الاثنين، 4 نوفمبر 2013

متشابهات في سورة الأنعام -1-

/ قوله تعالى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)
جوابه : الفرق بين (خلق) و (جعل)  أن السموات والأرض أجرام فناسب فيهما (خلق) ، والظلمات والنور أعراض ومعانٍ فناسب فيهما (جعل) ومثله كثير كقوله تعالى (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا) [البقرة:22] أي : لا تصفوا ، (وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء) [الأنعام:100] . وهو كثير.

/ قوله تعالى (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) جمع الظلمات وأفرد النور ؟
جوابه : من جعل الظلمات الكفر والنور الإيمان فلأن أصناف الكفر كثيرة والإيمان شيء واحد . ومن قال بأن المراد حقيقتهما فلأنه يُقال : رجل نور ، ورجال نور فيُقال للواحد وللجماعة ، وواحد الظلمات ظلمة فجُمعت جمع التأنيث ولأن حقيقة النور واحدة وحقائق الظلمات مختلفة .

/ قوله تعالى (فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ)
وفي الشعراء (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) ؟
 جوابه : المراد بآية الأنعام الدلالة على نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- من الآيات والمعجزات فإن الآية التي تسبقها (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ) والمراد بالحق : القرآن ولكن لم يُصرح به . 
وفي الشعراء صرّح بالقرآن بقوله (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ) فعلم أن المراد بالحق القرآن فناسب ( فَسَيَأْتِيهِمْ) تعظيما لشأن القرآن لأن السين أقرب من سوف .
مع قصد التنويع في الفصاحة. 

/ قوله تعالى (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ) ، وفي الشعراء (أَوَلَمْ يَرَوْا) بالواو ، وفي سبأ بالفاء (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ)  ؟.
الجواب : إذا كان السياق يقتضي النظر والاستدلال جاء بغير الواو وهنا -في الأنعام- كذلك لمن يعتبر الآيات قبله ، وإن كان يقتضي الاعتبار بالحاضر والمُشاهد جاء بالواو والفاء لتدل الهمزة على الإنكار والواو عطفه على الجمل قبله كقوله تعالى (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ..) [الأعراف:185] ، (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ) [سبأ: 9] .

/ قوله تعالى (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ) ، وفي موضع آخر بالفاء (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا)  [النمل:69]وقال هنا (عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وفي النمل (عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)؟
جوابه : آية الأنعام ظاهرة في الأمر بالسير في بلاد المُهلكين فناسب (ثم) المرتبة على السير المأمور به . وفي المواضع الأُخر الأمر بالنظر بعد السير المُتقدم (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا) (1) فناسب أن ياتي بالفاء فكأنه قيل قد ساروا فلينظروا ، أو قد ساروا فنظروا عند سيرهم . 
ولما تقدم هنا قوله تعالى (فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ) ناسب قوله (عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ولم يتقدم مثله في النمل.

/ قوله تعالى (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام:12] ثم أعادها بعد الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:20) ؟
 جوابه : أن الأول للمشركين ، والثانية لأهل الكتاب ليعُم الفريقين .

/ قوله تعالى (وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وفي يونس (وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ)  .
قال هنا (يَمْسَسْكَ) وفي يونس ( يُرِدْكَ) 
وقال هنا (فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وفي يونس (فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ) ؟
جوابه : أن الضر إذا وقع لا يكشفه إلا الله تعالى فاستوى في الموضعين (2) ، وأما الخير فقد يُراد قبل نيله بزمن إما من الله تعالى ثم يُنيله بعد ذلك ، أو من غيره ، فهي حالتان : 
- حالة إرادته قبل نيله 
- وحالة نيله 
فذكر الحالتين في السورتين .
فآية الأنعام (وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) حالة نيله فعبر عنه بالمس المُشعر بوجوده ثم قال (فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي على ذلك وعلى خيرات بعده وفيه بشارة بنيل أمثاله .
وآية يونس (وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) حالة إرادة الخير قبل نيله فقال ( يُرِدْكَ) ثم قال (فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ) أي أراده قبل نيله ولذلك قال (يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ) ففي الآيتين بشارة له بإرادة الخير ونيله إياه وأمثاله بالواو فيهما. 

/ قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ختمها بـ (الظَّالِمُونَ) ، وفي يونس (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) بالفاء وختمها بـ (الْمُجْرِمُونَ) ؟ 
 جوابه : أن آية الأنعام ليس ما قبلها سببا لما بعدها فجاءت بالواو المؤذنة بالاستئناف. 
وآية يونس ما قبلها سبب لما بعدها فجاءت بالفاء المؤذنة بالسببية فبرأته من إشراكهم، وعِلْمهم بحاله سببٌ لكَوْنهم أظلم، فكأنَّما قيل: إذا صحَّ عندكم أنه صدق، فمن أظلمُ ممن افترى.
وختم هذه بـ"الظالمين " لتقدم قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ) ، وختم تلك بـ"المجرمين " لقوله: قبل ذلك (كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).

/ قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) 
وفى يونس: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ، (وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ) ؟ .
 جوابه: أن آية الأنعام في أبى جهل، والنضر، وأُبىّ، لما استمعوا قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الاستهزاء، فقال النضر: (أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) ، فلما قلّ عددهم أفرد الضمير مناسبة للمضمرين.
وآية يونس: عامة لتقدم الآيات الدالة على ذلك كقوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ) فناسب ذلك ضمير الجمع.
 وأفرد من ينظر لأن المراد نظر المستهزئين، فأفرد الضمير. أو أنه لما تقدم ضمير الجمع أفرد الثاني تفننا، واكتفى بالأول، أو تخفيفا مع حصول المقصود.

/ قوله تعالى (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)
وفيما سواها: (نَمُوتُ وَنَحْيَا) ؟
 جوابه: أن (قَالُوا) هنا عطف على قوله تعالى: (لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ) أي: لعادوا وقالوا: وفى غيرها حكاية عن قولهم في الحياة الدنيا.

 / قوله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ، وكذلك في الحديد (3) وغيرها.
وقدم في الأعراف (4) والعنكبوت(5) " اللهو" على" اللعب "؟
 جوابه: -والله أعلم-: أن اللهو عن الشيء تركه وإهماله والإعراض عنه ونسيانه.
 واللعب: معروف، وهو فعل مقصود لفاعله. فلما جاء في الأعراف بعد قوله: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) (48) وهو ذم لهم بالإعراض عن اتباع الحق وإهماله، ولذلك قال بعده: (كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَ)
وكذلك آية العنكبوت، جاءت بعد قوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)الآيتين دلّ بهما على إعراضهم عن الحق واتباعه مع علمهم به.
وأما في المواضع الأخر، فجاء في سياق ذم الدنيا والاشتغال عن الله تعالى بلعبها ولهوها وزينتها.

 / قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ) وكذلك في الآية الثالثة(6) ، وفى الثانية: (أَرَأَيْتُمْ) على العادة فيه. جمع فيهما بين علامتي الخطاب، وهما تاء الضمير وكاف الخطاب؟
جوابه: أنه لما كان المتوعد به شديدا أكد في التنبيه عليه بالجمع بينهما مبالغة في الوعد.

 / قوله تعالى: (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) . وفى هود: حذف (لكم) ؟ 
جوابه: أن آية هود تقدمها (لكم) مرات عدة، فاكتفى به تخفيفا. ولم يتقدم هنا سوى مرة واحدة.

 / قوله تعالى (قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا) وكذلك في سورة الأنبياء (مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ) قدم النفع على الضر. وفى الحج(7) والفرقان(8)  وغيرهما(9) : قدم الضر على النفع؟
جوابه: أن دفع الضر أهم من جلب النفع، فلما تقدم ذكر نفى المُلك والقدرة عنهم كان تقديم ذكر دفع الضر وانتفاء القدرة عليه أهم. ولما كان سياق غير ذلك في العبادة والدعاء والمقصود بهما غالبا طلب النفع وجلبه كان تقديم النفع أهم، ولذلك قال في الحج: (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) المقصود بالدعاء.     
--------------------------------
1- وردت في مواضع متعددة من سور القرآن (الروم،فاطر،غافر) .
2- (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) . 
3- (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ..) الآية .
4- (الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا...) الآية. 
5- (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ..) الآية.
6- (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ). 
7- (يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ).
8- (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا).
9- قدم الضر على النفع في : البقرة ، والمائدة ، ويونس ، وطه ، والفتح .
/ المصدر : كشف المعاني في المتشابه من المثاني لبدر الدين بن جماعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق