الخميس، 17 أكتوبر 2013

القلــــــم



 الحمد لله على فضله والصلاة والسلام على أشرف رسله وخير خلقه وبعد..
 نستأنف معكم أيها المباركون دروسنا في هذا المسجد المبارك ولقاء اليوم موضوعه أو عنوانه " القلم " . والقلم سمي قلم لأنه يُقتص ولأنه به يُقتص ، ولذلك يقال تقليم الأظافر بمعنى نقصها . والقلم ذكر في القرآن في مواضع سنعرج عليها إن شاءالله تعالى وهي أربعة.
 / قال أصدق القائلين : (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) أما حرف "ن" فالأظهر أنها من الحروف المتقطعة التي جاءت في أول كثير من سور القرآن ، بقينا في (وَالْقَلَمِ) الواو واو القسم بالإتفاق ، (وَالْقَلَمِ) أقسم الله -جل وعلا- به، وكفائدة نحوية أهل النحو يقولون: حروف القسم أكثر الحروف ذكرا لله، كفائدة نحوية النحاة يقولون أن حروف القسم أكثر الحروف ذكرا لله ، بمعنى أنها دائما تتصل بلفظ الجلالة . (وَالْقَلَمِ) ما المراد بالقلم الذي أقسم الله به هنا؟ تفصيلا نقول : الأقلام ثلاثة .. قلم خلقه الله بيده وهو الذي قال فيه : اكتب ، قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب مقادير كل شيء إلى يوم القيامة ،هذا القلم الأول. القلم الثاني : الأقلام التي بأيدي الملائكة التي يكتبون بها، طبعا  نتكلم عن جنس القلم . القلم الثالث : الأقلام التي بأيدي الناس التي يكتبون بها معاشهم ويدونون بها شؤون حياتهم . هذا مجمل أنواع وأقسام الأقلام.
/ قال ربنا : (ن وَالْقَلَمِ) إذا قلنا إن الألف واللام في قول الله والقلم للعهد فليس في العهد -الذهن- إلا القلم الأول الذي خلقه الله ، وإما أن يكون المراد أن الألف واللام ليست للعهد وإنما للجنس فيصبح القسم بالقلم أي بالكتابة وهذا أرجح ، ولماذا قلنا إنه أرجح؟ لأن سورة القلم من أوائل السور التي نزلت في مكة ، ومعلوم أنه وقتها ما انتشر الحديث ، وما عرف الناس المراد بالقلم الذي خلقه الله -جل وعلا- أول ما خلق . واضح . فنرجح أن المقصود أن الألف واللام للجنس ، وعندما نقول نرجح لانعني الجزم.
 (وَالْقَلَمِ) فأقسم الله بالقلم ، (وَمَا يَسْطُرُونَ) أي وما يكتبون، هل المقصود الملائكة ؟ هل المقصود البشر؟ كل ذلك وارد ، والأصل أن الآيه تحتمل المعنيين ، وما دامت تحتمل المعنيين ولا تعارض بينهما فيبقى الحال على الجمع بينهما ما تكتبه الملائكة وما يكتبه الناس. أين جواب القسم؟ (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) المخاطب؟ نبينا -صلى الله عليه وسلم- ، "ما" هذه ماذا تسمى؟ ما النافية لكن لها اسم زايد (بِمَجْنُونٍ) تدل عليها ، تسمى ما الحجازية ، معنى ما الحجازية : بنو تميم طبعا عرب أقحاح لا يجعلون "ما" تعمل عمل "ليس" ، والحجازيون يجعلون "ما" تعمل عمل "ليس" بمعنى أنها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر ، ويكثر في خبرها الالتصاق بالباء كما الآية ، قال ربنا : (مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) .
 زعم القرشيون -كفرا وبهتانا وظلما وعدوانا- أن رسولنا الله -صلى الله عليه وسلم- مجنون ، قال له ربه : (مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) "الباء" في (بِنِعْمَةِ) ما المراد بها ؟ اختلف العلماء:
- منهم من قال أن الباء هنا قسم فيصبح ونعمة ربك ما أنت بمجنون.
- وقيل الباء هنا سبب والمعنى ما أنت بفضل الله عليك بمجنون . وهذا أرجح .
 ولا ريب أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكمل العقلاء، وسيد البشر وخيرة الله -جل وعلا- من خلقه -صلوات الله وسلامه عليه- وصفوته من أنبيائه . (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) ..هذه الآية الأولى .
 الآية الثانية : قال الله (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) بهذا افتخر الكتّاب أن الله قال : (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) وقد جعل الله حياة الناس قديما وحديثا مرتبطة جدا بالكتابة فمعلوم أنه لولا فضل الله على الناس بالكتابة لعُطلت الكثير من المصالح ، والكثير من المنافع ، ولما قام للناس شأن ، لكن الله علّم عباده الكتابة حتى تقوم مصالحهم ، وتُدار شؤونهم وتبقى معيشتهم ظاهرة . على أن الله -جل وعلا- عصم نبيه -عليه السلام- تكرمة له من أن يتعلم الكتابة (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ*بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ) فهو -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يقرأ ولا يكتب ، لكن هذا الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب علّم الله به الخلق إلى قيام الساعة ، قال شوقي :
يا أيها الأمي حسبك رتبة ** في العلم أن دانت لك العلماء
 وقال له:
 أخوك عيسى دعا ميتا فقام له ** وأنت أحييت أجيالا من الرمَمِ.
 صلوات الله وسلامه عليه. (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ويدل على هذا أن الله -جل وعلا- ذكر الكتابة في كثيرمن شؤون الحياة قال : (وَلاَ تَسْأَمُوْا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ) إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة في هذا الشأن .
/ من الآيات التي ذكر فيها القلم قول الله -جل وعلا- (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) هذا فيه تعظيم من الله لله، ومرّ معنا مرارا من الكلام الذي يجلو ويحلو من تكراره أو مع تكراره.
القرآن كله عظيم لكنه ينقسم في عظمته إلى قسمين :
أعظم القرآن كلام الله عن ذاته العلية ، فهذه الآية من جنسها ، ربنا -تبارك وتعالى- يقول: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ) أي كل أشجار الأرض بُريت فأصبحت أقلاما (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) أي لو قُدر أن جميع أشجار الأرض قُطعت وبُريت فأضحت أقلاما ، والقلم يحتاج إلى مِداد ، يحتاج إلى حبر (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) بمعنى أن بحار الدنيا -اسم جنس- وعلى المبالغة أضيف إليها سبعة أبحر وليس المراد السبعة عددا ، وأضحت هذه البحار كلها مدادا تُوضع فيه هذه الأقلام فتكتب كلمات الله لنفدت الأقلام وجف المداد ولم تنفد كلمات الله ، يوجد نفذ بمعنى اخترق ويوجد نفد -بالدال- بمعنى انتهى (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ) ومن دعاء الصالحين : "اللهم يا من لا تنفد خزائنه ارحم من نفدت خزائنه". أعظم منه : "اللهم يا من لا تنفد خزائنه ارحم من لا خزائن له أصلا" . كلما أظهرت لله العلي الكبير افتقارك كنت أقرب إلى ربك .
 (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) لأن كلمات الله صفة من صفاته ، فالشجر ينفد لأنه مخلوق ، ولكل مخلوق نهاية ، والبحر ينفد لأنه مخلوق ولكل مخلوق نهاية ، أما كلمات الله فهي صفة من صفاته والله خالق ليس بمخلوق ، تنزّه ربنا عن الصاحبة والولد وتقدس فلم يلد ولم يولد وتعالى فلم يكن له كُفوا أحد.هذا ما يتعلق بها، ومن الأدلة على أن كلام الله مُنزل غير مخلوق.
 الآية الرابعة التي ذكر فيها القلم قول الله -جل وعلا- في سورة آل عمران : (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) هنا الأقلام بمعنى الأقداح أو بتعبير آخر كما قال بعض أهل العلم بتعبير سهامهم ، بمعنى أنهم كانوا يجرون القرعة أيهم يكفل مريم ، والقرعة ثابتة في سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، وقال -عليه الصلاة والسلام- في فضل الصف الأول : (لاستهموا عليه) [1] ، أي أقرعوا بينهم. والمراد من الآية : أن مريم -عليها السلام- مات أبوها عمران فأصبحت يتيمة فكل أحد من بني إسرائيل رغب أن يكفلها ، لعلمه بمكانة عِمران في التقوى ، فالعبد إذا كان تقيا سخّر الله -جل وعلا- له خلقه ، فلما كان عمران قد عُرف بالصلاح ومات عن ابنته رغب كل شريف من بني إسرائيل أن يبُر عمران في ابنته ، فلما اختصموا لجؤا إلى القرعة ، قال ربنا : (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ثم حظي زكريا وهو زوج خالتها بها لأن أم مريم كانت أختا لزوجة زكريا فهو زوج خالتها فكان أحرى أن ينالها بعد أن أُقيمت القرعة ، فأقلام هنا بمعنى الاقتراع . وقد ذكر الاقتراع كذلك في خبر نبي الله يونس ، قال ربنا -تبارك وتعالى- : (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ) يعني اقترع .
هذه أربع آيات تحدث الله -جل وعلا- فيها عن القلم . نحن ما الذي يعنينا ؟ يعنينا القلم الذي بيد الكرام الكاتبين فيما يكتبون عنا ، وقد أوصى بعض الصالحين أخاه فقال : "إن ما تقوله وتلفظه يكتبه الملك ويُرفع إلى الله ، فانظر على من تُملي وإلى من يُرفع ، والله -جل وعلا- يقول : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَامًا كَاتِبِينَ) على خلاف بين العلماء هل ما كان حديث قلب محض يعلمه الملك أو لا يعلمه؟
قال كثير: "يعلمه الملك ويكتبه إن كان خيرا"
وقال بعض أهل العلم : "هذا مما لايعلمه الملك" ، لكن جاء حديث نذكره لنؤدب أنفسنا ، يؤتى ببعض الناس يوم القيامة وفي صحائفهم أعمال فتُثني الملائكة عليهم فيقول رب العزة -وهو أعلم من ملائكته- بل ليس علم الملائكة بشيء أمام علم الله ، فالملائكة كتبت على ظنها أن هذا أراد به وجه الله، فيقول الله هذا أردت به كذا ، وهذا أردت به كذا، وهذا أردت به كذا ، من التي تتعجب ؟ تتعجب الملائكة ، تقول له بُعدا لك ألغير الله كنت تعمل؟! هذا نقول نؤدب أنفسنا وننصح إخواننا : حتى تُرزق ، أو نُرزق -ما أمكن- شيئا من الإخلاص أن نعرف عظمة الله وضعف خلقه ، فإذا عرفت ضعف الخلق لن تقبل أن تصنع شيئا من أجلهم ، وإذا عرفت عظمة الله استحييت أن تعمل عملا لغير وجهه ، استحييت أن تعمل عملا لغير وجهه ، كل من على الأرض ، مُلوكها وعامتها يأكلون ويشربون كما نأكل ونشرب، يموتون -أو سيموتون- كما نموت -أو سنموت- ، خُلقوا من تراب وخُلقنا من تراب ، نُقبر ويُقبرون، نُحشر ويُحشرون، فأي عبد هذا الذي من أجله كنت تعمل فضلا عن الأصنام والأوثان مما يصنعه الكفار ، إذا تبين هذا ما يقبل العاقل أن يصنع لهم شيئا ، ولابد للعمل من شيء يُراد به فلم يبق إلا وجه الله ، الله -جل وعلا- يقول (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ) فالإنسان إذا أسلم وجهه لله وأحسن العمل كان على دين قيّم ، ألا وإنا لو سألنا أي أحد من المؤمنين من هو ذو الوجه الأكرم ؟ لأجاب : الله ، والله يقول هنا: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه) فلتكن رغبتك ، ما في طيات قلبك حالا ومقالا أن تقول : "اللهم يا كريم الوجه أسلم وجهي لك" (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) . المقصود قلنا الذي يعنينا ما يكتبه الكرام الكاتبون.
يبقى بعد ذلك ما نكتبه نحن ، وما ندونه ، وفي زمن مثل هذا شاع ما يُعرف بالشبكة التي تسمى بالإنترنت ، فهذه سوغت للناس أن يكتبوا من غير أن يُعرفوا ، وكون الإنسان يكتب وهو يستطيع أن يُخفي اسمه ورسمه يجعله يشعر بقلة الرقيب ، فلا يستطيع حاكم أو قاض أو شرطي أن يحاسبه ، هنا يظهر حقيقة الإيمان لأن من يخشى الله لايمكن أن يتجرأ ويكتب شيئا يعلم أنه يغضب الله ، يأتي لعرض مؤمن فيقول فيه ما يقول دون أن يُبالي ، هنا يظهر مدى خوف العبد من الله ، لأنه لو كتبت ما كتبت غالب الظن -على ما أعلمه من أهلها- أن السلطان ، الحاكم ، القاضي ، الأمن يعجز أن يصل إليك -هذا إذا رغب- فتبقى المسألة متعلقة بين العبد وبين ربه، فإذا أراد العبد أن يختبر خشيته من الله هذا من المواطن التي تختبر فيها الخشية من الله -تبارك وتعالى- فيخشى العبد على نفسه أن يتعرض لأعراض المؤمنين ، أو أن يقول في مسلم كلمة أو قولا تشيع في الناس فينال سوء عاقبتها وقد يناله -عياذا بالله- من سوء الخاتمة ما يناله ، فوالله لو اطلع الأحياء على أهل القبور لتغير كثير من الناس عما هم عليه ، وقد أخبر الله عن حال أهل القبور ، وصحيح أنه ليس الخبر كالمعاينة لكن ثمة لله عباد -جعلني الله وإياكم منهم- إذا قرؤا القرآن علموا حقا ويقينا أن ما أخبر الله به حق فكان في القرآن واعظ لهم على أن يأتوا ما حرم الله، ألم يقل الله (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) وقال الله :(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) ومن عرف أنه سيُقبر ويُسأل أحجمت جوارحه على أن تعصي الله ، والذنوب ثلاثة : شرك وهذا لا يغفره الله البته ، وشيء بينك وبين الله فهو إلى المغفرة أرجى ، وشيء .... لا يتركه الله -جل وعلا-أبدا حتى يقتص -جل ذكره- للشاة الجماء من الشاة القرناء وهما كلاهما سيكون ترابا فكيف بمسلم يصلي ويصوم ويذكر الله وقد تُكلِّم في عرضه أو نيل منه أو حُطّ من قدره ظلما وعدوانا ، ومن أراد أن يعظ نفسه فليقرأ الأحاديث التي تكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها عن حياة البرزخ فإن فيها من المواعظ والعِبر ما يجعل الإنسان يخشى الله ويتقه في خلوته وجلوته وفي سره وعلانيته ، وقد قال بعض خلفاء بني أمية لبعض الصالحين -لا أذكر اسمه الآن- قال له : كذا وكذا أبوك؟ قال : "والله لو أخبرك أخوك -الخليفة الذي قبله- قال لو أخبرك أخوك بما هو فيه لقصُرت عما أنت فيه" أي لن تتمادى لو اطلعت على ما يكون في أحوال الموتى . يسوقني هذا -وإن كان الحديث عن القلم-يسوقني إلى الحديث عن حياة البرزخ سأقرب لك الصورة :
 النائم أحيانا ينام فيرى في نومه حلما مُفزعا ، إما أنه يُعذب أو يُنكل أو أنه يؤذى فتراه يشعر أنه يريد أن يخرج من جسده ويتمنى متى يفتح عينيه ، فإذا فتح عينيه وانتفض وقام أكثر شيء يشعر به أنه يقول الحمد لله أنها كانت رؤيا ، كان حُلما ويتحسس جوارحه نشعر بهذا كلنا ولا يكاد يمتلكه الفرح وهو على فراشه أن ذا لم يكن حقا. هذه صورة يسيرة لما يقع في حياة البرزخ فإن أهل القبور يُعذبون بمثل هذه الطريقة لكنها ليست حلما ولا رؤيا ، لا يفزع ، لا يقوم ، يبقى يُعذب حتى يقوم الأشهاد ، ومن يقدر على هذا ؟ والله لايقدر عليه أحد -نسأل الله لنا ولكم العافية- لكن العافية كما تطلب بالدعاء تطلب بالسعي والعمل من أن لا يتحمل الإنسان شيئا من أوزار الناس، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لأحد أصحابه : (أما وإنكم ستفتحون مصرا وإنها أرض يذكر فيها القيراط فأوصيكم بها خيرا وإن لهم ذمة ورحما..) هذا الحديث يعرفه الناس ، ما خاتمة الحديث ؟ قال له : (فإذا رأيت فيها رجلين يختصمان على لبنة من الأرض فاتركها). فالصحابي دخل مصر فسمّى اثنين من أهلها ، مِمن سكنها من الصحابة ومن التابعين يختصمون على موضع لبنة فتركها . لماذا تركها؟ ليس رغبة عن مصر فمصر سكنها الأنبياء ، لكن خوفا من الظلم أن يُرى ، اختصما على موضع لبنة فأصبح أحدهما ظالم للآخر ، يعني إما أن تكون أرضك أو تكون أرضي ، فالمقصود الفرار من ظلم العباد ونحن نكرر هذا دائما وأبدا لما نرى من ظلم العباد بعضهم لبعض إما بالأقوال وإما بالأفعال ، فوالله حتى تنجو فلتكن ممن يقوم يوم القيامة فلا يسألك الله عن أحد من خلقه أنك ظلمته . عافانا الله وإياكم من كل سوء والحمد لله رب العالمين.
-----------------------
1- عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّداءِ والصَّفِ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عليه لاسْتَهَمُوا. وَلَوْ يَعْلَمُونَ ما في التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إليه. ولَوْ يعلمون ما في العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوا ". (متفق عليه).
/ الشكر موصول لمن ساهمت في تفريغ الحلقة جزاها الله خيرا ونفع بها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق