الأربعاء، 7 مايو 2014

المرحلة السادسة (فهم موضوع السورة)

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري




ننتقل بعد هذا -يا إخواني- إلى المرحلة السادسة.
  بعد أن فهمنا السياق وحددنا معنى الآية أو الآيات التي نريد أن نشرحها ونفسرها ينبغي لنا أن ننتبه لأمر مهم جدا وهو الذي ذكره المؤلف في هذه المرحلة :
 المرحلة السادسة وهو: فهم الموضوع .
في الغالب -يا إخواني- إن كل سورة لها موضوع يجمع قضاياها وتدور قضايا هذه السورة حول ذلك الموضوع. السورة قد تكون فيها عشرين أو ثلاثين، قد يكون فيها ثلاثون أو أربعون أو خمسون موضوعا لكن عندما تنظمها نظما جيدا تجد أن هذه الموضوعات كلها تدور لتحقيق مقصد واحد ، ونعطي على هذا مثالا سورة النور: تحدثت عن حدّ الزنا، وتحدثت عن قذف المحصنات، وتحدثت عن اللعان وهو: أن يرمي الرجل امرأته بالزنا فتُنكر فيُلاعنها بمعنى أنه يشهد أربع شهادات بالله إنها زانية وأنه صادق ثم الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فهي ترُد عليه بأن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا. هذا اسمه اللعان.
  ثم تحدثت عن حادثة الإفك وأطالت في ذلك، قرابة ست عشرة آية في هذه القضية.
  ثم تحدثت عن الاستئذان في ثلاث آيات تتحدث عن أحكام الاستئذان في الدخول إلى البيوت.
ثم تحدثت عن الأمر بغض البصر وحِفظ الفرج (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ) .
ثم تحدثت عن عورة المرأة أمام محارمها وأقربائها ومن يجوز لها أن تكشف لهم فقال الله -عز وجل- (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ ...) الخ.
ثم تحدث عن الأمر بإنكاح الأيامى وهم: من لا أزواج لهم من الرجال والنساء (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ). الخ السورة. سنلاحظ أنها موضوعات متعددة من حدّ الزنا إلى حد القذف إلى اللعان إلى قصة عائشة -رضي الله عنها- وما رُميت به من الإِفك إلى حكم الاستئذان في الدخول على البيوت إلى الأمر بغض البصر وحفظ الفرج إلى عورة المرأة أمام محارمها.
ستنظر إلى موضوعات متفرقة وفيه شتات -في نظرك- لكن تأمل وأعد التأمل مرة أُخرى ستجد أن هذه الموضوعات المتفرقة يربطها رابط وهو: أن هذه السورة جاءت لإرساء قواعد العفاف في المجتمع المسلم، كيف يكون المجتمع عفيفا، بدء من حد الزنا شُرِع ليكون حدا فاصلا بين الناس والرذيلة، وحد القذف حتى لا يتكلم أحد فيقذف أخاه بالرذيلة، وأخرجت الأزواج من هذه المشكلة بما ذكرته من حُكم اللعان، ثم ذكرت قصة أم المؤمنين عائشة عندما رُميت بما رُميت به -رضي الله تعالى عنها وأرضاها- وبرأها الله من فوق سبع سموات، وذكرت فوائد عظيمة لما حدث في هذه القصة العظيمة حتى قال الله -عز وجل- في آخرها (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) .
ثم تحدثت عن الاستئذان لماذا؟ لأن الاستئذان شُرِع من أجل ألّا تُكشف العورات، لماذا أنا استأذن عليك قبل أن أدخل بيتك أو غرفتك؟ حتى لا أكشف عورتك، ولا أرى زوجتك، ولا أهتك سترك. ولو أن كل واحد يفتح كل باب أمامه يمكن يدخل يجد امرأة قد تكون تعرت، خلعت ملابسها، تخففت من ملابسها، أو -أكرمكم الله- تغتسل فيقع ما لا يُحمد عُقباه فأمر الله بالاستئذان. طيب وهل هذا الاستئذان فقط عندما يكون الناس فقط  في بيوتهم؟ لا، حتى إذا لم تجدوا في هذه البيوت أحدا يجب عليكم أن تستأذنوا. لماذا؟ لأنه كما يكون الناس لهم عورة في بيوتهم فللبيوت عورة، البيت نفسه عورة.
 أنا أسألكم: ترضى أني أدخل بيتك فجأة ولو ما فيه نساء ولا شيء؟ ترضى لا ترضى، لماذا؟ ﻷنه قد يكون في البيت أشياء لا أحب إن يطلع عليها أحد، ولذلك البيت نفسه عورة، ولذلك لما آتي أستأذن عليك وأنا أعلم أن أهلك كلهم غير موجودين، أقول يا فلان السلام عليكم تأذن لي؟ أأدخل؟ تقول: انتظر قليلا، ﻷنه فيه سروال طايح في الصالة وفيه شيء ماهو طيب في -أكرمكم الله- دورة المياه وكلها تريد ألا يقع عليها نظر الزائر، فهذه عورات. إذا الاستئذان في هذه المواطن.
ثم أمر الله بغض البصر بعدما أمر بالاستئذان ﻷن الاستذان إنما شُرع من أجل البصر كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، أمر الله بغض البصر (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) وقال "مِنْ" لماذا؟ ﻷن البصر اﻷصل فيه اﻹطلاق وليس اﻹغلاق فقال الله (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِم) يعني يغضوها عن عورات الناس وعن محارمهم وعما لا يحِل له، لكنك تنظر إلى المسجد والستائر والثريا، والسماء واﻷرض والجبال والبحر، والسفينة والطيارة، والعمارة، ما فيه شيء. لكن رأيت امرأة تغُضّ بصرك، رأيت مالا يحِلُ لك تغضّ بصرك، رأيت عورة مسلم تغُضّ بصرك (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِم).
(وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) لماذا قدم غضّ البصر على حفظ الفرج؟ ﻷن غضّ البصر وسيلة لحفظ الفرج. متى يحفظ اﻹنسان فرجه؟ إذا غضّ بصره، إذا أطلق بصره حَري به أن ينتهك حرمات الله -نسأل الله العافية والسلامة- فلما أمر الله بذلك أمر المرأة أن تستُر نفسها وأن تتحفظ وألّا تُبدي ما يبدو منها عادة إلا ﻷُناس معينين (زوجها وأبو زوجها، وأخوها وابن أخيها، وأختها وابن زوجها، ومملوكها والمعتوه من الناس الذي يصحب الناس وينتقل معهم، والطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) ولما أمر بهذه اﻷشياء قال -جل وعلا- (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) يعني حتى تتعففوا تماما ولا يقع منكم شيء تتعدون به حدود الله وتخدشون به هذا الحياء والستر الذي أمركم الله به عليكم بالزواج، زوجوا أبناءكم، زوجوا إماءكم، زوجوا عبيدكم، لا تدعوا أحداً، احرصوا على التزويج ما استطعتم ﻷن الزواج رقم واحد في بناء العِفة في المجتمع المسلم، ولذلك تجد الشاب يتسكع في اﻷسواق ويذهب يبحث وينظر يمين ويسار فإذا تزوج ذهب كثير من ذلك عنه ﻷن الله قد حصّنه بالحلال عن الوقوع في الحرام -نسأل الله أن يملأ قلوبنا عفة، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى-.
تأملوا -يا إخواني- اﻵن لما عرفنا المقصود العام للسورة وهي إرساء قواعد العِفة في المجتمع المسلم وحماية الجماعة المسلمة من الرذيلة اﻵن عرفنا مالرابط بين اللعان والاستئذان، بين أحكام اﻷستذان وأحكام اللعان، وأحكام الزواج وأحكام غض البصر، وأحكام قصة عائشة، ما الذي جاء بقصة عائشة؟ إذا هناك رابط.
إذا -يا إخواني- التعرف على مقصود السورة يفيد كثيرا في فهم معاني السورة ويدلك على المقصود منها. وعندنا شيئين ينبغي لكم أن تنتبهوا لهما:
اﻷول: هناك ما يسمى بموضوعات السورة، وهي موضوعات كثيرة جداً قد تكون مثلا في سورة البقرة يمكن لو قلت مئة موضوع أو مئتين أو ثلاثمائة موضوع، ليس كثيرا.
وهناك مقصود للسورة: يعني هذه الموضوعات جيء بها وجُمعت لتحقيق مقصود معين، ما هو هذا المقصود؟ هذا الذي يجتهد طالب العلم أو المفسر أو من يريد أن يصل إلى فهم دقيق لآيات هذه السورة، يجتهد في البحث عنه حتى إذا عَرفه فهِم كثيرا من مقاصد هذه السورة العظيمة. وعلى سبيل المثال -يا إخواني- سورة البقرة: فيها ذكر المؤمنين وذكر المنافقين وذكر اليهود، وقصة خلق آدم، وقصة إبليس في عصيانه لربه في السجود لآدم، وقصة بنو إسرائيل عندما كانوا مع موسى وما أنعم الله به عليهم (إذ نجيناكم، إذ فرقنا بكم البحر، إذ آتينا موسى الكتاب والفرقان، ظللنا عليكم الغمام، استسقى موسى لقومه) الخ ما ذكر الله من النِعم. ثم ذكر كفرهم بهذه النِعم ، ثم ذكر ذنوبهم المعاصرة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم جاء من بعد ذلك وذكر أمورا أخرى وهي: أمر القبلة، وأمر إبراهيم -عليه الصلاة السلام-، وأمر النسخ -نسخ الشرائع والأحكام-، ثم ذكر من بعد ذلك البِر ومعناه، وذكر القِصاص وأحكامه، وذكر الوصية ووجوبها، وذكر الصيام، ثم ذكر بعده الجهاد والقتال في الأشهر الحُرُم، ثم ذكر الحجّ، ذكر بعد ذلك (يسألون ماذا ينفقون)، ثم (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه)، ثم عن الخمر والمسرح، وعن اليتامى، (لا تنحكوا الشركات حتى يؤمن)، (يسألون عن المحيض)، (والمطلقات يتربص بأنفسهن)، (والوالدات يُرضعن أولادهن)، (والذين يُتوفون منكم ويرون أزواجا يتربص بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضت لهن فريضة فنصف ما فرضتم)، ثم (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)، ثم (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت)، ثم (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيّ لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله)، ثم قال (الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم)، ثم (لا إكراه في الدين)، ثم (ألم ترى إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه)، ثم (أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها)، ثم (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تُحيي الموتى)، ثم (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة)، ثم ذكر آيات النفقة، ثم قال (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبط الشيطان من المسّ) الحديث عن الربا، ثم الحديث عن المعاملات وتوثيق الدين (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين فاكتبوه ويكتب بينكم كاتب بالعدل)، ثم ختم السورة.
يا ترى هذه الموضوعات التي يراها الناظر شتات هائل جدا هل هي منظومة ويمكن جمعها وإلا هي ضرب من جمع الموضوعات من دون جواب؟!
 الحقيقة أنها منتظمة، وهناك مقصود لتحقيقه، ماهو هذا المقصود؟ طبعا يختلف هنا المفسرون في بيان المقصود لكن تجد أن كل مقصود قريب من الآخر، وكل واحد ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة عن الزاوية التي ينظر إليها الآخر. الآن أنا أنظر إلى البوابات وأنتم تنظرون إلى المحراب أليس كذلك  -ونحن في المسجد- فهي رؤية لشيء واحد من زوايا متعددة .
فبعض العلماء يقول: هذه السورة جاءت لتحقيق التقوى، التقوى هي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل الأوامر واجتناب النواهي. وهذه الموضوعات التي ذُكِرت يجب أن تتقي الله -سبحانه وتعالى- فيها تقوى بأن تفعل أوامره وتجتنب نواهيه والدليل على ذلك:
/ أن السورة افتتحت بالتقوى (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)
/ وذُكرت فيها آخر آية أُنزلت في القرآن (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)
/ ولما ذُكِرت فيها الشرائع كل شريعة تُذكر تُخلط مع التقوى قال الله -عز وجل-:
 (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
وقال (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) بدأ الصيام بالتقوى وختمه بالتقوى.
والحجّ نفس العملية قال (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) قال في آخرها (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، ثم قال بعدها (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ)، وقال في آخر آيات الحجّ (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون).
إذا نحن أمام سورة تريد أن تذكرنا بتقوى الله في كل حال لماذا؟ بنوا إسرائيل أُمروا بأوامر ونُهوا عن نواهي فلم يتقوا الله، تريدون مثال؟ قصة البقرة: أمرهم موسى قال اذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزموا، انظروا -يا إخواني- ماذا يقولون لنبيّ الله؟! يقول اذبحوا بقرة، أتتخذنا هزموا -تلعب علينا- هل يمكن أحد منكم يقول لأمير أو ملك تلعب علينا، تستطيع؟ لا تستطيع، فكيف برسول رب العالمين -كليم الرحمن- تقول أتتخذنا هزموا؟! انظر إلى أي درجة من الدرجات وصلت التقوى عند بني إسرائيل. هم وصلوا إلى هذه المرحلة وهذا هو السر في أن الله سلبه الخلافة في الأرض. كانوا أفضل العالمين (فضّلناهم على العالمين) فسبهم الله هذا التفضيل لأنهم ما اتقوا الله، ما خافوه، ما قاموا بأوامر، استقبلوا الأوامر بالتباطؤ والتكاسل (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) انظر إلى أي درجة من درجات التلكؤ والتباطؤ في الاستجابة لأمر الله؟! ماذا يقولون؟ (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ) نحن سنذبح بقرة ادع لنا ربك يُبيّن لنا ماهي (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ) موسى لا يريد هذا، اذبحوا أي بقرة موجودة عندكم، قالوا لا، هذه أكيد بقرة خاصة، من نوع خاص، لا يأمر الله بذبح أي بقرة، يا جماعة اذبحوا أي بقرة، قالوا لا بيّن لنا ماهي، (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ*قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ*قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) بعد هذا كله يقولون (إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) لما قالوا إن شاء الله هداهم الله. (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) قبحكم الله، الآن جاء بالحق؟! قد جاء بالحق من أول كلمة تكلم بها نبي الله موسى، الآن تقولون جاء بالحق؟! يعني قبل قليل لم يكن جاء بالحق، جاء بالباطل؟! ولهذا يا أمة محمد انتبهوا أن تسلكوا مسلك هؤلاء القوم فتُنزع منكم الخلافة في الأرض والفضيلة على العالمين فإن الله جعلكم خير أمة فإذا أردتم أن تُنزع منكم هذه الخيرية فافعلوا مثل فعلهم، ولذلك سُميت هذه السورة سورة البقرة لتُجعل رمز، انتبهوا ما سُميت هذه السورة سورة البقرة إلا لتكون رمزا لهذا الأمر. نسأل الله-سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من المتقين.
بهذا يتبيّن لنا أهمية معرفة موضوع السورة حتى نستطيع أن نفهمها فهما واضحا ونربط بين آياتها، وأيضا نستطيع أن نُفسِّر الآية بما يتوافق مع المضمون العام للسورة.
هناك إشكالية وهي: أن هذا يرتبط بشيء  عند العلماء اسمه علم المناسبات. وهذا العلم اختلف العلماء فيه:
/ فمنهم من لا يراه أبدا، وهو علم الترابط بين آيات القرآن وبين مقاطع السور، وبين أوائل السورة وخواتيم التي قبلها، وبين السورة والتي قبلها، وبين أول السورة وآخر السورة، وبين القصة والقصة. فمن العلماء من ينفي هذا تماما كالشوكاني -رحمه الله-، ولم أرَ من أهل العلم -أبدا- نفى هذا العلم وأنكره غير الشوكاني. ولعل الشوكاني-رحمه الله- إنما أراد إنكار التكلف فيه فقط بدليل أننا نجد في تفسيره المشهور [فتح القدير] مواطن يذكر فيها المناسبة بين القصة والقصة، والآية والآية، والمقطع والمقطع، والسورة والسورة، ولكن ليس على وجه الكثرة. فهذا يدل - والله أعلم - على أن الشوكاني إنما أراد نفي التكلف في هذا الأمر. والصحيح: أن عِلْم المناسبات عِلْم شريف تُعرف به الروابط بين الآيات ويُستدل به على كثير من الأمور والأحكام - كما ذكرنا قبل قليل- في آيات سورة النور كيف ترابط الآيات وذُكرت موضوعاتها موضوعا على إثر موضوع، بل حتى في الآية الواحدة يُقدم شيء على شيء لمناسبة (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)  قدّم  غضّ البصر لأنه وسيلة لحفظ الفرج مع أن حفظ الفرج أهمّ وأعظم من غضّ البصر.
فالحاصل: أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن عِلْم المناسبات عِلْم مطلوب وأنه مُعتبر وينبغي إحياؤه والتعرف عليه والبحث عنه لكن دون تكلف فإن ظهر لنا قلنا به وإن لم يظهر طينا عِلمه حتى يُظهره الله - سبحانه وتعالى -. وكم من آية فكرنا في مناسبتها لما قبلها وما بعدها فأشكلت علينا إشكالا كبيرا ولم نجده فطوينا علمها ثم بعد مدة إذا به ينفتح لنا وجه المناسبة فنراه أضوأ من الشمس في رابعة النهار. ولكن ينبغي للإنسان أن يصبر لو استعجل الإنسان قد لا يوافق الحق وقد لا يكون متسقا مع كلام الله -عز وجل- ومناسبا لهذا الكلام الحكيم. ومما يؤكد أن عِلْم المناسبات عِلْم شريف أن السلف تكلموا فيه، وأن أئمة التفسير تتابعوا على القول به وذكروه في مواطن متعددة، فمنهم من أكثر ومنهم من استقل كلٌ على قدر عنايته بهذا العلم. ومما يدل عليه: أن الله وصف هذا الكتاب بأنه كتاب مُحكم فقال (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) وكونها تُحكم ثم تُفصّل يدل على أنها في غاية الإحكام والإتقان والترابط والتدرج والتسلسل وأن الله -عز وجل- حكيم لا يضع آية في موضع إلا وذلك الموضع هو خير موضع له. ولذلك نحن لو أن رجلا تكلم بكلام فكان كلامه في موضوعات شتى وإن كانت كل جملة منه مفيدة لكن الموضوعات غير مترابطة قلنا فيم يتكلم هذا الإنسان وأحيانا نتذمر نحن من خطيب غير موضوعي مع أن الكلام في ذاته مفيد لكن يقول أيها الناس عليكم بالإسراع إلى الحجّ فإن الله قد افترض عليكم الحجّ، والحجّ من أركان الإسلام وأركان الإسلام خمسة وقد ذكرها ابن عمر في حديث بُني الإسلام على خمس، وابن عمر من أصحاب رسول الله العِظام المُتبعين للسنّة،  وهذا الحديث ذكره الإمام النووي في الأربعين النووية، والمهام النووي-رحمه الله- من العلماء الكبار وله كتب مشهورة منها رياض الصالحين، ومنها المجموع شرح المهذب وهذا المجموع في فقه الشافعية، والشافعية ينتسبون للإمام الشافعي -رحمه الله- والإمام الشافعي توفي سنة أربعة، وقد وقعت له قصص... الخ. من أين بدأنا نحن؟ بدأنا من الحج وانتهينا على توفي سنة  ٢٠٤.
هذا الكلام لاحظوا كل جملة منه مفيدة أليس كذلك؟ لكن ليس فيه ترابط، هل يقال أن هذا كلام حكيم؟ لا. الكلام الحكيم تجده متناسب ويدور في قضايا كل واحدة منها تناسب القضية الأخرى وفي النهاية يحقق من خلالها مقصودا معينا، فهذا هو الكلام الحكيم -والعلم عند الله سبحانه وتعالى-.
 بعد ذلك المؤلف -وفقه الله- شرع يُبيّن لنا ماهي موضوعات بعض السور التي استطاع أن يجد كلاما للعلماء في بيان موضوعاتها، فمثلا قال: سورة الفاتحة.
سورة الفاتحة جمعت علوم القرآن كلها، كل ما ورد في القرآن مجموع باختصار شديد في سورة الفاتحة، ففيها توحيد الله، وصفات الرب، وذِكر الآخرة، وذِكر العبادة، وذِكر الاستعانة، وذِكر الصراط المستقيم الجامع للعلم النافع والعمل الصالح، وذِكر طُرق أهل الضلال من المغضوب عليهم وهم اليهود ومن سار على منهجهم، والنصارى ومن سار على منهجهم. جميع علوم القرآن داخلة في هذا الكلام، القرآن كله تفسير الفاتحة وبيان لهذه الحقيقة التي جُمعت في سبع آيات.
/ قال: سورة براءة في صفات المنافقين، قال ابن عباس "مازالت تنزل ومنهم ومنهم حتى ظنوا أو ظننا ألا تترك أحدا" فضحهم الله -عز وجل- فضيحة بالغة ولذلك  تُسمّى السورة الفاضحة، والمُقشقِشة، وسورة التوبة لأن الله أنزل فيها التوبة على الذين خُلِفوا، وأنزل التوبة على النبيّ والذين جاهدوا معه في غزوة تبوك (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ).
- سورة الأنفال موضوعها غزوة بدر.
- وفي المقابل سورة الحشر موضوعها غزوة بني النضير.
- سورة آل عمران ظاهر فيها غزوة أُحد. فيها ستين آية عن غزوة أُحد.
- سورة النحل تُسمّى سورة النِعم لأن الله ذكر فيها النِعم الضرورية، والنِعم الحاجية، والنِعم الكمالية فهي سورة النِعم  ويُسميها بعض العلماء سورة النِعم.
- سورة طه منهم من يُسميها سورة دفع الشقاء. يعني من أخذ بها دفع الشقاء عن نفسه في الدنيا والآخرة ويدل على ذلك قول الله -عز وجل- (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) فالله أنزل القرآن عليك لتسعد ويؤكد هذا أنه في قصة آدم مع زوجها في آخر السورة قال الله -عز وجل- ‏( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) في أول السورة (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) وفي آخرها (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى*وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) انظروا إليهم -يا إخواني- عندهم أسباب السعادة والراحة والمال والرفاهية والتمدن والحضارة، ما أغنت عنهم شيء، يأكلون المخدرات ويرتادون العيادات النفسية باستمرار لمعالجة ما أصيبوا به -نسأل الله السلامة والعافية- من الشقاء النفسي الداخلي والفراغ الروحي القاتل، ما اغنى الإنسان أنه يأكل أفخم المأكولات ويشرب أفضل المشروبات، وينكح ما يشاء من النساء وهو لا يستطيع أن ينام.
وأذكر لكم قصة طريفة في هذا الباب: يُقال إن فيه مجموعة من جماعة الدعوة أو جماعة  التبليغ كانوا في حديقة الهايد بارك في بريطانيا وكانوا يصلون وبعد الصلاة قام أحدهم يتكلم على زملائه وإخوانه فكان يتكلم ويُبيّن وكان أحد أصحابه ينعس وينام- ينام أمام صاحبه- وهو جالس في الصف الأول وكان هناك رجل إيطالي يُشاهده من بعيد ويستغرب كيف هذا الرجل ينام وفوق رأسه واحد يتكلم وفي هذا المكان فاقترب منهم وجلس حتى انتهوا فجاء إلى هذا الأخ قال: رأيت رأسك قبل قليل يخفض هكذا، كنت تنام؟ تستطيع؟ قال: نعم، قال: كيف تستطيع؟ أنا لا أستطيع أن أنام وأنا في أهدأ مكان وما عندي شيء من المعجزات إلا بالمنومات، كيف أنت تستطيع أن تنام؟ قال: يا أخي ديننا .. وبدأ يتكلم عن الإيمان بالقضاء والقدر وأن الإنسان يعلم أن الله قد كتب كل شيء، وأن الإنسان لن يصيبه إلا ما كتب الله له، ويتكلم في هذه الموضوعات، فأسلم الرجل. لماذا -يا إخواني- لأن هؤلاء القوم كثير منهم فقد هذه الأشياء ونحن نحمد الله على ما عندنا من النعم، ونرى هذه الأيام أن هذه النعمة بدأت تزول عنا فنرى كثير من الاضطراب والقلق والبلاء الذي أصاب الناس والحُزن على افتقاد أشياء كثيرة من الدنيا. إذا هذه الدنيا ليست مصدر سعادة، مصدر السعادة في اتباع هدى الله والعيش مع كتاب الله، والتحكم إلى هذا الوحي والنور الرباني (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ) .
- سورة العنكبوت: تحدثت عن الفتنة والابتلاء (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) وحتى تخرج من الفتنة والابتلاء ينبغي عليك أن تنتبه أن المخرج في شيء واحد قال الله -عز وجل- في آخر السورة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) .
- وسورة ص: هي سورة الخصومات، وسورة الصفّ في الجهاد، وسورة التكوير في القيامة، وسورة الليل في الإنفاق أو في السماحة والبخل كما قال ابن عباس وتأملوا هذا (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى *إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) ما معنى صدق بالحسنى؟
 قيل: باللجنة، وقيل: صدق بـ "لا إله إلا الله"، وقيل: صدق بالحسنى أي بالخلف من الله، فمن تصدق ألف الله عليه، وهذا أقرب، لماذا؟ لأنه الموافق لموضوع السورة، إذا ( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) تريد تُيسر أمورك؟ تصدق، أنفق، كن كريما، أكرم الناس هم أيسر الناس أمورا. هل رأيتم أحدا أصابه الذلّ والقهر والبلاء من خلال خُلُق السخاء والكرم؟! أبدا. مادام ينفق ويطلب ما عند الله والله إن الله ييسر أموره ويُعطيه من حيث لا يحتسب.
قال (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) كذب بالخُلف من الله (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) لا يأتيه المال إلا بشدة ولا يخرج منه المال إلا بشدة، أشد الناس ضغينة عليه زوجته وأولاده، تجد الواحد منهم يقول الشايب طول علينا عسى الله يعجّل له بالخاتمة الحسنة يا الله من فضل. واحد عندنا في السعودية ذاهب ليُفرغ أراضي الأولاد -ذاهب إلى المحكمة- فوقف عند الإشارة ومن يقود السيارة ابنه وجالس في المرتبة الأمامية، فلما وقف سيارة بجوارهم -سيارة فخمة- التفت الولد فرأى صديقه على السيارة -الشبح- وكان مسكين لا يجد سيارة لأن والده كان بخيلا، ففتح النافذة: السلام،عليكم السلام، قال: ما شاء الله وش هالخيرات؟! قال: ابشرك مات الشايب وجاب الله الخير. لأنه كان يكن هذا المال فلما مات حمِدوا الله على النعمة وأخذوا المال وبدؤا يشترون السيارات والإعمار والاستراحات ويتمتعون. أرأيتم -يا إخواني- حتى أولادكم ينقِمون عليك فتُيسر للعُسرى -لاحظتم- (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى)، ثم ذكر الله من أعطى والتقى -في آخر السورة- وهو أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- وكان لا يرجو جزاء ممن أحسن إليهم.
/ ثم ذكر جملة من السور وختم هذه المرحلة بقوله: كيف نستطيع أن نُخرج المقصود العام للسورة؟ ذكر ثلاثة أمور:
- الأمر الأول: أن ينُصّ أحد  العلماء على مقصود السورة، فيذكر أحد العلماء أن مقصود هذه السورة وهدفها العام هو كذا، وهذا من أحسن الأسباب والوسائل لأن العلماء في العادة -الذين تبحّروا وتعمقوا- في علوم القرآن وفهمه وأُتوا علما عظيما  هم أحرى منا بإصابة الصواب في بيان موضوع السورة والوصول إلى مقصودها العام.
- الأمر الثاني: أن يكون موضوع السورة ظاهر من اسمها أو ظاهر من أولها. فأحيانا تجد بعض السور اسمها يدل عليها، سورة القيامة في أي شيء؟ في القيامة.
وسورة التكوير؟ أيضا في القيامة لأنه فيه تكوير الشمس وانكدار النجوم وتسيير الجبال ..... الخ، فهي في القيامة أيضا.
سورة -مثلا- النبأ في القيامة (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) هو يوم القيامة. سورة الانشقاق في القيامة.
والانشراح في شرح الصدر. فإذا أردت أسباب شرح الصدر فعليك بسورة والانشراح (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ) فإذا صار عليك ذنب ما يصير صدرك مُنشرح (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) من أعظم ما يشرح الصدر أن تعلم أنه كُل عُسر ينزل عليك معه يُسر. مو يشرح صدرك؟! أي نعم.
(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) من أعظم أسباب شرح الصدر أن تلجأ إلى الصلاة وإلى العبادة كلما فرغت سيشرح الله صدرك.
إذا أن يكون موضوع السورة ظاهر من اسمها أو من أولها (طه*مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) .
- الأمر الثالث: وهو الأسلوب المستعمل عند عامة المفسرين من المتأخرين وهو: الاستقراء. ومعناه التتبع لموضوعات السورة ومحاولة جمع هذه الأشياء وربطها حتى يتعرف الإنسان على مقصودها.
وفي النهاية يبقى هذا الأمر أمرا اجتهاديا ليس مقطوعا به لكنه يُعين عونا كبيرا على فهم السورة وفهم آياتها. وصلى الله على نبينا محمد.
                                                                                                                                         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق