د.محمد بن عبد العزيز الخضيري
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ﴿٧٧﴾ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴿٧٨﴾ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴿٧٩﴾}
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ﴿٧٧﴾ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴿٧٨﴾ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴿٧٩﴾}
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا هو المجلس الثامن، الرابع من مجالس تفسير سورة طه والتي تعقد في هذه الدورة المباركة دورة الأترجة في مسجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- بحي الخليج في مدينة بريدة وهذه الليلة ليلة الثامن عشر من شهر شوال من العام اثنين وثلاثين بعد الأربعمائة وألف من الهجرة النبوية.
وقد وصلنا إلى قول الله (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى) بعد أن ذكر الله -عز وجل- ما حصل بين موسى وفرعون وكيف أن موسى قد دعا فرعون دعوة حكيمة رفيقة وجاء بالآيات البينات فكذب فرعون وأبى أن يقبل الإيمان. بعد ذلك قصّ علينا الله -عز وجل- ما حدث من السحرة وكيف أن الله قد وفقهم للإيمان وحرم فرعون ومن تبعه هذه الفضيلة والكرامة العظيمة.
انتقل بعد ذلك إلى انتقال بني إسرائيل من أرض مصر فأوحى الله -عز وجل- إلى موسى أن يُسري ببني إسرائيل وأن ينتقل بهم من مصر ليلاً بحيث لا يشعر بهم فرعون فيردهم عما أرادوا، قال (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا) ، (أَسْرِ بِعِبَادِي ) أي أخرجهم ليلاً (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا) يعني إذا بلغت البحر وأدركك فرعون ومن معه فمعك العصى فهذه العصى التي أصبحت لها مُهمات كثيرة جداً :
المهمة الأولى : أنها صارت آية عظيمة جداً وأكلت كل السحر الذي جاء به سحرة فرعون.
والثانية : أن موسى -عليه الصلاة والسلام- عندما أقبل إلى البحر أمره الله أن يضرب بعصاه البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم.
والثالثة : أن بني إسرائيل لما كانوا في التيه وعطشوا جيء بحجر له أربعة وجوه فضربه موسى بالعصى فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم فكانوا يحملون هذا الحجر أينما حلّوا فإذا أرادوا الماء ضربه موسى بعصاه فانبعث منه الماء وهذه آية عظيمة من آيات الله عز وجل.
قال (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي) وأضافهم إليه لأنهم كانوا مؤمنين
(فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا) ليجوزوا المنطقة وهذا في أعلى البحر الأحمر الذي يسمى قديماً بحر القلزم له شعبتان أو عقبتان المقصود أن يجتازوا الأولى مما يلي مصر من أجل أن يصلوا إلى أرض سيناء التي فيها جبل الطور.
(فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا) أي يكون يابساً لا زلق فيه ولا بلل فيه وهذا من عظيم تقدير الله -عز وجل- ينفلق الماء ويقف كأمثال الجبال فتصبح الأرض يابسة ليس بها بلل لا طين ولا زلق من عِظم تأمين الله -عز وجل- للطريق الذي سلكوه.
(لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى) أي لا تخاف أن يدركك فرعون بجنوده ولا تخشى من البحر أن ينطبق عليك لأن أمر البحر بيد الله والله قد أمره أن يقف ويسكن ويكون رهواً أي ساكناً لا يتحرك.
(لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)) أتبعهم فرعون بجنوده، لما جاء فرعون وأقبل عليهم قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال : كلا إن معي ربي سيهدين، قالها بلغة الواثق بالله الذي يعرف ربه حق المعرفة وأنه لا يخذله بعدما أمره بما أمره به من ترك هؤلاء القوم. / قال الله -عز وجل- (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) خرج موسى ومن معه من البحر ووقف فرعون ومن معه على شفير البحر وتردد هل يدخلون فهم يرون طريقاً سالكاً وقد سلكته أمة كاملة فنجت أم ينتظرون؟ عند ذلك صدرت أوامر فرعون الضالّ الذي أضلهم في الدنيا والآن يريد أن يضلهم كلهم قال (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) أمرهم أن يدخلوا البحر (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) مما هو معروف أمر الله البحر أن يعود فيطبق عليهم فذهبت أمة كاملة يقول بعض المؤرخين كان عددهم 650 ألفاً وذهاب هذه الأمة في أقل من نصف الدقيقة شيء عجيب لأنه لو كان الذي أُنزل عليهم قنابل يبقون ساعات أو أوقات حتى يتمكن الموت منهم أما هؤلاء أطبق عليهم البحر فغرقوا عن بكرة أبيهم. (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى) أضلهم عن الحق في الدنيا ، وأضلهم عن سبل النجاة المادية والمعنوية وما هداهم إلى شيء.
/ قال الله -عز وجل- (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ) بعد أن تحدث عن فرعون ومصيره انتقل إلى بني إسرائيل يذكرهم بنعمته عليهم وأنه يجب عليهم أن يشكروا هذه النعمة ولا يكفروها (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ) أنجيناكم من العدو وأنتم ترون بل وأغرقنا ذلك العدو. قال (وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) واعدناكم الجانب الأيمن للطور الذي كلم الله عنده موسى من أجل أن يأخذ موسى التوراة من عند الله -عز وجل- ويتلوها عليكم (وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى).
قال (وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) "الأيمن" صفة لجانب وليست صفة للطور لأنه ليس هناك طوران وإنما طور واحد لكن له جانبان جانب أيمن وجانب أيسر.
قال (وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) الأيمن صفة لجانب إذا الجانب الأيمن للطور واعدهم الله فيه من أجل أن ينزل عليهم التوراة. والتوراة قد كتبها الله -عز وجل- بيده وأنزلها على موسى وواعد موسى ليتسلمها ولكن حصل ما حصل مما سيذكره الله -عز وجل- بعد قليل.
/ قال (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) لما جاؤوا إلى أرض سيناء لم يكن عندهم زروع ولا بيوت ولا أثاث ولا متاع فأكرم الله بني إسرائيل كرامة من عنده بأن جعل طعامهم في المن والسلوى. أما "المنّ" فهو مادة تنزل على الأشجار ،هذه المادة حلوة صمغية يأتي الناس ويأخذونها في الصباح يجمعونها ثم يأكلونها وتغنيهم عن كثير من الطعام. وأما "السلوى" فهو طير كثّره الله -عز وجل- فيهم فكانوا يصطادونه ويأكلونه يقال له السُمانى جعل الله غذاءهم في هذين المن والسلوى. وقد قال بعض العلماء: المنّ عبارة عن كل طعام يؤخذ بلا تعب ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم (الكمأة من المنّ وماؤها شفاؤها للعين) الكمأة: هو ما يسمى عندنا الفقع ويسمى في بعض البلاد مثل البطاطس تنبت في الأرض يسمونها فِطر أو غير ذلك، حبة مثل البطاطس تقريباً تنبت بعد نزول المطر خاصة إذا كان المطر في أول الموسم ثم تخرج على ظهر الأرض يغطيها قشرة يسيرة من التراب. قال (الكمأة من المنّ) لأنه لا تعب فيها لا يزرعها بنو آدم ولا يتعبون في سقيها ولا غير ذلك. قال (وماؤها شفاء للعين) أي الماء الذي يعصر منها شفاء للعين وقد أثبت بعض الأطباء المعاصرين أن في هذا الماء شفاء لبعض أمراض العين والله أعلم.
/ قال الله بعد أن ذكّر بني إسرائيل بالنعم التي أنعمها عليهم (كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) يقول كلوا من طيبات ما رزقناكم كلوا من هذه الطيبات التي رزقتكم إياها (وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ) قال بعض العلماء: لا تطغوا فيه بأن تأخذوا أكثر من الحاجة إنما يأخذ كل واحد منكم قدر حاجته في اليوم والليلة.(وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ) أو لا يطغى بعضكم على بعض بأن يأخذ حق أخيه أو يأكل مال أخيه.
(وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) يقول جلال الدين المحلي: (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) -بكسر الحاء- أي يجب، "يحِل" بمعنى يجب ، وبضمها أن ينزل (فيحُلّ) إذا بالضم بمعنى ينزل وبالكسر بمعنى يجب عليكم غضبي (وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) ، ومن يحلُل عليه غضبي (فَقَدْ هَوَى) من حلّ أي نزل به غضبي أو وجب عليه غضبي فقد هوى في حضيض النار نسأل الله العافية والسلامة.
ثم لما حذّرهم الله من المخالفة ذكّرهم بالتوبة فقال (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ) وصف نفسه -سبحانه وتعالى- بأنه "غفّار" و"غفور" أما "غفّار" فبمعنى كثير المغفرة يغفر لعباده كلما تابوا ، غفّار يغفر للإنسان كلما تاب ، وأما "غفور" فمعناه أنه يغفر لهم وإن عظُمت ذنوبهم يعني وإن كان الذنب عظيماً فالله يغفره لك وإن كانت الذنوب كثيرة فالله يغفرها لك (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ) "تاب" أي رجع مما كان عليه من فعل المعاصي والذنوب إلى حياض الطاعة. (وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) جمع بين الإيمان والعمل الصالح ولا يكفي فقط مجرد الإيمان مجرد أن يعرف الإنسان الحق أو يؤمن به أو يعتقده بل لا بد من أن يقرنه بالعمل الصالح قدر ما يستطيع مما أوجب الله عليه. (ثُمَّ اهْتَدَى) أي استقام وثبت وما شك ولا تردد (ثم اهتدى) والاستقامة هي موطن البلاء لأن كثيراً من الناس يؤمنون ويعملون الصالحات ولكن إذا طال بهم الطريق أو فُتنوا تراجعوا (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ).
/ قال (ثُمَّ اهْتَدَى) قال الله لموسى وقد واعده مع بني إسرائيل جانب الطور الأيمن (وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى) موسى -عليه الصلاة والسلام- استخلف في بني إسرائيل هارون وقال أنا سأذهب لملاقاة الله وأنت تلحق بي ومن معك من بني إسرائيل لأن مسير القوم الكثيرين يحتاج إلى وقت لكن مسير الفرد لا يحتاج إلى وقت وكان موسى متشوقاً للقاء الله يريد أن يجدد اللقاء بالله -جل جلاله- ويناجي ربه ويكلمه.
/ قال له الله (وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى) ما الذي جعلك تعجل فتأتي قبلهم؟ (قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي) الآن قادمون سيأتون(هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي) (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) إنما جئت إليك مبكراً من أجل أن ترضى عني وتعلم مدى شوقي إليك ورغبتي فيما عندك وحرصي على ملاقاتك.
/ (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) ما الذي حدث؟
سيأتي ما حدث وتفصيله لكن هارون تولى المسؤولية بعد موسى ، كان رجلاً حليماً صبوراً لكنهم ما كانوا يهابون هارون كما يهابون موسى -عليه الصلاة والسلام- لما طُبع عليه موسى من الحدة والقوة في ذات الله وكلاهما كان قوياً لكن هارون كان يغلبه حلمه وهدوؤه وصبره ولذلك كان بين الرجلين توازن هذا فيه حدة وقوة وهذا فيه هدوء وحلم وكانا يسوسان بني إسرائيل عليهما الصلاة والسلام.
(قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي) "أولاء" بمعنى هؤلاء أو أولاء هي هؤلاء فما الذي جعل موسى يقول هم أولاء ولا يقول هم هؤلاء على أثري؟
في هذا لفتة لطيفة جداً انتبه لها الوزير الحنبلي ابن هبيرة ولم أجدها عند غيره وهي من أعجب اللطائف، قال: "إن موسى وغيره من أنبياء الله يستحيون من الله أن يخاطبوه بالهاء التي هي للتنبيه فالله لا ينبّه ، التنبيه إنما يكون للبشر ولا يوجد أحد من الأنبياء خاطب ربه بقوله (هؤلاء) إنما يخاطبه بهذه الكلمة الكفار يقولون لربهم (رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ) لأنهم لا يعرفون قدر الله فيخاطبونه بهاء التنبيه أما موسى عليه الصلاة والسلام فإنه لعلمه بالله وحيائه من ربه لا يستعمل هذه الهاء التي تسمى هاء التنبيه مع قوله (أولاء)" فيقول (قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي) قادمون وارئي يا رب (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى).
/ (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ) قدرنا عليهم الفتنة (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) أزاغهم عن الحق، (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا) طبعاً ألقى إليه الله -عز وجل- الألواح وأخذها موسى ورجع وهو غضبان جداً على قومه لكنه لما رأى ما فعلوا وأنهم عبدوا العجل ألقى الألواح فتكسرت. لِم لم يلقها عندما أعطاه الله إياها وعندما أخبره أن قومه قد عبدوا العجل؟ قالوا ليس الخبر كالمعاينة فلما رأى لم يصدق ما راءه من الهول هل يُعقَل هؤلاء أهل التوحيد والإيمان وسلالة الأنبياء يشركون مع الله عجلاً يعبدونه من دون الله؟! سبحان الله! ولذلك عندما يأتي في القرآن ذكر عبادتهم العجل يقول (اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) ولا يقول اتخذتم العجل إلهاً لماذا؟ لأنه لا يُتصور أن يكون العجل إلهاً. (وَاتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) ولا يقول اتخذتم العجل إلهاً لأنه لا يتصور عاقلٌ أن يكون عجل إلهاً فكأن الله يتعفف عن ذكر كلمة إله أن تُقال ولو على سبيل حكاية الواقع.
/ قال الله -عز وجل- (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا) حزيناً قال (يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا) بأن يملِّككم ويدخلكم الأرض المقدسة ويؤتيكم ما لم يؤت أحداً من العالمين (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) هل العهد كان طويلاً بنِعَم الله وبعيداً عنها حتى نسيتموها فأخلفتم وخُنتم وتركتم ما عاهدتم عليه ربكم؟ (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ) أم أنتم تريدون الغضب أن ينزل عليكم من الله (فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي) أخلفوا الموعد لأنهم انشغلوا بالعجل يعبدونه وقالوا سيرجع إلينا موسى وإذا رجع نظر إلينا واحتكمنا إليه إن كان هذا العجل هو إلهه الذي ذهب يطلبه أو لا ، وكان المفترض عليهم أن يسيروا إلى المكان الذي واعدهم موسى فيه وهو جانب الطور الأيمن وهو موعد لقائهم بالله لأخذ التوراة.
/ (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ) يعني ما أخلفنا موعدك بقدرتنا واختيارنا، غُلبنا ،غلبتنا نفوسنا وغلبنا السامري بما زيّن لنا السامري (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ) ما أحمقهم! تورعوا عن الذنب الصغير فوقعوا في الذنب الكبير! قالوا نحن حُمّلنا أوزاراً من زينة القوم أخذوا حُليّاً من قبط مصر لأنهم لما أُمِروا بالرحيل وبالإسراع استعاروا حلياً كثيرة من قِبْط مصر ثم رحلوا بها معهم فلما ذهب موسى بهم لملاقاة الله قال هذا الذهب لا يحل لكم لأنه لهؤلاء الأقباط فاجمعوه ثم ذوّبوه ثم إذا رجع موسى يرى فيه رأيه، فتورعوا عن الذنب الصغير ووقعوا في الشرك بالله فمثلهم كما يقول ابن عمر مثَلُ أهل العراق الذين جاءهم رجل منهم يقول هل يحلّ لي أن أقتل البعوضة وأنا مُحرِم؟ قال عجباً لكم يا أهل العراق! قتلتم ابن بنت رسول الله وهو الحسين وتورّعتم عن دم البعوضة أن تقتلوها! قال الله -عز وجل- (قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ) أوزاراً : بمعنى أثقالاً (مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ) أي من حليّهم وذهبهم، (فقذفناها) أي طرحناها في النار ، وهنا جاء السامري واستغل الموقف، طلب أن يتولى هذا الأمر وكان من قوم يعبدون العجل كما ذكر بعض المفسرين ، فهو من قوم السامرة وهم قوم كانوا يعبدون العجل ويعبدون البقر فحنّ إلى معبوده القديم وقد كان مندسّاً في بني إسرائيل ولم يكن مؤمناً. قال (فَكَذَلِكَ) أي كما ألقينا (أَلْقَى السَّامِرِيُّ)، ثم إنه أخذ قبضة من أثر الرسول أي قبضة من أثر حافر فرس جبريل وقد كان عنده علمٌ أن هذا الحافر إذا وطِيء على شيء فأُخذ هذا الشيء فوضع في شيء آخر يأخذ شيئاً من معاني الحياة ولا أدري من اين جاء به (فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ) (فَأَخْرَجَ لَهُمْ) من ذلك الذهب المصنوع (عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ) صنع لهم عجلاً وجعل فيه فتحة من فمه وفتحة من دبره فكان الهواء يدخل من دبره فيخرج من فمه فيكون له خوار. (فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى) هذا الذي ذهب موسى يطلبه هذا هو لأنه عجل مصنوع من ذهب ويصوّت ويخور (فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ) نسي موسى فذهب يطلب ربه عند الطور وهو عندنا الآن. أو فنسي السامري العهد الذي أخذه موسى عليه. قال الله ذامّاً إياهم ومبيناً شدة ضلالهم (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا) ألا يرون هذا العجل لا يرد لهم القول ولا يجيب لهم الطلب ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً فكيف يعبدونه وربهم الذي رأوا آياته العظيمة ومنها الآية القريبة وهي أن الله شقّ لهم البحر فمضوا في البحر وقد أمسكه الله لهم في طريق يبس لا يخافون دركاً ولا يخشون حتى نجوا ثم دخله فرعون من بعدهم فأغرقه الله فيه، هذا العجل لا يصنع شيئاً ولا يفعل شيئاً، أين عقولهم؟
/ قال (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ) وعظهم هارون وقام فيهم بأمر الله وذكّرهم أن هذا شركٌ عظيم وأن هذه فتنة فتنهم بها السامري (إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) (قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ) سنعكف عليه نعبده نسجد له ونركع، والعجيب ما حملوا هذا العجل وقالوا نذهب للقاء الله أو نذهب للقاء موسى، لا، قالوا هذا إلهكم وإله موسى سيرجع موسى ويجد إلهه عندنا، سبحان الله! تصوروا بعد سنوات طويلة جداً من التجهيل والتضليل صار عند هؤلاء القوم لبسٌ كثير في قضايا الإيمان والتوحيد ولذلك ما استحقوا النصر ولا صار لهم شرف دخول الأرض المقدسة، عوقبوا بما كان فيهم من هذا التردد وهذا الشك وهذا التخبط وعاقبهم الله بأن أبقاهم في التيه أربعين سنة يتيهون في الأرض يدورون في منطقة سيناء حتى مات أكثر ذلك الجيل وجاء جيل تربّى على الإيمان والتوحيد وعلى القوة وعلى الجَلَد وعند ذلك بُعِث فيهم يوشع بن نون فأمره الله أن يفتح بيت المقدس ففتحها في ساعة.
واليوم الأمة الإسلامية تعيش مخاضاً مثل هذا المخاض فكثير من أبنائها لا زال أمر التوحيد ضعيف في نفسه عنده استعداد يصوم ويحج ويزكّي وفي الوقت ذاته يذهب إلى قبر فلان ويطوف حوله ويطلب منه المدد ويخشى أن صاحب القبر يمنعه من الرزق أو يقطع عنه الولد أو يستغيث به ويخاف منه أن يضره ولا يخاف من الله ! فهذه الأمة ليست جديرة بالنصر فنحتاج إلى أمة قادمة تكون بعيدة عن كل هذا ، قوية الإيمان ، صلبة التوحيد تثق بالله وتتوكل عليه تلك هي الأمة التي ينصرها الله وتلك الأمة التي تستحق الخلافة.
قال الله (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ) يقوله بلين وحكمة ورحمة (إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) سنظل نعكف عليه حتى يرجع إلينا موسى ومما يدلكم ويؤكد لكم هذه القضية، حصل لهم موقف قبل هذا لما مرّوا بأُناس يعبدون صنماً قالوا اجعل لنا يا موسى إلهاً كما لهم آلهة (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) ولذلك اشتد عليهم موسى فقال لهم (إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) فكانت مقدمات الشرك والضلالة موجودة ولذلك وقعوا في هذه الفتنة التي زينها لهم السامري.
/ (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) أي ما منعك أن تأتي بمن أطاعك إليّ في الموعد الذي واعدنا به ربنا -سبحانه وتعالى- إذ رأيت هؤلاء ضلوا؟ (مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ) ألا تتبعني وتلحق بي؟ (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) ألستُ قد أمرتك أن تخلفني في قومي وأن تلحقني؟ (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي) من حدّة موسى -عليه الصلاة والسلام- أنه مسك هارون وهو نبي من أنبياء الله يجب عليه توقيره واحترامه لكن الغضب لله حمله أن يفعل ذلك في ذات الله فأمسك بلحية هارون ورأسه وأخذ يجرّه إليه، لا إله إلا الله! (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي) وما قال هذه الكلمة إلا لأن هارون لحية كانت موفّرة وموفّاة ولم يكن شيء يعتدي عليها وإلا كان قال أخذ بلَحييه وبرأسه، قال بلحيته أي أمسك بها وأمسك برأسه وأخذ يجره إليه.
(قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ) ناداه بوصف الأم ليذكّره بالرحمة لأن الأم موطن الحنان والرحمة وإلا فهما أخوان شقيقان من أب وأم. والعجيب أن هارون -وهذا من فصاحته- ناداه في هذا الموطن فقال (يَا ابْنَ أُمَّ) ولم يقل يا أخي ليذكّره بهذا المعنى ليرحمه كرحمة الأم لابنها. وأما موسى -عليه الصلاة والسلام- لما انتهى الموقف قال (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي) ناداه بوصف الأخوّة لأنه هذا اللائق بالمقام فكلٌ منهما وصف صاحبه بما يليق في المقام الذي يناسبه.
(قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) ألست قلت لي يا موسى اخلفني في قومي وأصلِح ولا تتبع سبيل المفسدين؟ أنا نهيتهم وأنكرتم عليهم فعصوني وكان منهم جماعة أطاعوني فلو أني تبعتك بمن أطاعني لبقيت بقية فتفرق بنو إسرائيل فأنا آثرت اجتماعهم حتى ترجع إلينا وهم قد قالوا (لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) إذن شركهم هذا كان معلّقاً على شيء وهو أن يرجع موسى فيحكم هل هذا إلهه أو أنه وجد إلهه هناك. فلأجل ذلك آثرت مصلحة الاجتماع ولكن موسى عليه الصلاة والسلام آثر مصلحة الاتّباع على مصلحة الاجتماع (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ) وهارون قد اجتهد -عليه الصلاة والسلام- وأراد أن يُصلِح. قال الله (إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) عند ذلك لما علم عذر أخيه عذره وقال في سورة الأعراف (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
/ ثم انتقل بعد ذلك إلى السامري وأخّره، لماذا أخّره؟ لأنه مؤخّر ولأنه علم أنه لا يتوب وأن الشرك متأصل فيه (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ) ما شأنك؟ ما هذا الذي أحدثت وفعلت؟ (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) رأيت شيئاً لم يبصروا به وهو أني رأيت حافر فرس جبريل فأخذت قبضة من تحت ذلك الحافر رأيت أنها تنفع في بثّ الحياة في الشيء الذي تُبثّ فيه، هكذا يقول أكثر المفسرين، (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا) أي طرحتها على الذهب المذاب الذي كوّنا منه العجل (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) ولذلك لم يستتبه موسى -عليه الصلاة والسلام- (قَالَ فَاذْهَبْ) مطروداً مُبعداً (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ) ألا تمسّ أحداً ولا يمسّك، لماذا؟ لأنه قد ابتلي بمرض فالناس يبتعدون عنه إذا مسّ أحداً أو إذا مسّه أحد مرِض، قالوا فبقيت هذه فيه وفي ذريته يقول المفسرون إلى اليوم يقولون لا مساس، والله أعلم هل هم موجودون إلى الآن أو بادوا؟ الله أعلم.
(وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ) وفي قرآءة "لن تُخْلِفَه" لن تُخلَفه من الله ولن تخلِفه أنت لأن الله سيجمع فيه الناس وستأتي فيه بذلك الموعد فتلقى جزاءك على ما زيّنت وسوّلت من الشرك. (وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا) أي عبدته من دون الله وعكفت عليه (لَّنُحَرِّقَنَّهُ) وفي قرآءة (لنحرِقنّه) يُحرقه بجملته ونحَرّقنه قطعة قطعة فلا نبقي منه شيئاً (ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) أي نذرينّه في اليمّ فلا يبقى منه شيء. أما من عبدوا من بني إسرائيل العجل فإن لهم قصة وردت في سورة البقرة وهو أن الله أمرهم أن يقتلوا أنفسهم فهاجت ريح عظيمة غبراء فاجتمعوا في صعيد وحمل كل واحد منهم سكيناً فصار يقتل كل من يقابله حتى صاح موسى مناجياً ربه أن هلكت بنو إسرائيل يا رب اغفر لهم فغفر الله لهم، فكان من مات كان موته مغفرة له ومن بقي كان تعرضه للموت سبباً للمغفرة له.
قال (ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) ثم خُتمت قصة موسى بمثل ما بُدئت به بدأت قصة موسى بالألوهية (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) والختام (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هو) كيف تعبدون مع الله غيره؟! كيف تسوّل لكم أنفسكم أن ترضوا بغير الله إلهاً؟! أو تشركوا مع الله أحداً سواه؟ (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) أي عِلمه وسع كل شيء (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) و (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) لا إله إلا هو سبحانه! ما أعظم شأنه! علمه واسع محيط بكل شيء (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ).
وبهذا أحبتي الكرام نصل إلى ختام المجلس الرابع من مجالس سورة طه ونكمل إن شاء الله في المجلس القادم المجلس الخامس من مجالس هذه السورة وهو المجلس الأخير نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لحفظ المقطع الصوتي :
----------------------------------------------------------------
مصدر التفريغ (بتصرف يسير)
http://www.tafsir.net/vb/tafsir28329/#ixzz2OqCBkle3
/ (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ) يعني ما أخلفنا موعدك بقدرتنا واختيارنا، غُلبنا ،غلبتنا نفوسنا وغلبنا السامري بما زيّن لنا السامري (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ) ما أحمقهم! تورعوا عن الذنب الصغير فوقعوا في الذنب الكبير! قالوا نحن حُمّلنا أوزاراً من زينة القوم أخذوا حُليّاً من قبط مصر لأنهم لما أُمِروا بالرحيل وبالإسراع استعاروا حلياً كثيرة من قِبْط مصر ثم رحلوا بها معهم فلما ذهب موسى بهم لملاقاة الله قال هذا الذهب لا يحل لكم لأنه لهؤلاء الأقباط فاجمعوه ثم ذوّبوه ثم إذا رجع موسى يرى فيه رأيه، فتورعوا عن الذنب الصغير ووقعوا في الشرك بالله فمثلهم كما يقول ابن عمر مثَلُ أهل العراق الذين جاءهم رجل منهم يقول هل يحلّ لي أن أقتل البعوضة وأنا مُحرِم؟ قال عجباً لكم يا أهل العراق! قتلتم ابن بنت رسول الله وهو الحسين وتورّعتم عن دم البعوضة أن تقتلوها! قال الله -عز وجل- (قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ) أوزاراً : بمعنى أثقالاً (مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ) أي من حليّهم وذهبهم، (فقذفناها) أي طرحناها في النار ، وهنا جاء السامري واستغل الموقف، طلب أن يتولى هذا الأمر وكان من قوم يعبدون العجل كما ذكر بعض المفسرين ، فهو من قوم السامرة وهم قوم كانوا يعبدون العجل ويعبدون البقر فحنّ إلى معبوده القديم وقد كان مندسّاً في بني إسرائيل ولم يكن مؤمناً. قال (فَكَذَلِكَ) أي كما ألقينا (أَلْقَى السَّامِرِيُّ)، ثم إنه أخذ قبضة من أثر الرسول أي قبضة من أثر حافر فرس جبريل وقد كان عنده علمٌ أن هذا الحافر إذا وطِيء على شيء فأُخذ هذا الشيء فوضع في شيء آخر يأخذ شيئاً من معاني الحياة ولا أدري من اين جاء به (فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ) (فَأَخْرَجَ لَهُمْ) من ذلك الذهب المصنوع (عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ) صنع لهم عجلاً وجعل فيه فتحة من فمه وفتحة من دبره فكان الهواء يدخل من دبره فيخرج من فمه فيكون له خوار. (فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى) هذا الذي ذهب موسى يطلبه هذا هو لأنه عجل مصنوع من ذهب ويصوّت ويخور (فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ) نسي موسى فذهب يطلب ربه عند الطور وهو عندنا الآن. أو فنسي السامري العهد الذي أخذه موسى عليه. قال الله ذامّاً إياهم ومبيناً شدة ضلالهم (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا) ألا يرون هذا العجل لا يرد لهم القول ولا يجيب لهم الطلب ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً فكيف يعبدونه وربهم الذي رأوا آياته العظيمة ومنها الآية القريبة وهي أن الله شقّ لهم البحر فمضوا في البحر وقد أمسكه الله لهم في طريق يبس لا يخافون دركاً ولا يخشون حتى نجوا ثم دخله فرعون من بعدهم فأغرقه الله فيه، هذا العجل لا يصنع شيئاً ولا يفعل شيئاً، أين عقولهم؟
/ قال (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ) وعظهم هارون وقام فيهم بأمر الله وذكّرهم أن هذا شركٌ عظيم وأن هذه فتنة فتنهم بها السامري (إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) (قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ) سنعكف عليه نعبده نسجد له ونركع، والعجيب ما حملوا هذا العجل وقالوا نذهب للقاء الله أو نذهب للقاء موسى، لا، قالوا هذا إلهكم وإله موسى سيرجع موسى ويجد إلهه عندنا، سبحان الله! تصوروا بعد سنوات طويلة جداً من التجهيل والتضليل صار عند هؤلاء القوم لبسٌ كثير في قضايا الإيمان والتوحيد ولذلك ما استحقوا النصر ولا صار لهم شرف دخول الأرض المقدسة، عوقبوا بما كان فيهم من هذا التردد وهذا الشك وهذا التخبط وعاقبهم الله بأن أبقاهم في التيه أربعين سنة يتيهون في الأرض يدورون في منطقة سيناء حتى مات أكثر ذلك الجيل وجاء جيل تربّى على الإيمان والتوحيد وعلى القوة وعلى الجَلَد وعند ذلك بُعِث فيهم يوشع بن نون فأمره الله أن يفتح بيت المقدس ففتحها في ساعة.
واليوم الأمة الإسلامية تعيش مخاضاً مثل هذا المخاض فكثير من أبنائها لا زال أمر التوحيد ضعيف في نفسه عنده استعداد يصوم ويحج ويزكّي وفي الوقت ذاته يذهب إلى قبر فلان ويطوف حوله ويطلب منه المدد ويخشى أن صاحب القبر يمنعه من الرزق أو يقطع عنه الولد أو يستغيث به ويخاف منه أن يضره ولا يخاف من الله ! فهذه الأمة ليست جديرة بالنصر فنحتاج إلى أمة قادمة تكون بعيدة عن كل هذا ، قوية الإيمان ، صلبة التوحيد تثق بالله وتتوكل عليه تلك هي الأمة التي ينصرها الله وتلك الأمة التي تستحق الخلافة.
قال الله (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ) يقوله بلين وحكمة ورحمة (إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) سنظل نعكف عليه حتى يرجع إلينا موسى ومما يدلكم ويؤكد لكم هذه القضية، حصل لهم موقف قبل هذا لما مرّوا بأُناس يعبدون صنماً قالوا اجعل لنا يا موسى إلهاً كما لهم آلهة (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) ولذلك اشتد عليهم موسى فقال لهم (إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) فكانت مقدمات الشرك والضلالة موجودة ولذلك وقعوا في هذه الفتنة التي زينها لهم السامري.
/ (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) أي ما منعك أن تأتي بمن أطاعك إليّ في الموعد الذي واعدنا به ربنا -سبحانه وتعالى- إذ رأيت هؤلاء ضلوا؟ (مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ) ألا تتبعني وتلحق بي؟ (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) ألستُ قد أمرتك أن تخلفني في قومي وأن تلحقني؟ (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي) من حدّة موسى -عليه الصلاة والسلام- أنه مسك هارون وهو نبي من أنبياء الله يجب عليه توقيره واحترامه لكن الغضب لله حمله أن يفعل ذلك في ذات الله فأمسك بلحية هارون ورأسه وأخذ يجرّه إليه، لا إله إلا الله! (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي) وما قال هذه الكلمة إلا لأن هارون لحية كانت موفّرة وموفّاة ولم يكن شيء يعتدي عليها وإلا كان قال أخذ بلَحييه وبرأسه، قال بلحيته أي أمسك بها وأمسك برأسه وأخذ يجره إليه.
(قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ) ناداه بوصف الأم ليذكّره بالرحمة لأن الأم موطن الحنان والرحمة وإلا فهما أخوان شقيقان من أب وأم. والعجيب أن هارون -وهذا من فصاحته- ناداه في هذا الموطن فقال (يَا ابْنَ أُمَّ) ولم يقل يا أخي ليذكّره بهذا المعنى ليرحمه كرحمة الأم لابنها. وأما موسى -عليه الصلاة والسلام- لما انتهى الموقف قال (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي) ناداه بوصف الأخوّة لأنه هذا اللائق بالمقام فكلٌ منهما وصف صاحبه بما يليق في المقام الذي يناسبه.
(قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) ألست قلت لي يا موسى اخلفني في قومي وأصلِح ولا تتبع سبيل المفسدين؟ أنا نهيتهم وأنكرتم عليهم فعصوني وكان منهم جماعة أطاعوني فلو أني تبعتك بمن أطاعني لبقيت بقية فتفرق بنو إسرائيل فأنا آثرت اجتماعهم حتى ترجع إلينا وهم قد قالوا (لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) إذن شركهم هذا كان معلّقاً على شيء وهو أن يرجع موسى فيحكم هل هذا إلهه أو أنه وجد إلهه هناك. فلأجل ذلك آثرت مصلحة الاجتماع ولكن موسى عليه الصلاة والسلام آثر مصلحة الاتّباع على مصلحة الاجتماع (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ) وهارون قد اجتهد -عليه الصلاة والسلام- وأراد أن يُصلِح. قال الله (إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) عند ذلك لما علم عذر أخيه عذره وقال في سورة الأعراف (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
/ ثم انتقل بعد ذلك إلى السامري وأخّره، لماذا أخّره؟ لأنه مؤخّر ولأنه علم أنه لا يتوب وأن الشرك متأصل فيه (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ) ما شأنك؟ ما هذا الذي أحدثت وفعلت؟ (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) رأيت شيئاً لم يبصروا به وهو أني رأيت حافر فرس جبريل فأخذت قبضة من تحت ذلك الحافر رأيت أنها تنفع في بثّ الحياة في الشيء الذي تُبثّ فيه، هكذا يقول أكثر المفسرين، (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا) أي طرحتها على الذهب المذاب الذي كوّنا منه العجل (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) ولذلك لم يستتبه موسى -عليه الصلاة والسلام- (قَالَ فَاذْهَبْ) مطروداً مُبعداً (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ) ألا تمسّ أحداً ولا يمسّك، لماذا؟ لأنه قد ابتلي بمرض فالناس يبتعدون عنه إذا مسّ أحداً أو إذا مسّه أحد مرِض، قالوا فبقيت هذه فيه وفي ذريته يقول المفسرون إلى اليوم يقولون لا مساس، والله أعلم هل هم موجودون إلى الآن أو بادوا؟ الله أعلم.
(وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ) وفي قرآءة "لن تُخْلِفَه" لن تُخلَفه من الله ولن تخلِفه أنت لأن الله سيجمع فيه الناس وستأتي فيه بذلك الموعد فتلقى جزاءك على ما زيّنت وسوّلت من الشرك. (وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا) أي عبدته من دون الله وعكفت عليه (لَّنُحَرِّقَنَّهُ) وفي قرآءة (لنحرِقنّه) يُحرقه بجملته ونحَرّقنه قطعة قطعة فلا نبقي منه شيئاً (ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) أي نذرينّه في اليمّ فلا يبقى منه شيء. أما من عبدوا من بني إسرائيل العجل فإن لهم قصة وردت في سورة البقرة وهو أن الله أمرهم أن يقتلوا أنفسهم فهاجت ريح عظيمة غبراء فاجتمعوا في صعيد وحمل كل واحد منهم سكيناً فصار يقتل كل من يقابله حتى صاح موسى مناجياً ربه أن هلكت بنو إسرائيل يا رب اغفر لهم فغفر الله لهم، فكان من مات كان موته مغفرة له ومن بقي كان تعرضه للموت سبباً للمغفرة له.
قال (ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) ثم خُتمت قصة موسى بمثل ما بُدئت به بدأت قصة موسى بالألوهية (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) والختام (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هو) كيف تعبدون مع الله غيره؟! كيف تسوّل لكم أنفسكم أن ترضوا بغير الله إلهاً؟! أو تشركوا مع الله أحداً سواه؟ (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) أي عِلمه وسع كل شيء (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) و (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) لا إله إلا هو سبحانه! ما أعظم شأنه! علمه واسع محيط بكل شيء (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ).
وبهذا أحبتي الكرام نصل إلى ختام المجلس الرابع من مجالس سورة طه ونكمل إن شاء الله في المجلس القادم المجلس الخامس من مجالس هذه السورة وهو المجلس الأخير نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لحفظ المقطع الصوتي :
----------------------------------------------------------------
مصدر التفريغ (بتصرف يسير)
http://www.tafsir.net/vb/tafsir28329/#ixzz2OqCBkle3
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق