الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

الحلقـ الثامنة ــة / كيف نجعل سورة النحل حياة



 السلف كانوا يسمون سورة من القرآن سورة النِعم هكذا كل من منهم من تكلم عن السورة يقول تلك السورة هي سورة النِعم النِعم أيُ سورة هي سورة النحل ولذلك سُميت باسم النحل نعمة من أعظم نِعم الله -عز وجل- على عباده ، فلِمَ سميت باسم النِعم؟
 من أجل أن يستشعر الإنسان هذه النِعم التي تتنزل من الرب الكريم سبحانه وتعالى في كل وقت في كل مكان على أية حال إذا أردنا أن نقرأ سورة النحل كيف نقرأها ؟!
 هي تعداد لنعم الله عز وجل الدينية والدنيوية ، الداخلية والخارجية ، ثم كيف نشكر هذه النِعم ، تقول لي وقد يتبادر عند كثير ممن يقرأ هذه السورة كيف السورة سورة النِعم والله في مطلعها يقول سبحانه وتعالى (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الآية الأولى من سورة النِعم تكون بوعيد ، تكون بتهديد ، هكذا تكون تعداد النِعم ؟!
 نعم أخي هكذا ، هذه أعظم نعمة على عباد الله الذين وقاهم الله -عز وجل- شر عذابه وعقابه -سبحانه وتعالى- أتى أمر الله كذبوا بنعم الله ، أنت آمنت بنِعم الله صدقت أن هذه النِعم إنما هي من إله واحد -جل وعلا- ، آمنت صدقت وُقيت هذا العذاب الذي توعد الله -عز وجل- به أولئك الذين كفروا بِنعمه فقال الله سبحانه وتعالى(أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ*يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ فأعظم نعمة هي نعمة الوحي ، أعظم مِنَّة هي نعمة تَنَزُل القرآن من الله -عز وجل- على عباده ، وإذا أردت أن تتيقن ذلك من سورة النحل فانظر إلى آخر السورة ماذا يقول الله -عز وجل- في ختامها؟ يقول -سبحانه وتعالى- في ذكر نموذج واحد ممن شكر الله على نِعمه (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) هذا من أعظم شكر الله على نِعمه أن يُوحد الله في عبادته ثم قال سبحانه وتعالى (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ) يشكر نعمة الله جزاء هذا الشكر: أن الله -عز وجل- اجتباه وجعله على صراط الله المستقيم ياله من شُكر وياله من جزاءٍ على هذا الشكر.
 كل آية من سورة النحل تنبض بنِعم الله -عز وجل- تُخبرك عن جليلها وعن دقيقها ، عن كبيرها وعن صغيرها ، تعال وانظر إلى نعمة واحدة من أعظم نعم الله -سبحانه وتعالى -أنت تقرأ الآن في سورة النِعم ماذا يقول الله عز وجل لك ؟! (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [1] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ) هذا الذي رزقه الله الإيمان ،عمل الصالحات أنه أخبت ، الإخبات هو : الطمأنينة ، الخُضوع ، الذُل ، لمَّا يكون مُقصراً في أمر ، مثلا : فاتته صلاة الفجر مع الجماعة فجاءه ابنه أو جاءته زوجته أو جاءه له أحد من جيرانه فقال له يا فُلان يعني الله يهديك ليش ما صليت الجماعة مع الناس؟ صلِ الفجر في المسجد؟ فما يجي يقول لك ياخي أنت وش يدريك عني إني ما صليت في المسجد أنا يمكن إني صليت في مسجد هنا أو هناك ، ويبدأ يتعذر وتحجج لا لا لا، أخبتوا إلى ربهم مباشرة ماذا يقول لنفسه؟ يقول أستغفر الله ، والله أنا مذنب أنا مقصر، أنا إنسان -والله- لولا رحمة الله، لولا مغفرة الله، لولا عفو الله، لولا لطف الله، لهلكت .
(أَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ) حينما يأتيه إنسان ويثني عليه ما شاء الله عليك يافلان ، ما شاء الله تبارك الرحمان أنت رجال لك حضور وأنت رجال عنده مثلا مال ويتصدق ، وأنت رجال تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ويبدأ يثني عليه ، مباشرة ينقلب هذا إلى حزازة في نفسه يا أخي أنت ما تدري ما الذي عندي أنا إنسان كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- وقد أُثني عليه قال : "والله لو كانت للذنوب روائح ما استطعتم أن تقتربوا مني " هذا من ؟! ابن مسعود الذي أثنى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعله من أهل الجنة بنص حديثه صلوات ربي وسلامه عليه ثم بعد ذلك يقول مثل هذا الكلام. أخبتوا إلى ربهم. / تعال بعد ذلك كيف نجعل هذه السورة حياة :
انظر إلى الآية التي تليها مباشرة الله عز وجل يقول (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) [2] مثل الفريقين عندنا فريقان واحد أصم ، وواحد سميع ، وواحد أعمى وواحد بصير فيقول الله (كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) أذكر مرة كان عندنا جاران واحد منهما دائم في المسجد ويقرأ القرآن في ليله ونهاره يعني يمكن أكثر من ست ساعات في اليوم في المسجد ، آخر أعطاه الله مالاً واسعاً ولكنه لا يكاد يصلي في المسجد أبداً ، فجاء والد هذا الذي عاكف في المسجد يقول لذلك الآخر عن والده -ماشاء الله- أبوك الله موسع عليه ، أبوك ماشاء الله أخلاقه عالية، وعنده ذوق وعباراته حلوة لمَّا تسلم على الناس، فبدأ يثني على هذا الأب الذي لا يصلي ولكنه موسع عليه في دنياه ، يالله ما أنسى كلمة ذاك الآخر يرد عليه قال له : يافلان بل والله أنت الذي ياحظك أبوك أبوك حمامة المسجد هذا هو الذي والله تُغْبطون عليه هل يستويان مثلاً لا وربي (أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) .
تريد أن تتعجب وأنت تقرأ في سورة النحل وتحاول أن تجعلها حياة لك تعال إلى آخر السورة وأنت تقرأ في آياتها تقرأ ستأتي في الأخير وإذ بالله -عز وجل- يقول لك ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ* إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) سبحان الله نتكلم عن النِعم فلِمَ يأتي الأمر بالصبر؟ بل إن قبلها (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ) لماذا جاء الكلام عن الصبر؟! أتذكر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- : (وما أُعطي أحدٌ عطاءً أوسع وأفضل من الصبر) هذا هو، خُتمت سورة النحل بالأمر بالصبر وببيان فضل الصبر لأنه لا يُعطى أحد من الناس مهما كان من شيء أعظم من أن يكون صابراً ، سبحان الله الصابر لمَّا يذكر أن هذه نعمة أنه يصبر نعمة من الله عز وجل يعيش حياته في صبر وهذا الصبر يُطيب الأمور ويُهون الصعاب في كل شؤون حياته ، بعض الناس يقول لك والله أنا مُصاب بمصيبة كذا ، يعني بعض الزوجات تتصل زوجها وزوجها وزوجها وتشتم والزوج يشتكي من زوجته والأب يشتكي من ولده والابن يشتكي من أبيه والجار يشتكي من جاره والمدير يشتكي من موظفه والموظف من مديره ، وخذ ما شئت من شكاوى الناس -سبحان الله- لو أنَّا جعلنا هذه الآية آية النِعم في سورة النحل جعلناها نصب أعيُننا طابت حياتنا بالصبر، والله ما في أجمل ولا أحلى ولا ألذ من حلاوة الصابر ، يصبر كل ما جاءه شي صبر عليه ، ثم جاء دواء الصبر هذا قلب كل مرارة إلى حلاوة ، وكل إشكالٍ إلى نِعمة ، ولذلك جاء الأمر بالصبر .
كن صابراً أخي الحبيب ، كن صابراً في كل ما يعترضك من أمورك كلها أياً كانت هذه الأمور حصل لك ماحصل ، حادث سيارة -لا قدر الله- ، خسرت شيئاً من مالك في تجارة ، ولدك مريض ، بيتك -لا قدر الله- احترق أيَّا ما حصل لك (اصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ) إن أخذت هذه النِعمة وجعلتها ديدناً وخُلقاً لك طابت وربي حياتك .
------------------------
1- سورة هود (23)
2- سورة هود (24)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق