الاثنين، 25 يوليو 2011

الوقفة الثالثة من جـ 5 / تتمة الوقفة الثانية


انتهينا في الوقفة التي سلفت إلى قول الله - جل وعلا - ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ) ثم قال ربنا ( وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ) هذا من الإجمال الذي فصلته السُّنة لأن الله - جل وعلا - لم يذكر هنا كمية أو مقدار الدية وإنما جاء مقدار الدية مُبينا في السُّنة بأنها مائة من الإبل .
/(وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ) أهل المقتول ( إلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ ) أي يعفوا ، إذا يترتب على هذا كإجمال فقهي : أن المؤمن لو قُدر أنه قتل مؤمنا خطأ يقع عليه حق لله وحق لأولياء الدم ، فأما حق الله فيتمثل في تحرير رقبة فهذه إن عجز عنها فينتقل إلى ما بعدها كما جاء في ختام الآية ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) فحق لله يبدأ بتحرير رقبة ، إن عجز ينتقل إلى صيام شهرين متتابعين ، وأما حق أولياء الدم فإنه الدية ولهم حق أن يتنازلوا عنها ولا يقع حق للمقتول , لماذا لا يوجد حق للمقتول ؟ لأنه لم يقصد قتله .
قال أصدق القائلين بعدها (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) هنا زاد الأمر اثنان ، في قتل الخطأ هناك حق لأولياء الدم وحق لله ولا يوجد إثم لكن في قتل العمد يوجد إثم ويوجد حق للمقتول وينقص بواحد أنه لا يوجد حق لله غير الإثم . حق الله في قتل الخطأ تحرير الرقبة لكن في قتل العمد لا يوجد تحرير رقبة فمن هذا الوجه سقط حق الله لكن في قتل الخطأ لا يوجد إثم وفي قتل العمد يوجد إثم ، في قتل الخطأ لا يوجد حق للمقتول لكن في قتل العمد يوجد حق للمقتول وفي كلا الحالين يوجد حق لأولياء الدم । فلو أحدا من النا س - عياذا بالله - قتل أحدا عمدا فجاء أولياء الدم وطالبوا بالقصاص فإن قتل القاتل الذي قتل أولا لإنما نجم عنه أنه سقط حق أولياء الدم ، وحق الله الصواب أنه لا يشقط إلا بالتوبة ، بقي حق المقتول لأن المقتول الذي قُتل عمدا لم يستفد شيئا من قتل صاحبه ولم يستفد شيئا من الدية لو أولياء الدم أخذوا دية ولم يستفد شيئا لو أنهم عفو فيأخذ بعنق هذا الذي قتله يوم القيامة ويقول أي رب سل هذا فيم قتلني وهذا يُبيّن لك حُرمة الدماء عند الله .
/ قال ربنا
( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ )قول الله (خَالِدًا فِيهَا ) مُشعر اول الأمر أن هذا يخلد في النار لكن هذا الخلود خلود غير أبدي على الصحيح لأن القرآن لا يمكن أن يُعارض بعضه بعضا وإنما الصواب أن الاية تجري مجرى الزجر والوعيد وإن الله - جل وعلا - يقول (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) فما دام لم يستحِلّ دم أخيه فإنه يقع تحت دائرة التوبة ، تحت دائرة مشيئة الرب تبارك وتعالى إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وإن عُذب لا يخلُد في النار لكن في تقديم مثل هذا أن يُقال إلا فقهيا وإلا قال - صلى الله عليه وسلم - ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دما حراما ) وهذا كله يدلّ على أن المسلم يجب عليه أن يتقي الله تعالى في دماء المسلمين ( إن دماءكم واموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ) .
ماالذي يدفع القاتل لأن يقتل ؟ هذه أسئلة يجب أن يقرأها الناس بوعي حتى يفِرّ الإنسان من القتل ، منها : حسده لأخيه وهذا وقع لقابيل مع هابيل ، وبعضها حب العلو والاستكبار في الأرض وهذا يقع ممن آتاهم الله سلطة وقدرة - نسأل الله العافية - ويقع من تلوث الفكر ، من أن الإنسان أحيانا يقتنع بأمور غير صحيحة فيظنها صوابا فيقتل من أجلها . عبد الرحمن بن مُلجم المرادي كان رجلا عابدا حتى قيل إن أثر السجود كان في جبهته فأراد أن يتزوج امرأة يُقال لها قطام فقبِلت واشترطت عليه مهرا قالت مهري أن تقتل علي بن أبي طالب وأقنعته أن قتل علي قُربة إلى الله - جلّ وعلا - فقتل عليا . ويقولون تاريخيا إنه لما ضرب عبد الرحمن عليا - رضي الله عنه - لم تسقط رقبة علي ، أي فُصلت لكنها لم تسقط فحُمل إلى بيته فأراد بعض أهله ألاّ يشتم ابن ملجم بمقتل علي فقال إنه لا بأس على أمير المؤمنين أي لم تضره الضربة فضحك وقال : على من تبكي أم كلثوم أعليّ ! وأم كلثوم هي ابنة علي وقد ابتليت بصلاة الفجر فعلي زوّجها لعمر بمهر قدره أربعين ألفا وهي في بيتها جاءها الناس بعمر مقتول ، مطعون في صلاة الفجر فمات زوجها الذي هو عمر - رضي الله عنه وأرضاه - فبقيت في بيت أبيها علي فلما ذهب علي إلى الكوفة ذهبت معه فخرج علي في صلاة الفجر ثم عادوا إليها بأبيها مقتول وقت صلاة الفجر ، فكانت تقول : سبحان الله ، ما لي ولصلاة الفجر . هذا ابن ملجم يقول : على من تبكي أم كلثوم أعليّ لأن كان متأكدا من قوة ضربته ، فقال : إني اشتريت سيفي هذا بكذا وكذا ووضعته في إناء فيه سُمّ حتى لفظ السُّم ثم إني سألت الله - وهذا من ضلال عقله - سألت الله أربعين صباحا أن يقتل به شر خلقه . وهو يظن أنه مستجاب الدعوة ، وهو فعلا مستجاب الدعوة في هذا فقُتل بسيفه نفسه وهو شر الخلق ، قال - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الصحيح لما ذكر الناس قال ( أشقى الأولين أُحيمر ثمود عاقر الناقة وأشقى الآخرين - وأشار إلى علي - من يفصل هذه عن هذه ) فوقع من عبد الرحمن بن ملجم هذا أنه قتل عليا .
موضع الشاهد نحن نتكلم عن أسباب القتل العمد الحسد والعلو والاستكبار وضلال الفكر وغلبة الغضب والإسراف في المِزاح .
من هذا كله يُفهم أن الإنسان ينبغي عليه أن يستعيذ بالله من مثل هذه الأمور وأن يُعظم حرمات ودماء وأموال المسلمين وأن يستذكر دوما قول الله ( (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) .
حفظنا الله وإياكم من كل سوء والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق