سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد. .
فقد وقفنا باﻷمس عند قوله تعالى (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ ) أي أخته (فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ).
(وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ) قال العلماء : هو تحريم منعٍ ﻻ تحريم شرع أي أنه لحكمة الله جل وعلا مُنع أن يرضع إﻻ من أمه حتى يتُمّ ما وعد الله به ( إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) وهذا من التلطف الذي (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ) التلطف في الوصول للنهاية مع أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يُهلك فرعون في لحظة، يُغرق فرعون الذي سيأتي فيما بعد فيغرق لكنها دلالات . هذه القصة الطويلة التي لا نزال في أولها حتى تأتي النهاية (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ) هنا جاء دور الأخت، لم تأتي -لاحظوا- من أول لحظة وقالت لما قبضوا عليه (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) لا، سكتت حتى وصلوا إلى أن هذا الطفل لم يقبل المراضع أي عرضوه على واحدة واثنتان وثلاث وأربع ...إلى الله أعلم كلها يرفضها والبنت ساكتة والأخت ساكتة، ما أعقلها... ما أبعد نظرها لم يستخفها الحدث، لم تستغرق في اللحظة الحاضرة، بدؤا يبحثون عن حل، أصبحت قضية الآن هم يريدون هذا يبقى في بيتهم (نتخذه ولدا) وهو الآن يبكي يريد الرضاع، يريد يطعم ورفض أن يقبل أي مرضعة ماذا حدث؟ هنا جاء دورها (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) يا سلام لم تقل هل أدلكم على أمه؟ ها أمه من هي أمه؟ من بني إسرائيل؟ هنا إذا سيُقتل (أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) أنا سأخدمكم تقول سأبحث عن أهل بيت لعله يقبل واطمئنوا لن أسلمه إلا لمن هم له ناصحون سيهتمون فيه، سيعتنون به وليس مجرد مرضعة لا تُبالي فيه. سبحان الله ما أعقلها.. ما أبعد نظرها ... ما أحسن تصرفها في هذه الأزمة الشديدة.
ما الذي حدث؟ أخذته إلى أمه وهنا وقفت أمامه وقفة: مع أن امرأة فرعون هي التي أنقذته من فرعون واتضح حبها لموسى ما جاءت هذه الفتاة وهمست في أذنها أنا أخته دعيني أُرجعه لأمي،لا لا، لماذا؟ هنا قاعدة: الأسرار لا تُعطيها لكل إنسان بل حتى من يستوعبها ،لا، أعطها فقط لمن يحتاج إليها.
وهي تستطيع أن تأخذ الطفل الآن وقد فعلت دون أن تُفشي السر لا لملأ فرعون ولا لقوم فرعون ولا لامرأة فرعون مع فضلها وحرصها على موسى. وهي إمرأة وليسمحن لي الأخوات هل تحفظن الأسرار؟ الآن يُفضين الأسرار بدون سبب -انتبهي سأقول لكِ سرا ولا تُعلِمي به أحد- حتى الرجال يقعون في هذا، نعم بعض الرجال يقعون في هذا لكنه بين النساء أكثر.
هذه الآن ما أخذتها العاطفة وقالت مادامت امرأة فرعون هذه عاطفتها وحُبها وتقول نتخذه ولدا اُطمئنها، لا، إني أنا أخته واطمئنوا سأعطيه أمه، أبدا (هَلْ أَدُلُّكُمْ) أدلكم (عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ) كفالة (يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) ما أحسن هذه الكفالة هل هناك نُصح أكثر من نُصح الأم لابنها؟! ثم قفوا عند كلمة (يَكْفُلُونَهُ) كيف؟ كفالة اليتيم هذا يتيم أبوه لم يُذكر في القصة، هم على الأقل لا يعرفون والده فضلا ولم يعرفوا أمه فهي كفالة، كفالة هؤلاء فيها أجر عظيم، كفالة الأيتام ومن لا يُعرف له أب كفالة لها أجرها ولكن يجب هنا (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) لأنني رأيت البعض يأتي ويكفل بعض الأيتام ويُسيء إليهم، رأيت من يكفل بعض الأيتام فيختلف الزوج وزوجته على هذا اليتيم فيذهب اليتيم ضحية، أي كفالة هذه؟! هذا عذاب لأنها لم تقل (يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) وسكتت (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) هكذا يجب من يكفل يتيما ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (أنا وكافل اليتيم كهاتين) هنيئا لمن كفل يتيما ولكن الكفالة ليست كما تُفهم اليوم -عند البعض- قد يكون هذا إحسان، قد يكون جزء من الكفالة لكن الكفالة أعظم وأبعد، الكفالة القيام بجميع شؤونه طعام وشراب وتربية وحُسن تعامل، هذا معنى عظيم وكفالة اليتيم يطول الحديث فيها ولكن ثبت أن بعض من حُرِم الولد إذا كفل يتيما تحمِل المرأة، كثيرون يعالجون يبحثون عن علاجات فيصلون إلى أن يكفلوا يتيما فتأتي الرحمة ويُرزقون بالولد.
(وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ* فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ) كما وعد الله -جلا وعلا-، فهذه آية عظيمة جدا في بيان هذا الجانب (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) انظروا هذه الآية كم فيها من المعاني العظيمة رددنا إلى أمه (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) كما بيّن جل وعلا كي تقرّ عينها، قرار العين بالرضا والاطمئنان وهكذا كان، ولا تحزن (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي) أنظر الربط بين الآيتين (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (وَلِتَعْلَم أَنَّ وَعْد اللَّه حَقّ) أن هذه المقدمة أن الله رادّه إليها مقدمة أيضا لأن يكون من المرسلين كما وعد الله -جل وعلا- هل نحن فعلا نتعامل مع هذا الأمر (أَنَّ وَعْد اللَّه حَقّ)؟ أليس هناك الوعد بالبشرى بالانتصار؟ (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) وعد، (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) وعد، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) وعد، نصر المستضعفين في الأرض وعد، التفاؤل في الأزمات والشدائد وعد. سبحان الله كلها وعود فهل نحن ... (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) والواقع يؤكد هذه الحقيقة ليس فقط من قِبل الكفار حتى من بعض المؤمنين يضعُف إيمانه وهو مؤمن -ولاشك مسلم- يدخله اليأس، يدخله القنوط، يدخله شيء من الاستعجال، من التنازل لأنه لم يؤمن يقيناً بأن وعد الله حق، ولو آمن بذلك يقينا لاختلفت حاله.
ثم بعد ذلك تأتي هذه الآية التي أختم بها هذه الحلقة (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) لما بلغ أشده واستوى قيل: الرُشد من البلوغ إلى ثلاثين عاما، الاستواء نهاية الأربعين ولذلك يُبعث الأنبياء، كثير من الأنبياء على الأربعين ففرق بين بلوغ الأشدّ وبين الاستواء، بلوغ الأشُدّ يبدأ من الثامنة عشرة أو من العشرين أو قبل ذلك إلى ثلاثين -كما قالوا- ، لكن الاستواء آخر المطاف وما بعده يتُمّ. قيل إنه يكون على الأربعين ولذلك بُعث نبينا -صلى الله عليه وسلم- على الأربعين، وقيل إن موسى بُعث على الأربعين وبُعث عدد من الأنبياء على الأربعين.
(آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) وهذه ليست هي النبوة كما قال بعض العلماء لأنه سيأتي موضوع النبوة بعد قصة مدين إنما هو العِلم لأنه من بني إسرائيل وهم على دين إبراهيم -عليه السلام- دين يعقوب الذي وصّى أبناءه بذلك ويتوارثونه لكن يتميز بالعِلم والحكمة، والدّين والرسالة شيء آخر جاءت فيما بعد. (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) عجيب هذه الآية وجدت أن يوسف -عليه السلام- في سورة يوسف ورد في آيات كثيرة جدا، في ست مرات تكررت (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) قال له أصحاب السجن، هم لا يعرفونه ولم يُبعث بعد (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، يقول عن نفسه نعم (قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)، خديجة -رضي الله عنها- لما جاءها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حزين مما حدث متأثر من نزول الوحي،جديد عليه...زملوني.... دثروني تقول والله لا يُخزيك الله أبدا، لماذا؟ تذكر ستة أسباب، عجيبة والله ما قالت أنك لم تسجد لصنم وهو كذلك -صلى الله عليه وسلم-، لم تشرب الخمر، وهو كذلك، أنك تتعبد في غار حراء،لالا،ذكرت ستة أسباب كلها قضايا إحسان إلى الآخرين ... تعين الضعيف .... وتُعين على نوائب الحق، وبدأت تعدد كما في الصحيح. فنتيجة الإحسان الإحسان (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) آية في سورة الرحمن.
إذا أيها الدعاة ... أيها العلماء ... أيها الوجهاء ... أيها المربون ... أيها الآباء أحسنوا إلى الناس تجدون النتيجة، بدون الإحسان لا يجد، ليس مجرد العِلم وإلا مجرد الوجاهة أو التربية،لالا،لابد من مقدمات وجدناها في قصة موسى وكذلك في قصة يوسف، في قصة النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أمر ... قاعدة مضطردة مع الكل ، تريد الرفعة أمام الله وليست رِفعة الدنيا، تريد (.....) كن من المحسنين. جعلنا الله وإياكم من المحسنين وشهر رمضان هو شهر الإحسان، هو شهر الفضل والعطاء، أحسِنوا إلى أنفسكم، لإخوانكم، للمجاهدين وسترون أثر ذلك بإذن الله.
تقبل الله مني ومنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق