الجمعة، 1 نوفمبر 2013

الحلقـ14ــة / كيف نجعل سورة الكهف حياة

د.عصام العويد


حديثي معكم أيها الأحبة في هذه الحلقة يتعلق بكيف نجعل سورة الكهف حياة .
هذه السورة التي نكررها في كل جمعة يقرأها الصغير والكبير كثير منَّا يحفظها كيف نجعلها حياة في واقعنا ؟!
تكلمنا سابقاً أنك إذا اردت أن تجعل أي سورة من كتاب الله حياة فانظر إلى اسمها أولاً ، هي اسمها الكهف فما المراد منها؟! هناگ كهف لبني إسرائيل دخله سبعة من الفتية وثامنهم كلبهم نحن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- جعل الله لنا كهف لكنه كهف معنوي وليس بحسِّي يدخُل فيه سبعون ، سبعمائة ، يدخل فيه ملايين من الناس ما يضير ولا يضيق ولذلك جآءت سورة الكهف لتكون أمان لنا ، لأمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو الفرق بين النعمة المتعلقة ببني إسرائيل والنعمة المتعلقة بنا نحن ، نِعَمهم دائماً تكون معنوية أشياء مادية هكذا أمَّا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فتكون هي معنوية خاصة بنوع من الروح ، الإيمان الشيء الذي ممكن أن يستفيد منه كل أحد في أي مكان بخلاف معجزة حسِّية معينة يراها مجموعة من الناس ، فكان هذا الكهف وهو سورة الكهف أمان لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- لمن أراد أن يدخل فيه من كل فتنة .
أين كانت هذه الفتنة؟
 لو أردنا أن ننظر للسورة أحبتي -افتحوا على سورة الكهف - أنت تفتح هكذا المصحف وتقرأ في يوم الجمعة ،الرجال يقرؤن في الجامع،والنساء يقرأن في البيوت ، أول ما نفتح نقرأ قول الله -عز وجل- (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا) سبحان الله بدأت سورة الكهف بذكر القُرآن لماذا ؟! لأن هذا المصحف ، هذا القرآن هو الوسيلة العُظمى للنجاة من كل فتنة ، فإذا أراد الشاب أن ينجو من فتنة -مثلاً- النساء والنظر إلى الحرام ،أرادت البنت أن تنجو من فتنة الإسراف والتبذير ، أراد الرَجُل أن ينجو من فتنة أكل الحرام ، أرادت المرأة أن تنجو من فتنة الكلام الحرام ، إذا أردنا ذلك فهُنا في كتاب الله النجاة من كل فتنة.
 حينما أيضاً نريد أن نختم سورة الكهف ننظر في آخرها فإذ بالله -عز وجل- يقول لنا في ختامها وهو يُذكِّرنا بقضية غاية الأهمية (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) تريد أن تنجو من آثار الفِتن تعال هُنا (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ) ماذا يفعل (فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا) ثم (وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) أن تأتي إلى الله بالحسنة الخالصة ، بتوحيده الكامل التام -جل وعلا- عندئذٍ أبشر لن تَضِيرك أي فتنة وقعت بها في هذه الحياة الدنيا ، ولذلك أيها الحبيب المبارك كن بين هذين تنجو من كل الفتن بين الوسيلة العُظمى القرآن وبين الحسنة العُظمى التي تمحو أثر كل فتنة على وجه هذه الأرض.
 اذا أردنا أن نستشعر أهمية هذه السورة بالنسبة لنا فلابد أن تستشعر خطورة الفِتن على الإنسان ، الإمام أحمد -رحمه الله- لمَّا كان في مرض الموت عرض إليه الشيطان يقول أصحابه -من حول الإمام- أحمد يقول فكان الإمام أحمد يقول لا بعدُ ، لا بعدُ ، لا بعدُ ، فلمَّا أفاق قليلاً قالوا يا إمام ماذا يعني أن تقول لابعدُ ،لابعدُ؟ قال إن الشيطان قد عرض لي فقال : فُتَّنِي يا أحمد فُتَّنِي ، يا أحمد ، فقلت لا بعدُ ، يعني إلى الآن لم أفُتك لأنه لم يمتْ ، لم تخرج الروح من الجسد فكان أحمد يخشى من الفتنة حتى في آخر لحظات الحياة .
هُنا أخي المُبارك لابد أن نُدرك خُطورة الفتنة علينا في كل أُمورنا ، والله أحبتي واسمعوا مني : كُنَّا طُلاب علم عند شيخنا الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله رحمة واسعة- وكان من الحاضرين ممن معنا في نفس الغُرفة أُناس كُنَّا في آخر الليل يقوم الأحبة يُصلون يتهجدون يبكون ، يتضرعون ،وكُنا نرى من إخواننا أُناس من أشدهم منَّا صلاة ، ومن أشدهم حرصاً على طلب العِلم ومن أشدهم حضوراً لحلقات الدرس عند الشيخ محمد -رحمه الله- والله أحبتي ما إن مضت السنوات حتَّى رأينا بعضهم يُشارك في تفجيرات التي أجمع أهل العلم على تحريمها ، ورأينا بعضهم مُضَرَّجين بالدماء قد قُتلوا بسبب دخولهم في هذه الفِتن ولذلك هُنا نقول للناس لا تأمن على نفسك الفِتنة مهما كان بل يجب عليك أن تخشى أن يتلبس الإنسان بشيء منها أيَّا كان نوعها .
أذكُر أيضاً في الجِهة المقابلة أن بعض الإخوة كان معنا عند شيخنا الشيخ صالح آل الشيخ  مدة طويلة من الزمن في طلب العِلم والله ماهي إلا مدة من الزمن حتى رأينا حاله تَغيرت تماما تماما حتى إن بعض الإخوة كان يتعجب ويسأله يا فلان يا فلان يا فلان ما الذي جرى لك وكُنَّا لا نسمع إجابة وإلى الآن والحال كما نرى يعني قد تغيرت كثيراً عمَّا عهدنا عليه ذاك الصاحب . ما الذي يُغير الناس؟ إنه حيناً أن يأمن الفتنة على نفسه ثم لا يلجأ إلى الله -عز وجل- ولا يقرأ سورة الكهف سائلاً المولى الذي أنزلها أن يحفظه من شر هذه الفِتن . ولذلك أيها الحبيب وأيتها الفاضلة حينما ندرس سورة الكهف يجب أن نُدرك تماماً أنَّا بأمس الحاجة إلى شفائها ودوائها أن تحفظنا من شر الفِتن أيا كانت فإن الله -عز وجل- قد ذكر فيها فِتنا أربع :
 ١- فتنة الدين
 ٢- وفتنة المال
 ٣- وفتنة العِلم
 ٤- وفتنة الجاه والسُلطان
 وكُلها فِتن قد يدخل الإنسان في شيء منها من دون أن يشعر. أسأل الله عز وجل أن يحفظني وإياكم من شرها.
 نأتي بعد ذلك إلى خاتمة السورة : إذا أردت أن تأخذ زُبدت وخلاصة أي سورة من القرآن لابد وأن تنظر إلى خِتامها دائماً ما يكون البدء بأهم ما في السورة والخِتام خُلاصة لما تتضمنه هذه السورة ، لمَّا نفتح أيضاً هذا القرآن العظيم نقرأ في أواخر سورة الكهف ماذا يقول الله -عز وجل- لنا؟ اسمعوا أحبتي إلى قول الرب سبحانه وتعالى وهو يتحدث عن أكثر الناس خسارة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) كيف ؟! هذا إنسان يعمل في الدُنيا ويظن أنه على خير إمَّا مثلاً أنه وقع في بِدعة من البِدع كحال بعض الغُلاة في العبادة من الصوفية ، أو حال أصحاب العقائد الباطلة الرافضة ، غيرهم من الناس يظن أنه على حق بل إنه أحياناً يُعرض نفسه للموت من أجل هذه العقيدة التي يعتقدها وهو على باطل يقول الله -عز وجل- مهدداً ، مُحذراً ، مُخوفاً (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا) من هو أبعد الناس؟ الذي يفعل الفعل يظن أنه على خير وهو على باطل.
 لمَّا قابلت بعض الأحبة وكان عندهم شي من الوقوع في عدد من المعاصي الكِبار فكنت أجلس معهم أتحاور أنا وإياهم فكان يقول لي بكل جُرأة يعني أيش في حرام ليس هناك حرام في هذا والله كان بعضهم يأكل أموال اليتامى ولكن بالحيلة ، يأكل بعض أموال الضعفاء والمساكين بالحيلة ، بعضهم يعتدي على الحُرمات والأعراض ويحتال من هنا وهناك ، أضرب مثال يقع فيه بعض الناس -هداهم الله وهدانا جميعاً لما فيه الحق- : بعض الإخوة يسافرون إلى الخارج ثم يَزعُم أنه يريد أن يتزوج فيتزوج لمدة أسبوع أو أسبوعين بما يُسمى بزواج المِسفار ثم يُواقع فتاة يزعُم أن هذا نِكاح صحيح ويعود بعد أسبوعين وقد تركها وطلقها ويقول : أبداً نكاح المرأة على هذه الطريقة صحيح ولا فيه إشكال .
سبحان الله هذه المرأة حينما نكحها هذا الرجُل هل كانت قبل أن ينكحها قد تأكد من عِفتها والله -عز وجل- يقول في محكم تنزيله (وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) ، ثم بعد ذلك حينما تركها وطلقها هل هي ستمكث العِدة الشرعية التي فرضها الله -عز وجل- على النساء ، ثم بين هذا وذاك حينما تخرج منه في ليلته هل يعلم هو أين تذهب هي بعده ، أشياء كثيرة لو تأملها  الإنسان علِم ماذا يعني قول الله -عز وجل- (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا). أسأل الله -عز وجل- أن لا يجعلني أنا وإياكم منهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق