الوفاء بالنذر شأنه عظيم ، وإخلافه كبيرة من الكبائر؛ فقد مدح الله عباده الذين يوفون بالنذر فقال تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) [الإنسان] فجعل من أول صفاتهم أنهم يوفون بالنذر؛ والوفاء بالنذر في هذه الآية يشمل أداء الفرائض التي أوجبها الله عليهم، وما أوجبوه على أنفسهم تقرباً لله .
قال ابن كثير: " وقوله : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) أي: يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من الطاعات الواجبة بأصل الشرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر". وقال تعالى في الحُجّاج (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (29) [الحج]
قال مجاهد : "(وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) نُذر الحجّ والهَدي، وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحجّ". (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) واللام هنا للأمر . فالوفاء بالنذر من صفات الأبرار الذين مدحهم الله وشكر سعيهم وذكر ثوابهم العظيم. وعدم الوفاء بالنذر من خصال المنافقين المذمومة، بل هو من أسباب النفاق والعياذ بالله؛ كما قال تعالى: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ) [التوبة:75/77] ، وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين أن رسول الله قال : ((خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - قال عمران: لا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة - ثم يجيء قوم ينذرون ولا يَفُون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، ويظهر فيهم السِّمَن)) فجعل من أول صفاتهم أنهم ينذرون ولا يوفون .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وبيَّن أنه لا يأتي بخير ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال: (نهى النبي عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل).
وفي رواية في صحيح مسلم: ((النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره، وإنما يستخرج به من البخيل)).
وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال: ((لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدَر شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل)).
وفي مصنف ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إياكم والنذر؛ فإنَّ الله لا ينعم نعمة على الرُّشا، وإنما هو شيء يستخرج به من البخيل)).
فمن نذر نذراً معلقا بشرط حصول نعمة أو اندفاع نقمة؛ فإنَّ النذرَ لا يغيّر من القَدَر شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل على نفسه بالتقرب إلى الله تعالى، لأنه إذا حصلت هذه النعمة وجب عليه الوفاء وإلا ارتكب كبيرة من الكبائر بإخلاف وعدِه لله.
________________________________________________________________
مسائل التفسير المستخلصة من دورة في شرح ثلاثة الأصول للشيخ عبد العزيز الداخل / من الدرس الثامن : بيان معنى العبادة وأنواعها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق