د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه...
هذه السورة العظيمة افتُتحت بأقسام من الله سبحانه وتعالى، وكثرتُ الأقسام تدل على أهمية ما يُقسَم عليه
فقال الله عزوجل (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً)
والمُقسم عليه (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)
هذا القسم أو هذا المُقسم عليه يُراد منه تأكيد حقيقة ينبغي لكل إنسان أن يعرفها وهي أن الإنسان بطبعه جحود وعليه أن يقاوم هذا الجحود الذي عنده (كنود) بمعنى: جحود وكفور بنعم الله عزوجل.
ولعل سائل يسال :ما علاقة الأقسام بالعاديات التى هى الخيل؟ وفي قولٍ عند بعض المفسرين أنها الجمال لكن القول بأنها الخيل أولى وأقرب إلى ألفاظ هذه الآيات والأوصاف المذكورة .
نقول لأن الخيل تتميز بأن صاحبها إذا اعتنى بها وفت معه في وقت الشدة فهي تكِرُ وتفِرُ وتُدافع عن صاحبها وتدخل فيما ميادين الموت وهي تعلم بالهلكة لكن وفاء مع هذا الذي كان يُعلفُها ويرعاها ويقوم عليها. هذا الحيوان ردّ الجميل وقام بالواجب ووفَى لمن أحسن إليه رغم انه مُقبل على الموت.
فأنت أيها الإنسان ماهي كرامتك عند الله!! ماذا أعطاك الله من النعم!! (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [إبراهيم:٣٤]
فلماذا أنت مع هذه النِّعم وهذا الإكرام وهذا التفضيل على سائر المخلوقات دائماً تبدو جحوداً .. كفوراً بنِعم الله عزوجل، من حين ما تُصاب بمصيبة أوتنزِل بك ملمة أو تتغير عليك الأحوال وإذا بك تسئُ الظن بالله سبحانه وتعالى وترى الأمور وقد اسودت في عينيك وكما قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) [سورة المعارج] وهذا لاشك كله من كفر النعمة.
فعلى الإنسان أن يستيقظ لهذا الأمر وأن يقاوم ما استطاع في أن يكون دائماً وأبداً شاكراً لنِعم الله، مُتحدثاً بما أفاء الله عليه من النِّعم سواء كانت هذه النِّعم في بدنه، أو كانت في ولده وأهله، أوكانت في ماله، أوكانت في وطنه، أوكانت في عقله وفِكره، أو كانت في دينه، أو كانت في دراسته وعِلمه، أو في أي شئ من نِعم الله التي لا يمكن لأحد أن يُحيط بها عدّاً ولا يحصاها.
على الإنسان دائماً أن يشكر الله وشكر الله عزوجل يكون:
أولاً: بالاعتراف بهذه النِّعم وتِردادِها على القلب وذِكرها بين الفينة والأخرى ولو أن الإنسان اضطر إلى أن يكتبها ويُسجل ما يعِنُّ له منها لكان ذلك مما يُحمد للإنسان ليشكر نعمة الله سبحانه وتعالى فيعترف بها في قلبه ويعلم أنها من عند الله جل وعلا وأنها ليست بجِده ولا قوته ولا من والده ولا من دولته ولا من أحد من الخلق وإنما هي من الله وحده .
الثاني: يتحدث بها بلسانه وقد مر بِنَا في سورة الضحى أن الله سبحانه وتعالى أمرنبيه بأن يُحدِّث بنِعم الله عليه بعد أن ساق تلك النِّعم قال (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
فعلى الإنسان أن يتحدث بنِعم الله ويذكرها ويُثنى على الله سبحانه وتعالى بها، إذا قيل له -مثلاً- كيف أصبحت يافلان يقول أنا بخير .. أنا بنعمة من الله سبحانه وتعالى.
والأمر الثالث: شكرها بالجوارح وهو أن يعمل بها بطاعة الله ويُسخِّرها لطاعة الله.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم مِمن يشكر نعمة الله ولا يجحد شيئا منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق