الاثنين، 15 سبتمبر 2014

الحلقـ العاشرة ـــة / العظيم -1-


الحمد لله وإن كان يقِل مع حق جلاله حمد الحامدين وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين وإله الآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثرهم واتبع هديهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
 فبرحمة من الله وفضل نتدارس كتاب الله في بيتٍ من بيوته، وتلك نعمةٌ ومنةٌ علينا من الله جميعا. نسأل الله أن يُخلص النية ويُصلح العمل وينفع بما نقول. عنوان الحلقة إن شاء الله: العظيم.
 وعلى غير العادة سنتدارسها إن شاء الله تعالى في ثلاث حلقات متتابعات؛ لأن هذه المفردة جاءت كثيرا في كتاب الله عز وجل. وقبل ذلك نُقَعِّد.. نؤصل المسألة ثم نأتي إن شاء الله على آيات ذُكر فيها هذا اللفظ.. تلكم المفردة ثم نفسرها.
 أول ذلك أن العظيم في اللغة كبير عينا كان أو معنى، محسُوسا كان أو معقولا. لكن ينبغي على من يتلو القرآن أن يُفرِّق بين أمرين:  الأمر الأول: ما يُخبر الله عنه ابتداءً أنه عظيم
والأمر الثاني: ما يحكي القرآن عن غير الله أنه عظيم. واضح؟
 نأتي بمثال؛ الله عز وجل قال عن قوم موسى.. عن السحرة ( وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) من الذي قال (وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)؟ الله. فالله وصف سحرهم بأنه عظيم. واضح الآن؟ والسحر مخلوق.
 الهدهد رأى عرش بلقيس في رحلة له قال ( إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ). من الذي قال إن عرش بلقيس عظيم؟ الهدهد. فالقرآن أخبرنا –وهو صادق؛ كلام الله- أن الهدهد عندما رأى العرشَ وصفه لسليمان بأنه عظيم. (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) هذا الهدهد يُخاطب سليمان. ( إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ). فالذي قال إن عرش بلقيس كان عظيما هو من؟ هو الهدهد. في حين أن الذي أخبر أن السحر الذي جاء به الملأ من قوم فرعون؛ السحرة، أنه سحرٌ عظيم هو من؟ هو الله. واضح الآن؟ هذا مهم وأنت تتلو القرآن.
 مثلا قال الله عز وجل في خبر الصديّق يوسف: ( قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ) هذا كلام العزيز الآن، (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) من الذي قال عن تلكم النسوة عن كيدهن أنه عظيم؟ العزيز. والله أخبرنا أن عزيز مصر قال (إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) معنى ذلك أن الآية.. الخطاب  ليس فيه استطراد.. ليس فيه جملة اعتراضية كما يقول النحاة أو اللغويون هذا كله كلام عزيز مصر. واضح هذا؟
فلذلك عندما تُسند شيئا إلى الله يتبين المرء. تقول في القرآن.. نعم، أو قاله الله تعالى في كتابه.. نعم. لكن أن تُسند الأمر على أن هذا وصف من الله ابتداءً قد يلتبس على السامع لأن لو قلنا هذا يبطل كثير من الاستدلالات. يأتي إنسان يبني مسجدا على قبر نقول له لا يجوز، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). يقول الله عز وجل يقول: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) نقول الله لم يقل ابنوا عليهم مسجدا. الله يخبرنا أن القوم ذووا السلطان ذووا البأس ذووا القوة ذوو الغلبة ذووا القدرة في ذلكم الزمان هم الذين بنوا المسجد.. يخبر عنهم، الناس اختلفوا (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ) أصحاب النفوذ أصحاب السلطان (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) فالله يخبرنا عن أمر قد وقع. واضح هذا؟
 ثم يأتي بعد ذلك ثلاثة أحوال: إما أن يثبت الله الأمر وإما أن ينفيه وإما أن يسكت عنه.
 فإذا أثبته الله فلا حرج، واضحٌ الأمر.
وإذا نفاه الله ينبغي التوقف
 لكن الإشكال يقع إذا لم يعقبها شيء. هذا الذي فيه خلاف بين العلماء: إذا لم يعقبها شيء.
نحن نقول في منهجنا في التفسير إذا لم يعقبها شيء يُنظر إلى آيات أُخر.. يُنظر إلى السُّنة. فمثلا قول الله عز وجل (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا)  لم يعقُبها شيء لكن ننظر للسنة فقال صلى الله عله وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهمنا أنه محرَّم ممنوع. واضح؟
 ولما رأينا الواقع يشهد أن كيد النساء عظيم آمنَّا أن كيد النساء عظيم. واضح؟ هذه أمور لا بد منها.
 لكن مثلا قال الله عز وجل عن بلقيس نفسها قال عنها: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) هذا كلام بلقيس. قال الله عز وجل مُصَّدقا لها ( وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ) فآمنا أن كلام بلقيس حق ووصفها صدق لأن الله صدقها بقوله ( وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ) . هذه منهجية علمية لابد منها في فهمِ كلام الله قبل أن نأتي على لفظ العظيم في كلام الله.
 قلنا إن لفظ.. مفردة العظيم جاءت كثيرة في كلام رب العزة والجلال. نبدأ بالآيات التي ورد فيها هذه الآية:
/ قال الله في الأنبياء، أي سورة الأنبياء: (وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)
(وَنُوحًا) أي اذكر نوحا. وهو أول رسل الله إلى الأرض، لكنَّ ذِكر نوح سبقه الحديث عن إبراهيم ولوط في سورة الأنبياء فقال جلَّ ذكره: (وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِنْ قَبْلُ) فهمنا من كلمة (مِنْ قَبْلُ) من قبل من؟ أي من قبل إبراهيم ولوط، لأن نوحا مُتقدم على الأنبياء،على الرسل جميعا.. (وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) لم يقل الله هنا في الأنبياء ماذا نادى نوح لكن أين قاله؟ في موضعين: سأتي بواحد وتأتون لزاما بالثاني.
 قال في سورة القمر (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) هذا واحد.
والثاني: في سورة نوح (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) وقد يقع في غيرهما. واضح الآن؟
 قال ربنا (وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ) (أهله) هنا معناها  كل من آمن به، ليس أهله نسبا، كلُ من آمن به ليس نسبا لأن القرآن دلّ في مواضع أُخر أنه نجّى المؤمنين الذين معه لأن الله قال (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) فالله أثبَت أن قلة مؤمنة آمنت بنوح وأنهم جميعا نجوا وقال ربنا: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) واضح الآن؟ (وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ) نأتي للشاهد (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (العظيم) وصف. (العظيم) ماذا؟ وصف وكل كلمة "عظيم" ستأتي الآن على أنها وصف. وصف لماذا؟ وصف لكلمة الكرب. الكرب مُعرَّفة بأل والعظيم مُعرَّفة بأل والمعرفة تتبعها معرفة في الصفات. الكرب هنا: هو الغرق واضح؟ الكرب هنا هو الغرق. الكرب في اللغة: أقصى الغمّ، ولا ريب -عياذا بالله- شعور المرء بدنوه من الغرق نسأل الله ألا يبتلينا ولا يبتليكم. (وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) أضاف الله كلمة (قوم) إلى كلمة (سَوء) فقال (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) معنى (قوم سَوء) -عياذا بالله- أي قوما لا يعملون إلا الشيء السيئ (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) هذا ما ذكره الله عز وجل هنا عن نبيه نوح.
قال عنه في الآية نفسها: قال (وَنَصَرْنَاهُ ) هذا النصر تم بثلاثة طرائق:
 الأول: لم يجعل لقومه –أعداء الله- عليه سبيلا؛ فهذا نصر امتناع. ما معنى نصر امتناع؟ أنه لم يصلوا إليه.منعهم الله أن يصلوا إليه. والآخر: نصر تخليص. خَلَّصه الله. خلصه الله من ماذا؟ من الغرق.. خلصه الله من الغرق.
 والثالث: نصر انتقام. ما معنى نصر انتقام؟ أن الله انتقم من أعداءه كما قال ربنا ( فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ). واضح؟ هذا معنى قول الله جل ذكره (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) .
قال ربنا في الصافات عن نوحٍ نفسه -عليه السلام-: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) إلى أن قال جل وعلا –هذا موضع الشاهد وهذا خروج عن كلمة "العظيم" يعني استطراد- قال في آخر الآيات: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاَخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىَ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) هذي في أي سورة؟ في الصافات. في الصافات ذكر الله إبراهيم وذكر الله موسى وهارون وإلياس. وفي كل واحد من هؤلاء الأجلاء الأنبياء يقول الله جل وعلا (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاَخِرِينَ) قال الله عن إبراهيم (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاَخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) ما قال في العالمين. وقال جل وعلا (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) إلى أن قال (سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) ولم يقل في العالمين. وقال قبلهما عن موسى وهارون (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) في السورة نفسها، ولم يقل في العالمين. هؤلاء الأنبياء -عليهم السلام جميعا- جعل الله لهم ذكرا لما قال ربنا وتركنا عليهم في الآخرين من الآخِرين؟ أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بمعنى أن هذه الأمة -أمةُ خير الأنبياء عليه الصلاة والتسليم- تذكر إبراهيم و وإلياس وموسى وهارون تذكرهم بماذا؟ بخير. تذكرهم وتثني عليهم خيرا. نبي الله نوح، الله قيّده قال (سَلاَمٌ عَلَىَ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) وهذا يشمل ما يلي: يشمل الملائكة يشمل الجن ويشمل الإنس ويشمل المسلمين ويشمل اليهود ويشمل النصارى. كل هؤلاء يُثنون على نوحٍ خيرا.
 في زماننا هذا نحن في القرن الواحد والعشرين يُعد فلم، عُرض أظنه في السنما الأمريكية اسمه "نوح" اسم الفلم هكذا نوح. والذين أنتجوا الفلم أنتجوه على أن نوحا... جاءوا بالسفينة والبحر والطوفان على أن نوحا أراد أن ينقذ الطبيعة بمعنى أن نوحا سعى فعله كله حتى ينقذ الأرض من الهلاك يعني أخذ من كل زوجين اثنين حتى لا يفنى الناس. هذه نظرة من صنع الفلم. أنا أريد أن أثبت لك أن كلام الله حق؛ هو ثابت لكن حتى تزداد يقينا. ممن اعترض الكنائس النصرانية واليهودية نصرة لمن؟ نصرةً لنوح. واعترض المسلمون مُمثلا في الأزهر. فاتفقت المجالس العلمية عند المسلمين وعند اليهود وعند النصارى على أن نوحا أجلّ مما أراد الفلمُ أن يوضحه. حتى تعلم أن كلام الله كل حرف فيه له معنى يفهمه من يفهمه ويجهله من يجهله. فلما يقول الله –الإنسان يقرأ القرآن- ويقرأ في سورة الصافات (سَلاَمٌ عَلَىَ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) ثم قرأ ( سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)، (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ)، (سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) لما لا نعلم نسكت.. نقول آمنا به كلٌ من عند ربنا. لكن مع الأيام تتضح حقائق في أن نوحًا تتبناه الأمم كلها، كما قلت الكنائس اليهودية والنصرانية والأزهر اعترضت على منطوق الفلم أنه يُصور نوحا على أنه شخص بشري ليس له علاقة بالسماء. وإلا الأمم كلها تعترف أن نوحا هو أبو البشرية الثاني قال الله (وجعلنا ذريته هم الباقين). ظاهر الآن؟ هذا أحد أوصاف كلمة عظيم في القرآن.
/ من أوصاف كلمة عظيم في القرآن جاءت في وصف الذبيح من ابني إبراهيم عليه السلام.
 الله عز وجل في خبرٍ معروف درسناه مرارا أمر خليله إبراهيم أن يذبح ابنه. قالت طائفة إن الذبيح إسماعيل. قالت طائفة إن الذبيح إسحاق. ليس هذا هو المقصود. إن كان إسحاق فهو نبي الله ابن نبي الله وإن كان إسماعيل فهو نبي الله ابن نبي الله، وإن كان إسحاق أو إسماعيل فهو ابن إبراهيم. كلامهما بالاتفاق ابن لإبراهيم الله يقول (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) فكلٌ من إسماعيل وإسحاق ابن من بني إبراهيم عليه السلام. فلنتكلم على أنه إسماعيل مراعاة للناس.
الله جل وعلا يقول: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا) يعني حين أسلما الأب الابن (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)) بلاء العظيم بلا شك.
 ثم قال رب العزة وهذا موضع الشاهد لم نتعرض له من قبل، قال: (وَفَدَيْنَاهُ) فدينا مَن؟ إسماعيل على قولنا إسماعيل. أو إسحاق.
 فدينا ابن إبراهيم (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) الآن أتينا للشاهد وهو كلمة (عظيم) نحن نتدارس كلمة عظيم. لا يقع في خَلَدك أن المراد من كلام الله (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) أن هذا الكبش عظيم الجُثة، هذا ليس مقصودا وإن كان ذلكم الكبش عظيم الجثة. لكن ليس المقصود ذكر أنه عظيم الجثة. إنما المقصود أمران: هو عظيمٌ لأنه فُديَ به نبيُ الله ابنُ نبي الله واضح.
 والأمر الثاني: هو عظيم لأنه...من يقلها؟ إذا كان من خلف الشاشات يعرفها يقلها. لا تحتاج إلى علم، تحتاج إلى رقة قلب.
هو عظيم لأن الله عز وجل تقبله. رُزق كونه عظيما مُدح ووُصف بأنه عظيم لأن الله جل شأنه تقبله من إبراهيم وكل عمل يعمله بنو آدم إنما يكتسب.. ينال عظمته إذا تقبله الله. وإلا -عياذا بالله أعاذنا الله وإياكم- قد يأتي إنسان يُدرس الساعات.. العشرات من الأوقات، يُعجب الناس بعلمه يثنون على بلاغته، يمدحون فصاحته ويقع منه جهد ويرى الناس أثر التعب عليه وربما لا يكون له عند الله شيء.
ويأتي إنسان ينفق يتصدق يعلن يتكلم يقول وقد لا يكون له عند الله شيء.
 قد يأتي إنسان -عياذا بالله- يحُج، يعتمر، ينفق أموال، يمكث ساعات وقد لا يكون له عند الله شيء.
 قد ياتي إنسان يُجادل في العلم أو يُكثر من غير ذلك من أنواع الطاعات ولا حاجة للاستقصاء لكن قد لا يكون الله عز وجل تقبّله.
 قد قال رب العزة (إنما يتقبلُ اللهُ من المُتَقين) فهذا الذِبح.. هذا الكبش الذي وصفه الله جل وعلا وهو أصدق القائلين (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) نال هذا الوصف كونَه عظيم من أمرين:
 الأول: شخصُ من فُديَ به، هو نبي الله ابن نبي الله سواءً كان أسحاق أو كان إسماعيل عليهما السلام كلامهما نبي من أنبياء الله ربنا منَّ بهما على إبراهيم وإبراهيم حمد الله على هذه النعمة وقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ )
 وثاني الأمرين: وهو ما حررناه آنِفا وهو أن الله عز وجل تقبّله منه والعبرة كلُ العبرة بأن يتقبل الله منك العمل.
 اللهم لا تضيع لنا عملا، اللهم لا تضيع لنا عملا، اللهم لا تضيع لنا عملا.
 تقبل الله منا ومنكم وصلى الله على محمدٍ وآله والحمد لله رب العالمين.
__________________________
جزى الله خيرا الأخت "ن.ن" على تفريغها للحلقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق