الأحد، 31 يوليو 2011

تفسير سورة النساء (١٩- ٢٨) من دورة الأترجة


د. محمد بن عبدالعزيز الخضيري



(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً (22))

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثييرً أ ،،
أما بعد ،،،
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا وارزقنا علمًا ينفعنا ، اللهم لاسهل إلا ماجعلته سهلًا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلًا ، اللهم اجعلنا جميعًا من أهل القرآن الذين هم هلك وخاصتك ، وانفعنا بهذا الكتاب العظيم ، واجعلنا ممن ينال شفاعة القرآن وينتفع به في الدنيا والآخرة .
هذا هو المجلس الثالث من مجالس تفسير سورة النساء ونستفتح هذا المجلس بهذه الآية وهي قول الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا) هذه الآية فيها قطع العادة الجاهلية التى كانت معروفة عند العرب وفيها إهانة للمرأة أيما إهانة حيث تُسلب منها إرادتها واختيارها فكان من عادة العرب إذا مات الرجل جاء أولياؤه فوضعوا أيديهم على المرأة جاء وليه أبوه أو أخوه أو غيره ووضع يده على المرأة فكأنه يرثها يعني إما أن يتزوجها هو بغير اختيارها أو يزوجها لمن يشاء أو لا تتزوج بأحد حتى تعطيه ما يشاء فسمى الله ـ عز وجل ـ ذلك ( إرثًا) لأنه تصرف في المرأة بغير حق كأنه تؤخذ المرأة كما يؤخذ سائر مال الميت. قال (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ) ولما قال (كَرْهًا) فيه الدلالة على أنه لو كان بغير كره فإنه جائز، فلو قال أخو الميت إني أريدك يا فلانة لنفسي وكان ذلك برضى منها فقبلت فإن ذلك جائز.
قال (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) العضل: بمعنى المنع أي لا تمنعوا النساء من حقهن من أجل أن تستردوا منهن شيئًا من المال الذي آتيتموهن في المهر، فالرجل تكون له المرأة فلا يحبها ولكنه قد دفع عليها مالًا فهو لا يريد أن يطلقها حتى ترد هذا المال إليه فهو يعضُلها بمعنى يدعها عنده لا معلقة ولا مطلقة، لا هي في عصمته فتنال حقوقها ولا هي مطلقة فتبحث عن زوج آخر ليضطرها إلى أن تفتدي منه بأن تدفع حقه أو بعض حقه، قال (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ)

وهذا يشمل جميع أنواع العضل حتى عضل الرجل لابنته مثل أن يمنع ابنته من الزواج من أجل أن يحصل على مال من ورائها لأنها مدرِّسة أو موظفة أو غير ذلك، أو من أجل أن يستفيد من مال الزوج الذي يأتي فهو لا يقبل إلا زوجًا يدفع أعلى ما يريد من المهر ليستفيد منه وينتفع به، أيضًا يدخل في عموم هذه الآية.قال (لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) إلا في حالة واحدة وهو (أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) يعني إذا كانت لأحدكم امرأة فجاءت بفاحشة مبينة والفاحشة المبينة هي: الزنا أو التعدي على الزوج بسوء الخلق وبذاءة اللسان والتعدي على أهله فإنه في هذه الحالة من حقه أن يعضلها حتى تفتدي منه بمال لكي تفك نفسها جزاء لها على سوء خلقها أو على ما فعلته من الزنا القبيح في حق زوجها وحق نفسها وحق ربها قبل ذلك، قال (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) بعد أن نهى عن هذه الأفعال القبيحة مع النساء أمر بضد ذلك قال (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) والمعاشرة بالمعروف يعني أن تكون معاشرة بالأخلاق الطيبة والمعاملة الحسنة ونسيان الهفوات وتجاوز الضعف الذي تعيشه المرأة وأن لا يؤاخذها الإنسان على كل خطيئة أو خطأ وأن لا يدقق معها في النفقة عليها أو في محاسبتها في تصرفاتها بل يعاشرها الإنسان بالمعروف كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "فإن استمتعت بها استمتعت بها على عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها"[1] قال (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وهذا فيه الاحتكام إلى العُرْف لأن المعروف يختلف في كل زمان وفي كل مكان بحسبه. يعني لا يأتي واحد منا الآن إذا طلبت منه زوجته أن يضع لها مكيفًا في البيت فيقول لها أمي وجدتي وجداتي وجداتك كلهم ما كان عندهم مكيفات لماذا تطالبين بواحد؟! والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزوجاته وأمهات المؤمنين ما كان عندهم مكيفات! كيف تطالبيني بهذا؟! نقول له لا، بل هذا الآن في هذا الوقت في هذه البلاد واجب عليك لكن في بلاد أخرى إذا لم يكن فيها كهرباء ولم يكن معروفًا عندهم فليس واجبًا عليه. قال (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) هذه الآية ينبغي أن يكتبها كل زوج في البيت ويجعلها نبراسًا له إن كرهت زوجتك أو كرهت شيئًا من أخلاقها فعسى أن يكون هذا الذي كرهته في زوجتك من أخلاقها أو كراهيتك لزوجتك أن يجعله الله سببًا لخير كثير تحصِّله في الدنيا أو في الآخرة، كيف؟!أولًا: بطاعتك لله عندما صبرت وقبلت وصية الله بالصبر عليها.

ثانيًا: لأنك تجاهد نفسك على التخلّق بالأخلاق الحسنة.
ثالثًا: ربما تزول هذه الكراهية ، أنت تزوجت امرأة واكتشفت بعد يوم أو يومين أنك لا تقبلها ولا تحبها فصبرت امتثالًا لأمر الله فيجازيك الله بأن يبدل الله هذه الكراهة محبّة.
وأذكر في هذا الباب قصة حدثني بها رجل أعرفه عن ابني خاله وخالته تزوجا فيقول لما دخل بها جاء من الصباح ذهب إلى أبيه فقال يا أبي هذه المرأة لا يمكن أن أعود إليها قال يا ابني كيف لا تعود إليها؟ قال لا أحبها ، والله ما وجدت فيها شيئً أرفع إليه بصري وأنا استميحك العذر لا أرغب أن أدخل على هذه المرأة الموت ولا المرأة، فقال الأب يا ابني استرنا واستر أهل هذه المرأة لو طلقتها الآن لظن الناس بك أو بها سوءًا، إصبر عليها بعد سنة أنا أزوجك من مالي لا تدفع ريالا واحدًا قال أما إذا كان كذلك فأنا راضي فبقيت معه المرأة حتى ماتت .
قال (وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) قال ابن عباس " ربما رزقت منها ولدًا لا ترزقه من غيرها " وهذا رؤي ، يقولون في النساء المرأة التي في خلقها سوء دائمًأ تكون مُنجِبة يعني بالنجيب من الأولاد.
قال الله - عز وجل - (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ) الآن ذكر قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) ثم قال (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ) إصبروا ولكن إن لم تصبروا وأردتم أن تستبدلوا زوجًا مكان زوج آخر وآتيتم الأولى قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا يعني متى أردتم أن تستبدلوا امرأة بأخرى ، يعني تطلقوا الأولى فتأتوا بأخرى مكانها فإياكم أن تأخذوا من مهر الأولى شيئًا ولو كان ذلك الشيء قنطارًا (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) يعني مالًا كثيرًا، لا يقول أنا أعطيتها أكثر مما يعطى النساء فمن حقي أن أرجع بشيء مما أعطيتها فيقال لا، كل شيء أعطيتها إياه فقد أخذته هي بحقه لأنك قد استمتعت بها। هذا الاستمتاع هوبذل للمنفعة مقابل المهر والأجرة. قال (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا) قال العلماء فيه الدلالة على أن المهر الكثير جائز لأن الله قال (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) لكنه ليس هو الأولى وخصوصًا إذا تضمن كثرة المهر فسادًا بحيث يضر ذلك ببنات الناس فتصيبهن العنوسة أو يشق ذلك على الفقراء من الشباب فلا يستطيعون الزواج فيحصل الفساد فلذلك يستحب الإقلال فيه قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أكثرهن بركة أيسرهن مؤونة).[2] قال (فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا) كلمة (شيئًا) نكرة في سياق النهي فتدل على العموم يعني لا تأخذوا منه أي شيء ولو قلّ. قال (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) إذا أخذتموه فقد أخذتموه على وجه الظلم والإثم لأنك دخلت بهذه المرأة واستمتعت بها وأخذت المنفعة التي دفعت من أجلها المهر فبأي حق تسترده؟! ولذلك قال مستنكرًا (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) الإفضاء بالجماع يعني وصلت إليها أو وصلت من امرأتك إلى شيء لا يصل إليه أحد لا أبوها ولا أمها ولا أحد من أهلها (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) سمى عقد النكاح الميثاق الغليظ ليؤكده وليس في العقود شيء أعظم من عقد النكاح، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج)[3] فأعظم العقود التي يجب الوفاء بها هو عقد النكاح ولذلك على الإنسان إذا أراد أن يدخل عقد النكاح أن يدخل صادقًا وأن يوطن نفسه على الوفاء بما عاهد عليه المرأة نسأل الله أن يجعلنا كذلك.
قال (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) هذه أول المحرمات الخمسة عشر التي ستأتي معنا في الآيات، ثلاث آيات ذكر فيها المحرمات من النساء بدأها بهذه الآية وهي قوله (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) لا تنكحوا النكاح في القرآن يطلق على العقد وليس على الوطء، على العقد غالبًا إلا في قوله تعالى في سورة البقرة (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (230)) النكاح هنا بمعنى الوطء بدلالة السُنّة. واختلف في سورة النور في قول الله (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ (3)) هل المراد لا ينكح لا يطأ أو لا ينكح لا يعقد لا يتزوج إلا على زانية أو مشركة والصحيح الذي يبدو لي أنها جارية على مقتضى هذه اللفظة في القرآن وأن النكاح في آية النور المراد به العقد يعني الزاني لا يحل له أن يعقد على زانية مثله أو مشركة بل يعقد على عفيفة وهذا قبل أن ينسخ نكاح المشركات والزانية لا ينكحها إلا زاني مثلها أو مشرك وبذلك حرم على الإنسان أن ينكح امرأة زانية وتدل الآيات التي معنا بعد قليل على وجوب قصد العفيفة المحصنة (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) فلا يحل نكاح المرأة التي تعلن الزنا أو التي لم تتب من زناها. قال (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً) فاحشة أي متناهي في القبح يدل العقل غير الشرع على قبحه كيف تأتي على فرج قد ورد عليه أبوك فتنكحه؟! هذا لا يليق ولا يحسن। و(مقتًا) لأنه يورث المقت لأنه ما من زوج يأتي على امرأة إلا وهو في نفسه شيء من الزوج الذي قبل خصوصًأ إذا ذكرته المرأة فلان كان لا يقصِّر، فلان كان يفعل، فلان كان يعطيني فيورثه ذلك بُغض الأول، فكيف يقع هذا بين ابن وأبيه؟! قال (وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً) أي ساء طريقًا تسلكونه في قضاء شهوتكم والوصول إلى حاجتكم، هذا رقم واحد.

ثم بدأ بالمحرمات من النسب فقال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) بدأ بالأم كما أنه بدأ بمنكوحة الأب قبل قليل، في المحرّمات بالصهر بدأ بمنكوحة الأب وفي المحرمات بالنسب بدأ بالأم تعظيمًا لحقها ولأن هذا من أعظم القبائح وأشنع الخصال والأفعال وإن كان الآن يجري والعياذ بالله في الدول الغربية التي انفلتت من الأخلاق وانسلخت حتى أصبحت أشر من البهائم نسأل الله العافية والسلامة فنكاح المحارم شائع نعوذ بالله أن ندرك ذلك أو يًرى ذلك في مجتمعاتنا أو في بلاد المسلمين .
قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) والمقصود بالأم أمك وأم أبيك وأم أمك وأم أم أمك وأم أبي أبيك وأم أم أبيك يعني كل أم لك ليس المقصود أمك وحدك بل كل أم ؟؟ وكذلك قوله (وَبَنَاتُكُمْ) بناتكم مقصود بها كل بنت خرجت منك بنتك وبنت ابنك وبنت بنتك وبنت ابن ابنك وبنت بنت بنتك وبنت ابن بنتك كل من نتج منك فإنه لا يحلّ لك.
(وَأَخَوَاتُكُمْ) أختك لأبيك وأختك لأمك وأختك لأبيك وأمك. (وَعَمَّاتُكُمْ) عمتك أخت أبيك وعمة أبيك وعمة جدك وعمة أمك وعمة جدتك من أمك إلى آخره وإن علوا.
(وَخَالاَتُكُمْ) خالتك، أخت أمك وخالتك خالة أبيك وخالة جدك وجدتك وجدك من أمك وجدك لأبيك كل من كانت خالة لك أو لأصولك فهي خالة لك. (وَبَنَاتُ الأَخِ) بنت أخيك وبنت ابنه وبنت بنته وإن نزل (وَبَنَاتُ الأُخْتِ) بنت أختك وبنت بنتها وبنت ابنها وبنت ابن ابنتها إلى آخره.
(وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ) إنتهى من المحرمات بالنسب وهن سبع وبدأ بالمحرمات من الرضاع وهن اثنتان ذكر في القرآن اثنتين قال (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ) الأم والأخت ولما أثبت الأم لأنها هي المرضعة عرفنا أنه ثبت للأب الحق لأنه هو صاحب اللبن لصاحب اللبن الحق فصار أبًا. ثم المحرمية تنتشر فيه إذا صار هذا أم وهذا أب فإخوان الأب أعمام له وإخوان الأم وأخواتها أخوال له وأبناؤهم إخوان له وهكذا فالمحرمية تنتشر في المرضِع والمرضِعة وأصولهم وفروعهم وحواشيهم. أما المرتضع الذي رضع اللبن فلا تنتشر المحرمية إلا فيه وفي فروعه فقط أما أبوه وأمه فلا شيء عليهم , ولذلك يجوز لأخيك نسبًا أن يتزوج أختك رضاعة .
قال (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ) إنتهى من المحرمات بالرضاع ثم جاء إلى المحرمات بالصهر وهن أربع:
(حلائل الآباء) وقد ذكرن أولًا (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) وحلائل الأبناء كما سيأتي بعد قليل، وأمهات الزوجات وهنا ذكرهن (وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) أم زوجتك وأم أمها وأم أبيها وأم أبي أبيها وأم أم أمها وأم أبي أمها كل هؤلاء الأمهات يعتبرون حرامًا عليك بمجرد العقد.
(وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ) من هي الربيبة؟
الربيبة بنت الزوجة سميت ربيبة لأنها في العادة تتربى عند الزوج ولذلك قال (اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم) لا يقصد أنها إن كانت في حجرك فإنها محرمة عليك وإذا تربت عند أبيها فإنها غير محرمة عليك ولكن هذا كما يقولون خرج لبيان الغالب، الغالب أن البنت تتربى عند أمها فتكون في حضانة زوج أمها أو في بيت زوج أمها. قال (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ) قلنا اللآتي في حجوركم لا مفهوم له ما له مفهوم لا يقول أحدهم هذه بنت زوجتي ما تربت عندي فيحل لي أن أتزوجها،لا، بدليل قوله (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) ولم يقل فإن لم يكن في حجوركم أو لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم فدل ذلك على أن قوله (اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم) لا يراد بها مفهومها وأن هذا جاء لبيان الغالب. قال (مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) كل المحرمات بالصهر يحرمن عليك بمجرد العقد إلا الربيبة بنت الزوجة ما تحرم عليك إلا إذا عقدت على أمها ثم دخلت بأمها ، لكن لو عقدت على أمها ثم فكرت وقلت يا فلانة أنا أريد ابنتك فقالت لا مانع لدي من أن تتزوج ابنتي أو ماقالت لامانع المهم أنك طلقها ثم عقدت على ابنتها جاز لك ذلك ما لم تكن دخلت بالأم فإذا دخلت بالأم حرمت عليك البنت وصارت من محارمك.
(وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ) هذه هي المرأة الأخيرة المحرمات بالصهر فصار المحرمات بالصهر أربعة: حليلة الأب، أم الزوجة، بنت الزوجة وآخر واحدة حليلة الإبن أي زوجة الإبن .
قال (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) الآن جاء إلى المحرمات بالجمع وذكر في القرآن واحدة وفي السنة اثنتين، أما التي ذكرت في القرآن فهي (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) فلا يحل لإنسان أن يجمع في عصمته بين أختين فإذا أراد أن يتزوج امرأة ثم أراد أن يتزوج أختها فلا بد أن يطلق الأولى وتنتهي من عدتها لأنها ما دامت في عدتها فهي زوجة له، فإذا انتهت من عدتها جاز له أن يتزوج من أختها، ولهذا يقال هل على الرجل عدة؟ يقال نعم إذا طلق امرأة وأراد أن يتزوج أختها يعتد حتى تنتهي امرأته من العدة ثم يتقدم إلى أختها فيتزوجها . قال (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) وفي السنة نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها. قال (إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) أي في الجاهلية (إنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) ثم ذكر المحرمة الخامسة عشر وهي قوله (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء) المحصنات يعني المتزوجات فكل امرأة في عصمة رجل لا يحل لإنسان أن ينكحها ولذلك لو أن امرأة فُقد زوجها لا يُدرى أين هو ومضى سنة سنتين أو ثلاث فأراد أن يتقدم ليخطبها لا يجوز له ذلك لأنها ذات زوج حتى يُقضى عند القاضي بأن زوجها قد مات فتعتد عدة الوفاة ثم تحل للأزواج.
قال (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء) كلمة المحصنات، كلمة الإحصان في القرآن تطلق على ثلاث معاني كلها وردت في هذه الصفحة التي بين أيديكم: المحصنات بمعنى المتزوجات كما في هذه الاية والمحصنات بمعنى العفيفات والمحصنات بمعنى الحرائر والحرة ضد الأمَة .
هنا (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء) أي المتزوجات من النساء وفي الآية التي بعد ثم قال الله - عز وجل - (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) المحصنات هنا بمعنى الحرائر من لم يستطع أن ينكح الحرة فله أن يتزوج من الأمة.
ثم قال في نفس الآية (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ) محصنات هنا يعني عفيفات فجاءت محصنات في نفس الصفحة بثلاث معاني متزوجات، حرائر، عفيفات، وهذا ما يسمى عند العلماء بالوجوه والنظائر أو الأشباه والنظائر، هذه الكلمة لها ثلاثة وجوه: الزواج والعفة والحرية ولها نظائر يعني كل واحدة من هذه المعاني الثلاثة له نظائر في القرآن فيسمى علم الوجوه والنظائر .
قال الله - عز وجل - (إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) يعني يباح لكم أن تنكحوا من كانت ذات زوج إذا وقعت في السبي عندكم فلو قاتلنا اليهود فوقعت امرأة في السبي وهي ذات زوج تستبرئ بحيضة ثم يحل لك أن تنكحها. قال (إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) فهذه الحالة الوحيدة التي يحل فيها نكاح من كانت ذات زوج وهي أن تصل إليك بملك اليمين وليس المقصود أن تكون بملك اليمين قد تزوجت زوجها سيدها برجل ثم أنت انتقل ملكها إليك فتتزوجها أو تنكحها فلا يحل لك، ما دامت ذات زوج وهي مملوكة فلا تحل لك। المقصود لو كانت كافرة وهي ذات زوج ثم وقعت في يدك أسيرة من السبايا جاز لك أن تنكحها بعد أن تستبرئها بحيضة .
قال (كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ) أي إلزموا كتاب الله الذي أوجبه عليكم. ثم قال (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ) صار معنا خمس عشرة امرأة محرمة بدأنا بمنكوحة الأب وانتهينا بالمحصنات من النساء. (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ) غير هؤلاء أحل لك أن تنكحها (أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ) أي طالبين العفاف لكم ولمن تتزوجون بهن . (غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) السفاح هو الزنا وهو ضد النكاح. (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) أوجب الله للمرأة المهر مقابل الاستمتاع ولذلك هذه المرأة متى ما نكحها الرجل دخل بها وجب لها المهر كاملًا ولو لم يسلمها شيئًا لو أن رجلًأ عقد على امرأة على مهر مقداره أربعون ألفًا ثم مات قبل أن يدخل بها لها المهر بالعقد ولها التركة لأنها صارت زوجة وعليها العدة أن تحاد عليه أربعة أشهر وعشرًا، هو لم يدخل بها وجب لها المهر بالعقد لأنه مات لكن لو طلقها قبل الدخول إن كان سمى لها مهرًا فلها نصف المسمى وإن لم يسمي لها مهرًا فـ (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) البقرة) كما قال تعالى في سورة البقرة (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ (237)) .

قال (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) يعني إن نقصت المرأة عن حقها وعفت عن شيء من مهرها فلا جناح عليكم وإن زدت أنت على المهر الذي قدرته لنفسك أو تراضيت به مع المرأة فلا شيء عليك. قال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) .


ثم قال - جل وعلا - (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً) الطول: يعني مهر فسمي المهر صداقًا وسمي نحلة وسمي أجرًا وسمي في القرآن طولًا. (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم) من لم يستطع نكاح الحرة جاز له أن ينكح الأمة، يتزوجها فتصير زوجة له وأمًأ لأولاده وليس يتسرى بها لأن التسري ليس زواجًا أن يكون لك ملك يمين تتسرى بها بمعنى يجوز لك أن تطأها وتنكحها وسمي تسريًا لأن الإنسان يفعله سرًا. لكن أنا لا أستطيع طول الحرة لأن طولها أربعون ألفًا لكن الأمة يمكن أن أجد إنسانًا عنده أمة فأقول زوجني إياها فيزوجني إياها بعشرة آلآف وأنا ما عندي إلا عشرة آلآف، يقول الله يجوز لك إذا لم تستطع نكاح الحرة أن تتزوج أمة، لماذا لا يجوز إلا إذا لم تجد طول الحرة؟ لأنك إذا تزوجت الأمة كانت العاقبة وخيمة على أولادك وهي أن أولادك يتبعون أمهم في الحرية والرق فإذا نتج لك أولاد فهم أرقاء عند سيد تلك الأمة فلئلا يكون أولادك عبيدًا عند ذلك الرجل إياك أن تتزوج أمة إلا في حال الضرورة وقد اشترط الله لزواج الأمة أربعة شروط: 

الشرط الأول أن لا يستطيع طول الحرة . والشرط الثاني أن يخشى العنت وهو الزنا . الشرط الثالث أن يكن مؤمنات . والشرط الرابع أن يكن عفيفات وسنأتي إليها.
قال (مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) قال المؤمنات والإيمان لا يدرك لأننا نعلم الإسلام والإيمان لا نعلمه، قال (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ) لكن عليكم بالظاهر. (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) يعني لا يحل لكم أن تنكحوهن بالاتفاق معهن. (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سمى الآن المهر أجرًا (بالمعروف). (مُحْصَنَاتٍ) يشترط في الأمة أن تكون عفيفة (غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ) يعني غير معلنات بالزنا فالسفاح هو إعلان الزنا،(وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) أي لهن أصدقاء يفعلن الفاحشة معهن في السر، قال (فَإِذَا أُحْصِنَّ) فإذا تزوجن (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) إذا تزوجت الأمة فوقعت في الزنا نسأل الله العافية فعليها نصف الحد الذي على الحرة، على الحرة مائة جلدة والأمة عليها خمسون جلدة، ولما قال نصف عرفنا أنه لا يكون الحد إلا في شيء يتنصف الرجم لا يتنصف هل يمكن أن نرمي أعلاها دون أن نرمي أسفلها؟! لا، هل يمكن أن نرجمها بسبعين حجارة بدل مائة وأربعين؟! لا. فاقتصر على ما يتنصف وهو الجَلْد وأما التغريب فإنه لا يمكن لأن للسيد فيه حقًا. قال الله (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) العنت يعني الزنا. فالشروط أربعة ألا يجد مهر الحرة وأن يخشى العنت وهو الوقوع في الزنا وأن يكن مؤمنات وأن يكن عفيفات. (وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ثم قال الله - عز وجل - (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) شرائع الهدى (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) هذا ما يريده الله إرادة شرعية، يريد الله لكم البيان والوضوح وأن تظهر لكم الأحكام فلا تقعوا فيما حرّم أو تقعوا في شيء فيه ضرر عليكم (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) وهم من سبقوكم من الأنبياء (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) الله يريد أن يتوب عليكم. (وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أكدها ليعطف عليها شيئًأ يغايرها وهو أن الذي يتبعون الشهوات يريدون شيئًا آخر وهو أن نقع في أوحال الرذيلة وننحرف عن الفضيلة. (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ) ليس أي ميل وإنما (مَيْلاً عَظِيمًا) فهؤلاء الذين يدعوننا الآن إلى الاختلاط والتبرج وقيادة المرأة وغيرها والله لا يريدون حقوق المرأة ولا الانتصار للمرأة! أين هم عن اليتيمات وأين هم عن المطلقات وأين هم عن العوانس وقد بلغ عدد العوانس في المملكة ما يقارب المليونين !! ما رأينا واحدًا منهم يطالب بحقوقهن ولا أن تحل مشكلتهن لكنهم يبحثون عما يميل به المجتمع عن درب الفضيلة. ولا يريدون الميل الخفيّ، نحن الآن في ميل، ادخلوا الأسواق لتروا الميل ولكن هذا الميل لا يرضيهم لا يريدون إلا ميلًا عظيمًا مجانبًا تمام المجانبة للجادة التي وضعها الله لعباده وارتضاها لهم. (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ) بهذه الشرائع وهذه الأحكام (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) فعليه أن لا يتعرض للفتن لأنه ضعيف ولذلك سُئل سفيان بن عيينة قيل له ما ضعفه؟ أي ما ضعف الرجل؟ قال المرأة تمر بالرجل فلا يملك نفسه عن النظر إليها ولا هو ينتفع بها. صحيح، كم من امرأة نظرت إليها؟ عشرات ومئات! وأنت تعلم أنك لا تستطيع أن تنالها ولا أن تحصل منها على شيء وتعلم أن هذا محرم لكن نفسك تدعوك لأن تنظر وتؤنب نفسك على هذا فهذا من الضعف (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) وإذا علم الإنسان أنه ضعيف عليه أن يتقي الله فلا يرد الموارد التي يخشى منها على نفسه الفتنة .
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم وأن يجعل هذا المجلس شاهدًا لنا لا شاهدًا علينا وأن يبارك لنا فيه وأن يجعلنا جميعًا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
إن شاء الله موعدنا بعد صلاة العصر في جلستين كل واحدة منها أربعون دقيقة بإذن الله .
---------------------------------
[١] باب الْوَصِيَّةِ بِالنِّسَاءِ. صحيح البخاري 
[٢] السنن الكبرى باب بركة المرأة 
[٣] باب الشروط في المهر عند عقدةالنكاح صحيح البخاري 

- مصدر التفريغ / ملتقى أهل التفسير / بتصرف يسير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق