الأحد، 8 ديسمبر 2013

الوقفــ الثانية ــة من جـ 24 / مع قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ..)



هذه الوقفة الثانية من الجزء الرابع والعشرين : وهي من سورة غافر.
قال أصدق القائلين : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِنْ سَبِيل. * ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) إلخ الآيات .
يخبر الله -جل وعلا- عن حال أهل الإشراك يوم يلقونه ، ويخبرهم أن ما نجم من خسرانهم لأنفسهم ليس بشيء أمام ما مقتَهم الله -جل وعلا- به ، ثم قال -جل وعلا- أنهم يقولون في النار : (رَبَّنَا) هذا نداء (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) وتخريج هاتين الإماتتين والإحيائين على التالي :
 الإماتة الأولى المقصود عندما كانوا في العدم ، والإماتة الأخرى يوم أن فارقوا الدنيا فيصبح على هذا الإحياء الأول يوم أن خلقهم الله وأخرجهم من بطون أمهاتهم ، والإحياء الآخر هو البعث والنشور ، هذا معنى ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْن فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِنْ سَبِيل ) فبيّن الله -جل وعلا- أنه لا سبيل إلى الخروج بسبب شيء عظيم ما هو ؟(ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) أولياء الله لا تقرّ أنفسهم بحديث كما تقرّ بالحديث عن الله -جل وعلا -، ولا يشعرون بالطمأنينة في قول كما يشعرون بأحدٍ يحدثهم عن ربهم -جل وعلا- ، والفاصل الحق بين مريض القلب وسليم القلب ما حال الإثنين إذا ذُكر الله ، قال الله : ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) -نسأل الله العافية- فحتى َيسعد قلبك لابد أن يكون قلبك يحب الحديث عن الله ، مِن هذا المفهوم القرآني نقتبس -نستل- : أن أسعد الخطباء حظاً بخطبته يوم القيامة من إذا رقي منبراً عرّف العباد بربهم -جل وعلا- ولم يشغلهم بقضايا لا سبيل لهم بها ، لا يُخاطب بالقضايا العامة العامة وإنما يْخاطب بها أهلها وصُناع القرار ومن يقدر عليها ، أما العامة فالأصل في خطابهم ما يُعينهم على تعظيم ربهم -جل وعلا- في قلوبهم .
 (ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ) فلما وقع منكم ذلك .....
ذكر بعض ما تمدّح به الله -جل وعلا- قال : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ * فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) إلى أن قال : (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ) الحي : إسم من أسماء الله الحسنى ويقال في تعريفه أن الله حيٌّ حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال ، حيٌّ حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال ، وكل أحدٍ سبَقَ حياته عدم ويلحق حياته زوال ، والله -جل ذكره- لم يسبق حياته عدم ولم يلحق حياته زوال .
 (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ) أُختُلف في معناها وقال بعض العلماء : أنه يمُنّ على بعض عباده بأن يرفعهم درجات وهذا عندي أقرب المعاني إلى هذه الألفاظ القرآنية، (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ) 
"ذُو" بمعنى صاحب أي مالك العرش المستوي على العرش، والعرش: سريرٌ ذو قوائم تحمله الملائكة ، والدليل أنه تحمله الملائكة قول الله : ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) والدليل أن له قوائم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (فأكون أول من ينشق عنه القبر فإذا بموسى آخذ بقوائم العرش) فهذا دليل على أن العرش له قوائم.
 (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ) كلمة "الروح" جاءت في القرآن كثيرا ، جاءت بمعنى جبريل -عليه السلام- ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا) ، وجاءت بمعنى التي في بدن الإنسان بمعنى النفس(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، وجاءت بمعنى الوحي الذي ينزل من السماء لأن فيه حياة القلوب سمّاه الله -عز وجل- روحاً ، وهو هاهنا في غافر ( يُلْقِي الرُّوحَ ) أي من الذكر والوحي.
 (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) وهم الرسل والله يقول : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) فهؤلاء الرسل اختارهم الله على علمٍ على العالمين ، يقولون أن الحسن والحسين -رضوان الله تعالى عليهما- سبطي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأيا رجلاً طاعناً في السن يتوضأ ولا يُحسن الوضوء فقدما إليه فقالا : أي عم إنني اختلفت أنا وأخي في أيّنا أصوب وضوءاً فاحكم بيننا ، فتوضأ الحسن ثم توضأ الحسين فقال له : ياعم أيّنا أفضل ؟ أيّنا أقرب للصواب ؟ ففقِه الرجل لأنه عرف أن وضوءه لم يكن قريباً هو من الصواب ، فقال : فقهت ما تريدان ، من أنتما ؟ فقالا : الحسن والحسين سبطا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقبّل ما بين أعيُنهم وتلا : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) فأنبياء الله اختارهم الله ، هنا قال -جل وعلا- : ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) ثم جاء بلام التعليل ( لِيُنْذِرَ ) والإنذار : الإعلام المصطحب -المقترن- بالتهديد ، ( لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاق ) سمّى الله -جل وعلا- يوم القيامة بيوم التلاقِ، لمَ ؟ تتلقي الجن والإنس ، يلتقي فيه الإبن بآبائه ، والأب بأبنائه ، يلتقي فيه العباد بربهم ، يلتقي فيه الكافر بالمؤمن ، يلتقي فيه الخلائق كلهم ، ( لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاق ) أيُّ يوم يارب ؟ (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ) يعني ظاهرون ، ما يقال في المعركة مُبارزة ، مُبارزة لأن هذا يخرج من الصف وهذا يخرج من الصف فيصبح كلاهما ظاهر فهذا معنى البروز ، ( يَوْمَ هُمْ بَارِزُون لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ) على كثرة عددهم واجتماع اجسادهم وتلاحم بعضهم من بعض ( لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فيجيب نفسه جل وعلا بنفسه ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) آمنا بالله الواحد القهار . هذه الوقفة الثانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق