الثلاثاء، 2 يوليو 2013

الرفع والوضع -٣-



الحمد لله خالق الكون بما فيه وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ..
 فقد جرت عادتنا في هذه الدروس المباركة أن كل مفردة نخصص لها لقاءين ، وكنا قد أومأنا -أشرنا- في أول هذه اللقاءات إلى أن مفردتي الرفع والوضع ربما نجعل لها ثلاث لقاءات وكذلك سنفعل إن شاء الله ، وفي هذا اللقاء نتحدث عن الرفع والوضع وهو الجزء الثالث منها ، وبها نختم الحديث عن المفردتين ، وفي الدروس القادمة إن شاء الله نتناول مفردات أُخر .
/ نأخذ بعض الآيات التي ورد فيها الرفع والوضع إحداهما على عَجَل والأخرى على باب التفصيل أما التي على عَجَل فقول الله -عز وجل- : (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)  وقعت في بعض قلوب الصحابة أنه لو أن المنافقين خرجوا معهم في تلكم الغزوة لكان قد يكون الأمر أنفع ، فأنزل الله -جل وعلا- قوله -ليقطع حبائل الشيطان- يخبر قال : (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم ) هم خرجوا أم لم يخرجوا؟ لم يخرجوا ، ومن هنا قال العلماء كما تعلم أن الله يعلم ما قد كان وما يكون وما هو كائن ، هذه كم ؟ ثلاثة ، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون ، ومن دلائل هذا هذه الآية ، فإن الله يقول : (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ) وهذا موضع الشاهد : "الإيضاع" نوع من السير نوع من المشي ، يقول دريد بن الصُّمة :
 ياليتني فيها جذَع أخبُّ فيها وأضع ** أقود وأطفأ الدمَع كأنها شاة صَدَع
المراد السير ، فالمراد من الآية أنه لو قُدِّر أن هؤلاء المنافقين خرجوا معكم إنما سيسعون بينكم سيسرون بيكم بالنميمة والإفساد ويُذهبون عنكم أُلفَتكم وصلاح ذات بينكم ، هذا المراد من الآية لكنني مررت عليها في أعوام مضت فلا حاجة للتفصيل فيها لكنني أتيت بها هنا لأن فيها مفردة الوضع .
/  أما الآية التي سنقف عندها طويلا هي قول الله تبارك و تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) 
أصل الآيات أيها المبارك تتحدث عن اليهود لأن قبلها قول الله -جل وعلا- : (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا) فأمر الله نبيه موسى أن يختار سبعين رجلا ليعتذروا إلى الله عما وقع من بعض بني إسراءيل من عبادة العِجل ، ثم جاءت الآيات تخبر وانتهت بقول الله -جل وعلا- : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ثم قال الله تبارك وتعالى : (فَسَأَكْتُبُهَا) ما هي ؟ الرحمة ، (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) ثم بيّن من هم هؤلاء قال : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ) أي من أهل الكتاب ، يتبعون من ؟ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ) كم وصف هذا ؟ ثلاثة ، الرسول ، والنبي ، هذه ظاهرة ، والعلماء يقولون كل رسول نبي وليس كل نبي رسول وبينهما فوارق ذكرها العلماء من أشهرها : أنهم يقولون أن من بُعث بشرع جديد ناسخ لما قبله فهذا رسول ، ومن بقي على شريعة من قبله فهذا نبي ، وهذا أظهر الأقوال -والعلم عند الله- ونبينا -صلى الله عليه وسلم- قطعا هو نبي ورسول وهو خاتم الرسل ، قال الله : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ) بقينا في الأمي أي : من قوم أميين وهم العرب ، وهو قد قال -عليه الصلاة والسلام - : (إننا أمة أمية لا نكتب ولا نحسِب الشهر هكذا) وأخذ يشير بأصابعه -صلوات الله وسلامه عليه-.
والأميون: هم من كانوا ليسوا أهل كتاب ، فاليهود أهل كتاب وكتابهم التوراة ، والنصارى أهل كتاب وكتابهم الإنجيل ، فالله يقول هنا : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ) لا بشخصه وإنما بوصفه .. أين ؟ في الكتب (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ) اليهود يجدونه في التوراة ، والنصارى يجدونه في الإنجيل (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ) -صلوات الله وسلامه عليه- ، فدلت الآية قطعا على أن وصفه صلوات الله وسلامه عليه كان سابقا لنبوّته وبعثته ومولده قبل ذلك قطعا وهو أنه كان موصوفا ببعض وصفه في القرآن في التوراة والإنجيل .
عبد الله بن عمر بن العاص صحابي ، وهو أحد العبادلة لقيه عطاء بن يسار-الحديث في البخاري- فقال عطاء لعبد الله بن عمرو ، وكان عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنه- يقرأ في التوراة ، فقال له : يا عبد الله هل تجد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- في التوراة ؟ أي ما اطلعت من التوراة هل تجد فيه وصفا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ؟ قال عبد الله : نعم ، فيه بعض وصفه في القرآن ، ثم قرأ عبد الله على عطاء بعض ما يحفظه من التوراة التي فيها وصف لنبينا -صلى الله عليه وسلم- ، قال -هذا يمليه عبدالله على عطاء- ، الوصف يبدأ أولا بقول الله في الأحزاب : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) فهذا مكتوب في التوراة ومكتوب في القرآن في سورة الأحزاب ، الزيادة عليه في التوراة : "إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا و نذيرا وحرزا للأميين سميتك المتوكل ولست بفض ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح الله بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غُلفآ" . هذا النص الذي أمليته أخذه عبد الله بن عمرو بن العاص من التوراة . خرج عطاء ، لقي كعب الأحبار ، من كعب الأحبار ؟ كعب بن ماتع الحميري ، لما أقول الحميري قادم من أين ؟ من اليمن ، وهو يهودي من اليمن كان يحمل علما جما ، أسلم زمن عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- ، وكان عمر يستأمنه يثق فيه ، ويسأله الصحابة عن العلم كثيرا لأن الله أعطاه علما كثيرا عن أهل الكتاب ، يقول عطاء فلقيت كعبا فسألته : هل تجد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- في التوراة ؟ قال : نعم ، قال كعب لعطاء مثلما قاله عبد الله لعطاء ، يقول عطاء : فوالله لم يخرم عنه حرفا إلا أنه قال -أي كعب -: يفتح الله بها أعينا عموميا ، وآذانآ صموميا ، وقلوبا غلوفيا. قال الطبري : هذه لغة حِميَر . لأن ابن عطية وبعض العلماء قال : هذا وهم أو عجمة ، لكن الصواب أن هذه لغة حميرية . قال عطاء : ثم زاد كعب -أي زاد كعب على النص الذي أعطاني إياه- أعطاني زيادة قال فيها : "مولده بمكة -هذا مكتوب في التوراة- ومهاجَره بطيبة ، ومُلكَه بالشام ، وأمته الحامدون ، يحمدون الله على كل حال ، و في كل منزل" جلعني الله وإياكم منهم .. آمين . هذا القول قاله كعب لعطاء ، يُخبر عما في التوراة من نبأ وخبر نبينا -صلى الله عليه وسلم- .
قال الله -عز وجل- هنا : (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ) وهذا قوام الدين ، فالمعروف يدخل فيه كل ما أمر الله به من التوحيد الذي هو أعلى المقامات إلى الدين كله ، و ينهاهم عن المنكر ،عن الشرك الذي هو أعظم الذنوب إلى المعاصي كبيرها وصغيرها (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ) فكل ما أحله الله لنا فهو طيب (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) فماذا نقول ؟ من الخطأ أن تقول كل خبيث محرّم ، لكن قل : كل محرّم خبيث ، لا بد أن تفقه كيف تستنبط من القرآن . الله يقول : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) فما حرّمه الله قطعا فهو خبيث ، لكن قال -صلى الله عليه وسلم- (وكسب الحجّام خبيث) والحجّام يأخذه والرسول -صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى الحجّام ، وقال -صلى الله عليه وسلم- عن الثوم أنها شجرة خبيثة ولم يأكل منها و لم ينهَ الصحابة أن يأكلوا منها ، فليس كل خبيث محرّم لأن الخبث نسبي ويقول الله : (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ)  أي إذا غٌلِبتم عليه تأخذوه ، لكن يقال كل ما حرمه الله فهو خبيث ، هذا من الآية .
 قال الله : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ) وهذا موضع الشاهد في الآية (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ) إصرهم : الِثقل الذي يكون بعهد و ميثاق يسمى إصر ، دل عليه القرآن : (وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) أي عهدي وميثاقي المكتوب ، (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) الآن الآية تخاطب في المقام الأول اليهود ، نحن قلنا أن موسى أخذ سبعين رجلا ، قلنا الآية في المقام الأول تخاطب أهل الكتاب تخاطب اليهود (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) وكان من الإصر والأغلال التي كانت عليهم في ديانتهم السابقة أن من أنواع التوبة عندهم أن يقتل الرجل نفسه ، وفي ديننا (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ) وكان محرما عليهم أن يأخذوا الغنائم ، يأكلوها وجعلها الله -جل وعلا- لنا ، وغير ذلك مما هو ظاهر بيّن في الدين .
 قال ربنا : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُالنور هنا القرآن (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فحكم الله بالفلاح على من آمن بنبيّه وعزره ونصره وآمن بالنور الذي أُنزل معه ، حتى لا يظنن أحد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يُبعث الا للأميين وإلى أهل الكتاب ، ما الآية التي بعدها ؟ (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) حتى يُعلم أنه -صلى الله عليه وسلم - بُعث للناس كافة ، ليس فقط الأميين واليهود والنصارى ، قال الله -عز وجل- بعد هذه الآية (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) وقد بعث الله هذا النبي الأمي -صلوات الله وسلامه عليه- إلى الناس جميعا وقد قال (إنه لا نبي بعدي) ، قال الله في الآية التي سلفت : (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ) من أول من قام بهذا الأمر ؟ الصحابة ، فكل الخير في الثناء والترضي عليهم وأن يقوم الإنسان بما قاموا به ، فنصرته -صلى الله عليه وسلم- والإيمان به وتعظيمه وإجلاله كما أجلّه الله وفق شرع الله هذا من الدين العظيم والموئل الكريم الذي يفيء الله -جل وعلا- به على كل أحد .
/ نختم بآية (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ) وهذه أظنها مرت لكننا نتكلم في الرفع والوضع لابد منها .
جمهور أهل العلم يجعلون أن الوزر هنا مأخوذ من الثِقل وقد جاءت كلمة "وزر" في القرآن "أوزار" منها الذنوب ، والأمة متفقة على أن أنبياء الله -جل وعلا- لا تجوز عليهم الكبائر، ثم ثمة اختلاف يسير في هل تجوز عليهم الصغائر أو لا ، والصواب : أن أنبياء الله لا تجوز عليهم لا الكبائر ولا الصغائر ، وأن ما أُمروا بالاستغفار منه إنما هو فعل خلاف الأَولى ، فعلى القول أن الوزر هنا مما يُصطلح اصطلاحا على تسميته ذنب فإنه في حقه -صلى الله عليه وسلم- فعل خلاف الَأولى كانصرافه -صلى الله عليه وسلم- إلى صناديد قريش وتركه لعبد الله بن أم مكتوم ، أو لقبوله -صلى الله عليه وسلم- أعذار المنافقين (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ) ولكننا نرى أن هذا القول الذي قاله العلماء الأجلاء من قبل هو محل إجلال قطعا لكن نقول أن معنى الآية لا علاقة له بالذنوب ولا بالكبائر ولا بالصغائر ولا بخلاف الَأولى وأن معنى قول الله -جل وعلا- (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ) أنه -صلى الله عليه وسلم- لما نُبّئ أُخبر أن حَملا ثقيلا سيأتيه ، وأن تكاليف الرسالة ليست بالشيء الهيّن ولا بالأمر الذي يحتمله كل أحد وأنه -عليه الصلاة والسلام- سيقوم به على الوجه الأكمل والنحو الأتم بعون الله ، فمعنى (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ) ما تحملته من ثِقل الرسالة سنضعه عنك بمعنى نؤيدك بالمهاجرين ، نؤيدك بالأنصار ، نؤيدك بالمؤمنين عموما ، نعينك ، نشرح لك صدرك ، ننشر لك ذكرك ، نعينك على تبليغ الرسالة على أكمل وجه وأتم نحو (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَالأكمل عندنا حملها على هذا المعنى من حملها على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل خلاف الَأوْلى فيكون (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ) من هذا الباب ، إذا تبيّن هذا قول الله -تعالى- (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ) نختم بالحديث عنه -صلوات الله وسلامه عليه- وهذا مما يفرح المؤمنون -قطعا- بسماعه ، وقد تحدثنا في لقاءات سابقة في أمور كثيرة عنه -صلوات الله وسلامه عليه- لكننا نقف هنا على بعض أجزاء منها مما يعنينا في زماننا هذا :
 أن تعلم أنه -صلى الله عليه وسلم- في قبره وروحه في عليين ، وأن أسعد الناس يومئذٍ بشفاعته من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ، وهذ مطلب عظيم هو بُعث به -صلى الله عليه وسلم- إذ أن الله بعثه -كما مر معك قبل قليل- في تلاوة نص التوراة بأن يقولوا لا إله إلا الله ، فكلما عظمت الله وأجللته ووحدته فأنت على بيّنة في طريقك من إجلال رسوله ، فلا يكون إجلال رسوله بالدعاوى وإنما يكون بإفراد الله بالعبادة وتوحيده وتعظيمه بهذا بُعث النبي الخاتم -صلوات الله وسلامه عليه- وقد قضى عمره ثلاثة وعشرين عاما نبيا ورسولا كل ما يدعو إليه مندرجا في هذا الأمر العظيم وهو إقامة أن لا إله إلا الله ، لكن ذلك لا يتم إلا : أول الأمر بمحبته -صلوات الله وسلامه عليه- و ينبغي للمؤمن أن يُسهم في الخير ، وإذا سمع ثناءً عاطرا في الكتاب والسنة أن يسأل نفسه أين هو منه وقد قال -عليه الصلاة والسلام : (إن أقواما يأتون بعدي) وهذا يجري على كل أحدٍ لم يرَ النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة ، (يود أحدهم لو رأني بنفسه وماله وولده) ، يعني يشتري لحظة يراني فيها بنفسه و ماله و ولده ، فيقع في قلبك النية الصادقة أنك لو قُدِّر أن خُيّرت بنفسك ومالك وولدك أن تذهب على أن ترى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -لفعلت ، وهذا ليس بكائن لكن يقع في القلب المحبة الجُلّى والعظمى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فإذا وقر في القلب محبته وعلِم الله -جل ذكره- صدق ذلك منك فإن الله أجلُّ وأكرم من أن يخذلك ، بل يرزقك بفضله ورحمته وإحسانه إليك لصدق نيّتك جوار رسوله -صلى الله عليه وسلم- في جنات النعيم وهذا من أسمى المطالب وأجلّ الغايات وأشرفها . بلّغنا الله و إياكم ذلك ، وصلى الله على محمد و آله والحمد لله رب العالمين .
_________________________________________
شكر الله لمن قامت بتفريغ الحلقة وجعلها مباركة إينما حلت ونفع بها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق