الاثنين، 29 أبريل 2013

تفسير سورة طه (120-135) من دورة الأترجة

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري




(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴿١٢٠﴾ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴿١٢١﴾ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴿١٢٢﴾ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴿١٢٣﴾)
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد :
 فهذا هو المجلس السادس من مجالس تفسير سورة طه في هذه الدورة المباركة دورة الأترجة المقامة في جامع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بحيّ الخليج في بريدة، وهذا اليوم هو الرابع والعشرون من شهر شوال من عام ألف وأربعمائة واثنين وثلاثين من الهجرة النبوية الشريفة.
 وقد وصلنا إلى قول الله -عز وجل- (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) بيّنا في المجلس الماضي أن الله لما أسجد الملائكة لآدم فسجدوا أبى أبليس أن يسجد استكباراً فحذّره الله -عز وجل- وقال له (إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) ثم وعده الله بأنه في الجنة لن يجوع فيها ولن يعرى وأنه لن يظمأ فيها ولن يضحى أي لن تصيبه الشمس. عند ذلك بدأ إبليس يكيد مكيدته فوسوس لآدم وهذا يدل أن إبليس كان عنده القدرة التي أقدره الله عليها بأن يوسوس لآدم في الجنة. فإن قيل كيف؟ قلنا هذا قَدَر الله وأمره لأن الله أراد ذلك أراد أن يُبتلى آدم وأن يعصي وأن ينزل من هذه الجنة التي خلق فيها إلى الأرض ليتعارك مع خصمه إبليس فينقسم أبناء آدم إلى قسم يروم ويهوى ويشتهي أن يعود إلى المسكن الأول الذي نزل منه أبوه آدم، وآخرون يرتكسون فيطيعون إبليس ويكونون معه في نار جهنم إبتلاء من الله وفتنة.
/ قال الله -عز وجل- (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ) أي حدّثه حديث نفس، والوسوسة هي الشيء الصوت الخفي، ولذلك يقال لصوت الذهب وسوسة لأنه صوت خفي وهكذا حديث إبليس الذي يحدِّث به النفس الإنسانية.
قال الله -عز وجل- (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) وانظروا ماذا صنع إبليس؟ سمّى الشجرة شجرة الخلد واختلق لها اسماً من عنده حتى يرغِّب آدم فيها (وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) يعني إذا أكلت منها بقيت في هذا الملك العظيم العريض الواسع والنعيم المقيم لا تنتهي منه ولا يبلى عنك. وبدل أن يقول هل أدلك على الشجرة التى نهاك الله عنها ؟ أو الشجرة التى إذا أكلت منها عصيت ربك؟ لا، لا يأتي أبليس بهذه الصورة عمره ما قال هذا، ولا يمكن أن يدعوك إلى معصية الله بمثل هذه العبارات، لا يمكن أن يقول تعال للربا أو للزنا، أبدًا، وإنما يقول تعال إلى الفائدة، تعال إلى المشروبات الروحية، تعال إلى الجلسات المؤنسة أو الصداقات البريئة، ما يمكن أن يسمي الإثم والمعصية بالأسماء التى سماها الله بها هذه طريقة إبليسية وعليها يجري جنود إبليس من الأنس فإنهم لا يسمون المعصية بإسمها يقول نسبة الفائدة يقولون نعطيك فائدة لكن ما يقول نعطيك ربا، قل نعطيك ربا يقول لا، ما أقدر أقولها لأنه إذا قال ربا اتضحت المسألة! وفي الرشوة يقولون حق الشاي وبعضهم يقول حق الدخان أو إكرامية أو هدية منك يا أخي قُل رشوة يقول لا، لا، استغفر الله! ما أقول رشوة هي رشوة قلتها أو تلفظت بها أم لم تتلفظ بها، لكن يجرون على سنة إبليس في تسمية الأشياء بغير اسمها.
 قال الله -عز وجل- (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) فاغترّ إبليس قال الله -عز وجل- (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا) لاحظوا ذاقها مجرد ذوق وهذا يدل أنهما لم يأكلا فيشبعا كما في بعض الرويات. قال (فَأَكَلَا مِنْهَا) أكلا أكلاً يسيراً، فأظهر الله لهم العقوبة وهي العُري، يعني العري عند الله عقوبة، يجعله الناس اليوم حضارة وتقدم وتمدن وذوق ورقيّ، سبحان الله! ربنا عاقب آدم لما ذاق الشجرة بأن عرّاه (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) وماذا عرف آدم لما بدت سوأتهما؟ عرف أنه عُوقب ولذلك بدأ هو وزوجه يخصفان من ورق الجنة يريدان أن يسترا سوأتهما. سبحان الله! نحمد الله -عز وجل- على ما نحن فيه من النعمة، نعمة الستر.
س: ماذا كان عليهما؟ عليهما لباس، لباس من لباس الجنة لا ندري ماهو لكن لباس من لباس الجنة، وهذا يدل على أن أهل الجنة وهم في الجنة لابد لهم من ستر يلبسهم الله الثياب الخضر من سندس وإستبرق وهذا من نعيمهم وهذا يدل أن الله خلق الإنسان ليكون مستوراً، وأن من كشف هذا الستر فقد كشف ستر الله وفطرته التى فطر عليها الناس.
/ قال الله -عز وجل- (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) الخصف هو الخياطة والترقيع. (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) أي وقع آدم في المعصية، فغوى أي ضلّ طريق الخلود، طريق الخلود هو ألا يقع في طريق المعصية لكنه غوى أي ضل عن طريق الذي يوصله إلى ذلك الخلود. أو فغوى فسد عليه عيشه لأن الغيّ يُطلَق على الفساد.
/ قال الله -عز وجل- (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) اصطفاه الله -عز وجل- واجتباه وقرّبه وهداه عندما منّ عليه بطريق الهداية، ماهي الهداية ؟هي التوبة.
إذا اعملوا يا بني آدم مثل ما عمل أبيكم واعلموا أنه من تاب من ذنب فقد اجتباه الله واصطفاه. وأن الهداية الحقيقية هي أن تعود إلى الله كلما أنصرفت أو انحرفت أو ِملت أو عصيت أو غويت أحذر أن تستمر بالمعصية أو أن تُسوف في التوبة متى سوّفت فاعلم أنك جانبت طريق الهداية ولذلك قال الله -عز وجل- (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ) عفا عنه وغفر له وهداه لهذ التوبة. ولذلك قيل أن (هدى) للمقالة التي في سورة الأعراف، ماذا قال الله -عز وجل-؟ (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وهذا الدعاء دعاء آدم من الأدعية العظيمة المشروعة التي ينبغي لكل واحد منا أن يقولها في كل ساعاته لأنه لا يخلو الواحد منا عن ذنب يقارفه.
/ قال الله -عز وجل- (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا) اهبطا أي آدم وإبليس، أهبطهما الله وإنما قال اهبطا لأن حواء تبعٌ لآدم فلم يفردها كأنه يقول إهبط يا آدم ومن تبعك واهبط يا إبليس ومن معك لتكون في الدار الدنيا.
/ قال (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) هذا مما يعرفنا أن قوله اهبطا إنما هي لآدم وإبليس لأن الرجل والمرأة ليس بعضهما لبعض عدو، قال (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) فقوله (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) يدل على أن المقصود بقوله (اهْبِطَا) خطاب لآدم وإبليس. ولاحظوا قوله (اهْبِطَا)-اتمنى أن تقفوا عندها قليلا- (اهْبِطَا) المعصية تهبط الإنسان والله ما يمكن أن ترفع الإنسان حتى وإن ظن أو وسوس إبليس له أنها ترفعه فهي تهبط به. ثم قوله اهبطا إبليس هبط وازداد هبوطاً حتى إنه سيصل إلى أسفل سافلين وهي النار، أما آدم الذي اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فإنه يرنو إلى أن يصعد ويعود إلى المكان الذي كان فيه. والصعود يا إخواني فيه مشقه ليس كالهبوط، الهبوط مجرّد الذوق من الشجرة هبط، أما الصعود، لا، يحتاج إلى صلاة وصوم وحج وزكاة ومقاومة للهوى وطاعة لله في السراء والضراء في المنشط والمكره ، في الليل والنهار، مقاومة لجواذب المعصية، كل هذا من أجل أن تصعد وتعود إلى المكان الذي كنت فيه، ولذلك الوصول إلى الجنة صعب ليس سهل، (ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)، قال الله (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ) ما هي العقبة؟ (فَكُّ رَقَبَةٍ) تفك الرقبة تقتحم العقبة (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) إطعامٌ لمن؟ (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ) قريبٌ منك (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) أي قد لصق بالتراب من شدة الفقر (ثم كان من الذين ءامنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمه (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ). فالعود إلى الجنة يا أخواني يحتاج إلى مشقة يحتاج إلى عمل، ولعل منه ما أنتم فيه الآن يجلس الإنسان والناس يخرجون للمزارع ويذهبون إلى البساتين ويتنعمون وينامون ويجلسون عند الأطعمة وأنتم كثيرٌ منكم صائمون وحاضرون لهذه المجالس قد حبستم أنفسكم عن أولادكم وزوجاتكم هذا كله طريق إلى الجنة -بإذن الله- وأرجو الله -سبحانه وتعالى- كما جمعنا في هذا المجلس أن يجمعنا على سرر متقابلين في جنات النعيم.
/ قال الله (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) يعني فإن جاءكم مني هدى أي وحي أوحيته إلى نبي نبّأته وكتاب أنزلته عليكم (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ) فمن اتبع ما أنزلته من الهدى قال الله (فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) لا يضل في الدنيا ، لا يصيبه الضلال يرى الحق والحقيقة ويرى كل شيء كأنه حاضر لكل شيء، يرى أن مصير الناس إما إلى جنة أو إلى نار، ويرى عاقبة العُصاة والمكذّبين ، ويرى الهدى كأنه يرى كل شيء، كأنه قد أطّلع على الدنيا وعلى الآخرة من شدة هدايته ووضوح الحق له، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).
 قال (فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) لا يشقى في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، أما شقاء الدنيا فإن كان المقصود به الشقاء المادي فإنه يصل كل أحد لكن الشقاء المعنوي فإن الله -عز وجل-  يجنّب المؤمنين إياه. لكن نفي الشقاء بكل صوره لا يكون إلا في الآخرة ففي الآخرة لا يشقى المؤمن أبداً وينسى كل شقاء مر به في الدنيا، قال ابن عباس: "لقد ضمن الله لمن اتبع القرآن ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة".
/ قال الله -عز وجل- (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي) ما هو ذكري؟ يمكن أن يكون ذكري بأن يذكرني "سبحان الله، والحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر"، سواء الذكر اللساني أو الذكر القلبي أو الذكر القلبي واللساني وهو أفضل الثلاثة. أو من أعرض عن ذكري أي عن كتابي وعن هذا القرآن الذي أنزلته وهذا هو الأصل؛ لماذا؟ لأنه قال قبلها (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي) أي الهدى الذي أنزلته عليكم هذا أولًا.
وثانيًا: قال (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا) كلماتنا وكتبنا التي أنزلناها عليكم (فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) فدلّ ذلك على أن قوله (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي) أي عن كتابي، أعرض عن القرآن. ولا يمنع ذلك أن يكون الذكر الباقي تبعٌ لهذا ولكن الأصل في الذكر في هذه الآية (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
 قال (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) أي معيشة ضيقة وكل مكان أو منزل أو مكان أو مقام ضيق فهو ضنك كما يقول العلماء. وكلمة الضنك يوصف بها الذكر ويوصف بها الأنثى ولذلك قال هنا (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) ولم يقل ضنكة. والمعيشة الضنك : قيل هي عذاب القبر، وقيل شدة القبر وضغطته، وقيل النار، وقيل المعيشة الضنك هي الكسب الحرام، فإن الذي يكسب حراماً قد ضيق الله عليه طرق الخير فلا هو يهتدي إليها ليكتسب منها ولا هو ينفق فيها ولا يقبل الله منه لو أنفق فيها. وقيل ما هو أعمّ من ذلك فهو وإن وجد المال ووجد الرزق والدار والقصر وغير ذلك يبقى نكِداً عيشه ضيقاً حاله تعيسًا بئيسًا يجد اللذائذ ويجد الأمور التي يشتهيها لكنه لا يهنأ بها، سبحان اللهّ وهذا نراه واقعًا في الحياة، فهؤلاء الكفار يتنعمون بالدنيا ولديهم لذائذها ومع ذلك أضيق ما يكونون عيشًا هم، تأملوا يا إخواني نسبة الانتحار في أوروبا لأفريقيا، ستجد أنه لا مقارنة بين هؤلاء وهؤلاء! ولو نظرت إلى العيش لوجدت أن عيش هؤلاء عيش فقر وعيس قلّة وعيش جهد وعناء في أفريقيا، وعيش أولئك عيش سعة ورغد ورفاهية لكن -سبحان الله- جعل الله هذه الرفاهية ضنكاً عليهم فهم دائماً خائفون من سلبها وخائفون من ذهابها وخائفون من زوالهم أيضاً عنها وخائفون من مقادير الله التي تجري على عباده فهم في ضنك من العيش وفي اضطراب وفي تعاسة وشقاء ونكد ولذلك يضطرون إلى الانتحار ويكثر فيهم ذلك، بل يكثر فيهم ارتياد المصحّات النفسية بسبب تلك الآلام والضغوطات التي لا يستطيعون أن يخرجوا منها.
/ قال الله -عز وجل- (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) قيل العمى عمى الحُجّة يعني بلا برهان وهذا واقع بلا شك، يأتي يوم القيامة ولا حجة معه، بخلاف ما كان في الدنيا ألدّ الخصام في الآخرة يأتي بلا حجة لأن الحقائق قد ظهرت ولا يستطيع أن يروغ عنها.
وقيل عمى البصر ، والآية تحتمل النوعين عمى البصر وعمى البصيرة. فكما كنت في الدنيا تبصر الآيات التي جاءت على أيدي الأنبياء وتبصر الآيات القرآنية وتبصر الحق وتبصر الباطل وتميّزهما ومع ذلك لا تنظر إلى الحق ولا تستفيد من هذا البصر يبعثك الله أعمى ولذلك يبعثون يوم القيامة وهم مبصرون ثم تسلب منهم أبصارهم (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا).
(قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا) أنا كنت في الدنيا بصيراً أرى وأميّز (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا) هذا الجزاء من جنس العمل (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا) أي نسيتها وأعرضت عنها، ولم تعمل بها ولم ترفع بها رأساً ولم تحفل بها (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) أي تُترك، وليس المقصود بالنسيان هنا أن يذهل الله عنه فالله لا يذهل عن شيء ، لكن المقصود بالنسيان الترك لأن النسيان يأتي بمعنى الترك ، قال الله (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) .
(وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي) أي مثل هذا الجزاء نجزيه (مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ) من أسرف أي أشرك وكذّب ولم يؤمن بآيات ربه (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) أي عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا وأدوم وهذا والله مما يزيد النكاية على هؤلاء لأنه لو كان أشد وينقطع لكان الأمر يمكن احتماله لكن أشد وأبقى أي سيدوم ويُخلّد فيه أهلها، هذا والله هو الذي يزيدهم ألماً على ما هم فيه من الألم.
 قال الله -عز وجل- (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ) أفلم يتبين لهؤلاء الذين تعظهم يا محمد وتقرأ عليهم القرآن أفلم يتبين لهم كم أهلكنا قبلهم من قرون؟ كثيراً، "كم" هذه للتكثير، كم أهلكنا من قبلهم من الأمم الماضية (يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ) يعني ليس شيئاً يُخبَرون عنه فقط بل إنهم يرونه بأعينهم ويسيرون إليه ويدخلون إليه بأقدامهم فهم إذا ساروا إلى بلاد الشام مروا بقوم صالح ورأوا آثارهم ورأوا قصورهم وجبالهم التي كانوا يبنونها وهي باقية إلى اليوم لتكون عبرة لقريش ولمن جاء بعدهم إلى يومنا هذا! ترى يا إخواني البيت جبل مقصوص كما تُقصّ الجبنة سبحان الله! ويزخرف الجبل، كيف هذه القدرة؟ قدرة هائلة حقيقة ، في موازين البشر هي قدرة هائلة حقيقة.
 طيب أين هم الذين صنعوها وبنوها ونحتوها وحفروها وتمكنوا منها؟! لقد أذهبهم الله وأهلكهم، ما بقوا وبقيت آثارهم لتدل عليهم.
 (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى) أي لأصحاب العقول، وسمي العقل نُهيَةً لأنه ينهى صاحبه عما لا يُحمد وعما لا ينبغي ، كما يسمى العقل أيضاً حِجرا لأنه يحجِر على صاحبه أن يفعل شيئاً لا ينبغي له فعله. ويسمى أيضاً عقلاً لأنه يعقِل صاحبه عن فعل ما لا ينبغي فعله، وهذه هي مهمة العقل ، مهمة العقل أنه لا ينساق للهوى أنه يفكر في العواقب فيعقِل صاحبه عن الجريان وراء الأهواء، ولذلك من يجري وراء هواه ليس عاقلاً. الآن لو معك مائة ألف تقول ماذا أفعل بها؟ سأشتري بها كذا وكذا وأتلذذ وأتنعم بها اليوم وغداً كل الناس يقولون أنك لست بعاقل، لماذا؟ لأن العاقل يقول لك خذ منها قدر حاجتك اليوم وادّخر الباقي لليوم الذي تحتاجه فيه ، نمّها وثمّرها هذا يسمى عقل ولذلك أكمل الناس عقلاً من يفكر في اليوم الباقي، ولذلك المؤمن يذهب ويتصدق بكثير من ماله، لماذا؟ هل لأنه لا عقل له؟ لأن عقله أكبر من عقل الذي يريد أن يثمّرها لليوم الفاني، هو يثمرها لليوم الباقي ليوم يحتاج فيه كل إنسان لمثل هذا العمل.
 قال الله -عز وجل- (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى) أرجو أن تنتبهوا إلى الإعراب ، "ولولا كلمة سبقت من ربك لكان العذاب لزاما " لكان لزاما" يمكن بعضكم يقول لماذا لم يقل وأجلاً مسمى؟ لا، ما يصح الكلام أي "لكان العذاب لزاماً ولكان أجلاً مسمى"؟ لا، إذًا (أجلٌ مسمى) معطوفة على قوله (ولولا كلمةٌ) يعني "ولولا كلمةٌ سبقت من ربك وأجلٌ مسمى لكان العذاب لزاما لهم مسرعًا إليهم". إذًا فقوله (وأجلٌ) معطوفة على (كلمةٌ).
 قوله (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ) يعني ولولا كلمة سبقت من ربك بأن ألا يعذب الله إلا بعد قيام الحجة لكان العذاب لزاماً عليهم أي لازماً لهم يعجله الله عليهم. وكذلك لولا أجل مسمى لكان العذاب لزاماً عليهم، أي لولا أن الله جعل لكل شيء ميعاداً حتى عذابهم، هم قالوا للنبي إئتنا بعذاب من عند الله (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) هل يستطيع النبي أن ينزل عليهم العذاب؟ ما يستطيع ولا يمكن أن ينزل العذاب إلا في ميعاده الذي قدره الله، سواء كان عذاباً بالقتل أو عذاباً بالجوع أو عذاباً مستأصلاً مُهلكاً، فانتبهوا لا تستهينوا بأمر الله ولا بتقديره فإن الله قد جعل لكل شيء قدراً.
/ قال الله -عز وجل- (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) يعني : لا تستعجل يا محمد لا تستعجل عليهم العذاب اصبر عليك بالصبر، عليك بأن تبلّغ وأن لا تأبه بهذا الذي يقولونه، ساحر، كاهن، شاعر، أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا، كل هذه الأقاويل إياك أن تؤثر عليك أو أن تتأذى بها اصبر يا محمد على ما يقولون، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) انشغل بالتسبيح وهي الصلاة؛ سميت الصلاة تسبيحاً لأن فيها تسبيح ولأنها تنزيه لله عملي لأن الذي يسجد لله ينزّه الله عن النقص ويُعلن بفعاله أن الله هو المستحق للعبودية وأن العباد كلهم ضعفاء بين يديه لأنه هو الواحد الأحد الحيّ القيوم. قال (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي متلبساً بحمد الله ولذلك الصلاة كلها تسبيح وحمد، نبدأ الله أكبر هذا حمد لله، ونقول الحمد لله رب العالمين هذا حمد لله، ثم يركع فإذا ركع كان ركوعه تسبيحاً عملياً فيقول في ركوعه سبحان ربي العظيم، ينزّه الله قولاً ثم يسجد ويقول سبحان ربي الأعلى ينزه الله بفعله وبقوله. قال (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي سبح الله تسبيحاً مصحوباً بحمده فالباء هنا للملابسة أو للمصاحبة. قال (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) نصّ على أفضل الأوقات وهي قبل طلوع الشمس وهي صلاة الفجر، قبل غروبها وهي صلاة العصر، ولذلك قال النبي "من صلى البردين دخل الجنة"، وقال عليه الصلاة والسلام "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تُضامون أو لا تَضامُّون برؤيته فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ هذه الآية (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى).
وهذه الآية كما نستفيد منها فضل هاتين الصلاتين أيضاً نستفيد منها فضل الذكر في هذين الوقتين، قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فهما أفضل وقتين للذكر، ولذلك ينبغي للإنسان أن يقول أذكار الصباح وأذكار المساء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، ومن يؤخّر الأذكار بعد غروب الشمس فقد قالها في وقتها لكنه ليس في الوقت الفاضل وإنما في الوقت المفضول. لأن هذا هو الوقت الفاضل التسبيح ما بين صلاة العصر إلى المغرب قبل غروب الشمس.
 قال (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ) ومن آناء الليل أي ومن ساعاته ولما طرح الليل قال (وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ) ولم يقل بعد غروب الشمس وقبل طلوع الفجر ليبين أن الليل كله محل للتسبيح والصلاة، الفريضة منها والنافلة. ففيها صلاة المغرب ، ففي ساعات الليل صلاة المغرب وصلاة العشاء وفيها أفضل صلاة التطوع وهي قيام الليل (وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ)
قال (وَأَطْرَافَ النَّهَارِ) إما أن يكون أطراف النهار أول النهار وآخره كما قال بعضهم فيدخل في ذلك صلاة الفجر وصلاة العصر، وإما أن يكون كما قال قتادة "أطراف النهار أي طرفاه" ويقصد بهما صلاة الظهر؛ لأن للنهار طرفين الطرف الأول أول النهار وطرفه ينتهي بصلاة الظهر، الطرف الثاني آخر النهار وأول طرفه الثاني يبدأ بصلاة الظهر فقوله (وَأَطْرَافَ النَّهَارِ) أي صلاة الظهر قال العلماء وتكون هذه الآية قد شملت الصلوات الخمس، قبل طلوع الشمس الفجر قبل غروبها العصر من أناء الليل المغرب والعشاء الظهر وأطراف النهار.
(لَعَلَّكَ تَرْضَى) أي لعلك تحمد العاقبة أو يحصل لك الرضا من الله ، وفي قراءة (لَعَلَّكَ تُرْضَى) أي يرضيك الله . وهذه الآية يا إخواني في دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-   للصبر والصلاة مثل قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) هنا قال (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي وصلّي وهناك قال (اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ).
/ قال (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) احذر أن تلتفت إلى الدنيا ولم يثرّب عليه بالالتفاف وإنما ثرّب عليه بمدّ العين يعني أن تطيل النظر إليها فتميل بقلبك إليها (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) ولذلك نهى العلماء عن النظر إلى شيء من الدنيا على وجه الإعجاب بها قالوا لأن الله قال (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ) أي أصنافاً منهم أصنافاً من الناس (زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا)- أي لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به زهرة الحياة الدنيا أصنافاً منهم ، فـ (زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا) كأنها مفعول لفعل محذوف متّعنا زهرة الحياة الدنيا ، أو جعلنا لهم زهرة الحياة الدنيا أي زينتها.
 (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) إنما متّعناهم بما متعناهم به ووسّعنا عليه في الأرزاق من أجل أن نفتنهم فننظر من يشكر ومن ويكفر. قال الله -عز وجل- مُرغّباً رسوله فيما عنده في الجنة ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أعجبه شيء من الدنيا مباشرة يقول الكلمة المعهودة "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة". قال (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) في ذاته (وَأَبْقَى) أي أدوم جمع الخير في ذاته والبقاء الذي هو الداوم.
 قال الله (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) انشغل بهذا يا محمد، انشغل بالصلاة أُؤمر أهلك بالصلاة قال الله -عز وجل- (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) إذن أنت يا محمد اقتدِ بالأنبياء من قبلك أؤمر أهلك بالصلاة. ثم قال (وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) يعني اصبر صبراً مضاعفاً وشديداً، لماذا؟ لأن الاصطبار أعلى من الصبر فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى مثل الاستحاضة أبلغ من الحيض، الحيض له مدة معلومة والاستحاضة هو جريان الدم بلا مدّة فلما زيدت الحروف زاد المعنى. وكذلك هنا اصبر أبلغ منها اصطبر يعني صابِر واجتهد وابذل قصارى جهدك لأنها قد تكون ثقيلة عليك وعلى أهلك اصطبر على ذلك (لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا) نحن لا نطلب منك رزقاً نحن الذين نتكفل لك بالرزق ، انشغِل بنا نهييء لك الأسباب، تفرّغ لعبادتي أكفِكَ شغلك وهمّك كله كما ورد في الحديث. قال الله -عز وجل- (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ولذلك قال العلماء: من أراد الرزق فعليه بالصلاة. وكان بكر بن عبد الله المزني إذا أصاب أهله مجاعة وخصاصة قال قوموا فصلّوا ثم يقول بهذا أمر الله تعالى رسوله ويتلو هذه الآية. قال الله (نَّحْنُ نَرْزُقُكَ) يعني إن انشغلت بنا وتعبّدت لنا رزقناك من عندنا. (وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) أي العاقبة الحسنة لأهل التقوى فالعاقبة لا تكون إلا للمتقين. قد تكون الحاضِرة لغير المتقين لكن العاقبة لا تكون إلا للمتقين سواء العاقبة في أمر الدنيا أو العاقبة الأخروية. قال الله (وَقَالُوا) أي الكفار (لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ) هلّا جاءنا بآية ومعجزة من عند الله -عز وجل- ، يقولونه للنبي -صلى الله عليه وسلم- ، سبحان الله! ما أعجب هذا السؤال لقد جاءتكم آية هي من أعظم الآيات وهو القرآن ، قال الله في سورة العنكبوت (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) ما كفاهم هذا؟ إذا ما كفاهم هذا فإنه والله ما يكفيهم شيء! ولقد تحداهم الله إئتوا بسورة ، بعشر سور ، بآية ، بحديث مثله، ما جاؤوا بشيء!.
قال الله -عز وجل- (أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى) أي بيان ما في الكتب من أخبار الأمم الماضية المُهلَكة (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ) لو أنا أهلناكهم بعذاب قبل أن نُنزل عليهم هذا الكتاب لقالوا محتّجين على الله (رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى) سبحان الله! قد جاءكم النبي ، جاءتكم الآيات فلم كذّبتم؟ لكن هذا هو الإنسان (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا).
قال الله (قُلْ) يا محمد (كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا) كلٌ يتربص بصاحبه أنتم تتربصون بنا سوءاً ونحن نتربص بكم أن يُنزل الله عليكم عذابا من عنده فتربصوا أي فارتقبوا معنا كما نحن نرتقب معكم (فَسَتَعْلَمُونَ) إذا بعثنا الله ووردنا القيامة (مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى) أي المستقيم ومن هو المهتدي.
أسأل الله بمنّه وكرمه أن ينفعني وإياكم بهذه السورة وما فيها من الآيات والعظات والعبر وأن يجعلنا جميعا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
 اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وارزقنا علماً ينفعنا وإلى لقاء مع سورة الأنبياء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لحفظ المقطع الصوتي :







___________________________________________
 مصدر التفريغ (بتصرف يسير):
http://www.tafsir.net/vb/tafsir28329/#ixzz2OqEJqwwG

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق