د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه...
هذه السورة تذكير من الله عزوجل بنعمته على كفار مكة أو على قريش بالذات كيف أن الله سبحانه وتعالى آلفهم وسخّر لهم ويسر لهم هاتين الرحلتين رحلت الشتاء ورحلت الصيف، رحلت الصيف إلى الشام
ورحلت الشتاء إلى اليمن
لأجل التجارة وجلب المؤَن والأغذية وأن الله سبحانه وتعالى أيضاً أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف والحاصل والنتيجة أنه يجب أن يُسخّر هذا كله في طاعة الله وأن يكون سبباً لاعتراف العباد بأن الله هو الواحد وأنه هو المستحق للعبادة دون من سواه ولذلك قال (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ)
هذا هو المقصود الأعظم من ذِكر هاتين الرحلتين وذِكر هذه النعم على العباد وهو أن يعبدوا رب هذا البيت.
وتأمل كيف قال (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) ليُذكِّرهم بالروبوبية التي من مقتضاها ومن لازمها أن يكون مُربياً لهم بالنِّعم ومُتفضلاً عليهم ومُحسنا إليهم وأنه سبحانه وتعالى قد بدأهم بالنِّعم قبل أن يسألوها وقد لطف بهم ورحمهم فواجب عليهم أن يؤدوا شكر تلك النِّعم بعبادة الله وحده.
وهذا النوع من الاستدلال كثير في القرآن وهو ربط الأمر بعبادة الله عزوجل بالتذكير بنِعم الله جل وعلا في أول القرآن قال الله عز وجل (الحمدلله) ثم قال (رب العالمين ) يعني نحن نحمد الله ونُثنى عليه ونُوحِّده ونعبده لأنه سبحانه هو (رب العالمين) مُربيهم ومالكهم والقائم عليهم والذي يعطيهم ويرزقهم ويُحييهم ويُميتهم وبيده جميع أمورهم فهذا أمر يجب على العباد أن يتنبهو له.
ثم إن الله سبحانه وتعالى ذكر من النعم
نعمتين عظيمتين يجب على العباد أن يشكروا الله عليهما أعظم الشكر قال (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)) فالمسلم يجب عليه أن يتذكر هاتين النعمتين فإذا كان بطنه قد امتلأ من نِعم الله عز وجل وقد أمِنَ في بيته فلا يخاف لا سارقًا ولا عدواً ولا مُجتاحاً لبلدهِ أو دُويرته فإنه في هذه الحال قد اغتنم أو اغتبط أعظم النِّعم ولذالك قال النبي صلى الله عليه وسلم (من أصبح منكم آمنا في سِربه مُعافاً في بدنه عنده قُوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا ) فتذكر هذا يا عبد الله وإياك أن تشترط على الله عز وجل أو تقول لماذا فلان يُرزق كذا وأنا لم أُرزق مثله، لماذا يُعطى فلان كذا وأنا لم أُعطَ مثله، فلان أُعطي وأُعطي وأُعطي وأنا لم أُعطَ مثل ما أُعطي فلان، تذكّر أنك متى كنت شبعان وآمن ومعافى في بدنك فهذه هي أصول النعم ومافاتك أنما هو من التحسينات والكمالات التي لو ذهبت لن يضرك ،واعلم أنه لو ذهب منها شيء فإن الله قد اعطاك عِوضاً عنها أشياء أخرى هي أصلح لك وأنسب لظرفك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق