الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأشهد ألاّ إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسموات
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والمروءات أما بعد :
فالمفردتان اللتان سنُعنا بهما في لقاء هذه الليلة في لقاءين متتابعين إن شاء الله تعالى هما مفردتا الحياة والموت ، وقد بينا في الدروس التي سبقت قبل ذلك أننا نعنى في كل لقاء إن شاء الله تعالى بمفردتين من القرآن متقاربتين
أو متضادتين ، وشرعنا في بعضها واليوم نستأنف ما كنا قد بدأناه والله - جل وعلا - خير موفق وخير مسؤل .
فنقول : إن الحياة والموت وردتا كثيرا في القرآن العظيم وسنبين ذلك بجلاء على النحو التالي : في اللقاء الأول سنأخذ
تقعيدات عامة وإجمال دل عليه القرآن ، وفي اللقاء الثاني نأخذ آيات نفصلها ، نفسرها فلعل بذلك الأمر يكتمل
والطريقة تستقيم ونصل جميعا الى المقصود.
الأمر الأول : أن الله تبارك وتعالى أخبر أن من أسمائه الحسنى أنه الحي الذي لايموت
فالحياة المطلقة الكاملة التي لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال لم تكن ولا تكون إلا لله على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته ، فحياته - جل ذكره - صفة ذاتية لازمة له على الوجه الذي يليق بجلاله ، يليق بعظمته قال ربنا (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ)
وقال ربنا (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا
يَمُوتُ)
وقال ربنا (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)
كما ينبغي أنه يُعلم في هذا الشأن كله أنه ذكر بعض أهل العلم أن من دعاء قوم يونس - عليه السلام - لما أظلهم العذاب
كان من دعائهم أنهم قالو يستغيثون ربهم يستجيرون به "ياحي حين لا حي" والمراد أنهم علمو أنه سياتي يوم لا أحد
حي فيه إلا الله ويدل على هذا ظاهر القرآن قال الله - عز وجل - عن ذاته العلية (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو
الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا
يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ
الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) .
الأمر الثاني : يقول مقاتل بن سليمان - أحد السلف من المفسرين - "إن الله خلق الموت على صورة كبش وخلق الحياة على صورة فرس " ولا نعلم دليلا أثرا نقلا صحيحا مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نجزم من خلاله بصحة هذا القول لكن نقول إن ظاهر القرآن والسنة يدل على ذلك خاصة أن مقاتل - رحمه الله - اشتُهر بعلم التفسير وهو أحد أئمته ، فأما الدليل على أن الموت خُلق على صورة كبش يدل عليه ما جاء في الخبر الصحيح (أنه يؤتى بالموت يوم القيامة على صورة كبش أملح فيُنادى يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ، ويُنادى يا أهل النار هل تعرفون هذا ، وكلهم يُقِر به فيُذبح ما بين الجنة والنار ويقال يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت) فهذا يؤيد قول مقاتل أن الموت خُلق على صورة كبش أملح .
الأمر الثاني : يقول مقاتل بن سليمان - أحد السلف من المفسرين - "إن الله خلق الموت على صورة كبش وخلق الحياة على صورة فرس " ولا نعلم دليلا أثرا نقلا صحيحا مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نجزم من خلاله بصحة هذا القول لكن نقول إن ظاهر القرآن والسنة يدل على ذلك خاصة أن مقاتل - رحمه الله - اشتُهر بعلم التفسير وهو أحد أئمته ، فأما الدليل على أن الموت خُلق على صورة كبش يدل عليه ما جاء في الخبر الصحيح (أنه يؤتى بالموت يوم القيامة على صورة كبش أملح فيُنادى يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ، ويُنادى يا أهل النار هل تعرفون هذا ، وكلهم يُقِر به فيُذبح ما بين الجنة والنار ويقال يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت) فهذا يؤيد قول مقاتل أن الموت خُلق على صورة كبش أملح .
بقينا في خلق الحياة على صورة فرس لعل مقاتل - رحمه الله - أخذها من قول الله - جل وعلا -
في خبر السامري مع موسى لما سأله موسى ما الذي بعثك على ذالكم الصنيع يوم أن جعل العجل جسدا له خوار وأمر
بني إسرائيل بعبادته في الفترة التي كان فيها موسى قد ذهب إلى ميقات ربه فكان جواب السامري أن قال (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ
لِي نَفْسِي) ومعنى الآية إجمالا : أن السامري أخذ من بني إسرائيل أثقال الذهب والفضة التي حُوملوها معهم من مصر ثم صهرها ثم رأى جبريل عليه السلام وهو يقود فرسه يسبق بني إسرائيل ليكون سببا في نجاتهم
بعون الله ونصرته ورحمته لبني إسرائيل من البحر إلى البر حتى ينجو بهم لاحظ السامري أن الفرس التي يمتطيها جبريل
لا تضع حافرها على أرض ثم ترفع عنها إلا أنبتت فعلِم أن وراء هذا الفرس شيء فقبضها فإذا كان ما وصل إليه مقاتل حق
فيصبح أن ذلك شيء من الحياة فجمعها السامري وإن كانت جزءا يسيرا أوذرة فخلطها بالذهب فلما جعل من ذالكم الذهب
الذي صُهر العجل قال الله (فَأَخْرَجَ) أي السامري (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا) صغار البقر (جَسَدًا) وهذا ظاهر أي على هيئة جسد عجل
وهذا كوّنه السامري من الذهب المصهور (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ
خُوَارٌ) أي له صوت ، قال بعض أهل العلم أن الخوار أي الصوت
الذي كان يحدث إنما كان ناجم من الريح التي تدخل فيه وتخرج وهذا له وجه من النظر، لكننا الغالب أن بني إسرائيل وإن كانوا في أعظم
الجهل يوم عبدوا العجل لكنه لا يُعقل أنهم قبلوا منه أن يؤتى لهم بعجل ثم تأتي الريح وتدخل من جهة وتخرج من أخرى فتُحدث صوتا فتقنعهم ، تقنع كثيرا منهم ، فغالب ما ذهب إليه مقاتل نقول قريب من هذه الآية تدل عليه كثيرا و العلم عند الله . هذا الأمر الثاني في التقعيد.
الأمر الثالث : حكم الله أن الموت حق على كل نفس قال - جل ذكره - وهو أصدق القائلين (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) وهذا لا يُستثنى منه أحد ، وهناك أقوام مُنظرون أي أنظرهم الله حتى مدّ في أجالهم مع التفاوت فيما بينهم وهؤلاء منهم إبليس فإنه قال كما قال
الله - عز وجل - (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي
إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) هذه رغبته ، طلبه ، أي إلى يوم البعث والنشور لكن الله لم يمهله إلى يوم البعث والنشور
قالها مُقيدا جاءت مقيدة (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ
الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ
الْمَعْلُومِ) أي ليس إلى يوم البعث ولكن إلى وقت الساعة وقول الله - عز وجل - (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ) ظاهره - والعلم عند الله - أن هناك آخرين غير إبليس الله - جل وعلا - مدّ في أعمارهم ، أنظرهم ، ربما يدخل فيهم الدجال
وفي الحديث (أم الدجال فشر غائب يُنتظر) ولم يقل يُولد وهذا يدل على أن الدجال موجود ويدل على ذلك حديث فاطمة بنت قيس وهو في صحيح
مسلم المعروف بحديث الجساسة من حديث تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه وأرضاه - أن تميم لقيه - والعلم عند الله - في تفاصيل ذلك لأن ذلك غيب والغيب لا يُعلم بالعقل ولا بالنظر
ولا بالتأمل وإنما الغيب يُعرف بالخبر اليقين عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما عدا ذلك فنُحيله على قائله ونقول غالب الظن ، ظاهر
القرآن ، يُقال ، يُروى ، يُحكى ، يزعم ، بحسب من أسندنا إليه لكننا لا نرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو نسنده إلى القرآن إلا إذا كان آية في القرآن ، أو كان خبرا صحيحا مقطوعا بصحته عن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - والمقصود : أن هناك قوما مُنظرين ومن هنا قال بعض العلماء : إن الخضر
من المُنظرين . لكننا نقول إننا لا نعلم دليلا يقوي هذا ، أما الدجال فجعلنا نميل إلى القول بذلك حديث الجساسة ، وأما إبليس فنص القرآن أما الخضر فلا
دليل عليه وأما ما يُحكى من الرؤى والمنامات فصعب أن تكون تلك في إثبات أمر بهذا الوضع وإن كان قال به علماء أجلاء معروفون
كالنووي وغيره من علماء المسلمين هذا الأمر الثالث .
القاعدة الرابعة : أن الله - جل وعلا - جعل سمى النوم موتا وفاة قال ربنا - وهو أصدق القائلين - (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ
وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) فقوله تبارك اسمه وجل ثناءه
(وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) دليل على أن الأولى ليس المقصود بها
القبض الكامل ، قبض الروح التام وانفصال الروح عن الجسد بالكلية وإنما المراد النوم وفي الحديث ( النوم أخو الموت ولذلك أهل الجنة لا ينامون) (1) ومما يدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه قال ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) وقد أجمع العلماء على
أن النوم يسمى الموتة الصغرى وقد قال الله - جل وعلا - (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى
عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) والمقصود بيان هذا والنبي - صلى الله عليه وسلم -
إذا تعّار من الليل قال (لا إله إلا الله الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار) .
من القواعد كذلك في الموت : أن الله - جل وعلا - سمّى من كفر به وأظلم قلبه بالكفر ، سماه ميتا وجعل الحياة الحقة هي حياة الإيمان قال ربنا (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) فالحياة الحقة هي أن يكون الإنسان قلبه ممتلئ بالإيمان لأن الله سمّى الكفار موتى في أكثر من آية هذا من الشأن العام .
كذلك من تلكم القواعد : يُعلم أن الله - جل وعلا - أخبر أن من الحياة حياة الأرض فقال - جلّ ذكره - (وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) وأخبر - جل وعلا - أنه يُنزل الغيث ويجعل الرياح بشرى بين يدي رحمته وأن ذلك يُحيي به الله الأرض بعد موتها وجعل هذا من كمال قدرته وجليل رحمته والدال على البعث والنشور ، وقد جاء القرآن في أكثر من آية بهذا المعنى قال - جلّ ذكره - (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ) أي غيثه ، أي مطره ، (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى).
/ مما دل عليه القرآن في قضية الحياة والموت أن بني آدم يموتون قطعا وأن أجسادهم تبلى بعد الموت بدليل أن الله - جل وعلا - أقرّ أهل الكفر والإشراك على زعمهم أن العظام تبقى رميما لكن القرآن جاء يُخالفهم في زعمهم أن الله لا يقدر على إحياء الموتى ، على أن الأصل العام أن أجساد بني آدم تبلى هذا جاء به القرآن قال ربنا (أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ*وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) فلم يُنكر الله - جل وعلا - أن العظام تكون رميما لكنه أغلظ على أولئك الكفرة أنهم نسبوا إلى الله العجز وعدم القدرة على إحياء الموتى - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا - قال ربنا (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ*قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) وقال - جل ذكره - في الأحقاف (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) ثم قال (بلى) .
وإن من أعظم الكفر والفجور أن يُظن بالله العجز تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا . وإتماما للأمر الذي نحن فيه فإنا قلنا أن أجساد بني آدم تبلى أما أجساد الأنبياء فدلّ الحديث الصحيح عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن أجساد الأنبياء لا تبلى ، قالوا : يارسول الله كيف تبلُغك صلاتنا وقد أرمت ، قال (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) لكنه قال - عليه الصلاة والسلام - (إنه ليس شيء من بني آدم إلا يبلى) ثم استثنى قال (إلا عجب الذنب) ، وبعض أهل العصر نقل عن معامل في الصين جاءت بعجب الذنب فسلطت عليه ما جرت العادة أن يُمحى أو يُذاب به كل شيء من الأحماض أو من غيرها بمعنى فيزيائيا وكيميائيا ولم يستطع أحد منهم أن يُذيب عجب الذنب كما قال - صلى الله عليه وسلم - (إنه ليس شيء من بني آدم إلا يبلى إلا عجب الذنب) . وأهل العلم يقولون إن ثمانية لا تفنى : القلم واللوح ، والعرش والكرسي ، والجنة والنار ، والروح وعجب الذنب .
والذي يعنينا هنا هو عجب الذنب كذلك الروح إنما الوفاة التي وُعد بها الخلق وأذل الله بها عباده إنما تكمن في أن الروح تُقبض ، وقد وكّل الله - جل وعلا - بذلك ملكا قال ربنا (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) وقال - جل وعلا - يُخبر عن نظير ذلك قال (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ*ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) لِمَ قال - جلّ ذكره - ( ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ) ؟ لأنه يوجد من الخلق على أي ملة كانوا غير الإسلام من جعلوا لأنفسهم موالي يستنصرون بهم غير الله ، هذا ينتصر بمنصبه ، بوزارته ، هذا بملكه ، هذا بماله ، هذا بجاهه ، هذا بالمتاجر التي يملكها ، هذا بالبنوك التي يرأسها ، هذا بالدول التي هيمن عليها ، كل شخص من هؤلاء - عياذا بالله - جعل له مولى نصير غير الله لكنه إذا قُضي الأمر ليس له مولى حق يؤب إليه ، يقهره ، بيده الأمر كله - جلّ ذكره - إلا الله قال ربنا (ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) .هذا ما تيسر إيراده حول التقعيد الأول عن الحياة والموت .
في اللقاء القادم إن شاء الله نتدارس آيات في التفسير جاء فيها ذكر الحياة ، جاء فيها ذكر الموت من كلام رب العزة والجلال تبارك اسمه وجلّ ثناؤه ، والعلم عند الله وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين .
من القواعد كذلك في الموت : أن الله - جل وعلا - سمّى من كفر به وأظلم قلبه بالكفر ، سماه ميتا وجعل الحياة الحقة هي حياة الإيمان قال ربنا (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) فالحياة الحقة هي أن يكون الإنسان قلبه ممتلئ بالإيمان لأن الله سمّى الكفار موتى في أكثر من آية هذا من الشأن العام .
كذلك من تلكم القواعد : يُعلم أن الله - جل وعلا - أخبر أن من الحياة حياة الأرض فقال - جلّ ذكره - (وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) وأخبر - جل وعلا - أنه يُنزل الغيث ويجعل الرياح بشرى بين يدي رحمته وأن ذلك يُحيي به الله الأرض بعد موتها وجعل هذا من كمال قدرته وجليل رحمته والدال على البعث والنشور ، وقد جاء القرآن في أكثر من آية بهذا المعنى قال - جلّ ذكره - (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ) أي غيثه ، أي مطره ، (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى).
/ مما دل عليه القرآن في قضية الحياة والموت أن بني آدم يموتون قطعا وأن أجسادهم تبلى بعد الموت بدليل أن الله - جل وعلا - أقرّ أهل الكفر والإشراك على زعمهم أن العظام تبقى رميما لكن القرآن جاء يُخالفهم في زعمهم أن الله لا يقدر على إحياء الموتى ، على أن الأصل العام أن أجساد بني آدم تبلى هذا جاء به القرآن قال ربنا (أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ*وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) فلم يُنكر الله - جل وعلا - أن العظام تكون رميما لكنه أغلظ على أولئك الكفرة أنهم نسبوا إلى الله العجز وعدم القدرة على إحياء الموتى - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا - قال ربنا (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ*قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) وقال - جل ذكره - في الأحقاف (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) ثم قال (بلى) .
وإن من أعظم الكفر والفجور أن يُظن بالله العجز تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا . وإتماما للأمر الذي نحن فيه فإنا قلنا أن أجساد بني آدم تبلى أما أجساد الأنبياء فدلّ الحديث الصحيح عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن أجساد الأنبياء لا تبلى ، قالوا : يارسول الله كيف تبلُغك صلاتنا وقد أرمت ، قال (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) لكنه قال - عليه الصلاة والسلام - (إنه ليس شيء من بني آدم إلا يبلى) ثم استثنى قال (إلا عجب الذنب) ، وبعض أهل العصر نقل عن معامل في الصين جاءت بعجب الذنب فسلطت عليه ما جرت العادة أن يُمحى أو يُذاب به كل شيء من الأحماض أو من غيرها بمعنى فيزيائيا وكيميائيا ولم يستطع أحد منهم أن يُذيب عجب الذنب كما قال - صلى الله عليه وسلم - (إنه ليس شيء من بني آدم إلا يبلى إلا عجب الذنب) . وأهل العلم يقولون إن ثمانية لا تفنى : القلم واللوح ، والعرش والكرسي ، والجنة والنار ، والروح وعجب الذنب .
والذي يعنينا هنا هو عجب الذنب كذلك الروح إنما الوفاة التي وُعد بها الخلق وأذل الله بها عباده إنما تكمن في أن الروح تُقبض ، وقد وكّل الله - جل وعلا - بذلك ملكا قال ربنا (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) وقال - جل وعلا - يُخبر عن نظير ذلك قال (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ*ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) لِمَ قال - جلّ ذكره - ( ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ) ؟ لأنه يوجد من الخلق على أي ملة كانوا غير الإسلام من جعلوا لأنفسهم موالي يستنصرون بهم غير الله ، هذا ينتصر بمنصبه ، بوزارته ، هذا بملكه ، هذا بماله ، هذا بجاهه ، هذا بالمتاجر التي يملكها ، هذا بالبنوك التي يرأسها ، هذا بالدول التي هيمن عليها ، كل شخص من هؤلاء - عياذا بالله - جعل له مولى نصير غير الله لكنه إذا قُضي الأمر ليس له مولى حق يؤب إليه ، يقهره ، بيده الأمر كله - جلّ ذكره - إلا الله قال ربنا (ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) .هذا ما تيسر إيراده حول التقعيد الأول عن الحياة والموت .
في اللقاء القادم إن شاء الله نتدارس آيات في التفسير جاء فيها ذكر الحياة ، جاء فيها ذكر الموت من كلام رب العزة والجلال تبارك اسمه وجلّ ثناؤه ، والعلم عند الله وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين .
------------------------------------
1-عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَيَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ : " لا ، النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ ، وَلا يَمُوتُ أَهْلُ الْجَنَّةِ "
1-عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَيَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ : " لا ، النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ ، وَلا يَمُوتُ أَهْلُ الْجَنَّةِ "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق