الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

متشابهات في سورة الأنعام -2-

/ قوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)، وفى يوسف: (ذِكْرُ لِّلْعَالَمِينَ) مذكرا منونا؟ جوابه: أنه تقدم في هذه السورة: (فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى) فناسب: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) .

 / قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ)
 وفى سائر المواضع: (وَيُخْرِجُ) بالياء؟
جوابه: أن يخرج الحي من الموت مناسب في المعنى لفلق الحب والنوى عن الخارج عنهما فجئ بالياء كالشرح له، ثم عطف (مُخْرِجُ) على (فالق) لأن عطف الاسمية على الاسمية أنسب وأفصح، ولما فيه من المقابلة للجملة المتقدمة.
وسائر المواضع بالياء: لأن الجملة قبلها فعلية، فعطف عليها بفعلية.

 / قوله تعالى: (قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وبعده: (لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) وبعده: (يُؤْمِنُونَ)
ما وجه اختصاص كل آية بخاتمتها؟
 جوابه: أن حساب الشمس والقمر والنجوم والاهتداء بها يختص بالعلماء بذلك فناسب ختمه بـ (يعلمون) .
وإنشاء الخلائق من نفس واحدة، ونقلهم من صلب إلى رحم، ثم إلى الدنيا ثم إلى مستقر ومستودع، ثم إلي حياة وموت، والنظر في ذلك والفكر فيه أدق فناسب ختمه بـ (يفقهون) أي: يفهمون، وهو اشتغال الذهن بما يتوصل به إلى غيره، فيتوصل بالنظر في ذلك إلى صحة وقوع البعث والنشور بثواب أو عقاب.
 ولما ذكر ما أنعم به على عباده من سعة الأرزاق والأقوات والثمار وأنواع ذلك ناسب ذلك ختمه بالإيمان الداعي إلى شكره تعالى على نعمه.

 / قوله تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وقال في سورة غافر: (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) ؟
 جوابه: لما تقدم هنا: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ) فناسب تقديم كلمة التوحيد النافية للشرك رداً عليهم، ثم ذكر الخلق.
 ولما تقدم في غافر كونه خالقا بقوله تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) ناسب تقديم كلمة الخلق ثم كلمة التوحيد.

 / قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) وقال بعده: (وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا فَعَلُوهُ) ؟
 جوابه: لما تقدم في الأول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) الآية وهو تسلية له -صلى الله عليه وسلم- ناسب ذلك ولو شاء ربك الحافظ لك ما فعلوه.
 وأما الثانية: فتقدمها قوله: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا) فناسب ذلك: ولو شاء الله الذي جعلوا له ذلك ما فعلوه.

 / قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ)
 وفى النحل وغيرها: (بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) ؟ .
جوابه: أن الأصل دخول الباء فيه لكن تقدم قوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) . ولما تقدم هنا: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وتأخر (وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ناسب من يضل عَنْ سَبِيلِهِ، وبقية الآيات إخبار عمن سبق منه الضلال فناسب الفعل الماضى.

 / قوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ)وقال في هود: (مُصْلِحُونَ) ؟ .
جوابه: أن آية الأنعام تقدمها قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ) أي - يوقظونكم بالآيات من غفلاتكم، لأن الإنذار الإيقاظ من الغفلات عن المنذر به، فناسب قوله: (غَافِلُونَ) وفى هود: تقدم (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) فناسب الختم بقوله: (مُصْلِحُونَ) لأن ذلك ضد الفساد المقابل له.

 / قوله تعالى: (إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) هنا وفى الزمر.
وفى قصة شعيب في هود: (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) بغير فاء؟
 جوابه: أن القول في آيتي الأنعام والزمر بأمر الله تعالى له بقوله: (قل) فناسب التوكيد في حصول الموعود به "بفاء السببية" ، وأية هود من قول شعيب فلم يؤكد ذلك.

 / قوله تعالى: حكاية عن قولهم: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) الآية.
وقال في النحل: (مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) ؟
 جوابه: أن لفظ الإشراك مؤذن بالشريك فلم يقل: (مِنْ دُونِهِ) . بخلاف: (عَبَدْنَا) ليس مؤذنا بإشراك غيره فلذلك جاء: (مِنْ دُونِهِ) ، وأما زيادة (نَحْنُ) فإنه لما حال بين الضمير في (عَبَدْنَا) وبين ما عطف عليه حائل وهو قوله: (مِنْ دُونِهِ) أكد بقوله: فيه (نَحْنُ) .
 وها هنا لم يحل بين الضمير والمعطوف عليه حائل.

/ قوله تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، وفى النحل: (كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) جوابه: لما تقدم قوله: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ) ناسب كذلك كذب الذين من قبلهم ، ولما تقدم في النحل: (مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) إلى قوله: (وَلَا حَرَّمْنَا) قال: (كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) .

 / قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) وفى " سبحان ": (خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ) الآية؟
 جوابه: أن قوله تعالى: (مِنْ إِمْلَاقٍ) وهو الفقر، خطاب للمقلين الفقراء، أي: لا تقتلوهم من فقرٍ بكم، فحسُن: (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ) ما يزول به إملاقكم ثم قال: (وَإِيَّاهُمْ) أى نرزقكم جميعا.
وقوله تعالى: (خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ) خطاب للأغنياء، أي خشية إملاق يتجدد لهم بسببهم، فحسُن: (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) .

 / قوله تعالى في آخر الوصية الأولى: (تَعْقِلُونَ) وفى آخر الثانية: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) . وآخر الثالثة: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ؟ 
 جوابه: أن الوصايا الخمس إنما يحمِل على تركها العقل الغالب على الهوى، لأن الإشراك بالله لعدم استعمال العقل الدال على توحيد الله وعظمته ونعمه على عبيده، وكذلك عقوق الوالدين لا يقتضيه العقل لسبق إحسانهما إلى الولد بكل طريق، وكذلك قتل الأولاد بالوأد من الإملاق مع وجود الرّازق الكريم، وكذلك إتيان الفواحش لا يقتضيه عقل، وكذلك قتل النفس لغيظ أو غضب في القاتل فحسن بعده: (تَعْقِلُونَ) .
وأما الثانية: فلتعلقها بالحقوق المالية والقولية، أي: لعلكم تذكرون في أنفسكم أن لو كان الأيتام أولادكم وكنتم أنتم المقايضين لأنفسهم ما يكال أو يوزن، أو المشهود عليه، أو المُقر له، أو الموعود، أكنتم ترضونه لأنفسكنم؟ فما لا ترضونه لأنفسكم لا ترضونه لغيركم.
 وأما الثالثة: فلأن ترك اتباع الشرائع الدينية مؤد إلى غضب الله تعالى وإلى جهنم لما فيه من معصية الله تعالى، فحسُن: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ذلك، أو تتقون عذاب الله سبحانه بسببه.

 / قوله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ)
وفى الأنبياء: (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ) قدم الإنزال ههنا وأخره في الأنبياء؟
 جوابه: قدم الإنزال ههنا ردا على قول فنحاص بن عازوراء: (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) فبدأ به اهتماما به، ولأن الكتب سماوية فناسب البداءة بالإنزال.
وأية الأنبياء في الذكر، فجاءت على الأصل في تقديم الوصف المفرد في النكرة على الجملة.

 / قوله تعالى: (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) . وقال تعالى في البقرة: (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ..) الآية.
جوابه: أن آية الأنعام لمطلق الحسنات، وآية البقرة خاصة في النفقة في سبيل الله السالمة من المن والأذى، وقد تقدم في البقرة .
 فإن قيل: ففي البقرة: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ..) الآية.
قلنا: وروده بعد قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ، يدل على ما قدمناه أو المراد بهذه الآية العشر فما زاد.

 / قوله تعالى: (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) . وقال في يونس عن نوح: (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) . وفى موسى: (أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ؟ .
جوابه: أن المراد أول الممسلمين من أهل مكة شرفها الله تعالى، لأنه أول المسلمين منهم، ولم يكن نوح أول من أسلم في زمانه، ومثله قول سحرة فرعون: (أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) يريد أولهم من قوم فرعون وآله. وأما قول موسى (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) أراد أول المصدقين بامتناع الرؤية في الدنيا ولم يرد الإيمان الذي هو: الدين.

 / قوله تعالى: (خَلَائِفَ الْأَرْضِ) . وفى فاطر: (فِي الْأَرْضِ) .
 جوابه: أن آية الأنعام تقدمها ما هو من سياق النعم عليهم من قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) إلى قوله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) فناسب الخطاب لهم في ذلك بلفظ التعريف الدال على أنهم خلفاؤها المالكون لها، وفيه من التفخيم لهم ما ليس في آية فاطر، لأنه ورد في آية فاطر نكرة، فقال: خلائف فيها، فليس فيه من التمكن والتصرف ما في قوله تعالى: (خَلَائِفَ الْأَرْضِ) .

/ قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ) . وفى الأعراف: (لَسَرِيعُ الْعِقَابِ) ؟
 جوابه: أنه لما تقدم ما يُؤذن بالكرم والإحسان في قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) الآيات ناسب ترك التوكيد في جانب العقاب.
وفى الأعراف: لما تقدم ما يؤذن بغضب الله وعذابه من اتخاذهم العجل، وحل السبت، ناسب توكيد جانب العذاب بدخول اللام.
-------------------------------------------------------
/ المصدر : كشف المعاني في المتشابه من المثاني لبدر الدين بن جماعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق