متحرِّك!! ومع هذا يقول (لا تخافي ولا تحزني إنّا رادُّه إليك وجاعلوه من المرسلين) هذه الآية اختصرت قصة موسى عليه السلام من الولادة إلى الرسالة، انظر .. في آية واحدة .
(وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) أنتم ما الذي يُهمّكم؟ أقنعهم بهذا، أنتم ألا يُهمّكم أن يخلو لكم وجه أبيكم؟ وهذه هي المشكلة عندك؟ قالوا بلى، قال الطريقة إذا نضعه في الجُبّ فإما أن يموت وإما يجد أحدا يأخذه ويذهب عنكم وانتهى الموضوع لا قتل ولا مشاكل ولا غيره. فأقنعهم وفي الوقت نفسه أنقذ نفسا.
(وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) هل كان يقصد إنقاذ يوسف؟ الله أعلم وقد يكون من الله أن وجّهه هذا التوجيه -الله أعلم- ولكن يظهر من كلامه أولا وكلامه ثانيا أنه عاقل ومُقدِّر للعواقب والأمور.
/ (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ* قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِالجبّ: يعني البئر المطوي. (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَلماذا عبّر باللُقطة قال (يلتقطه) ولم يقل يجده؟ لأن المُلتقط شيء غريب غير مألوف لهم وأخذوه على أنه لُقطة .. شيء إضافي يمكن يُباع ويُشترى كمتاع وكانوا يبيعون الناس فيعتبرون الإنسان مثل أي شيء ثمين تجده تأخذه هذه لُقطة لك. (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) السيّارة : الناس الذين يسيرون أو القافلة التي تسير في الصحراء.
(يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَنستشفّ من قوله (إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَعلى أنه لم كان غير راغب في ذلك ، ولذل يُعبّر بـ "إن" في لغة العرب عن الشيء المشكوك فيه الشيء الغير المؤكد يعني إذا أردت أن تُعبِّر عن شيء لا ترغب أن يحصل (إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) لكن "إذا" تدل على التأكيد. فيقول إن كنتم مُصرِّين على هذا افعلوه ، إذا هو كأنه يقول لهم أنا لا أرى هذا كله (إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَفأنقذه الله بهذا الرأي.
كم مرة نحن قلنا  رأيا في محفل أو في مكان أو في جلساتنا الخاصّة أو بين أهلنا؟! والله إن عادات تعدلت بسبب أن شخصا خيّرا طيبا كان يقول، اليوم يقول كلمة وغدا يقترح اقتراح -يصبر على الناس- وبعد غد .. وبعد غد .. وبعد سنة وسنتين وثلاث والناس يتعجلون الشيء ، الأمور هذه تأتي بس نصبر عليها .
/ (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) بدأوا بتنفيذ الخطة، فكّروا، نحن ليس عندنا التفكير الآن بدأوا التنفيذ لكن أكيد أنهم فكروا وخططوا وقالوا أحسن طريقة نأخذه معنا يلعب ونحن ذاهبون للرعي وبعد ذلك نبحث عن بئر وضعه فيه وخلاص انتهينا، ففكروا بأحسن طريقة لذلك فقالوا (يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) لماذا لا تُعطينا يوسف!! دائما لا تأمنّا عليه .. تخاف عليه منّا؟! نحن إخوته فلا تخف عليه (لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ)  نحن سننصح له .. نحن لا نريد له الشرّ وكأنهم يعترفون -لأن الذي في قلبه شيء يُعبِّر عنه- نحن ناصحون له لا نريد له الضُّر (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا) انظر للخطة السريعة (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) شُبّه لعِب الطفل ومرحه في البَرّ وفي المكان الخالي برعي البهائم لأنها تحب أن تذهب فيه ويكون المكان واسع والطفل يُحبّ هذا الأمر يحب أن يكون المكان واسع ولذلك إذا كان في حجرة أو كان في شقة أو كان في بيت تجده يتضايق فإذا خرجت به للبر يحب المكان الواسع. ومن حق الطفل أن يلعب ولذلك مِما ذُكِر هنا أن هذا من خصائص الطفولة وهذا أبّ ونبيّ لم يقل أنا أولادي يذهبون لللعب ترى بعض الشيء غير صحيح عيالك كنتىشيخ أو إمام مسجد أو عالِم عادي عيالك يلعبون كما يلعب عيال الناس، وهذا عيال أنبياء يلعبون لا شيء في ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يُرسل أنس بن مالك -وهو طفل صغير- وينسى يذهب للمشوار وينسى فيذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يستبطيه فيجده يلعب مع الصبيان يقول له أنا أرسلتك!! فيقول له اذهب للمشوار ويذهب (.....)  هذا طبيعي في الطفل لازم يلعب ولازم يركض -ويستانس- هذا أمر طبيعي. وهذا نستفيد منه أن هذا ابن نبيّ ولم يُنكِر عليهم هذا وجعله يذهب معهم. (غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أتوا له بكل الأشياء -الضمانات- التي هو خائف منها النُصح نحن له ناصحون، الحفظ نحن سنحفظه ليس هذا فقط ونجن عصبة -مجموعة- لسنا واحدا.
 ثم قال لهم أنا عندي مشكلة صغيرة وبسيطة (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ)  أنا الذي يُحزنني هو أن ينفصل عني .. أفترِق أنا وإياه، لا يستطيع أن يتركه، الذي يُحزنني أن تذهبوا ، ذهابكم به هو سبب حُزني.
/ (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) فذكر أمرين: ذكر الحُزن وذكر الخوف ، وهناك فرق بين الحزن والخوف ولذلك تجد الآيات التي تذكر النعيم للمؤمنين يوم القيامة تجد فيها كثيرا ما يتردد الكلام عن الخوف والحُزن فتجد فيها قول الله تعالى -مثلا- (فلا خوف عليهم ولا يحزنون) وإذا اجتمع الخوف والحُزن على الإنسان أهلكاه، إذا اجتمع خوف وحُزن على إنسان يهلك الإنسان. قالوا: الحزن على ما مضى ، والخوف مِما هو قادم، فإذا كان الإنسان كل ما حصل له من ماضٍ يحزن عليه ويخاف من المستقبل فإنه يعيش عيشة ضنكا -عياذا بالله- الإنسان المؤمن ما ذهب ذهب والمستقبل بيد الله سبحانه وتعالى والذي يختاره الله فيه خيرة وعِش حياتك بأمل .. أنت مع الله فمِما تخاف!! ولذلك هنا قال لهم أمرين  (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ) لأنه شيء ارتبط به قلبي والحُزن قال (***) .
(لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) كان خوفه من شيء واحد وهو أكل الذئب قالوا لأن المكان الذي كانوا فيه كان مكان مسبعة وهو صغير وهو يعرف كيدهم له ويخاف أن يتركوه لوحده . (وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) انظر من حُسن أدبه معهم يقول أنا أعرف أنكم لن تُفرِطوا فيه لكن -وهذا ممكن تقوله لإنسان تعرف أنه مُخطئ- من باب يسمونه الأسلوب الحكيم تقول له المفترض فيك ألاّ تغفل يعني لا يقول لهم انتبهوا لا تغفلوا عنه فأنا أرى تصرفاتكم معه سيئة .. أنا أراكم تحقدون عليه، هذا لا يصلح فأنت بذلك تُقرِّر الخطأ الآن فهو يقول لهم يعني لو حصل شيء أنتم غافلون كأنه يقول لهم بأسلوب آخر .. بأسلوب خفي إذا احفظوه لا تغفلوا عنه.
/ (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) كثيرون .. عددنا كبير (إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) فنحن عدد كبير لا يمكن أن يحصُل هذا.
/ (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ) أخذوه (وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) (أجمعوا) معناه أنه ولا واحد منهم مُعترِض حتى قائل القول الذي قبل قليل -صاحب الرأي- معهم لأنه هو مُقترِح الاقتراح ، (وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) في هذه اللحظة أوحى الله إليه (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا) والوحي من الله للناس على أنواع قد يكون عن طريق جبريل عليه السلام وهذا يكون للأنبياء، وقد يكون في صورة إيحاء كما حصل لأم موسى عليه السلام وغير ذلك. (لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَالصغير هذا أوحى الله إليه في هذه اللحظة أنك سيكون لك شأن ستُخبرهم بهذه الحادثة في يوم من الأيام وفي اللحظة التي تُنبئهم بها هم لا يعرفونك، وهذا الذي حصل يوم جاؤه بعد ذلك أخبرهم الخبر (هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ*قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ) الآن عرفوه فلا أحد يعرف هذه القصة سواه، إنها سرّ لا يعرفها أحد فأخبرهم كما قال الله سبحانه وتعالى في أول القصة ستُخبرهم .. ستُنبئهم بهذا الموضوع بعد سنوات وهم لا يعرفون، وهم لا يشعرون أنك أنت يوسف.
/ (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) جاؤا أباهم في المساء يبكون، وقالوا لماذا جاؤا في المساء؟ لأن الإنسان في المساء لا تظهر على وجهه علامات فلا يعرِف إن كنت تبكي بكاء صحيحا وإلا .... لكن الإنسان في النهار ترى وجهه والكاذب يبين حتى لو كان يبكي ، ولذلك جاء رجل عند شُريح القاضي وقد خُلِعت عينه وهو يبكي ويتكلم ويقول فلان خلع عيني ، فكان عنده رجل فقال اُحكم له، قال لا حتى أنظر في الآخر لعله فقأت عيناه الاثنتان. وهذا صحيح فنحن نستعجل إذا أتانا واحد يبكي أو يصرُخ أو يتكلم أو امرأة تشكي أو رجل، أعوذ بالله ما هذا الظُلم يا أخي !! هذا زوج ما يخاف الله. طيب هل سمِعت منه، لا تستعجل. وأنا أقول للإخوة أئمة المساجد والإخوة الذين (***) لا تستعجل في الحُكم على الناس حتى تسمع من الآخر .. لا تستعجِل، لا يجوز لنا أن نأخذ بكلام الناس هكذا حتى ولو كانت تدمع العين فقد دمعت أعينهم وبكوا بكاء شديدا وكان كله كذب في كذب. إذا جاؤا مساء لكي لا تظهر عليهم العلامات.
والأمر الثاني: أنهم أرادوا أن يُصِلوا رسالة لأبيهم أننا بحثنا عن يوسف حتى دخل علينا الليل -يعني ما قصرّنا- ولذلك ما جئنا إلا في الليل.
الأمر الثالث: حتى لا يكون هناك مجال ووقت لأن يذهب أبوه ويبحث عنه فإذا دخل الليل خلاص انتهى الموضوع ما عاد فيه وقت أنكم تجدونه، فحبكوا هذا الأمر بطريقة معينة.
الأمر الرابع: حتى لا يظهر الدم الموضوع عليه بشكل واضح وأنه وُضع على القميص إنما في الليل ترى آثار دم لا تعرف شكلها ولا هيئتها ولا تتبينها. فأرادوا من مجيئهم في الليل هذه الطريقة.
 (يَبْكُونَ) هذا دليل خامس عندهم أنهم مُتأثرون لفقدهم يوسف عليه السلام وجاءت (يبكون) بالمضارع دون أن يُقال (باكين) للتدليل على أن بكاءهم حادثٌ مُنشؤ في تلك اللحظة فإنه يُعبر بالفعل إذا كان الفعل حديثا أو فيه انقطاع أما إذا كان الشي مستمِرا ماشٍ على وتيرة واحدة يُعبّر بالاسم . فدلّ ذلك على أنه مُنشأ في تلك اللحظة، قبل أن يأتوا جهزوا البكاء وبكوا وهذا دليل على أن الإنسان يستطيع أن يستخرج عواطف نفسه بطريقة معينة فتبكي العين وربما تظهر علامات التأثر على الوجه، إذا يستطيع الإنسان أن يتحكم في بعض طاقاته.
/ (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) قالوا هذه القصة لأبيهم ، نحن ذهبنا نتسابق .. نلعب وتركناه عند المتاع ولما رجعنا وجدنا الذئب قد أكله. (وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَامؤمن: يعني مُصدق ولذلك الإيمان هو التصديق، (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَاوما أنت بمُصدِق كلامنا (وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) وكأنهم يعترفون أنهم قد كذبوا، يعني نحن كاذبون ولكن لو كنا صادقين أنت لن تُصدِقنا لأنهم يعرفون رؤيته من سابق، وقال بعضهم بل إن الذي أوصل إليهم هذه الفكرة والتعليل هو يعقوب نفسه فإنه قال أخاف عليه الذئب فوجدوا فرصة أن يكون التعليل لفقده مما يخاف عليه وهذا أدعى إلى إقناعه، هو يقول أخاف عليه أن يأكله الذئب قالوا الذي خفته حصل لكن لو أكله شيء ثاني يمكن ما يقتنع فقالوا كأنه علّمهم في أول الأمر ماذا يقولون في آخره.
(وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ*وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) "جاء" (وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ) دليل على أن القميص وُضِع عليه الدم وضعا وليس هو من داخله فإن الإنسان إذا حصل منه جُرح فإن القميص يتشرب الدم من الداخل ولا يُصبّ عليه الدم من الخارج، وهم قد ذبحوا شيئا من غنمهم ووضعوا الدم .. نثروه على القميص ومزقوا القميص، بعضهم قال ما مزقوا هذا القميص، نسوا أن يُمزقوا القميص فلما أتو إلى أبيهم واستعرض القميص وجد القميص ليس فيه تمزيق قال ما أرحم هذا الذئب الذي قتل يوسف ولم يُمزق قميصه، كيف يقتله وقميصه لم يتمزق!! وبعضهم قال أنهم مزقوه. ولا يهمنا هذه التفاصيل لأنها ليست موجودة .
(وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ)  إذا هو دم غير صحيح وليس دم يوسف عليه السلام بل هو دم خارجي (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) دليل على أن هذا الأب لم يُصدِّق هذه الحادثة (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) أنا ودي أن نتصور قوة الفاجعة التي حصلت ليعقوب عليه السلام ، يعني الإنسان يحمد الله على العافية لكن لو وصله خبر عن ولده والذي قتله أخوه ايش يكون وضعه؟ شيء عظيم وإلا لا؟ مصيبتان وليست مصيبة واحدة ، ولدك وقتله ولدك. 
فجاءه الخبر وعرف أنه غير صحيح وأنهم فعلوا به شيء قال (سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) ماذا قال؟ أول كلمة قالها (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) هذا الذي نحتاجه "صبر" والذي يُعطيه الله الصبر فقد أعطاه خيرا كثيرا، والذي لا يتصبّر الآن يأتي وقت الحوادث فلا يصبر ، فالإنسان يتصبر ، اصب على الناس وعلى أذى الناس فيه أمور كثيرة في الحياة تستطيع أن تصبر عليها .. صبّر نفسك، واحد تكلّم عليك اصبر، إذا لم تُمرِّن نفسك على الصبر قد تأتي لحظات لا تصبر فيها ولذلك بعض الناس تجده رجلا جلدا معروفا ولكن عند بعض المصائب ينهار انهيارا كاملا، فالإنسان يعتمد على الله سبحانه وتعالى قدُراتنا ليست بشيء لذلك نعتمد على الله ولذلك قال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) يكفي؟ لا يكفي لازم نستعين بالله (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) إذا لم يُساعدك الله سبحانه وتعالى فإنك لن تصِل إلى المُراد.
ونقف عند هذا المقطع لأن هذا المقطع مُناسب لنُكمِله في الجلسة القادمة إن شاء الله.    
         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق