الثلاثاء، 24 فبراير 2015

من هدايات سورة الفيل

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وآله وصحبه ومن والاه..
  هذه السورة الكريمة التى سُميت سورة الفيل هي نوع من أنواع التهديد الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على كفار مكة بألاّ يُكذبوا برسول الله ولا يتواطؤ عليه بالأحابيل والمكايد والخطط والتدابير التى يريدون منها صده عن دينه وعن دعوته فإنهم يعلمون وهم من شهد تلك الحادثة العظيمة التى حصلت وليست بعيدة وكثير من الأحياء في عهد النبي صلى  الله عليه وسلم كانو قد رأوا ذلك بأمّ أعينهم وهي حادثة الفيل وكانت هذه الحادثة إرهاصاً ومقدمة لبعثث النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد وُلد في ذلك العام، وُلد عام الفيل عليه الصلاة والسلام والمشركون يعرفون هذه الحادثة وجزءٌ كبيرٌمنهم قد رأوها وشهدوها ومتواتر لديهم لا ينكرها أحد منهم وعلِموا بها عدة أشياء:
 الأمر الأول: علِموا بها فضل الله عليهم عندما صدّ عنهم ذلك العدو العادي وهو أبرهة.
 الأمرالثاني: علموابها كيف يحمي الله بيته وكذلك يحمي الله نبيه ودينه فإذا اراد الله سبحانه وتعالى أن يدفع السوء والبلاء عن شئ ما يريده جل وعلا فإنه قادر عن ذلك بغير ما يتوقع البشر ولا يريدونه .
الأمر الثالث: عرفوا بتلك الحادثة كيف يُوقِع الله عقوبته على من بغى وطغى فإن أبرهة إنما حمله على ما حمله من أن يبني بيتاً في اليمن ثم يأتي إلى بيت الله يريد هدمه ما حمله على ذلك إلا الطغيان وإلا لو بنى ذلك البيت وحاول أن يدعوا الناس إليه قد لا تنزل به عقوبة في الدنيا وتؤجل عقوبته في الآخرة لكنه حمله الطغيان والكبر والظلم والعدوان على أن يذهب إلى بيت الله الذي تعرف العرب كلها أنه بيت الله ليهدمه حتى ينصرف الناس إلى البيت الذى بناءه هو فنزلت عليه هذه العقوبة من السماء بشئ لا عهد للناس به ماهو هذا الشئ ؟ قال (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) أي جماعات جماعات (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) أى من طين (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) أى جعلهم موتى كما يكون ورق الشجر اليابس فأنتم أيها الكفار إن فعلتم مثلما فعل أبرهة برسول الله أو بدين الله أو بهذه الدعوة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن تأ منوا أن تطالكم عقوبةٌ من الله عزوجل كما جاءت لذلك المُتعدى الظالم.
  وهاهنا لفتة أو لفتات كريمة:
 الأولى : في قوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) فهذا من تربية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وعنايته به.
 الثاني: (بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) فجعل هؤلاء القوم أصحاباً للفيل وهذا من تحقير شأنهم هم أصحابٌ له وليس هوصاحب لهم، انظر في قصة اصحاب الكهف ماذا قال الله عز وجل قال :(سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) وقال في قوله سبحانه وتعالى (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) المُحصلة أن الكلب نُسب إلى القوم المؤمنين وهنا هؤلاء الكفار لِهوانهم على الله نُسِبُوا إلى الفيل فكأن الفيل خَيْرٌ منهم، والفيل عندما أُمر أن يقدُم على بيت الله ليهدمه لم يتحرك وعندما وجهه إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى الطائف كان في كل مره يتحرك فكأن هؤلاء القوم قد فقدو آدميتهم وصارو ا أضل من البهائم (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)
الأمر الثالث: قال الله: (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) يعنى هذا الكيد كأنه قد استوعبه الضلال من جميع جوانبه بحيث أن التضليل ظرف لهم وهذا نجده كثيراً عندما يتحدث القران عن أعمال الكفار وعن ما عندهم مثلاً في قوله عز وجل (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) كأن التكذيب قد استوعبهم من جميع الجهات فهم والِغون فيه لا يستطيعون الخروج منه مهما حاولوا أن يخرجوا فهم تكذيب فكلما جاءتهم آية أوضح من الآية التى قبلها.
   ثم قوله (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) فيه بيان أن أعظم القوة وأهمها في مقاتلة الأعداء ما يكون من جهه السِّلم ولذلك هذه السورة يتخذها من يستعملون الطيران في الحرب وغيرها يعنى مدرسة لهم وقد كتب فيها أحد إخواننا وهو (د/فهد العندس ) كتاباً كيف يستفيد المسلمون في مقاتلة عدوهم والعناية بالطيران والرمى وما يأتي من جهة السماء في مقاتلة الأعداء.
اسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكتابه الكريم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق