الاثنين، 23 ديسمبر 2013

الحلقــ العاشرة ــة / أولوا اﻷلباب -١-




 الحمد لله الذي خلق آدم من طين وأسجد له ملائكته المقربين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين أما بعد :
أيها المباركون هذا لقاء متجدد من دروسنا في هذا المسجد المبارك حول تفسير كلام رب العزة والجلال وعنوان لقاء اليوم أولوا اﻷلباب ، وهذا العنوان يحتمل حلقتين متتابعتين -إن شاء الله- هذا أحدهما .
وقد وردت هذه اللفظة الكريمة كثيرا في كلام رب العزة والجلال ، في البقرة وآل عمران ويوسف والزمر والطلاق ، وغيرهن من السور . وسنتحدث في لقاءين متتابعين -إن شاء الله تعالى- عن فضل من يؤتيه الله -عز وجل- العقل المبارك الموفق ، أهل الصناعة اللغوية يقولون : إن اﻷلباب هي: العقول التي لا تخالطها شائبة كما ذكر الراغب اﻷصفهاني في المفردات ، لكن الذي يعنينا هنا ورود هذه الكلمة في القرآن ثم ما يمكن أن نستدل به على فضل من يؤتيه الله -عز وجل- عقلا. شيخنا -والدنا- الشيخ عبد العزيز بن صالح -غفر الله له ورحمه- إمام المسجد النبوي من أكثر من نصف قرن في إحدى أيامه وقبل موسم الحج جاءه أحد العلماء اﻷجلاء الثقات ومعه طلبة علم خمسة وقال له : يا فضيلة الشيخ هؤﻻء ينفع الله بهم فلو جعلتهم يُدرسون في الحرم وقت الموسم حتى يستفيد الناس منهم ، فقال الشيخ -رحمه الله- "إنني في حاجة إلى طلبة علم عقلاء قبل أن يكونوا علماء" ولا تتضرر اﻷمة أكثر من أن يأتي إنسان لديه مُتون يحفظها وجلس كثيرا بين يدي العلماء لكن بعد لم ينضج عقله ، ولم يكمل رويه، ولا ريب أن من دﻻلة العقل الصمت ، والعربي اﻷول يقول :
ولم يبق من اللذات إلا ** مجالسة الرجال ذوي العقول
وقد كنا نعدهم قليلا ** فقد صاروا أقل من القليل
 فأنى لك بهذا الرجل العاقل الذي يفهم قولك وتفهم قوله ويعينك على أمر معاشك وأمر معادك ، والمقصود أن الله -عز وجل- لما أتى للأمور العظام والخطوب الجسام خاطب بها -سبحانه وتعالى-أهل العقول الزاكيات ونستعرض -نذكر- بعضا من آيات القرآن في هذا.
 ذكر الله -عز وجل- الزاد اﻷعظم وهو تقواه ، ولا زاد أعظم من التقوى فقال ربنا في موطن جليل وهو الحج قال (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) فخاطب -جل وعلا- أهل العقول الزاكية بأن يتقوه ﻷنه لا يمكن أن يكون هناك رجل ذو عقل زاكي وهو غير مُتقٍ فإن التحلي بلباس التقوى من أدل اﻷدلة وأعظم البراهين على كمال عقل الرجل ﻷن الرجل إذا علم أنه سيلقى الله لا محالة فيتقيه قبل أن يلقاه فهذا تدل على وفرة العقل وعلى كماله ولهذا قال الله (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) . وقال -جل ذكره- في السورة نفسها -سورة البقرة- (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) والحكمة مرت معنا في دروس خلت وسنين سبقت لكن أيا كان كانوا يقولون في الكتب المنقولة عن السابقين -الحضارات المعروفة- يقولون إن الحكمة  نزلت على ألسنة العرب وفي عقول اليونان وفي أيدي الصينيين ، وأيا كان هذا اﻷمر حقاً أو باطلا فإن التاريخ العربي الموروث الشعري القديم للجاهليين يؤكد لك مقولة أن الحكمة نزلت على ألسنة العرب، فمن تأمل شعراء المعلقات يجد أن كثيراً منهم -ليسوا جميعاً- في أبيات شعرهم ما يدل على الحكمة، زهير لم يكن مؤمنا ومع ذلك يقول :
 ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ** وإن يرقى أسباب السماء بسلّمِ
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ** على قومه يُستغى عنه ويُذممِ
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه ** يُهدّم ومن لا يظلم الناس يُظلمِ
 أبيات عديدة في الحكمة تدل عليه، وطرفة بن العبد رغم أنه لم يبلغ من العمر، توفي وعمره ستة وعشرون عاما إلا مع ذلك يقول :
ستبدي لك اﻷيام ما كنت جاهلاً ** ويأتيك باﻷخبار من لم تزودِ
ويأتيك باﻷخبار من لم تبع له  ** بتاتا ولم تضرب له وقت موعد
هذا يقوله وهو فتى مات في السادسة والعشرين والبيت مليء حكمة إلى اليوم والناس يستشهدون به، وغير ذلك فيقول عمرو بن كلثوم :
 ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلين
وهذا يدل على أن إذا خاطب الجهلاء بالحِلم ضاع ولذلك قال النابغة الجعدي بين يدي رسول الله :
ولا خير في حِلم إذا لم تكن له ** بوادر جهل تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ** حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
 فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا يفضض الله فاك" قالوا عاش النابغة مئة وخمسين عاما لم يسقط له سن والقصة معروفة ومرت معنا ، لكن المقصود قضية الاستشهاد على صحة القول أن الحكمة نزلت على ألسنة العرب ، لكن الحكمة في معناها العام سواء في الشرع اﻹسلامي أو في غيره تدل على أنه علم نافع يتبعه عمل بمقتضى ذلك العلم ، علم نافع يتبعه عمل بمقتضى ذلك العلم ، هذه هي الحكمة من حيث اﻹجمال .  (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ) قال ربنا (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) والله قال ممتنا على عبده لقمان (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) ، وقد تُفسر الحكمة في القرآن بغير هذا بحسب موضعها، بحسب القرائن قبلها وبعدها لكن نتكلم هنا عن الحكمة بمفهومها العام في جميع الحضارات اﻹنسانية .
 قال ربنا  (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) فجعل -جل وعلا- التذكر والتبصُر مقرونا بمن آتاه الله -جل وعلا- عقلا يرشده ويدله ، والعقل مثل العين بالنسبة لبني آدم فإن الشمس وإن كانت طالعة فإن من كتب له الله -جل وعلا- أنه يُغمض بصره فإنه لن يرى شيئا رغم أن الشمس ظاهرة فكذلك اﻷدلة مهما تظافرت والنصوص مهما تواترت والكتب مهما قُرأت إن لم يكن هناك عقل يفقه هذا الكلِم لا يمكن أن يصل إلى المقصود ، لابد لصحيح النقل أن يمر على سليم العقل ، لابد أن يمر سليم العقل على صحيح النقل وإلا لاستوى الناس فإن الكتب في المكتبة مرفوفة، موضوعة، مرفوعة ويدخل المكتبة العاقل وغير العاقل والنص واحد لكن العاقل يفقهه ، يدركه ، يستفيد منه وغير العاقل قد لا ينتفع به شيئا ، والمقصود : أن اﻹنسان كلما أُعطي حظا كبيرا من العقل كان ذلك من إكرام الله -تبارك وتعالى له والله يقول (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) جمهور أهل التفسير على أن الله كرم بني آدم بالعقل .
 نعود فنقول : قال ربنا هنا (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) وهذه في سورة البقرة.
 قال العلي الكبير في آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ثم بعد هذا اﻹجمال فصل قال (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٩١﴾رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) إلى ما بعدهن من آيات ، وأحد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نام مع رسول الله -عليه السلام- ينظر ماذا يفعل قال فلما بعثه الله من النوم أي نام ما شاء الله له أن ينام -صلوات الله وسلامه عليه- قام ففرك عينيه ، حتى يذهب عن نفسه أثر النوم قال: وتلا العشر اﻷواخر خواتيم سورة آل عمران ، فتلاها -صلى الله عليه وسلم- ثم توضأ وصلى، فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين -هذه أربع- ثم صلى ركعتين أقل طولا من هذه الطويلة -هذه ست- ثم صلى ركعتين أقل طولا من اﻷخيرة ، ثم في رواية صلى ثلاث ركعات -فتصبح إحدى عشرة ركعة- وفي رواية أنه صلى ركعتين ثم أوتر ، أي شفع وأوتر -صلوات الله وسلامه عليه- فانتهى وتره وصلاته إلى ثلاثة عشرة ركعة -صلوات الله وسلامه عليه- والمقصود قول الله -عز وجل- (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿١٩٠﴾ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا) من آتاه الله -عز وجل- حظا من العقل لا يمكن أن يرى هذا الخلق العظيم ويقع في عقله مثقال ذرة، مثقال حبة من خردل أن هذا خلق عبثا -محال- فإن العاقل بالتجارب، بحياته مع الناس يُنزه بعض الناس من العبث، فهذا المسجد المبارك مبني فلو جاء رجل وعلم أن هذا المسجد بناه رجل ذو بال في فن العمارة فوجد سورا، وجد خرسانة، وجد عمودا، وجد جدارا في هذا المسجد في مكان لا يعرفه فهو يتهم نفسه أنه لا يعرف لماذا وجد لكن في ثقته في ذلك الذي بناه يغلب على الظن أن هذا ما بُني عبثا ، ويأتي اﻹمام، يأتي المؤذن، يأتي من بنى المسجد يأتي مباشرة لذلك المعماري يسأله لِم وضعت هذا البناء في هذا الموضع، فإذا كان ذلكم المعماري ينزه عن العبث فتنزيه الله -جل وعلا- من باب أولى فربنا يقول (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) ماذا قال ربنا -وهذا مر معنا في العام الماضي- قال ربنا بعدها (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) تعالى الله أن يخلق خلقه عبثا فربنا يقول هنا في خواتيم آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) يرى اﻹنسان ليلا داجيا وسماء ذات أبراج ثم يقع في قلبه، في ظنه أن هذا خلق عبث لا بعث ولا نشور ولا قيام بين يدي الله ؟! محال، فلما ذكر الله أولي اﻷلباب قال (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) والله نسب الاختلاف إلى ذاته ولم ينسب التفاوت قال (فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ) وقال ربنا (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) هذا تارة يطول وهذا يقصر ويقول ربنا (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُون * َوَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم * ِوَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ*لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون) والله لا يقدر على تسخير هذا إلا الله والعاقل يعلم إذا أوتي لُبا وحظا من فهم وعقل أن الله مُنزه عن العبث ولهذا قال الله ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ) ثم بين أعظم صفاتهم ﻷن اﻹنسان يسأل : يارب من أولوا الألباب؟ فلا حاجة ﻷن تحيل إلى جواب عمر ولا جواب زيد أجاب العلي الكريم قال (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ) فذكر الله لا يقتصر على حال ، كان - عليه الصلاة والسلام- يذكر الله على كل أحواله قال ربنا (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ) ويجمعون ما بين ذكر اللسان فِكر القلوب قال ( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) في عظمتهما ، فيما هي عليه وينزهون الله عن العبث (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا) هذا دعاء (مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ) محال أن يكون الله قد خلق هذا لهوا ، عبثا ، باطلا فلما قالوا هذا نزهوا ربهم عما لا يليق به (سُبْحَانَك) ثم تبين لهم أن النار هي الخزي اﻷعظم فاستجاروا بالله منها (سُبْحَانَك فَقِنَا عَذَابَ النَّار* رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) وإن من الكرامة التي ينتظرها المؤمنون من ربهم ألا يخزيهم في الدنيا والآخرة ، وإن من أجل الدعاء وأعظمه أن يستجير المرء بربه من خزي الدنيا وعذاب اﻵخرة، والخليل إبراهيم -عليه السلام- كم كان له من سجدات، كم كان له من صلوات، كم كان له من أعمال زاكيات، كم كان في قلبه من الطُهر والكمال والعفاف والتوحيد فلما دعا قال : ( وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وهنا قال الله عن أوليائه (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ* رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) الخ اﻵيات ، وليس المقصود تفسير خواتيم سورة آل عمران إنما المقصود بيان قول الله -عز وجل- أن هؤلاء أولوا اﻷلباب في قوله -جل ذكره- (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) نبقى عند ذكر الله، ذكر الله أنس السرائر، وحياة الضمائر، وأقوى الذخائر ، هذه ثلاثة اعقلها جيدا:
أنس السرائر في وحشتك اذكر الله، وإن شعرت بقسوة قلبك فاذكر الله فإن ذكر الله كما أنه أنس السرائر فهو حياة الضمائر، ولابد من لقاء الله وتحتاج إلى شيء قد كنزته حتى تلقى الله به فذكرُ الله أقوى الذخائر، ربنا يقول (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا) والباقيات الصالحات تجمع كل عمل صالح لكنها أول ما تنصرف إلى ذكر "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" يدخرها العبد لنفسه عند ربه ونبينا -عليه الصلاة والسلام- لقي الخليل أباه إبراهيم -عليه السلام- في المعراج فقال: "يا محمد إن الجنة غراس وإن غراسها لا حول ولا قوة الا بالله" وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهو هو في علمه : أن الله لما خلق العرش واستوى عليه أمر الملائكة أن يحملوه فقالت الملائكة : أي رب كيف نحمله وأنت مستوٍ عليه؟ فقال الله لهم قولوا لا حول ولا قوة الا بالله. فنقول دوما وأبدأ لا حول ولا قوة الا بالله.
 ونتابع -إن شاء الله- في الدرس الذي يليه ما بقي من تفسيرنا لقول الله (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق