الثلاثاء، 2 يوليو 2013

تأملات في أيات من سورة الرعد

د.هناء

 - ما محور السورة ؟
هدف السورة : قوة الحق وضعف الباطل .
وهي تقرر وحدانية الله والرسالة والبعث والجزاء .
وتدور السورة حول محور مهم هو أن الحق واضح بيّن راسخ وثابت والباطل ضعيف زائف خادع مهما ظهر وعلا على الحق ببهرجته وزيفه ، وعلينا أن لا ننخدع ببريق الباطل الزائف لأنه زائل لا محالة ويبقى الحق يسطع بنوره على الكون كله .
 -هل السورة مكية او مدنية ؟
 اختلف حول مكية سورة الرعد أو مدنيتها على أقوال وهي :
/ أنها مكية .
/ أنها مدنية إلا قوله تعالى : (وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) [ الآية : 31 ] .
/ أن السورة من أولها إلى قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا ...) مدني ، وباقيها مكي .
والذى يُجمع به بين الاختلاف : أنها مكية إلا آيات منها .

- التفكر في بعض مظاهر قدرة الله في السموات  يورث في قلوبنا :
اليقين بلقاء الله فكم تأملنا {لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} حين ترون الآيات مفصلة منسقة، ومن ورائها آيات الكون، تلك التي أبدعتها يد الخالق أول مرة، وصورت لكم آيات القرآن ما وراء إبداعها من تدبير وتقدير وإحكام.. ذلك كله يوحي بأن لا بد من عودة إلى الخالق بعد الحياة الدنيا، لتقدير أعمال البشر ، ومجازاتهم عليها. فذلك من كمال التقدير الذي توحي به حكمه الخلق الأول عن حكمة وتدبير .
 السماوات ... حين يخلو الناس إلى تأملها لحظة ... وهي هكذا لا تستند إلى شيء ... مرفوعة {بِغَيْرِ عَمَدٍ} مكشوفة {تَرَوْنَهَا} .. هذه هي اللمسة الأولى للوجدان الإنساني ، وهو يقف أمام هذا المشهد الهائل يتملاه ؛ ويدرك أنه ما من أحد يقدر على رفعها بلا عمد أو حتى بعمد إلا الله ، وقصارى ما يرفعه الناس بعمد أو بغير عمد تلك البنيان الصغيرة الهزيلة القابعة في ركن ضيق من الأرض لا تتعداه ، ثم يتحدث الناس عما في تلك البنيان من عظمة ومن قدرة ومن إتقان ، غافلين عما يشملهم ويعلوهم من سماوات مرفوعة بغير عمد ؛ وعما وراءها من القدرة الحقة والعظمة الحقة ، والإتقان الذي لا يتطاول إليه خيال إنسان ! ومن هذا المنظور الهائل الذي يراه الناس، إلى المغيب الهائل الذي تتقاصر دونه المدارك والأبصار : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} .. فإن كان علو فهذا أعلى ؛ وإن كانت عظمة فهذا أعظم . وهو الاستعلاء المطلق ؛ العلو المطلق إلى جانب اللمسة الأولى في العلو المنظور ، تتجاوران وتتسقان في السياق .
ومن الاستعلاء المطلق إلى التسخير .. تسخير الشمس والقمر .. تسخير العلو المنظور للناس على ما فيه من عظمة أخاذة ، أخذت بألبابهم في اللمسة الأولى، ثم إذا هي مسخرة بعد ذلك لله الكبير المتعال.
/ ثم نمضي مع السياق .. فمع الاستعلاء والتسخير الحكمة والتدبير : {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} وإلى حدود مرسومة ، ووفق ناموس مقدر، سواء في جريانهما في فلكيهما دورة سنوية ودورة يومية ، أو جريانهما في مداريهما لا يتعديانه ولا ينحرفان عنه ، أو جريانهما إلى الأمد المقدر لهما قبل أن يحول هذا الكون المنظور .
/ {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} الأمر كله ، على هذا النحو من التدبير الذي يسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى . والذي يمسك بالأفلاك الهائلة والأجرام السابحة في الفضاء فيجريها لأجل لا تتعداه ، لا شك عظيم التدبير جليل التقدير .
/ ومن تدبيره الأمر أنه {يُفَصِّلُ الآيَاتِ} وينظمها وينسقها ، ويعرض كلاً منها في حينه ، ولعلته ولغايته .
 فكم تأملنا هذه العبادة المفقودة التي تورث اليقين بلقاء الله عندما نقرأ هذه الآيات ؟
 هل ترفرف أرواحنا طالبة النظر في السماء لتشهد بديع صنع الله؟
 اللهم ارزقنا اليقين ...

- بعض مظاهر قدرة الله في الأرض :
وهي آيات عظيمة لمن تفكر فلنعطي لأنفسنا دقائق لتعيش من الطبيعة يومياً نقلب النظر ونتأمل {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
{ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } منظر الأرض وهي ممدودة مبسوطة فسيحة ، ثم الرواسي الثوابت من الجبال ، ثم الأنهار ، الجارية في الأرض ، ثم فيما تنبت الأرض : { وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } .
/ وفي هذا إعجاز قرآني : وهي حقيقة لم تعرف للبشر من طريق علمهم وبحثهم إلا قريباً هي أن كل الأحياء وأولها النبات تتألف من ذكر وأنثى ، حتى النباتات التي كان مظنوناً أن ليس لها من جنسها ذكور ، تبين أنها تحمل في ذاتها الزوج الآخر ، فتضم أعضاء التذكير وأعضاء التأنيث مجتمعة في زهرة ، أو متفرقة في العود ، وهي حقيقة تتضامن مع المشهد في إثارة الفكر إلى تدبر أسرار الخلق بعد تملي ظواهره .
 / ثم ظاهرتي الليل والنهار: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} مشهد الليل والنهار متعاقبين ، هذا يغشي ذاك ، في انتظام عجيب هو ذاته مثار تأمل في مشاهد الطبيعة ، فقدوم ليل وإدبار نهار أو إشراق فجر وانقشاع ليل ، ومشهد تعاقب الليل والنهار ألِفْناه ولكنه في ذاته عجب من العجب ، لمن ينفض عنه موات الألفة وخمودها ، ويتلقاه بحس الشاعر المتجدد ، الذي لم يجمده التكرار . والنظام الدقيق الذي لا تتخلف معه دورة الفلك هو بذاته كذلك مثار تأمل في ناموس هذا الكون ، وتفكير في القدرة المبدعة التي تدبره وترعاه .

 / بم كرم الله بني آدم ؟
 كرم ابن آدم بالعقل ليفكر {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وهذه المشاهد الأرضية فينا الكثيرون يمرون عليها فلا تثير فيهم حتى رغبة التطلع إليها! إلا أن ترجع النفس إلى حيوية الفطرة والاتصال بالكون الذي هي قطعة منه انفصلت عنه لتتأمله ثم تندمج فيه .. {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ} متعددة مختلفة {قِطَعٌ} فلو كانت متماثلة لكانت قطعة ، منها الطيب الخصب ، ومنها السبخ النكد ، ومنها المقفر الجدب ، ومنها الصخر الصلد . وكل واحد من هذه وتلك أنواع وألوان ودرجات ، ومنها العامر والغامر ، ومنها المزروع الحي والمهمل الميت ، ومنها الريان والعطشان ، ومنها... ومنها... ومنها.. ، وهي كلها في الأرض متجاورات .
/ ثم يأتي التفصيل : {وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ}، {وَزَرْعٌ}، {وَنَخِيلٌ} تمثل ثلاثة أنواع من النبات :  الكرم المتسلق ، والنخل السامق ، والزرع من بقول وأزهار وما أشبه مما يحقق تلوين المنظر . ذلك النخيل صنوان وغير صنوان ، منه ما هو عود واحد ، ومنه ما هو عودان أو أكثر في أصل واحد .. وكله {يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ} والتربة واحدة ، ولكن الثمار مختلفات الطعوم : { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} .
فمن غير الخالق المدبر المريد يفعل هذا وذاك ؟!
 من منا لم يذق الطعوم مختلفات في نبت البقعة الواحدة ؟!.
فكم منا التفت هذه اللفتة التي وجه القرآن إليها العقول والقلوب ؟!
إنه بمثل هذا يبقى القرآن جديداً أبداً لأنه يجدد أحاسيس البشر بالمناظر والمشاهد في الكون والنفس ؛ وهي لا تنفد ولا يستقصيها إنسان في عمره المحدود ، ولا تستقصيها البشرية في أجلها الموعود .
________________
*يتدارسونه بينهم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق